صحةعين على العالم

تساعد الفيروسات القديمة المدمجة في حمضنا النووي على تشغيل الجينات وإيقافها

بقلم: بن تيرنر

هل كنتَ تعلم؟ تطابق حمضك النووي Dna بنسبة %50 مع الحمض النووي للملفوف Cabbage

يؤدي الحمض النووي Dna الذي اكتسبه البشر من الفيروسات القديمة دورًا رئيسيًا في تشغيل وإيقاف أجزاء من شفرتنا الوراثية. يتكوَّن نحو نصف الجينوم البشري من مقاطع تُعرف باسم العناصر القابلة للنقل Transposable Elements (اختصارًا: العناصر Tes)، وتُسمى أيضًا «الجينات القافزة» Jumping Genes لقدرتها على التنقل داخل الجينوم. بعض هذه العناصر هي بقايا فيروسات قديمة اندمجت في جينومات أسلافنا، ومن ثم توارثوها عبر ملايين السنين.

على مدار عدة عقود بعد اكتشاف العناصر القابلة للنقل، افترض العلماء أنها لا تؤدي أي وظيفة مفيدة، واعتبروها مجرد «حمض نووي غير وظيفي» Junk Dna. لكن دراسة جديدة تضيف إلى الأدلة المتزايدة التي تشير إلى أن هذا الوصف بعيد عن الحقيقة. فبدلًا من كونها حفريات عديمة الوظيفة، تُظهر الأبحاث أن هذه المقاطع الخاملة ظاهريًا من حمضنا النووي Dna قد تكون ضرورية في تنظيم التعبير الجيني، خصوصًا خلال مراحل النمو المبكرة. قالت هيرومي ناكاو-إينووي Hiromi Nakao-Inoue، منسقة الأبحاث في معهد الدراسات المتقدمة لبيولوجيا الإنسان بجامعة كيوتو: «لقد تعرفنا على تسلسل الجينوم منذ زمن طويل، لكن وظائف عديد من أجزائه لا تزال مجهولة. يُعتقد أن العناصر القابلة للنقل تؤدي دورًا مهمًا في تطور الجينوم، ويتوقع أن تتضح أهميتها أكثر مع استمرار تقدم الأبحاث».

كان يُنظر إلى العناصر القابلة للنقل على أنها «حمض نووي غير وظيفي»، لأنها بدت غير مرتبطة بإنتاج البروتينات، وهي الجزيئات التي تبني الخلايا وتحافظ على وظائفها. وبينما تحمل الجينات مخططات تصنيع البروتينات، اعتُبرت هذه العناصر المتكررة وغير الثابتة في الجينوم غيرَ ذات فائدة. لكن في السنوات الأخيرة، بدأت الأدلة تتراكم على أن هذه الأجزاء المتكررة من جينوماتنا تؤدي دورًا مهمًا في تنظيم الجينات. فمثلًا تُستخدم شفرات بعض هذه العناصر في إنتاج الحمض النووي الريبي غير المشفّر Non-Coding Rna، وهو جزيء يمكنه التأثير في جينات أخرى للمساعدة في تمايز الخلايا وتنظيم نمو الأجنة. صار في الإمكان دراسة العناصر القابلة للنقل بشكل أكثر تفصيلًا بفضل أداة تحرير الجينات الشهيرة، كريسبر Crispr، التي مكّنت العلماء من استكشاف كيفية تأثير هذه العناصر في بنية الكروماتين Chromatin – وهو مزيج الحمض النووي Dna والبروتينات الذي تُصنع منه الكروموسومات – وكيفية تفعيل نشاط الجينات في الجنين بعد الإخصاب.

ركّز الباحثون في الدراسة الجديدة على فصيلة محددة من العناصر القابلة للنقل تُعرف باسم Mer11، وهي جزء من فئة أكبر دخلت جينومات الرئيسات قبل نحو 40 مليون سنة. صنّف العلماء متواليات هذه الفصيلة وفقًا لعلاقاتها التطورية، مما أدى إلى تقسيمها إلى 4 مجموعات فرعية من الأقدم Mer11_g1 إلى الأحدث Mer11_g4. لاختبار تأثير هذه العناصر على الخلايا، أدخلوا نحو 7,000 متوالية منها مأخوذة من البشر ورئيسات أخرى في خلايا جذعية وخلايا عصبية في مراحلها المبكرة، ثم قاسوا نشاط الجينات. أظهرت النتائج أن الأعضاء الأصغر سنًا من فصيلة Mer11 تمتلك قدرة قوية على تفعيل الجينات، إذ تحتوي على مواقع ارتباط فريدة لعوامل النسخ، وهي أنماط من الحمض النووي Dna تعمل كمواقع ارتكاز للبروتينات التي تتحكم في التعبير الجيني. كما وُجدت اختلافات دقيقة في متواليات Mer11_g4 بين البشر والشمبانزي وقردة المكاك، تؤثر في وظيفة هذه المتواليات التنظيمية من نوع إلى آخر. قالت كريستينا توفاريللي Cristina Tufarelli، عالمة الوراثة في مركز أبحاث السرطان بجامعة ليستر، إن الدراسة تُبرز مدى ما لا يزال علينا اكتشافه عن طريق سَلْسَلَة الجينوم، مضيفةً أن التجارب المستقبلية قد تشمل حذف أجزاء معينة من هذه العناصر باستخدام تقنية كريسبر Crispr لفهم دورها في تنظيم التعبير الجيني في حالات الصحة والمرض.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى