البيئة

ظاهرة “الانفجار السكاني” ومدى تأثيرها على العالم

2007 في الثقافة والتنوير البيئي

الدكتور ضياءالدين محمد مطاوع

KFAS

ظاهرة الانفجار السكاني البيئة علوم الأرض والجيولوجيا

تعد قضية الانفجار السكاني من أبرز القضايا ذات المردود السلبي المهدد للجنس البشري على كوكب الأرض حيث تنذر بتصدع التوازن الطبيعي داخل المحيط الحيوي.

 

أولاً: خلفية نظرية حول المشكلة السكانية

قديما كان عدد السكان مرهونا بوفرة ما يتغذون عليه من فرائس وثمار وغير ذلك، وكانوا أكثر عرضة للأمراض الفتاكة التي تحد من تزايدهم.

وقد قدر تعداد الجنس البشري أيام المسيح عليه السلام بحوالي ربع بليون نسمة (250 مليون)، تضاعف عام 1650م إلى نصف بليون تقريبا، ثم تضاعف العدد مرة ثانية إلى حوالي البليون عام 1850م اي بعد قرنين من الزمان.

ثم تضاعف مرة ثالثة إلى البليونين عام 1930م أي بعد ثمانين عاما فقط، ثم استمرت الزيارة حتى وصل التعداد أخيرا إلى أربعة بلايين عام 1975م.  وقد تجاوز أعداد سكان العالم ستة بلايين نسمة في عام 2000م.

 

لقد كان عدد السكان جمهورية الصين الشعبية 541,67 مليون عام 1949م.  ونتيجة الاستقرار، وتطور الإنتاج، وتحسن الظروف الطبية والصحية وإهمال تنظيم الأسرة ونقص الخبرة في هذا المجال، ازداد عدد السكان ازديادا سريعا. 

فقد وصل إلى 806,71 مليون نسمة في عام 1969م.  ولمواجهة المشكلة السكانية المتفاقمة، شرعت الصين ابتداء من سبعينيات القرن العشرين في تنفيذ سياسة تنظيم الأسرة. 

وقد تحكمت في الزيادة السكانية حتى انخفضت نسبة الزيادة الطبيعية سنويا.  وحتى 2001م، انخفضت إلى أقل من 13,38 بالألف.  وقد وصل عدد سكان الصين عام 2005م إلى (1,33) مليار نسمة تقريبا.

لقد أصبحت الزيادة الضخمة في أعداد أفراد الجنس البشر يتمثل انفجارا سكانيا خطيرا يهدد التوازن بين معدلات الزيادة في السكان ومعدلات نمو الموارد البيئية المتاحة. 

 

واضحت الثقافة السكانية من الثقافة الضرورية، حيث تتطلب دراسة القضية السكانية التطرق إلى مفهومها وبعض مظاهرها، والحلول المقترحة لها، ولا سيما انها تحوي في طياتها السكانية العديد من المشكلات، مثل: ارتفاع معدل البطالة، والضغط على الخدمات، وارتفاع الطلب على المواد الغذائية والمواد الطبيعية، وانخفاض المستوى الصحي والتعليمي والاقتصادي. 

ففي العصور السابقة وقبيل الثورة الصناعية بالتحديد، كان معدل الزيادة السكانية منخفضا للغاية، وكان الواقع اقرب إلى حالة التوازن بين الجانب السكاني والجانب الإنتاجي.

إن مسألة إعادة التوازن بين الموارد البشرية (السكان) من جهة، والموارد الطبيعية والإنتاجية من جهة أخرى، صارت الهم الأكبر للدول المتقدمة والنامية على حد سواء، وخاصة في ظل ظواهر الزيادة الهائلة في معدل النمو السكاني، حيث تؤكد الاحصائيات تضاعف عدد سكان الكرة الأرضية كل ثلاثين أو أربعين سنة، مما يؤدي إلى فرض ضغوط كبيرة من الموارد، وتكون هذه الضغوط أكثر تأثيراً في الدول النامية.

 

وأشار التقرير النهائي للمؤتمر العالمي للسكان والتنمية بالقاهرة (5 – 13/9/1994م) إلى أن العالم قد شهد تحولات كبيرة خلال العقدين الأخيرين، وحدث تقدم ملموس في مجالات عديدة لصالح البشرية بفضل جهود وطنية ودولية، إلا أن الدول النامية ما زالت تواجه صعوبات اقتصادية جدية، ومناخا اقتصاديا عالميا غير ملائم، إلى جانب ارتفاع أعداد السكان الذين يعيشون في فقر مدقع في العديد من الدول.

ففي عالم اليوم تتعرض الموارد الأساسية للنقص والنضوب.  كما تتعاظم ظواهر التراجع البيئي ولا سيما الأساليب غير الملائمة لعمليات الإنتاج والاستهلاك وارتفاع الزيادة السكانية بصورة لم يسبق لها مثيل. 

فقد انتشرت مظاهر الفقر المزمن، وعدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية، هذا بالإضافة إلى الظواهر البيئية الاخرى، مثل التغيرات الحادثة لمناخ الكرة الارضية، والتي تعود بدرجة كبيرة إلى طبيعة الأساليب غير الملائمة في الإنتاج والاستهلاك، مما يؤثر في واقع الحياة الحاضرة ويهدد مستقبل معيشة الأجيال القادمة.

 

إن معظم الزيادة السكانية في العالم تتم في البلدان النامية غير القادرة على تحملها، حيث تبلغ نسبة الزيادة السكانية نحو 92% من الزيادة العالمية في كل من آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وهي التي تضم 77% من سكان العالم، وقد أطلق على هذه الزيادة السكانية السريعة مصطلح "القنبلة السكانية".

وباتت تثير القلق والتساؤلات حول مدى كفاية الموارد الاقتصادية بشكل عام، والموارد الغذائية بشكل خاص، ومدى التناسب بين نمو السكان وتنمية الموارد. 

وقد أوضح البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة أن عدد الذين يعانون من سوء التغذية في العالم يقدر بنحو 840 مليون إنسان، وهناك نحو مليار لا يجدون الحاجات الأساسية للعيش الكريم، و 3 مليارات يعيشون بأقل من دولار في اليوم الواحد

 

وتعد القضية السكانية من أهم التحديات التنموية التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار، ولا سيما مع استمرار التطور العلمي في مختلف الميادين، وبصورة خاصة في القرن العشرين، حيث برزت ظواهر ومشكلات سكانية متعددة، حفزت الباحثين والعلماء على دراستها وتحليلها، لمحاولة بيان أسبابها الاقتصادية والاجتماعية، ونشأت كذلك مدارس فكرية حديثة تتبنى وجهات نظر متباينة. 

وأصبح مجال الدراسة السكانية من المجالات الأساسية بل والضرورية اقتصاديان وهي تتعلق بالوعي الاجتماعي الاقتصادي، وبطريقة تعرف الواقع الديموغرافي والاقتصادي السائد، ونسب التكاثر وارتباطها بالانتعاش الاقتصادي، وخريطة الفقر وتوزعه. 

ويتطلب ذلك التوعية بمدى فعالية النشاط الاقتصادية والسياسي الذي يقوم به الإنسان، وما لها من أبعاد استشرافية للآفاق التي سيصل إليها هذا النشاط السكاني، الذي تغلب عليه صفة استهلاك الموارد البيئية.  كي يتخذ مواقف وتوجهات غيجابية لحماية المجتمع من مخاطر التغيرات السكانية العشوائية.

وعلى الرغم من أن هذه المفاهيم ليست حديثة العهد، ولكن الاهتمام بها يجب أن يتجدد دوما لأهميتها في دراسة المجتمعات وتطوراتها السكانية. 

 

فالهموم السكانية تعبر عن مجمل الهموم التنموية لأي مجتمع، وهي رصد لتطور الحركة الاقتصادية والاجتماعية والبيئية له، ولها انعكاسات اقتصادية وسياسة متعددة.

ومما يزيد القضية السكانية تعقيداً التفاوت في الموارد الطبيعية والاقتصادية والبشرية بين دول العالم، وهذا التفاوت لا يوجد بين دول العالم فحسب، بل يوجد ضمن حدود الدولة الواحدة، حيث توجد مناطق من العالم توصف بأنها اقاليم الجوع، وهي الاقاليم التي لا يتوافر فيها للفرد الحد المناسب من السعرات الحرارية، ومعظم هذه الاقاليم تقع في إفريقيا والشرق الأقصى.

واستعراض نظرية عالم الاجتماع البريطاني "مالتوس" التي ظهرت في أوائل القرن التاسع عشر، والتي أشار فيها إلى أن تزايد السكان يسبب ضغطاً على مصادر الغذاء، مما يزيد من انتشار المجاعات والأمراض والحروب.

 وكان "مالتوس" من أوائل من دعوا إلى تحديد النسل ليحدث التوازن بين السكان والغذاء.  وطرح نظريته المشهورة القائلة بأن: على الإنسان أن يوافق بين معدلات النمو السكاني المتزايدة بمتواهية هندسية (1-2-4-8-16…)، وبين معدلات نمو غذائه ومحاصيله التي تتزايد بمتوالية عددية (1-2-3-4-5..).  لكن معدلات تزايد الموارد في الفترة نفسها لا يتعدى 9% من الموارد فقط. 

 

وقد أوضح "مالتوس" أن التزايد السكاني في العالم هو سبب الحروب، نظراً لمحاولات الإنسان التوسعية لنطاق نفوذه بسبب التزايد السكاني، مما سيؤدي إلى حروب كارثية في العالم.

وقد أوحت تلك النظرية بعد شيوعها إلى العالم "دارون" التفكير في مبدأ الانتخاب الطبيعي، والبقاء للاصلاح بين الكائنات الحية.  ولكن في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، تمكن التقدم العلمي والتكنولوجي في ميادين الزراعة والصناعة من التقليل من مفعول نظرية "مالتوس"، لكن شبح هذه النظرية بدأ يطل على العالم من جديد. 

ففي أواخر القرن العشرين، طغى في كثير من الدول تزايد السكن، ومن ثم زادت معدلات استهلاكهم للغذاء، وذلك على الرغم من الجهود المبذولة لتحسين مستوى الإنتاج الزراعي والغذائي.

 

وطبقا للمبادئ الأساسية لعلم البيئة، ينبغي أن يكون عدد الكائنات الحية في أي نظام بيئي مرتبط بسعته او قدرته المحدودة على الإنتاج والعطاء.  وجميع الكائنات الحية في أي نظام بيئي يكون لها نمط متقارب من التزايد في الأفراد، أو ما يعرف بمنحنى النمو العددي، وهو الذي يبدأ في الصعود اي في الزيادة السريعة في عدد الأفراد، ثم يصبر مستويا في وضع أفقي تقريبا.

وعلى ضوء الواقع الراهن، لو قدر لزوجين أن ينجبا أربعة أطفال، لتضاعف سكان العالم في كل جيل مرة.  فإذا اعتبرنا أن القرن الواحد يشهد ثلاثة أجيال (الأب والابن والحفيد) فإن سكان العالم يقفز عددهم إلى ثمانية أمثاله في قرن واحد، وإلى أربعة وستين مثلا في قرنين. 

يقابل هذا أنه لو قدر للزوجين ان ينجبا ما يزيد قليلا على طفلين، فإن النمو العالمي للسكان سيتوقف، وإن كان هذا لا يتم قبل انقضاء جيلين، وهذه الفترة ناشئة عن الأعداد الكبيرة من الصغار الذين ما يزال أمامهم أن يكبروا وينجبوا. 

 

وهكذا؛ لو قدر أن ينخفض في الغد عدد الأطفال الذين يولدون إلى مستوى الإحلال والتعويض، أي إلى الحد الذي ينجب فيه كل زوجين طفلين يحلّان محلهما في عدد السكان بعد وفاتهما، فإن عدد السكان سيصل إلى نقطة الصفر في النمو السكاني، اي أن السكان لن يزدادوا في العدد. 

وهذا لا يعني أن بلاد العالم سوف تتوقف عن خططها التنموية، وعلى العكس من ذلك فإن كل خطط التنمية سوف تكرس لتحسين نوعية الحياة.

لقد ركزت اهتمامات الديمغرافيين  والخبراء في المجال السكاني ابان العقود الثلاثة الأخيرة على معرفة مدى فاعلية وتأثير برامج وسياسات تنظيم الأسرة التي يتبناها العديد من الدول النامية على خفض معدلات الخصوبة، وبالتالي تاثيرها أيضاً في خفض معدلات التزايد السكاني.

فحدوث تبدلات في العوامل المشجعة على السلوك الإنجابي يرتبط بالتحولات الاجتماعية الاقتصادية التي تجري في المجتمع ونظام الحياة وأنماط المعيشة فيه.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى