التاريخ

الأماكن التي تشهد انتشار مرض الجذام

1995 أمراض لها تاريخ

حسن فريد أبو غزالة

KFAS

مرض الجذام التاريخ المخطوطات والكتب النادرة

البحث عن مصدر الأمراض الأول ومنبعها منذ البدء أمر يرقى إلى مرتبة الإستحالة فهذا أمر يغرق في ظلمة المجهول، لهذا لو سألنا متى نشأ الجذام؟ومن أين أتى؟ فلن نتوقع جواباً محدداً من أحد  ولكن الذين اجتهدوا أفتوا فقالوا: إنها الحبشة وما جاورها من البلدان الواقعة في شرق إفريقيا، بل إنها لا زالت موطن الداء وبؤرته حتى يومنا هذا الذي نحن فيه.

وعندما اكتسحت جيوش فراعنة مصر تلك المواقع من العالم، وقامت التجارة فيما بينها وتبادلوا المنافع والمضار، كان الجذام بعض هذه البضائع، فقد وصل إلى مصر وشاع فيها وانتشر، ولم ينتشر فيها وحدها ولكنه تسرب إلى العالم المعروف كله.

إن معبد حتشبسوت في الدير البحري بصعيد مصر حافل بالرسوم وبالنقوش تملأ جدرانه، والتي تؤكد لنا هذه الحقيقة التاريخية.

ففي ركن من أركان المعبد يلمح الزائر رسماً لأمير من أمراء البُنْط (هكذا كان اسمها عند المصريين القدامى) وهي أرض الصومال في زماننا هذا ترافقه زوجته التي يبدو من رسمها على الجدار، أنها كانت بدينة مشوهة القوام، تعاني من مرض من أمراض تلك البقاع، حار في تعليله الأطباء، فمنهم من قال إنه داء "الفيل" ومنهم من قال إنه "الجذام" فيما فسره البعض الاخر بمرض وراثي اسمه مرض "داركوم".

على أية حال فمن إجماع الأطباء والمؤرخين يبدو أن البلاد الإفريقية كالحبشة والصومال وغيرهما كانت مستودع المرض، بل ولا زالت هي كذلك، لهذا فقد ورد المرض إلى مصر مع أسرى  تلك البلاد ممن أتى بهم فراعنة مصر في حروبهم معها، وجاء مع تجارها الباحثين لهم عن سوق في مصر.

 

لقد سجل تاريخ الأمراض شيوع "الجذام" في  أرض الفراعنة، ومنها على ما يبدو شاع وتحوصل في فئة سكنت مصر قديماً هم اليهود، لهذا كثر ذكر "الجذام" في كتبهم الدينية وخاصة لدى كتاب التوراة، وكانوا يسمونه عندهم البرص، ومن فرط معاناتهم منه كانوا يحذرون كل الحذر، ويخافون من مرضاه، ويعتبرونهم نجسين منبوذين، لا يقترب منهم أحد ولا هم يقتربون من أحد، وربما كان هذا أحد أسباب تحوصلهم وعزلتهم، فلم يعهد في أي كتاب مقدس ذكر لمرض ولا وصل للطقوس المتبعة للتعامل مع مريضة كما ذكر عن الجذام في التوراة، حيث كان يسمى البرص في عرفهم

ففي الإصحاح الثالث عشر من التوارة مثلاً سوف نجد هذا النص "وعلم الرب موسى وهارون قائلاً: إن كان إنسان في جلده ناتئ، أو قوباء أو لمعة ثم تصير في جلد جسده ضربة برص، يؤتى به إلى هارون الكهن، أو إلى أحد أبنائه الكهنه، فإذا كانت لامعة بيضاء في جلد جسده، ولم يكن منظرها أعمق من الجلد، ولم يبيض شعرها يحجز الكاهن هذا المضروب سبعة أيام، فإن رآه الكاهن في اليوم السابع مرة ثانية والضربة كامدة اللون، ولم تمتد بالجلد، يحكم الكاهن بطهارته .. إنها حزاز فيغسل ثيابه وتكون طاهرة، هكذا وصفوا المرض وعالجوه.

وأمراض الجلد كلها كانت موضع اهتمام خاص عند اليهود، ويتصدرها مرض البرص الذي كان يشغلهم التشخيص التفريقي له مع الأمراض المشابهة، لأنه في عرفهم مرض نحس وصاحبه معزول منبوذ على أية حال، فقد حمل اليهود معهم ضمن ما حملوا حين هربوا من ظلم فرعون مصر، الذي يميل المؤرخون إلى تحديده بشخصية "رمسيس الثاني"، الذي حكم مصر فيما بين سنتي 1290-1224 قبل الميلاد..

 

حملوا الجذام معهم ونقلوه إلى الكنعانيين في أرض الميعاد فلسطين، ومنهم تسرب أيضاً إلى أرض الجزيرة العربية فعرفه العرب القدامى، بعدهم، وأصابهم، واستقر في قناعتهم بأنه مرض خطير صاحبه منبوذ، لا بد من أن يحذره الناس حذرهم من حامل داء خطير.

لهذا لا عجب أن نجد صدى ذلك في الأحاديث النبوية الشريفة التي تتواتر محذرة المسلمين من هذا المرض العضال الذي لا يؤمن جانبه.

والحديث الشريف المألوف "فر من المجذوم فرارك من الأسد"، هو تأكيد لهذا المعنى لخطورة المرض بقدر خطر الاسد المفترس على الإنسان… أو ربما كان اختيار الأسد في التشبيه دون باقي الحيوانات إنما كان لتقارب ملامح المريض المصاب بالجذام الدرني مع ملامح وجه الأسد.

وبهذه المناسبة لا بد أن نشير إلى أن للجذام صورتين إحداهما صورة لجذام الدرني الذي يتشكل على هيئة درنات في الجلد ظاهرة وملموسة في الوجه واليدين، وآخر هو الجذام العصبي الذي يتلون فيه الجلد ويبهت، مع فقدان الإحساس في المواقع المصابة من الجلد أو الغشاء المخاطي.

 

وفي موضع آخر يؤثر عن الرسول الكريم قوله "كلم المجذوم وبينك وبينه قدر رمح أو رمحين" كما قيل على لسانه أيضاً عليه الصلاة والسلام "لا تديموا النظر إلى المجذوم"، ومما يروى أن وفداً من ثقيف قدم الرسوم وبينهم رجل مجذوم، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم من يقول "إنا بايعناك فارجع".

هذا ما كان من أمر الجذام في رحيله شرقاً، أما ما كان من رحيله غرباً فقد وصل إلى روما وإمبراطوريتها المترامية الأطراف، فكانت هذه المدينة عاملاً هاماً في انتشاره على النطاق العالمي، وقد زعموا أيضاً أن العرب في توسعاتهم عبر مضيق جبل طارق نحو الأندلس نقلوه إلى هناك.

ومن بعد الأندلس وصل إلى فرنسا مع رجال "عبد الرحمن الغافقي"، الذي وقف تقدمه عند حدود بلاط الشهداء حيث استشهد عام 732 للميلاد.

ربما كان السرد التاريخي على هذا النحو الذي فصلناه إنما ورد لتحميل مسؤولية انتشار الجذام الكريه على كاهل اليهود والمسلمين، وهو سرد يدفعه الهوى والحقد، ليعبر عما يتعارف عليه بالعداء للسامية بمعناها الشامل، ، لأن اليهود والعرب معاً هم أقوام – فيما يدعي الغرب – سامية في أصولها.

غير أن الأساطير التي تروى في شمال أوروبا غرباً أو في أرض الهند والصين شرقاً، تؤكد لنا أن معرفة سكان تلك البقاع بالجذام، بل ومحاولة علاجه بما توافر لأهل تلك الأزمان هي معرفة قديمة وإنها أقدم من اليهود والعرب معاً.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى