علوم الأرض والجيولوجيا

كيفية تكوين “اللُّؤلؤ”

2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر

عبد الرحمن أحمد الأحمد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

اللؤلؤ كيفية تكوين اللؤلؤ علوم الأرض والجيولوجيا

عُرِفَ اللُّؤْلُؤُ منذُ أَقْدَمِ العُصورِ، فهو يُعْرَضُ في متاحِفِ العالَمِ شاهِدًا علَى حُبِّ الأَقْدمينَ في مُخْتَلِفِ حضَاراتِ الدُّنْيا للتَّزَيُّنِ بِجواهِرِ اللُّؤْلُؤِ الثَّمينَةِ.

بل إِنَّ القرآنَ الكريمَ ذَكرَ أَنَّ أَصحابَ الجنَّةِ يُحَلَّوْنَ به أو بأساورَ مُرَصَّعَةٍ به (الحج: 23، فاطر: 33).

وقَدْ أَدْرَكَ عَرَبُ الجَزيرَةِ العَرَبِيَّةِ قيمةَ هذا الجَوْهَرِ النَّفيس فاشْتَغَلُوا قُرونًا باسْتِخراجِهِ مِنَ البحارِ المُحيطَةِ بِهِم خلالَ مَواسِمِ غَوْصٍ مُحَدَّدَةٍ، يركبونَ فيها الصِّعابَ بحثًا عنْ دُرَرِ البَحْرِ الّتي قَدْ تَجْلِبُ لَهُم الرِّزْقَ الوفيرَ.

ولكنَّ ذَلِكَ كانَ دائِمًا مَحْفوفًا بالمَخاطِرِ، كالاخْتِناقِ تحتَ الماءِ أو هجومِ أَحَدِ القُروشِ المُتَوَحِّشَةِ.

 

ومَعَ تَزايُدِ السُّكَّانِ وتَسارُعِ حَرَكاتِ النَّقْلِ البَحَرِيِّ وظُهورِ الثَّرْوَةِ البِتْرولِيَّةِ وما صاحَبَها من أَنْشِطَةٍ بَحْرِيَّةٍ وصِناعِيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ – بَلْ ومِنْ تَلَوُّثٍ لِمِياهِ البِحارِ – أَخَذَتْ ثَرْوَةُ اللُّؤْلُؤِ الطَّبيعِيِّ في التَّناقُصِ. 

كما لَمْ تَعُدْ حِرْفَةُ الغَوْصِ لاسْتِخراجِهِ مُجْدِيَةً اقْتِصادِيًّا، فانْصَرَف النَّاسُ عَنْها إلَى الأَنْشِطَةِ الأُخْرَى. كذَلِكَ ظَهَرَ اللُّؤْلُؤُ المَزْروعُ في بِلادِ الشَّرْقِ الأَقْصَى، وراحَ يَحْتَلُّ مَكانَ اللُّؤْلُؤِ الطَّبيعِيِّ في أَسْواقِ العالَمِ.

 

وقَدْ كانَ اللُّؤْلُؤُ الطَّبيعِيُّ مَصْدَرَ إِلْهامٍ لِلْكثيرِ مِنَ الشُّعراءِ، ومِنْ ذَلِكَ ما قالَهُ حافِظ إِبْراهيم:

أَنا البَحْرُ في أَحْشائِه الدُّرُّ كامِنٌ                   

فهل ساءَلوا الغَوَّاصَ عَنْ صَدَفاتِي

وذَلِكَ كِنايَةً عَنْ بَحْرِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ العَميقِ.

 

ولكنْ مِنْ أَيْنَ يأْتِي اللُّؤْلُؤُ؟

يَنْتُجُ اللُّؤْلُؤُ مِنْ أيِّ حيوانٍ رِخْوِيٍّ يَحْمِلَ صَدَفَةً، لَكِنَّ المَحارِيَّاتِ ذاتَ المِصْراعَيْن، بَلْ أَنْواعٌ مُعَيَّنَةٌ مِنْها، هي الّتي تُنْتِجُ لآلئَ ثمينةً وذاتَ قيمةٍ تِجارِيَّةٍ. 

وبخاصَّةٍ نوعٌ اسْمُهُ العِلْمِيُّ «بِنْكْتادا مَرْجِرِيتِيفِرَا» المَعْروفُ في مياهِ البِحارِ الدَّافِئَةِ كالخليجِ العَرَبِيِّ والبَحْرِ الأَحْمَرِ والمُحيطَيْن الهِنْدِيِّ والهادِي.

 أَمَّا الأَنْواعُ الأُخْرَى فتكونُ إِفرازاتُها اللُّؤْلُؤِيَّةُ غيرَ منتظِمَةِ الشَّكْلِ، أو قَدْ تلتصِقُ بالصَّدَفَةِ فتفقِدُ جمالَها وقيمَتَها.

كذَلِكَ قَدْ يَنْتُجُ اللُّؤْلُؤُ في مَحاراتٍ أُخْرَى يَسْتَخْدِمها الإنْسانُ في الغِذاءِ لَكِنَّها تَفْقدُ بَريقَها خلالَ الطَّبْخِ. بَلْ إِنَّ مِنْ مَحارِيَّاتِ المِياهِ العَذْبَةِ أَنْواعٌ لها القُدْرَةُ علَى إِنْتاجِ لآلئَ أَقَلَّ جَوْدَةً وانْتِشارًا

 

يَتَرَكَّبُ مَحَارُ اللُّؤْلُؤِ مِنْ جِسْمٍ رِخْوٍ ومُفَلْطَحٍ، يُغَطَّى علَى جانِبَيْهِ بِصَدَفَةٍ ذاتِ مِصْراعَيْن لِلْحِمايَةِ، وتَتَكَوَّنُ كُلُّ صَدْفَةٍ مِنْ طَبَقَةٍ قَرْنِيَّةٍ خَشِنَةٍ لِلْخارِجِ، وطَبَقَةٍ مَنْشورِيَّةٍ في الوَسَطِ، ثمَّ طَبَقَةٍ لُؤْلُؤِيَّةٍ بَرَّاقَةٍ (تُعْرَفُ بأُمِّ اللُّؤْلُؤِ) للدَّاخِلِ، وهذه يُفْرِزُها نسيجٌ غُدِّيٌّ يُغَلِّفُ جِسْمَ المَحارِ يُعْرَفُ بالبُرْنُسِ.

والّذي يَحْدُثُ عادَةً أَنْ تَدْخُلَ حَبَةُ رَمْلٍ أو أيُّ جِسْمٍ غريبٍ، أو حتَّى كائِنٌ طُفيلِيٌّ، ويُحْتَجَزُ بَيْنَ أَحَدِ مِصْراعَيْ الصَّدَفَةِ والبُرْنُسِ.

ولا يستطيعُ الحيوانُ أَنْ يَلْفُظَ هذا الجسمَ الغريبَ إلَى الخارِجِ فيبدأُ في إِثارَةِ أَنْسِجَةِ البُرْنُسِ فتُفْرِزُ حَوْلَهُ طبقاتٍ مُتوالِيَةً مِنْ مادَّةِ اللُّؤْلُؤِ، بِهَدَفِ الحِمايَةِ مِنْهُ والحَدِّ مِنْ ضَرَرِ وُجودِهِ بَيْنَ أَنْسِجَةِ المَحارِ.

ثمَّ تأخذُ تِلْكَ المادَّةُ في النُّمُوِّ والزِّيادَةِ في الحَجْمِ وتَأْخُذُ شَكْلَ الجِسْمِ الّذي اسْتَدارَتْ حَوْلَهُ. وهكذا تصبحُ اللُّؤْلُؤَةُ محفوظَةً مستورةً بينَ الصَّدَفَةِ والبُرْنُسِ، ولِذَلِكَ وُصِفَ اللُّؤْلُؤُ في القرآنِ الكريمِ بأنَّه «مكنون» (الطور: 24، الواقعة: 23).

 

كيفَ يُقَدَّرُ اللُّؤْلُؤُ؟

تَتَوَقَّفُ قيمةُ اللُّؤْلُؤِ علَى شَكْلِهِ وحَجْمِهِ ووَزْنِهِ ولَوْنِهِ ودَرَجَةِ «تَأَلُّقِهِ» ونُدْرَتِهِ. فاللَّوْنُ الوَرْدِيُّ أو الأَزْر َقُ الأَدْكَنُ يُضْفِي قيمَةً عالِيَةً لِلُّؤْلُؤِ. ويُقَدَّرُ الحَجْم بِغَرا بِيلَ خاصَّةٍ تَفْصِلُه إلَى أَرْبَعَةِ أَحْجامٍ مُتَدَرِّجَةٍ.

ويُقَدَّرُ الوَزْنُ بِوَحْدَةٍ تُعْرَفُ بالمِثْقالِ الّذي يَنْقَسِمُ إلَى أَرْبَعَةٍ وعِشْرينَ قيراطًا؛ والقيراطُ يتجاوَزُ خُمْسَ الجِرامِ بِقَليلٍ. ومُعْظَمُ الَّلآلِئِ المُسْتَخْدَمَةِ في صُنْعِ الخَواتِمِ والأَساوِرِ والعُقودِ هي مِنَ الأَوْزانِ  الصَّغيرَةِ.

 

ما اللُّؤْلُؤُ المَزْروعُ؟

ونظرًا لِنُدْرَةِ اللُّؤْلُؤِ الطَّبيعِيِّ وصُعوبَةِ الحُصولِ عَلَيْه، ظَهَرَتْ  «زِراعَةُ» اللُّؤْلُؤِ كَحِرْفَةٍ ومَهارَةٍ قَديمَةٍ في شواطِئِ الصِّينِ منذُ قُرونٍ، ثمَّ تَطَوَّرَتْ في اليابانِ منذُ أَوائِلِ القَرْنِ الماضِي، حتَّى أَصْبَحَتْ لها تَقْنِياتٌ مُتَقَدِّمَةٌ.

وانْتَشَرَتْ مزارعُ اللُّؤْلُؤ ِ هناكَ بالآلافِ حَوْلَ الجُزُرِ اليابانِيَّةِ – حَيْثُ يَتِمُّ تَحْضيرُ خَرَزٍ مُسْتَديرٍ مِنَ الزُّجاجِ أو المَعْدِنِ ومِنْ أَصْدافٍ أُخْرَى، ثُمَّ يُغْرَسُ في  أَنْسِجَةِ المَحارَةِ بَعْدَ فَتْحِها بِرِفْقٍ، وإعادَتِها في أَقْفاصٍ مَعْدِنِيَّةٍ تَحْتَ مياهِ الشَّاطِئِ.

وتُرَبَّى هذه المحاراتُ مُدَّةَ عامَيْن أو ثلاثَةٍ تَنْمو  خلالَها وتَتَراكَمُ طبقاتُ اللُّؤْلُؤِ حَوْلَ الجِسْمِ المَغْروسِ، ثمَّ تُجْمَعُ ويُسْتَخْرَجُ منها اللُّؤْلُؤُ المَزْروعُ بَعْدَ وُصولِهِ إلَى حجمِ التَّسويقِ لإنْتاجِ كَمِّيَّاتٍ تِجارِيَّةٍ مِنْ أَنْواعٍ جَيِّدَةٍ تُشْبِهُ اللُّؤْلُؤَ الطَّبيعِيَّ إلَى حدٍّ كبيرٍ.

 

ما اللُّؤْلُؤُ الصِّناعِيِّ؟

اللُّؤْلُؤُ الصِّناعِيِّ هو مجرَّدُ مادًّةٍ لامِعَةٍ تُشْبِهُ اللُّؤْلُؤَ في بريقِها لِحَدٍّ ما، وتُسْتَخْلَصُ من قُشورِ الأَسْماكِ وبخاصَّةٍ سَمَكُ الرِّنْجَةِ بَعْدَ مُعامَلَتِها بِموادَّ مذيبَةٍ. 

لِتُطْلَى بها كراتٌ مِنَ الزُّجاجِ أو اللَّدائِنِ (البلاستيك). كذلِكَ تُصَنَّعُ الَّلآلِئُ حالِيًّا مِنْ مَوَادِّ كيميائِيَّةٍ عُضْوِيَّةٍ، لكنْ مِنَ السَّهْلِ تميزُ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤِ المُقَلَّدِ مِنَ الطَّبيعِيِّ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ، أو باسْتِخدامِ عَدَسَةٍ مُكَبِّرَةٍ بَسيطَةٍ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى