العلوم الإنسانية والإجتماعية

خصائص مفهوم “المرحلة” الذي حددها بياجيه

1995 مستويات النمو العقلي

الدكتور محمد مصيلحي الأنصاري

KFAS

خصائص مفهوم المرحلة الذي حددها بياجيه العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

حدد بياجيه خصائص المرحلة أو المحكات التي يمكن الاعتماد عليها في التمييز بين مرحلة وأخرى في اربع من الخصائص : ثبات نظام تتابع المراحل ، التكامل داخل المرحلة الواحدة ، ثم وجود فترة للتحضير والإنجاز في كل مرحلة .

– بخصوص ثبات نظام تتابع المراحل ، يعد هذا المحك ، هو المحك الرئيسي في وجود مفهوم المراحل من عدمه .  إذ أن اول ما يلزم لإثبات وجود المراحل هو أن تظهر هذه المراحل في شكل متتابع وثابت لدى مختلف الافراد ، فلا يحدث (جدلاً) أن ينتقل فرد من المرحلة الحسحركية إلى المرحلة الشكلية وآخر إلى مرحلة العمليات المحسوسة وهكذا.

وما يؤكده بياجيه باستمرار (Piaget, 1960) أن المقصود في ثبات تتابع المراحل ليس العمر الذي تظهر فيه خصائص مرحلة ما ، بل إن المقصود أن هذا الفرد قد انتقل من المرحلة (أ) إلى المرحلة (ب) مثلما حدث مع غيره من الأفراد وبصرف النظر عن اتفاقهم أو اختلافهم في العمل الذي انتقلوا فيه من المرحلة (أ) إلى (ب) . 

وهذا ما نجده مثلاً في انتقال الطفل في مشكلة عمل تسلسل من عدد من العصى مختلفة الاطوال ، حيث يفسرها الطفل بداية معتمداً على الإدراك ثم ينتقل إلى التفسير المعتمد على الاستقراء وهو انتقال كيفي يسمح بالإضافة إلى مظاهر أخرى بالقول بأن هذا الطفل قد انتقل من مرحلة إلى أخرى. (Flavell, 1971, p. 32) .

 

– بخصوص التكامل بين المراحل فمن الواضح أن المخططات العقلية والبنى المعرفية أو التراكيب العقلية عموماً التي تظهر في مرحلة ما تصبح جزءاً متفاعلاً ومتكاملاً مع تراكيب المرحلة التي تليها ، وهو ما كان يطلق عليه البعض اسم الهرمية في التركيب العقلي.

وهو في الحقيقة تأكيد لأن الانتقال من مرحلة إلى المرحلة التي تليها يعبر عن صيغة من صيغ التقدم التي يكتسبها النمو العقلي عبر المراحل ، والفكرة الأساسية هنا هي أن البنى المعرفية المبكرة او الأولية لا تسقط ببساطة خلال النمو العقلي ، لكن يبنى منها أساساً بنى اكثر تقدما.

مثال ذلك انتقال الطفل من النظر والمسك إلى التقاط الاشياء مباشرة (Brainerd, 1978, p. 32) أو انتقال الطفل من مرحلة العمليات المحسوسة إلى مرحلة العمليات الشكلية في مطلع المراهقة ، وذلك يعني أن البنى المعرفية الأخيرة لا تعد بنى معرفية قد اتت من فراغ ، لكنها بنى معرفية تعتمد أساساً على البنى المعرفية السابقة ، وتمهد في نفس الوقت للبنى المعرفية اللاحقة في المحتوى والمضمون (غنيم 1974: 145) .

– بخصوص التكامل في المرحلة الواحدة ، يزعم بياجيه أن مختلف البنى المعرفية التي تحدد خصائص مرحلة ما لا بد وأن تتسق في كل مرحلة قبل الإعلان عن الدخول إلى مرحلة جديدة ويستعمل بياجيه تعبيراً يشير إلى هذا التوحد Structures d’ensemble

وان تصل البنى المعرفية إلى حالة من التوازن النسبي في مرحلة ما ، حتى تكشف بصورة متميزة عن درجة عالية من الترابط والتوافق ، أي كما لو كانت جزءاً من نظام كلي متماسك يعد العلامة المميزة لبلوغ بنى معرية ما لمرحلة معينة (كرم الدين ، 1976: 30) .

 

– أما بخصوص فترتي التحضير والإنجاز أو الإعداد والاكتمال في كل مرحلة ، فإن بياجيه يشير إلى ذلك بالقول بأن أي مرحلة جديدة لا يتجسد تفتحها الكامل في لحظة ما محددة من الزمن ، بل إن هناك تتابعات من تحسينات تراكمية في كل من البنية والمحتوى تحدث بني المراحل ، بحيث تحمل الفترة التحضيرية والتي تسبق عادة توسيع البنى المعرفية لتتضمن مدى أوسع من المعلومات والمواقف.

والعلامة الرئيسية المميزة للفترة التحضيرية في أي مرحلة هي ان خصائص المحتوى المعرفي في هذه المرحلة تكون غير مستقرة ، فاحياناً سلوك الاطفال يجعلها تبدو كما لو كان الاطفال داخل هذه المرحلة وأحياناً أخرى خارج هذه المرحلة . 

 

لكن عندما تختفي تدريجيا وإلى حد كبير هذه السلوكيات غير المستقرة من خصائص المحتوى المعرفي عندئذ يقول بياجيه إن الطفل قد انتقل إلى فترة الإنجاز ، والتي يفترض ان البنى المعرفية تعمل خلالها ككل متكامل وليس كأشياء منعزلة وبلغة بياجيه فإن البنى المعرفية تصبح في حالة الاتزانية التي تسمح باستقرار فترة الإنجاز . 

هذا الانتقال من فترة التحضير إلى فترة الإنجاز في كل مرحلة تجعل عملية النمو ليست متجانسة في جميع نقاطها من وجهة نظر التنظيم المعرفي ، (Tanner & Inhelder, 1975) (Dolle, 1974, pp. 58-59).  نقطة ملفتة للنظر أخيرة في التمييز بين فترتي التحضير والإنجاز وتتمثل في أن بياجيه يحث على وجوب معاملة النمو العقلي كناتج للتفاعل بين عوامل الوراثة والبيئة .

 

وإن كان بعض من درسوا بياجيه لا يوافقون على ذكل ويعدونه أحد الداعين وبشدة إلى تفسير النمو في ضوء عوامل الوراثة مثل (Beilin, 1971)، وليتجنب بياجيه الجدل الدائر بين التجريبيين والطبيعيين في هذا المجال وما انتهى إليه الباحثون في محكات مثل : إلى أي مدى يميل السلوك لأن يكون نمطياً منذ بزوغه ، أو ما هي سرعة تغير السلوك كوظيفة للعمر

لقد باعد بياجيه بين مثل هذا الجدل وبين التمييز بين مرحلتي التحضير والإنجاز وليقرر أن الفترة التحضيرية تسمح بسرعة تغير السلوك كما تسمح في نفس الوقت بالبزوغ البطىء للبنى المعرفية للمرحلة الجديدة .

هناك أحد المظاهر التي اختلف حول تقويمها كثير من الباحثين فيما يتعلق بمفهوم المراحل ، ويتمثل في فكرة الفارق الافقي والفارق الرأسي (Horizontal Declage & Verticale Decalage) في مقابل فكرة التتابع الرأسي بين المراحل والتتابع الافقي داخل المراحل حسبما تحدث عنها بياجيه.

 

لقد عَدّ بعض الباحثين أن الفارق الافقي أو الرأسي ليس من الخصائص ، أو أنه لا يرقى إلى مستوى خصائص المراحل في حين عد البعض الآخر أن الفارق الرأسي والأفقي .  هو الخاصية الخامسة من خصائص مفهوم المراحل (غنيم: 1974: 146) .

هذا الملمح من ملامح المراحل يعني بكل بساطة تواجد فارق زمني داخل المرحلة الواحدة بين ظهور أحد المحتويات المعرفية ومحتوى آخر ، أي أن يظهر محتوى معرفي مبكراً عن المحتوى الآخر ، وبعد فترة زمنية معنية قد نجد العكس من حيث ظهور أي من المحتويين المعرفيين.

مثال ذلك ما نلاحظه من وصول طفل إلى مستوى من العمليات المعرفية يمكنه من حل مشكلات الاحتفاظ بالحجم ، لكنه لا يستطيع في نفس الوقت أن يؤدي أداء صحيحاً في مهام تتعلق بالاحتفاظ بالوزن . 

 

فلو ناقشنا الموضوع من وجهة نظر الخاصية الثالثة التي تقضي بالتكامل في المرحلة الواحدة لقلنا إن المتوقع أنه ما دام الطفل قادرا على الاحتفاظ فإنه يستطيع الاحتفاظ بالعدد والحجم والشكل والوزن وغيرها وذلك ما لا نجده في حقيقة الامر ، وإن كان ذلك لا يقلل من قيمة هذه الخاصية الثالثة وهي خاصية التكمال داخل المرحلة الواحدة لكنه يتعلق بالظروف البيئية ونوع الخبرة وطبيعة المهام التي يواجهها الطفل . 

أما الصيغة الثانية من صيغ هذا الفارق فهي ما يعرف بالفارق الرأسي وهي تحدث بين المراحل ويتصل بمستوى أداء الوظيفة العقلية ، فمثلاً يستطيع طفل مرحلة العمليات المحسوسة ان ينتقل من مكان لآخر في سهولة وفي حدود البيئة التي يعيش فيها . 

ولكن لو طلنبا منه أن يحدد مواقع كل مكان ينتقل منه وإليه وذلك بشكل لفظي يحدد مستوى قدرته على التعبير المكاني أو ما يتمتع به من تصورات ذهنية مكانية فإن ذلك قد يستغرق منه سنوات لا يصل إليها إلا بعد دخوله في مرحلة النمو العقلي التالية .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى