البيولوجيا وعلوم الحياة

العلمائية والجينات الناشزة

2014 البذور والعلم والصراع

أبي ج . كينشي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

لذا في هذا الكتاب سوف أعتمد تلك الHسئلة من خلال قلب الحجج التقليدية المتعلقة باللوائح التنظيمية للمحاصيل المعدلة جينياً، رأساً على عقب. 

فبدلاً من انتقاد "تسييس" النظام الرقابي، سألقي نظرة فاحصة على العلمائية (Scientization) ذات النقاش العام المتعلق بالتكنولوجيا الحيوية.

ما قصدته بمفهوم العلمائية (Scientization)، هو تحوّل النقاش في الصراع الاجتماعي ما بين الخبراء والعلميين إلى نقاشٍ منفصل ظاهرياً عن السياق الاجتماعي.

ففي العبارات المقتبسة في هذا الفصل، تنبّأ وينّر (Winner) بدقة بمفهوم العلمائية (Scientization) في حوكمة التكنولوجيا الحيوية في الولايات المتحدة الأميركية، التي لا تسمح عادةً بانتشار المحاصيل المهندسة وراثياً إلا بعد التأكد بصورة  قاطعة أن ليس هناك أي خطر يمكن قياسه كمياً، وضمن هذا السياق، يعتبر العلم والعلميين في كثيرٍ من الأحيان هم الأكثر أهلية لفض الخلافات التكنولوجية، لأنه كما يفترض، أن تُبنى أهدافهم وتقييماتهم بصورة محايدة غير متحيّزة لفئة اجتماعية محدّدة على حساب الفئات الأخرى(2)، وكما أشار النقاد بصورة مستفيضة، وما حملته دراسة الحالة المطروحة في الكتاب، سنجد أن التكنولوجيا الحيوية الزراعية ذات مديات مؤثّرة واسعة في الثقافة، والاقتصاد والأخلاق، وليس من السهولة حصرها من أجل تقليل الحسابات العلمية للخطر.

يمكنني أن أزعم أن ارتفاع تقييم المخاطر عبر السؤال عن رغبة المجتمع  في قبول المحاصيل المعدلة جينياً، هو الذي أدّى إلى اتخاذ قرارات تنظيمية، كانت السبب في تفاقم المشاكل الخطيرة التي تواجه نظام الأغذية الزراعية العالمية. 

 

فهذا الكتاب يحدّد القواعد الأساسية الخاصة بالمحاصيل المهندسة جينياً المبنية على العلم أمام العواقب الاجتماعية المعقدة، إذا ما تمّ السماح [للمحاصيل المهندسة جينياً] أن تنطلق في البيئة، وعليه فإن أوجه القصور واضحة في تقييم المخاطر العلمية، ولاسيّما في حالات التلوث الجيني (Genetic Contamination)– عندما يتم خلط النباتات المهندسة جينياً مع النباتات التي من صنفها وغير مهندسة جينياً (Non-GE)، مما يؤدّي إلى بروز جينات محوّرة غير مرغوب فيها في النبات والطعام من دون التعمّد في وضعها(3).

فمن خلال هذا الكتاب وددتُّ أن أشير الى هذه الجينات المحوّرة المتمرّدة (Wayward Transgenes) بأنها جيناتٌ ناشزة (Genes out of Place). كما سأبيّن في الفصول اللاحقة، أن تلك الجينات الغريبة قد أدّت إلى نزاعات كبرى في حقوق الملكية الفكرية ومعايير [الزراعة] العضوية والتنوّع الجيني والتجارة العالمية وتركيز الشركات [تجارياً] وصون الأغذية التقليدية، وهي نزاعات يحتمل أن تقوّض تقييم المخاطر كأساس لحكم التكنولوجيا الحيوية.

سأركز على اثنين من أكثر حالات التلوّث بروزاً في العقد الماضي، وهما المواد المهندسة وراثياً غير المعتمدة في الأصناف التقليدية للذرة المكسيكية التقليدية، وعدم إمكانية الفصل ما بين الكانولا (Canola) المهندسة وراثياً عن باقي محصول البذور في كندا، وفي كلتا الحالتين قام نشطاء مناضلون من أجل التغيير الاجتماعي – بما فيهم الحركات الناشطة: من أجل البيئة والعدالة العالمية والمصادر الجينية، والزراعة العضوية، وحقوق السكان الأصليين – بإبراز طبيعة المشكلة الاجتماعية للمحاصيل المعدلة جينياً باستمرار. ويتضمّن التغيير الاجتماعي تحركات من أجل البيئة وحقوق السكان الأصليين.

 

فلذا بعض الفصول القادمة ستركز على تلك [الحركات] الناشطة – حركة المناهضين للتكنولوجيا الحيوية (Antibiotech Movement) – كونها تتفاعل مع المؤسسات الوطنية والدولية التي تصرّ على  أن تكون القرارات الخاصة بهذه المحاصيل مبنية على أساس علمي(4)

في هذه الرويات الخلافية، يشكّك المزارعون والنشطاء في العلم، الذي اعتُمد في وضع لوائح تلك القرارات، ويسعون إلى توسيع نطاق تلك الاعتبارات المتعلّقة بحوكمة المحاصيل المهندسة وراثياً.

فعلى سبيل المثال، يجادل مزارعو الذرة الصغيرة في المكسيك على ضرورة أن تكون سلامة تقاليدهم واستقرار معيشتهم هما الشاغل الرئيسي، واستجابةً لذلك، كما رأينا في مناقشات واسعة عديدة مؤخّراً من موضوعات التبغ وصولاً إلى البحث عن الغاز، أكدت المجموعات ضرورة أن تكون القرارات الصادرة [بخصوص المحاصيل المحورة وراثياً] مبنية على أسس علمية سليمة (Sound Science).

وعليه فإن هذه النزاعات الآنية تشير بكل تأكيد إلى سيطرة العلمائية (Scientization)، التي هي بعيدة كل البعد عن خلق أبعاد حيادية لاتخاذ قرارات، ولها أثر فعّال في استبعاد الجهات الأقل قدرة من المناقشة السياسية الخاصة بالتنظيم الاجتماعي للزراعة [وحرمانها] من أخذ دور مناسب تجاه المحاصيل المهندسة وراثياً.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى