علم الفلك

كسوف الشمس

2013 أطلس الكون

مور ، السير باتريك مور

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الفلك

كسوف الشمس

يدور القمر حول الأرض وتدور الأرض حول الشمس، ولذلك يحدث أن يصطف الثلاثة في بعَض الأحيان، فيتوسط القمر الأرض والشمس وينتج عن ذلك ما يسمى بكسوف الشمس مع أنه من الأدق أن يسمى حجب القمر للشمس.

ينقسم الكسوف إلى ثلاثة أنواع: الكلي والجزئي والحلقي. في الكسوف الكلي يتم حجب الغلاف الضوئي كلية وربما يكون هذا أروع مشهد يمكنك مشاهدته في الطبيعة. ومباشرة بعد حجب آخر جزء من القرص الساطع، يبرز الغلاف الجوي للشمس ويشع الغلاف اللوني والإكليل ومعها أي شواظ موجودة في هذه اللحظة. تظلم السماء بدرجة كافية تمكننا من رؤية الكواكب والنجوم الساطعة، وتنخفض درجة الحرارة بشدة ويكون المشهد الناتج مذهلا بكل المقاييس. ولكن للأسف فإن مشاهدة الكسوف الكلي للشمس من موقع محدد أمرا نادرا، بما أن ظل القمر لا يمكنه سوى أن يلمس الكرة الأرضية ولا يمكن لمساحة الاحتجاب الكلية أن تتعدى عرض 272 كيلومتر (169 ميل)، وعلاوة على ذلك لا يستغرق الطور أكثر من 7 دقائق و 31 ثانية وفي العادة يكون أقصر بكثير.

وعلى جانبي الظل الرئيسي المخروطي يكون الكسوف جزئيا ولا يمكن مشاهدة ظاهرة الكسوف الكلي الرائعة، والكثير من الكسوف يكون فقط جزئيا وليس كليا من أي جهة. وأخيرا هناك الكسوف الحلقي عندما تكون المحاذاة مضبوطة ويكون القمر بالقرب من أبعد نقطة له عن الأرض فحينها لا يكون قرص القمر كبيرا بما فيه الكفاية لتغطية الغلاف الضوئي بأكمله وتبقى حلقة من ضوء الشمس من حول جسم القمر الداكن ظاهرة (يأتي اسمها الانجليزي من ’أنيوليس’ والتي تعني ’حلقة’ باللاتينية).

ولأسباب واضحة، يحدث الكسوف فقط عندما يكون القمر على ناحية الأرض المواجهة للشمس ويكون القمر بدرا. والواقع أنه لو كان مدار القمر على نفس مستواه للأرض لحدث كسوف شهري ولكن مدار القمر يميل بقدر يزيد قليلا عن °5 فغالبا يمر الهلال القمري خفيا في السماء من فوق أو من تحت الشمس.

النقاط التي يتقاطع فيها مدار القمر مع مستوى البروج تسمى بالعقد ولهذا فمن أجل حدوث كسوف يجب أن يكون القمر بالقرب من إحدى العقد. ونتيجة للسحب الجاذبي من الشمس تنزاح العقد ببطء ولكن بانتظام، فبعد مرور 18 عام و 11.3 يوم ترجع الأرض والشمس والقمر إلى نحو نفس المواقع النسبية وبناءا على ذلك فهو من المتوقع أن يلي الكسوف كسوف آخر بعد مرور 18 عام

و 11.3 يوم وتسمى هذه الدورة ساهور. وهي ليست دقيقة للغاية ولكنها كانت تؤدي الغرض في زمن القدماء لتمكنهم من التنبؤ بالكسوف القادم آنذاك بدرجة مقبولة من الدقة. ويقال مثلا أن الفيلسوف اليوناني ثاليس تنبأ بالكسوف الذي وقع في 25 مايو من عام 585 ق.م والذي أنهى فجأة المعركة بين جيشي الملك ألياتيس من الليديين و الملك سيراكسيز من الميديين، فقد اندهش المحاربون حينها من الظلام المفاجئ مما دفعهم للمسارعة في الصلح.

من على أية نقطة محددة على سطح الأرض، نجد أن كسوف الشمس أكثر ندرة من خسوف القمر. يرجع هذا لأنه لرؤية كسوف الشمس يجب على الراصد أن يكون في المكان المناسب في اللحظة المناسبة، أما بالنسبة لخسوف القمر فهو ظاهر من أي موقع يكون فيه القمر أعلى من الأفق. شهدت بريطانيا كسوفين كليين في القرن العشرين، في 29 يونيو 1927 و 11 اغسطس 1999 عندما عبر مسار الكسوف عام 1927 على ويلز و شمال إنجلترا ولكن عند ’عودته’ في نهاية الساهور (9 يوليو 1945) تخطى إنجلترا بأكملها ومع ذلك فقد مر على كندا و جرينلاند و شمال أوروبا. مر الكسوف الكلي في 11 أغسطس 1999 على جزر سيلس وكورنوال و جنوب ديفون وألديرني ثم عبر أوروبا. وكان من المؤسف أنه غيم على معظم أرض بريطانيا الأم حينذاك.

التكوينات الرئيسية التي تشاهد أثناء الكسوف هي الغلاف اللوني والشواظ والإكليل. يصل عمق الغلاف اللوني إلى 10,000 كيلومتر (6250 ميل) تقريبا، وتصل درجة حرارته عند حدوده مع الغلاف الضوئي إلى نحو °5000 مئوية وتنخفض أولا إلى أدنى حد لها نحو °3,500 مئوية عند عمق 600 كيلومتر في الغلاف اللوني، ثم تتزايد بسرعة لتصل إلى بضع مئات من آلاف الدرجات عند الحدود العليا للغلاف اللوني. أما الشواظ – التي كانت تسمى خاطئا ’ألسنة اللهب الحمراء‘ في وقت ما- فهي بالفعل كتل من الهيدروجين الأحمر المتوهج. والشواظ الساكنة تظل معلقة في الغلاف الضوئي لأسابيع عديدة ولكن الشواظ المتفجرة تتحرك بعنف فهي تعلو أحيانا لتصل إلى عشرات الآلاف من الكيلومترات. يمكن مشاهدتها بالعين المجردة فقط أثناء الكسوف الكلي ولكن بفضل الأجهزة المطيافية يمكن دراستها في أي وقت. عند رؤيتها في ضوء الهيدروجين تظهر الشواظ كفتائل داكنة على خلفية القرص الساطعة وأحيانا تسمى ’ندف’. (الندف الساطعة ناتجة عن الكالسيوم).

أما الحزم المظللة فهي عبارة عن خطوط مموجة تشاهد وهي تعبر الكرة الأرضية مباشرة قبل و بعد الكسوف الكلي، وهذه الظاهرة ناتجة عن تأثيرات الغلاف الجوي وهي غاية الصعوبة في التصوير، فهي أيضا لا تشاهد عند كل كسوف كلي.

أثناء الكسوف الكلي، يهيمن على المشهد الإكليل المتلألئ الممتد من الشمس، وعند الحد الأعلى يكون متناظرا إلى حد ما، ولكن عند الاقتراب من الحد الأدنى نرى شرائط متطاولة. وهو مخلخل جدا حيث تساوي كثافته 1 من مليون مليون من كثافة الغلاف الجوي للأرض عند مستوى البحر. وتفوق درجة حرارته مليون درجة ولكن هذا لا يدل على أنها مصدر للحرارة. فدرجة الحرارة علميا هي مقياس لمتوسط السرعات التي تتحرك بها الذرات والجزيئات المختلفة، وكلما زادت السرعات زادت درجة الحرارة. والسرعات في الإكليل عالية جدا ولكن عدد الجسيمات فيه قليلة جدا فالحرارة الناتجة لا تكاد تذكر. يبدو أن درجة الحرارة العالية ناتجة عن الطاقة المغنطيسية التي تصدرها الطبقات السفلية، وهذا الأمر لم نفهمه كليا حتى الآن.

إن تصوير الكسوف شيئ مذهل، ولكن يجب أخذ نقطة في الاعتبار. مع أن النظر مباشرة إلى الشمس أثناء الكسوف الكلي آمن تماما، إن ظهور أي جزء من الغلاف الضوئي مهما كان صغيرا يشكل خطرا ومن الضروري تذكر أن النظر إلى الشمس عبر كاميرا SLR هو تماما مثل النظر إليها عبر مقراب. ويجب دائما أخذ الحيطة القصوى، ولكن في نفس الوقت لا يجب أبدا على أحد تفويت أية فرصة لرؤية روعة وعظمة الكسوف الكلي للشمس.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى