النباتات والزراعة

المكسيك وانتهاجها لسياسة انتاج الذرة المهندسة وراثياً

2014 البذور والعلم والصراع

أبي ج . كينشي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

النباتات والزراعة البيولوجيا وعلوم الحياة

كانت المكسيك واحدة من بين البلدان الأولى التي سعت لإنتاج المحاصيل المهندسة وراثياً بصورة تجارية، فبداياتها الأولى كانت عام 1996م مع القطن المهندس وراثياً المقاوم للحشرات الضارة، واليوم ينتج المزارعون المكسيكيون فول الصويا والقطن المعدّلين وراثياً بمساحة [زراعية] تفوق السبعين ألف هكتار (James 2010a).

ولم يكن هناك معارضة شعبية لإنتاج هذه الأنواع من المحاصيل المهندسة وراثياً إلا بصورة ضئيلة جداً، ولكن مخطط إدخال الذرة المهندسة وراثياً كمحصول تجاري، أدّى إلى مناهضة مهولة من المزارعين وخبراء البيئة والعلماء المعنيين بالسلامة الأحيائية.

تعتبر الذرة عنصراً مهماً في الاقتصاد المكسيكي، والنظام الغذائي، والثقافة. فأكثر من ثلثي القيمة الإجمالية للزراعة المكسيكية يأتي من استزراع الذرة (Henriques and Patel 2003, 24). حيث يقدّر أن حوالي ثمانية عشر مليون مكسيكي هم إما يعملون في، أو يعتمدون على، إنتاج الذرة، ومن بينهم على الأقل ثلاثة ملايين مزارع للذرة (يشكّلون حوالي 8% من سكان المكسيك) وعوائلهم.

فالذرة أساسية في النظام الغذائي المكسيكي وتحمل أيضاً دلالة رمزية وروحية للكثير من الشعوب الأصلية في المكسيك (Esteva and Marielle 2001; González 2003). بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الذرة المكسيكية ذات السلالة المحلية الأصيلة (الأصناف المكيفة محلياً) ذات قيمة [غذائية] عالمياً، كونها مصدراً للتنوع الجيني الزراعي.

والمكسيك هو البلد الأول للذرة المدجنة، إذ منذُ حوالي تسعة آلاف سنة مضت وحتى اليوم ما زالت المكسيك هي موطن التنوّع الجيني للذرة الاستثنائية، بفضل صغار المزارعين وممارستهم الزراعية. فعلى الرغم من صعوبة تحديد عدد المزارعين الذين استخدموا طرقاً تقليدية لإنتاج الذرة بدقة، إلا أن خبيري الذرة موريسيو بيلون (Mauricio Bellon) وجوليان بيرتهود (Julien Berthaud) (2006) يقدرونهم بواقع مليوني مزارع، تمكنوا من زراعة ما يقارب 5.8 مليون هكتار (حوالي 80% من أرض استزراع الذرة) باستخدام أنظمة تقليدية في زراعتها.

 

فقد شملت تلك الإجراءات الزراعية التقليدية للذرة الاهتمام بزراعة أصناف متعددة تتلائم مع احتياجات الزراعة والطهي المختلفة، وتوفير البذور لزراعتها من موسم لموسم آخر، وتداولها بين المزارعين والمجتمعات الأخرى، ومزجها مع بذور من منشأ مختلف، وتحسين أصناف تتكيف مع الظروف [البيئية] المحلية.

فحتى الآن، زراعة الذرة المهندسة وراثياً تجارياً محظورة في المكسيك، بسبب مخاوفهم للحفاظ على التنوع الجيني للذرة، التي قد تنشأ من تلك الممارسات المحظورة.

إن قيمة التنوع الجيني للذرة المكسيكية معترف بها عالمياً على الأرجح. فالذرة المكسيكية كما قال عنها في الآونة الأخيرة كلّ من دانييلا سوليري (Daniela Soleri) ودايفد كلفلاند (David Cleveland) وفلافيو أرغون كيوفاس (Flavio Aragon Cuevas): "معظم الناس، بغض النظر عن موقفهم من المحاصيل المهندسة وراثياً، يتفقون على أهمية التنوع".

فمربّو النباتات ولفترة طويلة يعتبرون أنه لا "مركز للأصل" مثل المكسيك، باعتباره موطناً للعثور على النباتات ذات الخصائص المفيدة، مثل مقاومة الأمراض، أو التحمّل لقساوة الظروف الجوية الصعبة، ولهذا السبب، فإن مربّي النباتات وعلميي البيئة وحماتها (فضلاً عن صغار المنتجين الذين يعتمدون على أصناف الذرة المحلية كغذاء) يشعرون بالقلق حول ماهية ما سيحدث لمزارعي أصناف الذرة المختلفة بمجرّد أن تصبح الجينات المحورة وراثياً مدمجة مع الجين [الأصلي للذرة].

 

في عام 2000م اكتشف اثنان من العلميين الأميركيين العاملين مع منظمة مكسيكية صغيرة غير حكومية أن الذرة المهندسة وراثياً يتم استزراعها في منطقة ريفية مكسيكية معزولة، وعلى الرغم من هذه الحقيقة إلا أن محاصيل الذرة تلك المهندسة وراثياً لم يتم بعد التصريح عن زراعتها في هذا البلد(Quist and Chapela 2001).

ولكون المكسيك هي مركز التنوّع الجيني للذرة والنبات البرية القريبة منها، فقد تحول النقاش حول هذا الأمر فوراً إلى قضية متعلقة بالأمن البيئي. فحتى هذا الحين، فإن نشطاء الريف والتحضّر يشيرون بنطاق واسع إلى الآثار، ويتتبعون جذور أسباب هذه المشكلة ويعزونها إلى سياسات المكسيك التجارية والإصلاحات الزراعية، التي أدت إلى زيادة الاعتماد على الولايات المتحدة الأميركية غذائياً.

فمعظم النقاد يرون أن مفهوم تلوّث أصناف ذرة المزارعين باللاصناف المهندسة وراثياً ما هو إلا امتداد للعلاقة التجارية غير المتكافأة مع الولايات المتحدة الأميركية، إذ نتجت إلى جانب ذلك خسارة للمجتمع والثقافة.

إلا أن هناك مجموعةً صغيرة من نشطاء حقوق السكان الأصلين المسموع صوتهم، زعموا أن التلوث الجيني للأصناف الأصلية من الذرة يشكّل اعتداءً على الثقافات التقليدية وذاتية المجتمعات الأصلية. كما لاحظ أحد الناشطين التنمويين الشعبيين في أواكساكا "أن هناك اعتداءً ضد الذرة على نطاق واسع.

فالموقف من مسألة التلوث بالهندسة الوراثية هو موقف واحد من إشكالية أن تكون الذرة مهددة…. ففقر أهل الريف (المزارعين)، دفعهم للعمل في الولايات المتحدة الأميركية، فأدى إلى إنتاج ذرة أقل…. وعليه فكل هذا الأمور معاً نرى فيها اعتداءً موجّهاً ضد الناس الأصليين" (Activist March 6, 2006).

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى