شخصيّات

نبذة عن حياة المجاهد “عبد الكريم الخطابي”

2001 موسوعة الكويت العلمية الجزء الثاني عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

المجاهد عبد الكريم الخطابي شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

هذا المُجاهِدُ الكبيرُ هو مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الكَريمِ الخَطَّابِيُّ، يَشْتَهِرُ في كثيرٍ من أنحاءِ العالَمِ باسْمِ عَبْدِ الكَريمِ الخَطَّابِيُّ. وهو زعيمُ قبيلةِ «ورياغل»، إحدَى القبائِلِ البَرْبَرِيَّةِ الأصْلِ، الّتي كانَتْ تَقْطُنُ جبالَ الرِّيفِ في مرَّاكِشَ من بِلادِ المَغْرِبِ.

وُلِدَ محمَّدُ عَبْدُ الكَريمِ الخَطَّابِيُّ في قريَةِ «أغادير» بينَ تَطْوانَ ومُلِّيلَةَ، وحَفِظَ القرآنَ وتَلَقَّى مبادئَ العُلومِ الدِّينيَّةِ واللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ في صِغَرِهِ.

ثُمَّ أَرْسَلَهُ والِدُهُ إلَى مدينَةِ «فاس» ليُكْمِلَ تَعْليمَهُ العالِيَ في القَرَويِّينَ، فتَخَرَّجَ فيها. ثُمَّ عَمِلَ فترةً في التَّدْريسِ، ثُمَّ انْتَقَلَ إلَى القَضاءِ، فاشْتَهَر بالعَدْلِ والاسْتِقامَةِ.

 

وكانَ الخطَّابِيُّ في الثلاثينَ من عُمْرِهِ عِنْدَما وَقَّعَ السُّلْطانُ عبدُ الحفيظِ (سلطانُ المَغْرِبِ) اتِّفاقِيَّةً معَ فَرَنْسا، وَضَعَ فيها بلادَهُ تحتَ الوِصايَةِ الفَرَنْسِيَّةِ، ثُمَّ تنازَلَ بَعْدَها عن الحُكْم لأَخيهِ السُّلطانِ يوسُفَ.

وكانَتْ فَرَنْسا تَحْتَلُّ الجزائِرَ وقِسْمًا من المَغْرِبِ، بَيْنَمَا كانَتْ أسبانْيا تَحْتَلُّ شمالَ المَغْرِبِ وغَرْبَها، وهي المِنْطَقَةُ الّتي عُرِفَتْ باسْمِ «الرِّيفِ الأَسْبانِيِّ».

ومنذُ الأيّامِ الأولَى للاحْتلالِ الأسبانِيِّ بَدَأَتْ بذورُ الثَّوْرَةِ في الظُّهورِ ضِدَّهُم، ثُمَّ ازْدادَتْ بمرورِ الأيّامِ. وفي سنَةِ 1911، وَقَع حادِثٌ بينَ بعضِ العُمَّالِ الأسْبانِ ونَفَرٍ من المَغارِبَةِ أدَّى إلَى مَقْتَلِ سِتَّةٍ من العُمَّالِ الأسبانِ. فاتَّخَذَتْ أسبانْيا مِنْ الحادِثِ حُجَّةً لاحْتِلالِ بَعْضِ المناطِقِ في الرِّيفِ، ومِنْها مدينةُ «تَطْوانَ».

 

ثُمَّ هَدَأَتْ الأحوالُ في فَتْرَةِ الحَرْبِ العالَمِيَّةِ الثَّانِيَةِ، ولكنَّ أسبانْيا عادَتْ بعدَ انْتِهاءِ الحَرْبِ إلَى مُمارَسَةِ الضُّغوطِ علَى القبائِلِ السَّاكِنَةِ في مِنْطَقَةِ الرِّيفِ لزِيادَةِ نُفوذِها، ولاحْتِلالِ المزيدِ منَ الأَراضِي البعيدَةِ عَنْ سَيْطَرَتِها.

فأَعْلَن والِدُ مُحَمَّدِ عَبْدِ الكَريمِ الخَطَّابِيِّ الحَرْبَ ضِدَّهُمْ، ولكنَّه تُوُفِّيَ سنةَ 1920، فاختارَ المُجاهِدونَ ابْنَهُ محمَّدَ عَبْدَ الكريمَ قائدًا لَهُم، فَحَمَلَ رَايَةَ الجِهادِ، وعَمِلَ علَى تَنْظيمِ قُوَّاتِهِ ومَدِّها بالسِّلاحِ والذَّخيرَةِ. وكان يَسْتولِي علَى كثيرٍ مِنْها من الجَيْشِ الأَسبانِيِّ، الّذي دارَتْ بينَه وبينَ جيشِ الرِّيفِ، بِقِيادَةِ مُحَمَّدِ عَبْدِ الكَريمِ الخَطَّابِيِّ، مَعَارِكُ عَديدَةٌ.

ومِنْ أَشْهَرِ تِلْكَ المَعارِكِ «مَعْرَكَةُ أَنْوال». وهي مدينةٌ احْتَلَّها الجيشُ الأسبانِيُّ، وفيها حامِيَةٌ كبيرَةٌ يَصِلُ عَدَدُ جنودِها إلَى خَمْسةٍ وعشرينَ أَلْفَ جُنْدِيٍّ. فقامَ الخطابِيُّ بمُهاجَمَتِها بِجَيْشِهِ الّذي لا يزيدُ عددُ جنودِهِ على أَلْفِ جُنْدِيٍّ.

 

وكانَ الهُجومُ مُباغِتًا وسريعًا، فاسْتَطاعَ الخَطَّابِيُّ احْتِلالَ المَدينَةِ وهزيمةَ الجَيْشِ الأسبانِيِّ فيها شَرَّ هَزيمَةٍ، بعد أنْ قَتَل الكثيرَ وأَسَرَ أَغْلَبَ المُدافِعينَ عَنْها.

وكانَ لهزائِمِ الجَيْشِ الأَسْبانِيِّ أَثَرٌ كبيرٌ علَى الوَضْعِ السِّياسِيِّ في أَسْبانْيا، فَوَقَعَ فيها انقلابٌ عَسْكَرِيٌّ سنةَ 1923 أدَّى إلَى تغييرِ الحُكْمِ فيها.

ولكنَّ الحُكْمَ الجديدَ ظَلَّ علَى احتلالِهِ لِلْمَغْرِبِ، فعادَ الخَطَّابِيُّ إلَى مُواصَلَةِ الجهادِ ضِدَّ الجيشِ الأَسْبانِيِّ، واسْتطاعَ إِلْحاقَ عَدَدٍ من الهزائِمِ بذَلِكَ الجَيْشِ الّذي يُمَثِّلُ إِحْدَى الدُّوَلِ الكُبْرَى في ذلِكَ الوَقْتِ.

 

فاحْتَلَّ مدينةَ «شَفْشَاون» وكادَ أَنْ يَحْتَلَّ مدينةَ تَطْوانَ، فذاعَ صِيتُه، وانْضَمَّتْ إليه أَفْواجٌ من المُجاهِدينَ من أبْناءِ القَبائِلِ المَغْرِبِيَّةِ وغَيْرِها، واسْتَطاعَ أَنْ يُؤَسِّسَ جُمْهورِيَّةَ الرِّيفِ، ولكنَّهُ لَمْ يُعْلِنْ الانْفِصالَ عَنْ سُلْطانِ مَرَّاكِشَ.

وكانَتْ فَرَنْسا، الّتي تَحْتَلُّ جزءًا من المَغْرِبِ، تُراقِبُ المَوْقِفَ بِحَذَرٍ شَديدٍ، وخَشِيَتْ من انْتِشارِ الثَّوْرَةِ في جميعِ أَنْحاءِ المَغْرِبِ، فَأَخَذَتْ في التَّحَرُّشِ بالخَطَّابِيِّ عن طريقِ إثارَةِ بعضِ المُعارِضِينَ لَهُ، وإمدادِهِم بالمالِ والسِّلاحِ لإثارَةِ الفِتَنِ والاضْطِراباتِ.

وكانَ الخَطَّابِيُّ مَيَّالاً إلَى مُهادَنَةِ الفَرَنْسيِّينَ حتَّى لا يُضْطَرَّ إلَى القِتالِ علَى جَبْهَتَيْن كبيرَتَيْن، ولكنَّهُ اضْطُرَّ إلَى قِتالِهِمْ بَعْدَ أَنْ زادَ تَحَرُّشُهُم بِهِ عن طريقِ تَوَغُّلِهِمْ في الأراضِي التَّابِعَةِ لَهُ. فانْدَلَع القِتالُ بَيْنَه وبَيْنَهُم في شَهْر أبريل من سنةِ 1925، واسْتطاعَ الخَطَّابِيُّ تحقيقَ بَعْضِ الانْتِصاراتِ عَلَيْهِم في عِدَّةِ مَعارِكَ.

 

ولكنَّ الفَرَنْسيِّين تَحالَفُوا مَعَ الأَسْبانِ واسْتطاعُوا حَشْدَ جيشٍ ضَخْمٍ يزيدُ عَدَدُ جنودِهِ علَى مِئَةِ أَلْفِ جُنْدِيٍّ. وبَعْدَ مَعارِكَ غَيْرِ مُتَكافِئَةٍ أَحَسَّ الخَطَّابِيُّ أنَّ جَيْشَه الصَّغيرَ سَيَتَعَرَّضُ لِلْفَناءِ فَقَرَّرَ – بَعْدَ مُشاوَرَةِ أَصْحابِه – الاسْتِسْلامَ لِفَرَنْسا في الخامِسِ والعِشْرين من مايو سنةَ 1926.

وكانَتْ فَرَنْسا قَدْ وَعَدَتْه بإِطْلاقِه والعَفْوِ عَنْه، ولكنَّها لَمْ تَفِ بِهَذا الوَعْدِ، فَنَفَتْهُ مع أخيهِ وبَعْضِ أَفْرادِ عائِلَتِهِ إلَى جزيرَةِ «رينون»، وهي إِحْدَى الجُزُرِ المُقابِلَةِ لِساحِلِ إفريقْيا الشَّرْقِيِّ.

 

وظَلَّ محمَّدُ عَبْدُ الكَريمِ الخَطَّابِيُّ مقيمًا في تلك الجزيرَةِ حتَّى سنةِ 1947، حينَ رَأَتْ فَرَنْسا نَقْلَه إلَى باريسَ للإقامَةِ فيها، ولَمَّا وَصَلَتْ الباخِرَةُ الّتي تَنْقِلُه إلَى ميناءِ بورسعيد قامَتْ مجموعةٌ مِنْ أَهْلِ المَغْرِبِ بِمُساعَدَتِه علَى الهَرَبِ، فَلَجَأَ إلَى القَاهِرَةِ.

فَمُنِحَ حَقَّ اللُّجوءِ السِّياسِيِّ، وظَلَّ في القاهِرَةِ يَعْمَلُ مع لَجْنَةِ المَغْرِبِ العَرَبِيِّ إلَى أَنْ تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللهُ بالسَّكْتَةِ القَلْبِيَّةِ في 11 رمضان 1382هـ: 1963م.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى