الفيزياء

تفسير حدوث ظاهرة “التقزح”

1997 عجائب الضوء والمادة تجريباً وتأويلاً

KFAS

الفيزياء

أريد الآن أن أنهي هذه المحاضرة الأولى بالكلام عن ألوان فقاعة الصابون، أو بالأحرى عن الألوان التي ترونها على سطح حومة ماء مُلوَّث بزيت سيارة ، حيث من المفروض أن لا نرى سوى بقعة بُنِّية على خلفية موحلة، في حين أننا نرى أشكالاً جميلة ملونة.

والواقع أن الغشاء الزيتي الرقيق الممتد على وجه الماء يقوم مقام صفيحتنا الزجاجية الرقيقة. فهذا الغشاء يعكس نسبة معينة من كل ضوء يسقط عليه؛ وهذه النسبة تتفاوت، بحسب ثخن الغشاء، بين الصفر وقيمة عظمى.

فإذا وجهنا ضوءاً أحمر صافياً على سطح الغشاء الزيتي نرى بقعاً حمراء تتشكل عليه مفصولة بعصابات سوداء ضيقة ( تتعلق إذن بنسبة انعكاس معدومة ) ؛ وهذا كله ناجم عن أن ثخن الغشاء ليس واحداً في كل مناطقه  .

وإذا أرسلنا ضوءاً أزرق صافياً على سطح الغشاء نرى بقعاً زرقاء مفصولة بعصابات ضيقة سوداء. فإذا أرسلنا الآن مزيجاً من الأحمر والأزرق نرى مناطق تعكس بغزارة الضوء الأحمر، وأخرى تعكس بغزارة الضوء الأزرق ، بحسب ثخن الغشاء عند نقطة الانعكاس؛ لكننا نرى أيضا مناطق تعكس الأحمر والأزرق معاً (فتعطي لوناً بنفسجياً) ، وأخرى ذات ثخن يطفئ انعكاس الأحمر والأزرق كليهما، فتبدو سوداء إذن .

ولفهم هذه الظاهرة بشكل أحسن يجب أن نعلم أن دورة نسبة الانعكاس ( بين الصفر و 16% ) تتكرر في حال الأزرق بأكثر مما تتكرر في حال الأحمر .

 

هذا لدرجة أن بعض الثخانات تعكس بغزارة إما الأحمر وإما الأزرق (وإما ، اتفاقاً ، الإثنين معاً)؛ ومن أجل قيم أخرى للثخن معينة تماماً ينعدم انعكاس أحد اللونين (أو كليهما ) (شكل 18) .

ولئن كانت وتيرة تكرار دورة الأزرق أكبر من وتيرة تكرار دورة الأحمر، فما ذلك إلا لأن عقرب المزمان المتعلق بالأزرق يدور بأسرع من عقرب المزمان المتعلق بالأحمر.

والحق أن هذا هو الفرق الوحيد بين فوتون أزرق وفوتون أحمر (أو بين فوتونين من لونين مختلفين، بما في ذلك الإشعاع السيني والراديوي): إن عقربيهما لا يدوران بسرعة واحدة.

إننا نشاهد إذن ، باستخدام مزيج من الضوء الأحمر والضوء الأزرق، مناطق حمراء وأخرى زرقاء وأخرى بنفسجية محفوفة بمناطق سوداء تفصل فيما بينها.

 

وعندما يسقط ضوء الشمس،  وهو يحوي نوراً فيه الأحمر والأصفر والأخضر والأزرق ، علىى حومة الماء المكسو بغشاء من الزيت،  فإن المناطق التي تعكس بغزارة كلا من هذه الألوان تتداخل بعضاً في بعض معطية بذلك تشكيلة غنية بمزائج الألوان التي تراها العين.

ولو تفشّت بقعة الزيت على سطح الماء لتغير تفاوت الثخانات بين شتى المناطق ، ولتغير معه توزع تشكيلة الألوان . ومن جهة أخرى لو نظرنا إلى هذه الحومة في الليل،  وهي مضاءة بأحد مصابيح الصوديوم ( الصفراء ) ، كتلك الموضوعة في أنفاق الطرق الكبرى، لا نشاهد سوى مناطق صفراء مفصولة بعصابات سوداء (إن لهذه المصابيح خاصية إصدار ضوء من لون واحد ).

إن هذه الظاهرة (الألوان الناجمة عن انعكاس جزئي للون الأبيض عن سطحين متواليين) معروف باسم التقزح irisation ونصادفها في ظروف كثيرة . فلربما كنتم قد تساءلتم من أين تأتي ألوان أجنحة الطيور الطنانة والطواويس . وها أنتم الآن تعرفون السبب .

 

ومن جهة أخرى قد يكون من المفيد أن تعرفوا أن هذه الألوان الرائعة  هي نتيجة عملية تطور . وعندما نستمتع اليوم بألوان الطواويس يجب أن نعترف بفضل كل تلك السلالات من الإناث ذات الريش الداكن التي برعت في اختيار أزواجها من الذكور. ( إن الإنسان لم يفعل،  بعدئذ، أكثر من تحسين الطرائق التي اختارتها الطواويس).

وإنني أنوي، في محاضرتي القادمة، أن أشرح لكم كيف نستطيع، بحجم تلك الأسهم الصغيرة، أن نحسب بشكل صحيح ظواهر أخرى مألوفة لديكم ، كانتشار الضوء في بخط مستقيم، وقانون الانعكاس ( زاوية الانعكاس تساوي زاوية الورود) وتجميع الضوء بوساطة العدسات، الخ . وسترون أننا نستطيع بتلك الطريقة تفسير كل ما تعرفونه عن الضوء.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى