البيولوجيا وعلوم الحياة

أطروحة “مجتمع المخاطر”

2014 البذور والعلم والصراع

أبي ج . كينشي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

فنظراً لطابع الشكّ الذي تتسم بطبيعة التهديدات التي قد تنتج من إطلاق الكائنات المهندسة وراثياً في البيئة، ولأهمية الانتقادات المتعلقة بالبيئة والسلامة [الموجهة] للتكنولوجيا الحيوية، فإن أطروحة "مجتمع المخاطر" (Risk Society) طوّرها عالم الاجتماع الألماني المعروف أولريخ بيك (Ulrich Beck) تعتبر منهجاً سائداً لفهم تخوّف الجمهور من المحاصيل المهندسة وراثياً.

إذ يوحي بيك (1995، 1992) إلى أنه كنتيجة للتحديث، شهدت المجتمعات الصناعية المعاصرة انتشاراً لمخاطر جديدة. فتلك المخاطر الناجمة عن العمليات الصناعية الجديدة والتطوّرات التكنولوجية يصعب قياسها وتحديد كميّتها على الرغم من الالتزام السائد بحساب المخاطر والمنافع المفترضة عند صنع القرار.

فحقاً طوّرها، إن تلك المخاطر كالإشعاعات والسموم المسببة للأمراض السرطانية، وغازات الاحتباس الحراري غالباً ما تكون غير مرئية للمراقب، فيعتمد العامة على العلميين بشكل متزايد لتوصيف طبيعة المخاطر التي يواجهونها.

ولكن مجتمع المخاطر ينظر لمكانة العلم والتكنولوجيا نظرة غير مستقرة (ينظر إليها بنطاق واسع على أنهما مصدر هذه المخاطر الجديدة). فالعلم كثيراً ما ينتج معرفة ناقصة ومتناقضة حول تلك المخاطر المعاصرة. وكنتيجة لذلك، نرى أن هناك تزايداً في الانتقادات العلنية لدى العامة لمؤسسات العلم وعدم الثقة في الخبراء العلميين، وخصوصاً لدى الذين ينتمون لدعاة حماية البيئة.

 

يشير نهج مجتمع المخاطر إلى خشية الناس من الأغذية الجديدة المهندسة وراثياً، لكونهم لا يثقون في الخبراء والمؤسسات التي أنتجتها وتسيطر عليها. ففي العديد من النواحي، تبدو النزاعات حول المحاصيل المهندسة وراثياً والجينات الناشزة حاملةً من رؤية "بيك" عن مجتمع المخاطر.

ففي وقت مبكر ناقش العديد من نقّاد تكنولوجيات المحاصيل المهندسة وراثياً – تحسّباً لمخاطرها المتوقعة- وعلى مدى سنوات عديدة لقي نهج النشطاء [المحذرين] من مخاطر المحاصيل المهندسة وراثياً صدى كبيراً متوافقاً مع مخاوف السياسة البيئية الدولية ومع القلق العام بخصوص سلامة الأغذية.

وفي هذا السياق، فقد أكّد معارضو المحاصيل المهندسة وراثياً في الكثير من الأحيان أوجه التماثل ما بينها وبين التكنولوجيات الخطرة الأخرى، في حال تمّ النظر في إطلاق المحاصيل المهندسة وراثياً في البيئة، أذ يتضح من الاقتباس أدناه والمنقول من عالم الوراثة الكندي المناصر للبيئة ديفيد سوزوكي (David Suzuki 2000):

علينا فقط التأمّل في الـ DDT والطاقة النووية ومركبات الكاربون الكلورية (CFCs) التي كانت تُعتبر إبداعات رائدة، لكن آثارها الضارة على المدى الطويل لم تكتشف إلا بعد عقود من استخدامها الواسع.

 

واليوم مع الحكمة الكبيرة والنظرة المتوازنة نعمل على تقليص استعمال هذه التقنيات، ولكن في هذه الحال مع الأغذية المهندسة وراثياً قد يكون هذا الخيار غير متاحاً. فالفارق في الأغذية المهندسة وراثياً هو أنه – بمجرّد خروج المارد من زجاجته – سيكون من الصعب أو المستحيل إرجاعه مرةً أخرى إلى مكانه الطبيعي.

فإيقافنا استخدام مادة DDT ومركبات الكلور الفلورية، لأن الطبيعة لها المقدرة على استرجاع [حالتها] من ما لحق بها من ضرر (حتى النفايات النووية قد تضمحل بمرور الزمن). لكن النباتات المهندسة وراثياً هي كائنات حية، وبمجرد أن تشكل تلك دورة حياة جديدة وتنشأ في محيطنا يمكنها أن تنسخ مثالاً لها وتتكاثر وتنتشر، ولربما لا تكون هناك أي عودة لما كنا عليه من قبل.

 

والنقاد الذين هم مثل سوزوكي تحدّوا المزاعم التي تعتبر المحاصيل المهندسة وراثياً مأمونة، سواء حين يستخدمها البشر أم بالنسبة للأنظمة البيئية الطبيعية، مشيرين إلى الفجوات والشكوك والعيوب التي تخترق مجال البحث العلمي.

كما أشاروا أيضاً [في نقدهم] إلى طبيعة المخاطر المفتوحة من دون نهاية: "قد لا يكون هناك عودة الى الوراء؟"(17). وعليه فإن أطروحة مجتمع المخاطر قد فسّرت الاعتراضات على المحاصيل المهندسة وراثياً.

وبالرغم من البصيرة الثاقبة في نواحي عديدة، فإن إطار عمل مجتمع المخاطر، يقلل من أهمية الحركات الاجتماعية في ترجمتها للمعارف العلمية إلى أفكار سياسية تجعل منها، ذات مغزى للجمهور والعامة.

فتحليلات المعارضين للمحاصيل المهندسة وراثياً الذين يبنون أطروحتهم على مجتمع المخاطر، تميل بدورها إلى التركيز على خصائص المحاصيل المهندسة وراثياً ذاتها، وخاصة تلك المتعلقة بالشك وعدم اليقين العلمي للآثار البيئية والصحية، حيث تكون هي الدافع وراء الاحتجاجات الشعبية.

 

فالمعارضة الشعبية للمحاصيل المهندسة وراثياً لا تنتج مباشرة من استحداث التكنولوجيا التي قد تنطوي على مخاطر. فبالأحرى أن المخاطر (كما تمّت دراستها وقياسها من العلميين) تتم ضمن إطار المخاطر، وسيكون لها مغزى من خلال جهود الحركات الاجتماعية.

فكما يقول عالم الاجتماع أندرو جاميسون  (Andrew Jamison 1996, 224): "إنه ليس كافياً أن نثبت أن الحقائق والمفاهيم يتم إنشاؤها من قِبل العلميين بما يتصل بالظواهر الطبيعية، فالمشاكل البيئية العالمية تتطلّب جهات فاعلة وسيطة لها القدرة على نقل حسابات وتوقّعات وإسقاطات (من العلميين) في القضايا ذات الاهتمام العام [إلى الجمهور]".

فجاميسون وزميله عالم الاجتماع رون أيرمين (Ron Eyermen) يشيران إلى الحركات الاجتماعية التي تُصيغ الوعي في الفضاءات العامة التي يتم فيها إنتاج المعرفة، وهو ما يعني أن الحركات الاجتماعية تعمل على جمع العمل المعرفي (Knowledge Work) لإنتاج تفاهمات جديدة من العالم الذي حولها (Eyerman and Jamison 1991).

في عام 2006م أثبت كلٌّ من راشيل شارمان ووليام مونورو (William A. Munro) فائدة فهم الأفكار المبكرة لـ "أيرمين وجاميسون" أثناء تحركهما لمناهضة التكنولوجيا الحيوية. فشارمان ومونورو قد تتبّعا أصول نشطاء المناهضين للتكنولوجيا الحيوية في مجموعتين من الناس، كانوا هم منذُ البداية من المجموعات المتميزة التي شغلتها هذه القضية.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى