علم الفلك

تفسير التساؤلات العديدة حول ظاهرة “استمرار التمدد الكوني”

1996 نحن والكون

عبد الوهاب سليمان الشراد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

ظاهرة استمرار التمدد الكوني علم الفلك

يظهر لنا منظر السماء في الليل وكأنها في سكون تام لا حراك فيه، ولكن الأرصاد الدؤوبة أظهرت عكس ذلك ، فلقد تبين لنا في بداية العشرينات من هذا القرن أن مجرة التبانة هي واحدة من مجرات تعد بالملايين ، وتتباعد هذه في جميع الاتجاهات.

وظهر جليا أن الكون Universe يتمدد وأن المجرات تندفع متباعدة عن بعضها، محمولة بنسيج زمكاني ينمو بانتظام .

وكذلك تنساب العناقيد المجرية العملاقة بهدوء وسلاسة في كل أرجاء الكون مبتعدة عن بعضها ، فما هي القوة الجبارة التي بإمكانها تحريك تلك العناقيد الضخمة باندفاع باتجاه الحافة غير الموجودة للكون؟

مع العلم أن قوة عزمتها قد اكتسبتها من الانفجار العنيف الذي حدث خلال نشوء وبداية الكون Universe.

 

ولا شك أن تباعد العناقيد والمجرات يدل على أننا نعيش في كون ممتد ، ويدل على تعبير التمدد expansion على أن المسافات الشاسعة الفاصلة بين العناقيد مستمرة في الازدياد وأن معدل السرعة التي تتباعد فيها العناقيد تتناسب طردياً مع بعدها عن بعضها ، ولعل ذلك هو أفضل وأبسط توضيح لقانون هبل .

ولكن يبدو أن هناك الكثير من التساؤلات المطروحة حول ذلك ، فمثلا هل يستمر التباعد الى ما لانهاية ؟ فلا شك أن التمدد الكوني سيتباطأ في زمن ما. 

فمن المعلوم أن جميع المجرات في أنحاء الكون تتبادل قوة الجذب فيما بينها ، ونتيجة لذلك فإن الجذب المتبادل سيؤدي الى إيقاف الاندفاع الشديد للكون الممتد .

 

ولكن هل يدل ذلك على أن التمدد الكوني سيتوقف في المستقبل ؟ أم هل سيكون معدل التباطؤ ضعيفا بحيث لا يقوى على كبح الاندفاع السريع المستمر للكون باتجاه البعد اللامحدود للفضاء؟

وللإجابة على تلك الأسئلة ، ولمعرفة مستقبل الكون النهائي ، يجب علينا في البداية أن نبني نماذج نظرية للكون تدلنا على ما سينتهي إليه  وبما أن الجاذبية تعد القوة الفعالة في تطور وحركة الكون ، لذا يتوجب علينا أن نطبق أفضل الحسابات لكي يمكننا بلوغ أفضل نظرية تقودنا الى الإلمام بها .

ولا شك أن أفضل نظرية متداولة في الزمن الحاضر عن الجاذبية هي النظرية النسبية العامة General relativity  ، وعلى ذلك ستكون القاعدة التي نرتكز عليها في هذا المضمار. 

 

وأخيرا فمن الأمور المهمة التي يتوجب إدراكها للإجابة عن الأسئلة السابقة هي رصدنا ودراستنا لحركات أبعد المجرات عنا ، وكذلك يتوجب عمل قياس وحساب دقيق لمعدل تباطؤ الكون ، ويمكن بالتالي من ذلك إدراك كثافته Density.

لا تمثل الجاذبية كما تشير نظرية انشتاين في النسبية العامة الى قوة  Forceبل هي إنحناء Curvalure للزمكان ، وكلما كانت الجاذبية أشد كلما ازداد انحناء الزمكان ، ونجد أن الأجرام السماوية مثل الكواكب السيارة والإشعاعات الكهرومغناطيسية تتحرك عبر أقصر الطرق في منحنى الزمكان .

ويمثل ذلك المعنى الحقيقي للنسبية العامة ، فالمادة تقود الزمكان الى طريقة الانحناء ، ويقود منحنى الزمكان المادة الى الفعل المضاد .

 

ومن المعلوم أن هناك كمية كبيرة من المادة في الكون مرئية أو غير مرئية ، ومن المؤكد أن هذه المادة لابد أن يكون لها تأثير على هندسة الزمكان ، فالكون برمته يجب أن يكون له شكل ما نتيجة تواجد المادة به .

ونجد أيضا أن هندسة الكون تؤثر على سلوك المادة به ، ولا شك أن أصل الكون ومصيره مرتبطان بحركة مكوناته ، وهي التي تساعدنا على النفاذ الى بنيته ومعرفة مقدار التقلبات في كثافته.

وكل ما أمكن معرفته عن تلك الحركات يظهر بأن المادة تتكتل مع بعضها بمقاييس شاسعة ، مقدمة لنا صورة عن الأحداث التي لم نتمكن من فهمها جيدا ، والتي حدثت في بداية خلق الكون.

ونجيب عن النهاية الأخرى للزمن ، فهل سيستمر تمدد الكون ؟ أو أن قوة الجاذبية ستوقف هذا التمدد في نهاية المطاف ، أو تعكسه بحيث ينهار ثانية ويرجع لكثافته البدائية؟

 

ولإدراك المعنى الحقيقي لمصطلح شكل الكون فإنه يمكننا افتراض إطلاق حزمتين من شعاع الليزر بشكل متقارب في الفضاء بحيث يكونان متوازيتين تماما ، وافتراض أيضا عدم وجود أي شيء يعترض مسارهما بحيث يمكننا تتبعهما في حركتهما عبر ملايين السنين الضوئية في الكون وعبر الفضاء ، الذي نحن بصدد إدراك مقدار انحنائه أو تحدبه .

ومع ذلك الوضع سيصبح أمامنا ثلاثة احتمالات أو أوضاع ، ولعلنا قد نجد في أولها أن الحزمتين الضوئيتين تظلان متوازيتين تماما في مسيرهما على الرغم من قطعهما بلايين السنين الضوئية .

ولن يكون الكون في هذه الحالة منحنيا ، أي أنه سيكون له انحناء مقداره صفر، وذلك يدل على أن الفضاء سيكون مسطحا.

أما الاحتمال الآخر فهو أن كلا من الحزمتين ستقتربان من بعضهما تدريجيا ، ونتيجة لحركتهما عبر الكون فإنهما ستقتربان تدريجيا لبعض حتى تتقاطعا على بعد كبير جدا من الأرض .

ولن يكون الفضاء في هذه الحالة مسطحا ، وإنما سيكون الوضع مشابها لتقاطع خطوط الطول على سطح الكرة الأرضية في منطقتي القطبين، أي أن هندسة الفضاء ستبدو مشابهة لهندسة الكرة ، ولذا يمكننا اعتبار أن للكون انحناء إيجابي وأن الفضاء كري .

 

وفي الاحتمال الأخير فإن الحزمتان المتوازيتان ستفترقان ، أي ستتباعدان تدريجيا عن بعضهما بازدياد حركتهما عبر الكون ، وفي هذا الوضع يجب أن يكون الكون منحنيا. 

ولكن هذا الانحناء سيكون معاكسا للانحناء الكري ، ولذا يمكن القول إن الكون في تلك الحالة له انحناء سلبي ، ويمكن تمثيلة بالسرج Saddle الذي يعد مثالا ملائما لسطح منحنى سالب ، وبنفس الطريقة التي تتقارب بها الخطوط المتوازية المرسومة على سطح الكرة. 

فإن تلك الخطوط ذاتها تتباعد دائما إذا ما رسمت على سطح السرج . يعرف الفلكيون السطوح سرجية الشكل بأنها ذات قطع زائد Hyperbola . وعلى ذلك يمكننا اعتبار أن للكون المنحني سلبيا فضاء ذا قطع زائد .

ومن الواضح أن لكل حالة من الحالات الثلاث السابقة وضع متباين في تحديد مستقبل الكون ، ولفهم وإدراك تلك الحالات يمكن افتراض أننا قد ألقينا حجرا في الهواء ، وبالتالي ستكون هناك ثلاثة احتمالات لما سيكون عليه مسار الحجر .

 

ونجد في أولها أنه يرتفع الى أعلى ثم يسقط الى أسفل ، وفي هذه الحالة ستكون سرعته ، أدنى من سرعة الافلاتVe- locity of escape  من الأرض .

ويكون الاحتمال الثاني في رمي الحجر الى الأعلى بسرعة تفوق كثيرا السرعة السابقة ، وقد تكون وسيلة الرمي هنا مركبة إطلاق فضائية .

 

وفي تلك الحالة إذا كانت سرعته مساوية لسرعة الإفلات من الأرض فإنه لن يعود الى الأرض ، إذ إنه سينفصل عن الجاذبية الأرضية .

أما الاحتمال الثالث فهو رمي الحجر بسرعة تفوق كثيرا سرعة الإفلات من الأرض ، وفي هذه الحالة فإنه لن يجد أية مشقة في الانفصال عن الجاذبية الأرضية ، وينجح في الإفلات ، ويظل مستمرا في مساره بعيدا عن الأرض مندفعا بسرعة عالية لمسافات شاسعة .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى