الكيمياء

إكتشافات متعددة للعالم “بريستلي”

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

اكتشافات بريستلي الكيمياء

… واكتشاف غاز الحياة

أعظم اكتشافاته، وسر مجده وشهرته . وقد اكتشفه بطريقة بسيطة وفعالة .

كان اليوم يوم أحد، أول اغسطس عام 1774، عندما حاول بريستلي أن يستخرج الهواء من مركب يعرف بأكسيد الزئبق ، وهو مسحوق أحمر كان معروفاً لجابر بن حيان والمجريطي بتسخينه في الهواء فلم يلبث حتى وجد الهواء يخرج منه بسهولة.

وما الجديد في ذلك ؟ ألم يسبقه الباحثون قبله إلى استخراج الغازات من الجوامد، مثل إك الألماني وهالز الهولندي وبويل الإنجليزي وشيل السويدي؟ نعم  هذا حق، ولكن بريستلي في عمله كان يختلف عن كل أولئك الروَّاد .

وضع عينة من أكسيد الزئبق في قارورة زجاجية بها بعض الزئبق. قلب القارورة فوق حوض به زئبق. سخَّن أكسيد الزئبق من الخارج بتسليط أشعة الشمس على العينة مستخدماً عدسة، والآن إذا أنتج التفاعل الكيميائي غازاً فإن مستوى الزئبق سينخفض، أما إذا استخدم غازاً فإن العكس هو الذي يحدث .

 

ماذا كانت النتيجة؟ وجد بريستلي أن أكسيد الزئبق قد فقد كمية كبيرة من الغاز وكانت على مقربة منه في معمله شمعة مضاءة، فلما تجمَّع لديه قدرٌ من الغاز، تساءل: "تُرى أي أثر لهذا الغاز في لهب الشمعة؟".

ولتبين هذا الأثر وضع الشمعة داخل الناقوس الزجاجي الذي يحتوي على الغاز لم تنطفئ الشمعة. بل على العكس لمعت وتألَّقت!. سُرَّ بما رأى ولكنه تحيَّر في تعليله، لا بد من المزيد – مزيد من التجارب.

أخذ جمرة من الفحم ووضعها في الناقوس فتطايرت شرراً ثم تلاشت، فزادت دهشته . أخذ سلكاً من الحديد وسخَّنه لدرجة الإحمرار وأدخله في الناقوس فتألَّق السلك كأن به روحاً تُنفخ فيه!.

وضع نباتاً ونزع منه ذلك الغاز، واكتشف أنه بعد عشرة أيام يمكن للشمعة أن تشتعل ثانية فيه. وكان لدهشته لا يدري أنائم هو حقاً أم مستيقظ!.

 

إن إدخال تلك الشمعة المضاءة في ناقوس الغاز كان إيذاناً بانقلاب في الكيمياء عظيم . ولكن بريستلي ما كان يدري حينئذ طبيعة ذلك "الهواء" الذي أخرج من أكسيد الزئبق .

ولما كان من أتباع مذهب الفلوجستون فقد حسب أن ذلك "الهواء" ليس إلاّ مركباً من الفلوجستون والتراب وحمض النيتريك .

ولكن "الهواء" لم يكن في الواقع إلاّ غازا عنصراً – إنه غاز الحياة  الذي لا مندوحة عنه لكل أحياء الأرض ، والذي أسماه لافوازييه فيما بعد "الأكسيجين" .

وكان اكتشاف بريستلي للأكسجين حداً من الحدود الفاصلة في تاريخ الكيمياء. ويُبين شكل رقم (219) الجهاز الذي استخدمه بريستلي في تجاربه عن مكونات الهواء .

 

… واكتشاف الغاز المميت

هذا الكشف بالذات تم في أمريكا بعد سفر عالمنا إليها وبنائه معمله الخاص في نورثمبرلند بولاية بنسلفانيا في أوخر عام 1797، وسوف نشير إلى قصة ذلك السفر فيما بعد .

والغاز الذي اكتشف هنا ينتج عندما يمتزج الفحم أو البنزين أو أي وقود آخر يحتوي على الكربون مع كمية من الأكسيجين أقل من تلك التي تلزم لعملية الاحتراق التام .

يحدث هذا مصادفة عندما تُدار سيارة في "جراج" مغلقٍ فسرعان ما يشتعل الأكسجين وبدلاً من إنتاج ثاني أكسيد الكربون لا يتمكن الوقود المحترق من الحصول على كفايته من الأكسجين، وبذلك ينتج أول أكسيد الكربون – الغاز المميت .

 

… واكتشاف أكسيد النيتروز

اكتشف بريستلي غازاً ثالثاً بيد أنه لم يتبيَّن كل خواصه ، أما السيرهمفري ديفي فقد اكتشف إحدى هذه الخواص.

فقد استنشق قليلاً من ذلك الغاز ووصف آثاره:"زاد الغاز من عدد نبضاتي حوالي عشرين، وجعلني أرقص في المعمل كمن كانت به جِنَّة " والغاز الذي يقصد هو "الغاز المضحك" الذي كان يُستخدم كمخدِّرٍ قبل خلع الأسنان ، ويُعرف كيميائيا بأكسيد النيتروز .

 

… واكتشاف حمض الهيدروكلوريك

انكفأ بريستلي إلى معمله يجرَّب تجارب كيميائية أخرى …

حاول أن يُسخَّن ملح الطعام مع زيت الزاج أو حمض الكبريتيك ، فحضّر بذلك مركبا كيميائياً جديداً عجز عن تحضيره من سبقه في هذه المحاولة .

ذلك أنه جمع الغاز الخارج من هذين المركبين تحت ناقوسٍ زجاجي أسفله مغمورٌ في الزئبق . ثم حاول أن يحل هذا الغاز في الماء فوجد الماء شديد الإتحاد به؛ لذا عجز سابقوه عن تحضيره ، لأنهم كانوا يُحضِّرونه تحت ناقوس زجاجي أسفله مغمور في الماء فكان الماء يمتصه .

ولما حلَّه بريستلي في الماء كان قد اكتشف أحد الأحماض الكيميائية الهامة والشهيرة الآن . لقد اكتشف حمض الهيدروكلوريك .

 

… واكتشاف كلوريد الأمونيوم

كانت رعيَّة القس بريستلي تحيَّرها عناية راعيها بالبحث العلمي، فها هو ذا دائما بين أنابيبه وأنابيقه. وارتفعت همسات الاستنكار ، ولكن عالمنا كان مشغولاً عن كل ذلك بمباحثه الفتانة .

وبعد تسخينه لملح الطعام وزيت الزاج، تحوَّل إلى ماء الأمونيا يُسخِّنه فخرج منه غاز آخر لا لون له . جمعه كسابقيه تحت ناقوس زجاجي أسفله مغمور في الزئبق .

كانت للغاز رائحة خاصة حَّريفة، وملأت أبخرته الغرفة وبريستلي مكبٌ فوق الموقد يذكي النار . لقد كان في تجربته هذه يستخرج المعارف الأولية الدقيقة عن صفات غاز الأمونيا النقي – الذي استُعمل في عصرنا في صناعة التبريد .

 

كانت الأبخرة قد احتوته فأحسَّ بحرقةٍ في عينيه انهمرت على أثرها دموعه ، وشمَّ سكان المنزل رائحتها فغادروه تواً إلى خلاء .

بيد أن هذا لم يزعجه!. وراح يجمع بين غاز الأمونيا وغاز كلوريد الهيدروجين، وكم كانت دهشته ريثما رأى غيمة رمادية قد تكونت من التقاء الغازين ثم استحالت مسحوقاً ناعماً أبيض اللون .

هنا إذن تفاعل كيميائي عنيف. نعم فالغازان قد اتحدا معاً فولَّدا مسحوقاً أبيض هو كلوريد الأمونيوم – الذي استُعمل في عصرنا في البطاريات الكهربائية الجافة .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى