الفيزياء

تفسير حدوث ظاهرة “إنعكاس الضوء الجزئي” عن سطح واحد

1997 عجائب الضوء والمادة تجريباً وتأويلاً

KFAS

إنعكاس الضوء الجزئي ظاهرة الانعكاس الفيزياء

سأشرح لكم الآن تجربة تدهشكم بنتيجتها . تتلخص هذه التجربة بإرسال فوتونات من لون واحد – ولنقل الأحمر – على قطعة من الزجاج .

الفوتونات صادرة عن المنبع s ، وأضع مضاعفا فوتونيا في A ( شكل 2 ) ، بحيث يلتقط الفوتونات التي عانت انعكاساً عن سطح الدخول إلى الزجاج .

ولكي أقيس عدد الفوتونات التي تتوغل في الزجاج أضع مضاعفاً فوتونياً آخر في B ضمن الزجاج .

لا تبالوا بالصعوبات التي نذللها لوضع هذا المضاعف الفوتوني ضمن الزجاج . ولكن إسألوا أنفسكم بالأحرى عن نتيجة هذه التجربة .

الواقع أن من بين كل 100 فوتون تصل عمودياً إلى سطح الزجاج ، لا ينعكس عنه نحو A سوى 4 فوتونات ، ويذهب الباقي ، 96 فوتوناً ، إلى B .

ففي هذه الحالة بالذات تكون نسبة ((الإنعكاس الجزئي))  ، عن سطح الدخول في الزجاج ، مساوية 4% ؛ ويتوغل الباقي ، أي 96% ضمن الزجاج ، فنحن منذ الان نصادف الصعوبة الأولى .

 

كيف يتسنى للضوء أن لا ينعكس إلا جزئياً ، في حين أنه يمكن لكل فوتون أن يذهب إما إلى A ، وإما إلى B ؟ فما هو المعيار الذي ((يقرر))  الفوتون بموجبه أن يذهب إما إلى A أو إلى B ؟

قد لا تبدو صيغة هذا السؤال ذات شأن ، لكن هذا الواقع ذو شأن كبير . لأن من واجبنا أن نجد تفسيراً له  إننا في هذه الظاهرة نقرأ تحير نيوتن قبلنا في أمره .

نستطيع ، لتفسير ظاهرة الإنعكاس الجزئي هذه ، أن تتخيل عدة نظريات . يمكن أن نفكر مثلا بأن سطح الزجاج  يتألف ، سنبة 96% منه ، من ((ثقوب)) يمر الضوء عبرها ،  ومن حواجز صغيرة مادية ، بنسبة 4% ، تردّ الفوتون إلى حيث أتى (شكل 3) .

 

كان نيوتن أول من فهم أن هذا ليس التفسير الحقيقي. وسنصادف بعد قليل خاصية للإنعكاس الجزئي جد عجيبة ، شيئا يبعث على الجنون لدى كل من يحاول أن يتمسك بنظرية من قبيل ((ثقوب وحواجز)) ( وكذلك بأية نظرية يبدو فيها شيء من ((المعقولية)) مهما صَغُر) .

يمكن أيضا أن نتخيل أن الفوتونات تمتلك آلية داخلية ، نوعا من ((المسننات)) يمكن أن يعمل بهذا الاتجاه لا بذاك . بحيث أن الفوتون يخترق السطح عندما يكون الفوتون ((مدبَّرًا)) بشكل مناسب وينعكس عنه في غير ذلك . ولكي نمتحن هذه النظرية ، لنحاول أن ((نُصفِّي)) الفوتونات بمصفاة تمنع من اختراقها الفوتونات غير " المدبرة " بشكل مناسب .

ومن أجل ذلك نضع بين المنبع وسطح الزجاج سلسلة من صفائح زجاجية. عندئذ لن يصل إلى سطح الدخول في قطعة الزجاج ، سوى الفوتونات ((المدبَّرة)) بشكل مناسب ، لأن غير المدبرة تنحجب بمصافي سلسلة الصفائح التي تعترض طريقها؛ وعندئذ يجب على كل هذه الفوتونات المدبرة  أن تخترق سطح قطعة الزجاج ، وأن لا ينعكس عنه أي منها .

لكن ، لسوء حظ هذه النظرية ( نظرية الفوتونات المدبّرة سلفا) ، ليس هذا هو الذي يحدث : بل أن نسبة ما ينعكس منها ، عن سطح قطعة الزجاج ، تظل على قيمتها 4% ، رغم مصفاة الصفائح الزجاجية مهما كان عددها .

بالرغم من كل جهودنا ، في تخيل نظرية ((معقولة)) لفهم كيف ((يقرر)) الفوتون اختراق السطح أو الانعكاس عنه ، يتبين أن من المستحيل التنبؤ عما سيحدث للفوتون الواحد عندما يصل إلى سطح الزجاج .

 

وإذا صدّقنا الفلاسفة، بأن الأسباب نفسها لا تقود إلى النتائج  نفسها ، يصبح التنبؤ مستحيلاً والعلم ذا حدود . فنحن هنا أمام سبب واحد معين – واقع أن الفوتونات المتماثلة تسقط ، بزاوية ورود واحدة، على وجه القطعة الزجاجية الوحيدة نفسها – يقود إلى مفعولين مختلفين – انعكاس أو نفاذ – ولا يمكن أن نتنبأ إذا كان الفوتون سيذهب إلى A أو سينفذ إلى B .

وكل ما نستطيع أن نقوله هو أن 4 فوتونات ، وسطيا ، من أصل 100 فوتون واردة ،  ستنعكس عن سطح الزجاج . فهل يجب أن نستنتج أن الفيزياء ، ذلك العلم الذي يمتاز بصحته،  قد نزلت إلى درك أن لا تحسب سوى احتمالات ، وأنها عاجزة عن التنبؤ بالضبط عما سيحدث؟ 

نعم ، إن الفيزياء مضطرة للتخفيف من غلوائها وطموحاتها . فالواقع هكذا ، ولا حيلة لنا فيه . ولا تبيح لنا الطبيعة أن نحسب سوى الاحتمالات . لكن العلم لم يجد بهذا الواقع حدوده! .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى