الفيزياء

مجموعة من المفاهيم الفيزيقية المكتشفة بواسطة العلماء

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

المفاهيم الفيزيقية المكتشفة الفيزياء

يُنسب إلى بعض علماء أوروبا التوصل إلى الكثير من هذه المفاهيم والقوانين، إلاّ أن الحقيقة تقتضي تقرير أنهم لم يكونوا أول من توصّل إليها، فهم لم يبدؤوا فيها من الصفر مطلقاً .

– مفهوم الثقل النوعي

فإذا أخدنا مثلا بعض تلك المفاهيم، مثل مفهوم "الثقل النوعي" لوجدنا أن علماء الإغريق وعلماء العرب قد سبقوا علماء الغرب في هذا الخصوص .

والحق أن علماء الإغريق كانوا هم أول من توصّل إلى ذلك المفهوم، حيث توصل أرشميدس إلى قاعدته الشهيرة التي تقول بأن "كل جسم يغمر في سائل يخسر من وزنه بمقدار وزن السائل المزاح (وزن حجم من السائل مساوٍ لحجم الجسم المغمور).

ومن ثم يمكن تعيين الثقل النوعي لأية مادة صلبة من خلال العلاقة :

 

ويجيء علماء العرب ليضيفوا للمفهوم أبعاداً وأبعاداً متجاوزين في ذلك بكثير ما أنجزه الإغريق في هذا المجال .

فهذا البيروني الاستاذ، يقوم بتجارب عملية كثيرة يُعيَّن من خلالها الثقل النوعي للكثير من تلك الأجسام الصلبة بدقة كبيرة. ويُعد الجهاز الذي استخدمه في هذا الخصوص، الإناء المخروطي ذو الأنبوب الضيق، أقدم جهاز لقياس الكثافة في العالم.

كذلك عيَّن البيروني الثقل النوعي لكثير من السوائل بدقة يُحسد عليها، ويكفي أن نشير هنا إلى أنه أدرك أن الثقل النوعي للماء البارد أقل منه للماء الساخن بمقدار ( 041677,) !! .

 

وذاك الخازن، يقف على أكتاف أستاذه البيروني ويضيف . فقد استخدم نفس الجهاز الذي استخدمه أستاذه في تعيين الثقل النوعي لبعض الأجسام الصلبة. وكانت قيم بعضها، كالزئبق والنحاس، أكثر دقة من مثيلاتها التي عيَّنها البيروني. وبالنسبة للسوائل، استعمل الخازن ميزان الهواء لتعيين الثقل النوعي لها بدقة فائقة.

كما اخترع ميزاناً خاصاً، من كفّاتٍ خمس، لتعيين وزن الأجسام في كل من الهواء والسوائل، وفضلاً عن هذا فقد ابتكر معادلة دقيقة لتعيين الوزن المطلق والثقل النوعي لجسم مكوَّنٍ من مادتين مركبتين! .

وبعد علماء العرب جاء علماء أوروبا ليكملوا المسيرة فيما يتعلَّق بتعيين الثقل النوعي لمعظم الأجسام الصلبة والسوائل المعروفة .

 

– مفهوم قوة التثاقل (الجاذبية الأرضية)

وإذا ما عرضنا لمفهومٍ آخر، مفهوم قوة التثاقل، لوجدنا أن نيوتن لم يكن أول قائل به وإنما علماء الإغريق وفلاسفتهم قبل الميلاد بقرون من مثل أرسطو الذي تحدَّث عن سقوط بعض الأجسام إلى أسفل، بيد أنه أسندها إلى خصائص أو كيفياتٍ معيَّنة في هذه الأجسام ذاتها ! .

أما علماءُ العرب، فقد عرفوا – منذ القرن التاسع للميلاد – قوة التثاقل الناشئة عن جذب الأرض للأجسام وأطلقوا عليها "القوة الطبيعية" أو "الميل الطبيعي" . وقد أضفوا صفة الطبيعية على هذه القوة أو الميل على اعتبار سعي الجسم – تحت تأثيرها – إلى استعادة موضعه الطبيعي عند مركز الأرض إن هو أُجبر على الخروج عنه قَسراً.

ومن ثم فقد قال علماء العرب بوجود "القوة الطبيعية" في كل جسم، وما هذه القوة إلاّ ما نُسميه اليوم "قوة التثاقل" ، أي وزن الجسم أو ثقله.

ولقد اكد هذا المعنى إخوان الصفا في رسالتهم الرابعة والعشرين حيث يقولون "وأما الثِّقل والخفة في بعضالأجسام فهو من أجل أن الأجسام الكلية ما هي إلا كلٌ واحدٌ له موضعٌ مخصوصٌ يكون واقفاً فيه ولا يخرج عنه إلا بقسر قاسر، وإذا خلي رجع إلى مكانه الأصلي الخاص به.

 

فإن منعه مانع وقع التنازع بينهما، فإن كان النزوع نحو مركز الأرض سُمّي ثقيلاً وإن كان صوب المحيط اعتُبر خفيفاً".

ليس هذا فحسب، بل قد أدرك علماء العرب وفلاسفتهم أن القوة الطبيعية، قوة التثاقل، تتعاظم كلما كبر الجسم، أي أنها تتناسب طردياً وحجم الجسم.

يقول ابن سينا في كتابه "الإشارات والتنبيهات" : "القوة في الجسم الأكبر إذا كانت مشابهة للقوة في الجسم الأصغر، حتى لو فصل من الأكبر مثل الأصغر. تشابهت القوتان بالإطلاق، فإنها في الجسم الأكبر أقوى وأكثر إذ فيها من القوة شبيه تلك وزيادة " .

كما أدركوا كذلك أن قوة الجذب بين جسمين تتوقف على المسافة بينهما ، وفي ذلك يقول الإمام فخر الدين الرَّازي : "انجذاب الجسم إلى مجاوره الأقرب أولى من انجذابه إلى مجاوره الأبعد" .

 

حقاً لقد أدرك علماء العرب تماماً وجود الجاذبية الأرضية. لننظر إلى ما يقوله البيروني في كتابه "القانون المسعودي في الهيئة والنجوم" : "الناس على الأرض منتصبو القامات على استقامة أقطار الكرة، وعليها أيضاً أن تؤول الأثقال إلى السَّفل" .

وإلى ما يقوله الخازن صراحةً عن الجاذبية الأرضية : "إن الأجسام السَّاقطة تنجذب نحو مركز الأرض ، وإن اختلاف قوة الجذب إنما يرجع إلى اختلاف المسافة بين الجسم الساقط وهذا المركز" . ويضيف : "الجسم الثقيل هو الذي يتحرك بقوة ذاتية أبداً إلى مركز العالم فقط، أعني أن الثقل هو الذي له قوة الحركة إلى نقطة المركز".

وإذا ما تأملنا هذين النصين هل نجدهما يختلفان، في قليل أو كثير، عما يقوله علماؤنا المحدثون، علماً بأنهما قيلا منذ أكثر من ثمانمائة عام؟! وإن كان قد جانب الخازن التوفيق في قوله تناسب الثقل طردياً مع بعده عن مركز الأرض .

ويُشبِّه الإدريسي جاذبية الأرض بجذب المغناطيس للحديد، إذ يقول في كتابه " نزهة المشتاق في اختراق الآفاق" : "والأرض جاذبة لما في أبدانها من الثقل بمنزلة حجر المغناطيس الذي يجذب الحديد".

 

ثم كانت الثورة الفلكية، التي فجرَّها كوبرنيكوس، خطوة لا غنى عنها لثورة كل من جاليليو وكبلر من بعده، وكلاهما كان سابقاً على نيوتن، وكشوفهما هي التي مكنت نيوتن من صياغة قوانين الجاذبية فضلاً عن قوانين الحركة.

وعلى الرغم من الدقة العلمية والرياضية البالغة التي احتاج إليها كبلر ليكشف قوانينه، إلاّ أنه لم يستطع تفسير لماذا تدور الكواكب في مدارات إهليلجية، وهي المشكلة التي حُلَّت في عهد نيوتن، ولكن قوانين كبلر كانت مقدمة ضرورية لقوانين نيوتن التي كُشفت فيما بعد .

ويجيء لابلاس ليناقش في كتابه "حركة الأجرام السمائية" القواعد العامة لحركة الأجرام وتوازنها مع التطبيق على حركة الأجرام السمائية . وقد أدى هذا التطبيق – دون ما حاجة إلى تدليلٍ رياضي – إلى التوصل إلى قانون الجذب العام .

ويظهر الفارس، نيوتن، غير بادئ من الصفر كذلك، ليعمَّق معنى الجاذبية ويرسخه ويوسعه بحيث لا يشمل جاذبية الأرض للأجسام فحسب، وإنما أي جسمين في الكون تفصلهما مسافة صائغاً بذلك قوانينه المعروفة ومنها قانون الجذب العام .

 

– مفهوم التسارع

وإذا ما انتقلنا إلى مفهومٍ ثالث، مفهوم التسارع، لوجدنا أن جاليليو لم يكن أول من تعرَّض له باحثاً ومتأملاً ومدقِّقاً، فهذا المفهوم كان محل اهتمام فلاسفة الإغريق وعلماء العرب قبل جاليليو بقرونٍ وقرون .

ومن علماء الإغريق الذي عُنوا بالتسارع،أرسطو الذي كان يعتقد أن في داخل الأشياء طبائع معيَّنة هي التي تُحدَّد سلوكها. فالسقوط – عنده – تابع لخصائص الأجسام الذاتية والكيفية،فالجسم إذا كان ثقيلاً مركباً من التراب أو الماء سقط بطبيعته إلى اسفل.

أما إذا كان خفيفاً مركباً من عنصرٍ كالهواء أو النار اتّجه بطبيعته إلى أعلى. ولأرسطو قولٌ مأثور في التسارع : "تتناسب سرعات سقوط الأجسام طردياً وأثقالها". نظرة فلسفية ميتافيزيقية لمفهوم التسارع في حاجة إلى مراجعة وإمعان نظر .

وجاء العلماء العرب، ليتناول بعضهم هذا المفهوم بتأن وروية. فقد أشار ابن ملكا – في القرن الثاني عشر – إلى أن حركة الجسم تتزايد سرعةً كلما أمعن الجسم في سقوطه الحر، بحيث أن تأثيره يشتد مع طول المسافة المقطوعة.

 

وهو قولٌ صحيحٌ تماماً؛ إذ أن سرعة الجسم الساقط سقوطاً حراً أي تحت تأثير قوة جذب الأرض له فحسب، تتزايد بحسب المسافة التي يهبطها، ومن ثم تتزايد كمية حركته ويشتد تأثيرها.

كما لمس ابن ملكا نقطتين أخريين جوهريتين: الأولى أن الأجسام الساقطة سقوطاً حراً تتخذ في سعيها للوصول إلى مواضعها الطبيعية أقصر الطرق وهو الخط المستقيم، والثانية لولا تعرض الأجسام الساقطة سقوطاً حراً لمقاومة الهواء لتساقطت الأجسام المختلفة الثقل بالسرعة ذاتها .

وبهذا يكون ابن ملكا قد نقض قول أرسطو المأثور في التسارع من جهة، كما يكون قد حقَّق سبقاً كبيراً في هذا الخصوص على جاليليو بنحو قرونٍ خمسة من جهةٍ أخرى .

ويأتي علماء الغرب، وعلى رأسهم جاليليو، ليتخلَّى كليةً عن أرسطو وفلسفته الميتافيزيقية الخاصة بمسألة السقوط الحر، وليهتدي إلى منهجية أخرى مخالفة تبحث عن القانون المفسِّر للظاهرة وتحويله إلى صيغة رياضية أو علاقة جبرية.

 

وقد تم له ذلك من خلال دراسة فاحصة ناقدة لمسألة السقوط الحر أساسها نظرة إبستمولوجية جديدة تؤمن بأهمية الملاحظة ودور التجريب في المنشط العلمي.

والقانون الذي توصَّل إليه في هذا المجال، قانون التسارع الجديد، والذي اعتمدته الفيزيقا الكلاسيكية، يذهب إلى أن "سرعة سقوط الأجسام تتناسب طردياً والمسافة" بمعنى أنه كلما طالت المسافة التي يقطعها الجسم ازدادت سرعته.

فشدة ارتطام حجر مثلاً ساقطاً من طابقٍ مرتفعٍ أكثر من شدة ارتطامه عندما يسقط من طابقٍ آخر أقل ارتفاعاً .

 

فالتسارع إذن، كما ارتآه جاليليو، يعني تزايد سرعة جسم ما في وحدة زمنية معينة. والحصول على مقدار التسارع يتطلب منا الحصول أولاً على الفرق بين السرعة الابتدائية للجسم وسرعته الجديدة في اللحظة التالية، ثم نقسم الفرق على الزمن الذي استغرقه التسارع .

ويُلاحظ أن هذا القانونلا يُشير البتة إلى أي تغير يطرأ على كتلة الجسم الساقط، فكل ما يتغير هو سرعته التي تزداد باقترابه من الأرض .

ثم أثبت جاليليو أن الأجسام الساقطة سقوطاً حراً تتناسب سرعاتها وأثقالها بشرط التغلب على الوسط العائق للسقوط (مقاومة الهواء). ويمكننا تحقيق ذلك بسبيلين: الأول: إجراء التجربة في الفراغ، والثاني تثبيت حجوم تلك الأجسام .

 

ولنا أن نتوقف لنقارن بما أتى به جاليليو، أنه في معظمه ليس بجديد، فقد سبقه إليه ابن ملكا بنحو قرون خمسة.

وليس هذا تقليلاً من جهود جاليليو وإسهاماته المتميزة في هذا المجال، إذ هو الذي أصّل ما توصّل إليه السابقون وأكّده وقنَّنه إلى بنية رياضية أو علاقة جبرية محكمة .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى