ديانات وثقافات

مظاهر إعجاز القرآن الكريم

2000 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثالث

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

إعجاز القرآن الكريم القرآن الكريم ديانات وثقافات المخطوطات والكتب النادرة

العمل المعجز هو الذي لا يستطيع أحد أن يعمل مثله، أي إنه يجعل الناس جميعا عاجزين عن أن يقوموا به.

وقد أيد الله، سبحانه وتعالى، رسله بمعجزات، منها: أن النار لم تحرق سيدنا إبراهيم عليه السلام، وعصا موسى، عليه السلام، التي ابتلعت ما صنعه سحرة فرعون، وأن سيدنا عيسى، عليه السلام، كان يحيي الموتى ويشفي الأعمى، بإذن الله.

وكانت هذه المعجزات تذهل من يراها وتقنعه بأن هؤلاء الرجال أنبياء مرسلون من الله ،سبحانه وتعالى، ولكنها قد لا تقنع من يسمع بها ولم يرها.

 

ولما كان الله رحيما بعباده، مريدا هدايتهم، أرسل لهم الرسل واحدا بعد الآخر، بمعجزات متتالية، ليجددوا دعوة الناس إلى الإيمان بالله.

ولكن لما شاء الله أن يكون سيدنا محمد، صلى الله عليه و سلم، خاتم الرسل، و أن تكون رسالته آخر رسالات السماء، أنعم عليه وعلينا بمعجزة خالدة، تبقى مع الناس، ناطقة مقنعة إلى يوم القيامة.

وهذه المعجزة هي القرآن الكريم. ونزل القرآن بلسان عربي مبين، وكان أول من استمع إليه هم العرب، الذين كان فيهم أئمة الفصاحة و البلاغة. و لذلك لفت القرآن أذهانهم بإعجازه لهم فيما برعوا فيه.

 

قال تعالى(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرً) الإسراء 88.

أي لو تعامونوا جميعا على ذلك.. بل إن الله، جلت قدرته، تحداهم أن يأتوا بعشر سور فقط من مثل سوره (الآية 3، من سورة هود) ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة (الآية 23، من سورة البقرة).

وبذلك ظهر عجزهم الكامل و أقروا بأن القرآن معجزة من عند الله. ومن ذلك ما يروى من أن « الوليد بن المغيرة» ذهب إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، معاديا الإسلام، فلما استمع إلى بعض آيات القرآن الكريم، قال عنه: « والله إن له لحلاوة، و إن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمورق، و إن أعلاه لمثمر، وما يقول هذا بشر " .

 

واجتهد المسلمون على مر الأجيال في محاولة فهم بعض أسرار إعجاز القرآن الكريم، وبذلوا في ذلك من الجهد بقدر ما أضمرت قلوبهم من تقديس له، وبقدر ما أدركت عقولهم من أسرار التنزيل الحكيم.

وعلى مر العصور حرص علماء المسلمين على تأليف كتب عظيمة في إعجاز القرآن، فيها تفاصيل كثيرة عن أسرار بيانه وبلاغته، فمن ذلك: «إعجاز القرآن» للباقلاني، و «بديع القرآن» لابن أبي الإصبع المصري، و«دلائل الإعجاز» لعبد القاهر الجرجاني، و «النكت في إعجاز القرآن»، للرماني ( و النكت هي الملاحظات الدقيقة)، و «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» للفخر الرازي. و كتب تفسير القرآن الكبيرة كلها تظهر لنا صورا كثيرة جدا من أسرار الإعجاز القرآني.

 

وينفرد القرآن الكريم، وهو قول رب العرش العظيم، بقدرته الخارقة على مخاطبة العقول والنفاذ إلى أعماق النفوس والقلوب، فإذا بالعقول مقتنعة، و النفوس خاشعة، والقلوب واجفة، والعيون دامعة.

والواقع أن أسلوب القرآن الكريم جاء مخالفا لجميع أساليب العرب، فنظمه لم يكن نظم شاعر ولا كاهن ولا ساحر، فوقفوا أمامه حيارى مشدوهين.

وقد فاجأهم القرآن بخصائص لم تكن مألوفة عندهم. فمن ذلك (وغير ذلك كثير) افتتاح بعض سوره بحروف متقطعة، تبدو كأنها مفتاح موسيقي للآيات التي بعدها، أو بالقسم ببعض الأمور العظيمة، أو بكليهما.

 

وذلك من قبيل: قال تعالى(ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) القلم1 ، قال تعالى(ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) ق1، قال تعالى(حم 1 وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ 2) الزخرف 1.2.

وقد تبدأ السورة باستفهام يقرع الأسماع ويشد الانتباه، مثل قال تعالى( الْحَاقَّةُ * مَا الْحَاقَّةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ) الحاقة 1-3.

ومن ذلك أيضا أساليبه المتنوعة في توجيه الخطاب، مثل: « يا أيها الناس..»، «يا أيها الذين آمنوا…..»، «يا أيها الإنسان…»، «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم…». ومن الأساليب المعجزة في القرآن الكريم أيضا نهايات الآيات و خواتيم السور.

 

والمتأمل في القرآن الكريم مقتنع بأنه كلام رباني جليل، لا يقوله بشر، مهما كبر شأنه. تأمل، مثلا، في قوله، جل شأنه: قال تعالى(وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (49) فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ) الذاريات 47-50

فهذا، و لا ريب، كلام بديع السماوات والأرض، و رب كل شيء. وتأمل أيضا في قوله، عز من قائل: قال تعالى(وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ) الزمر67، ثم اقرأ ما بعدها من آيات إلى آخر السورة. فهذا كلام لا يقوله إلا مالك الملك، ومالك يوم الدين.

ولكن ينبغي لنا ألا ننسى أن القرآن الكريم ليس مجرد كتاب أدبي فني مهما كان رفيع المستوى. بل هو كتاب هداية وحكمة، ومنهاج شريعة كاملة غراء، ودستور سعادة الإنسان في دنياه وآخرته.

 

وهو الكتاب الذي أنشأ أمة عظيمة في وقت قصير وفتح عيونها على العلم، وبصرها برسالة الإنسان الصالح، فحملت شعلة الحضارة الإنسانية مضيئة متوهجة، عندما كانت أوروبا غارقة في عصورها المظلمة.

ومن دلائل إعجاز القرآن أنه نزل أجزاء متفرقة، بحسب ما يعرض للمسلمين من مناسبات وأحداث، فيوجههم إلى سلوك قويم أو يحل لهم مشكلة معينة. و هكذا سهل على المسلمين أن يفهموه ويعملو بأحكامه.

 

ولكن هذه الأجزاء المتفرقة التي نزلت في غير ترتيب، اجتمعت في النهاية في كتاب كامل بديع التنسيق، لأنها كانت تنزل وفق الصورة الكاملة للقرآن الكريم، التي كانت في علم الله منذ البداية.

ومن دلائل هذا الإعجاز أيضا أن القرآن العظيم نزل على نبي أمي لا يقرأ و لا يكتب. و مع أن الرسول البليغ الفصيح قد أعطي جوامع الكلم، نرى أن أسلوب الحديث الشريف مخالف تماما لأسلوب القرآن الكريم. ولو كان القرآن كلام محمد لتشابه الأسلوبان، أو لأصبحا أسلوبا واحدا.

ومن إعجاز القرآن الكريم إخباره الصادق بالغيب. ففي القرآن الكريم كثير من قصص الأولين. قال تعالى( ذَٰلِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ ۚ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) آل عمران 44.

 

وفي القرآن أيضا كشف عما كان يسره المنافقون ويدبره الكفار في الخفاء. و فيه أيضا نبوءات عن أحداث سوف تقع ثم وقعت فعلا، كالتبشير بفتح مكة، و الإخبار عن انهزام الروم ثم انتصارهم بعد ذلك (أول سورة الروم).

وفي القرآن أيضا إشارات لحقائق علمية لم يتوصل إليها العلماء إلا في قرون لاحقة و بعد دراسات طويلة متلاحقة، و بعضها لم ينكشف إلا في عصرنا الحاضر.

قال تعالى(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) فصلت 53.

 

و هذا هو ما يعبر عنه في هذه الأيام «بالإعجاز العلمي» للقرآن الكريم. و هو أمر يجب ألا يتصدى له إلا العالمون بالتفسير اللغوي البياني الصحيح للقرآن الكريم، مع تمكنهم من العلوم الحديثة، وتمتعهم بنفاذ البصيرة و دقة الاستنتاج.

والصدق المطلق للقرآن الكريم هو – طبعا – الشيء الوحيد المنتظر من خالق الكون، عالم الغيب والشهادة.

قال تعالى(أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) النساء 82.

وسوف تتتابع اجتهادات المؤمنين في محاولات فهم دلائل إعجاز القرآن الكريم،بقي المؤمنون وبقيت معهم هذه المعجزة الخالدة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى