الطب

تاريخ السكري

2013 أنت والسكري

نهيد علي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الطب

على مدى قرون، درس الناس السكري والعوامل التي تقف وراءه والتي تؤدي إلى الإصابة به.

وقد توجه الكثير من البحوث حول السكري نحو الوقاية منه ومعالجته. ولم يستخدم الإنسولين لمعالجة السكري إلا منذ عام 1922.

وقد كانت الإشارة إلى السكري في البدء على أنه إفراغ الغلوكوز في البول، أو حالة يوجد فيها الغلوكوز في البول.

وتتضمن الكتابات الهندية القديمة أن النمل الأسود والذباب كان يحوم حول بول السكريين.

وقد كتب سوشروتا، وهو طبيب هندي عاش في فترة تقرب من 400 قبل الميلاد، يصف البول لدى السكريين وطعمه الحلو، وبعد ذلك اعتقد الأطباء أن حلاوة البول هي أحد علامات السكري.

وفي عام 250 قبل الميلاد ظهر مصطلح "السكري"، واللفظ الإغريقي يعني سكب الماء، لأن الاعتقاد الذي كان سائداً آنذاك عن المرض هو أنه ينزح السوائل من الفرد المصاب به.

وقد فسر الطبيب الإغريقي أراتيوس (Aretaeus)  سبب نزح السوائل من أجسام السكريين بتكرار عدد مرات التبول أكثر من المعتاد، وقد أعطى وصفاً حياً للمرض على أنه "تحويل اللحم والعظم إلى سوائل تطرح في البول"، وفي عام 1674 صاغ توماس ويليس الطبيب الشخصي للملك شارل الثاني مصطلح السكريdiabetes mellitus  وتعني كلمة mellitus العسل، وقد كان ويليس أيضاً يعتقد أن بول المريض السكري حلو "مشبع بالسكر وبالعسل".

 

وفي مطلع القرن التاسع عشر كان الأطباء ينصحون مرضاهم بمعالجات متعددة للسكري، ومنها إراقة الدم والأفيون، كما كانوا ينصحونهم باتباع نظم غذائية مختلفة، وفي العقود الأولى من ذلك القرن كان ينظر إلى تجويع السكري لنفسه على أنه معالجة فعالة.

وكان يقال للذين ينبغي عليهم أن يعانوا من الجوع بأن تلك الممارسات ستتيح لهم التمتع بحياة أطول.

وفي نهاية القرن التاسع عشر تقدمت معالجة السكري خطوة واسعة أخرى عندما استأصل الطبيبان الألمانيان جوزيف فون ميرنغ Joseph von Mering وأوسكار مينكوفسكي Oskar Minkowski أعضاء البنكرياس من عدة كلاب ليكتشفوا أن تلك الكلاب أصيبت نتيجة لذلك بالسكري، وقادهما هذا الاكتشاف إلى محاولات لربط السكري بالبنكرياس، وإلى التوجه نحو استفراد خلاصة البنكرياس التي أملوا أن يجدوا فيها معالجة للسكري.

وفي كندا، كان فريدريك بانتنغ Dr. Frederick Banting متلهفاً لاستفراد خلاصة البنكرياس رغم الشكوك التي تحوم حول إمكانية ذلك. وفي أيار/مايو 1921 بدأ بانتنغ بإجراء التجارب مع أحد طلاب الطب وهو تشارلز بيست Charles Best في مختبر تورنتو للبروفيسور جون ماكليود John Macleod.

وقد ربط بانتنغ القناة التي تنقل المفرزات البنكرياسية لدى الكلاب لمراقبة سلوك الإنسولين. ولاحظ أن الخلايا البنكرياسية التي تطلق الإنزيمات الهاضمة تصاب بتفكك في بنيتها نتيجة لذلك، في حين أن الخلايا التي تطلق الإنسولين لا تصاب بذلك التفكك في البنية.

وبعد بضعة أسابيع، تفكك البنكرياس إلى مواد كانت تترسب مما جعل من الممكن استفراد الإنسولين والاحتفاظ به. وفي تموز/يوليو من عام 1921 حقن الباحثون الكلب الذي أزالوا البنكرياس منه بالخلاصة التي استفردوها من كلب آخر سبق لهم أن ربطوا القناة البنكرياسية لديه.

ونتيجة لذلك انخفض مستوى السكر لدى ذلك الكلب. وتلو تلك التجربة حقن الباحثون كلباً آخر بعد استئصال البنكرياس منه بخلاصة البنكرياس لمدة ثمانية أيام. ولاحظ العلماء أن النتيجة ذاتها قد حصلت، فأطلقوا على المادة التي كانوا يحقنونها اسم "أيلتين isletin"، والكلمة مستمدة من كلمة جزيرة باللغة الإنكليزية للدلالة على أن مصدرها من جزر البنكرياس.

 

لقد أشارت الدراسات التي أجريت على مادة الأيلتين إلى أنه يخفض مستوى الغلوكوز في الدم ويؤدي إلى تحسن الحالة العامة وإلى انخفاض مستوى الغلوكوز في البول.

كما لاحظ الباحثون أن الكلاب تبقى على قيد الحياة طيلة الفترة التي يعطى لهم فيها مادة الأيلتين. ثم أجريت التجارب في ما بعد على حيوانات مختلفة، وازدادت أعداد الخبراء الذين يجرون التجارب على الأبقار بدلاً من الكلاب.

وكانت الحيوانات تبقى على قيد الحياة بدون بنكرياس لمدة سبعين يوماً، وقد أدى هذا الاكتشاف الحاسم إلى تحسن البحوث في مجال السكري.

وبعد هذه التجارب حاول الدكتور جيمس كوليب، وهو اختصاصي بالكيمياء الحيوية في جامعة غرب أونتاريو، الحصول على خلاصة جديدة يكون لها تأثير طويل الأمد. وفي 11 كانون الثاني/يناير 1922 كان فتى يبلغ 14 عاماً من العمر هو أول من تلقى حقن الإنسولين.

إلا أن هذه الحقن لم تؤد إلا لانخفاض طفيف في مستوى الغلوكوز في الدم، رغم أنها سببت له حدوث خراجات بارزة في مواقع الحقن.

ونتيجة لهذه النتائج التي لاتبعث الرضا في النفوس عمل الدكتور كوليب على تنقية خلاصة الإنسولين. وبعد مرور أسابيع متعددة أعطي الفتى نفسه الخلاصة المنقاة، فتحسنت حالته بسرعة.

 

وأصبح مستوى سكر الدم لديه منضبطاً. وازداد وزنه، واستطاع العيش 13 عاماً بعد ذلك، ليموت بعد ذلك في سن السابعة والعشرين بسبب الالتهاب الرئوي.

خلال فصل الربيع من عام 1922، واصل تشارلز بست إنتاج الإنسولين للمساعدة في تعافي المرضى في عيادات تورنتو. وعلى مدى 60 عاماً تواصلت الجهود الصناعية للإنسولين من أجل إنتاج تأثيرات إيجابية طويلة الأمد، حتى أصبح الإنسولين معالجة مرنة متواصلة لمرضى السكري الذين يحتاجون إليها.

وفي عام 1978 حدث تطور بارز تمثل في اصطناع الإنسولين من الدنا البشري المترابط (الذي تستمد المتتاليات فيه من البشر) بدلاً من استمدادها من الحيوانات، حتى أصبح بالإمكان اليوم استنساخ الكميات المنتجة من الإنسولين الذي تنتجه الكائنات البشرية. وقد كان في ذلك إنجاز باهر ومشهود.

وفي عام 1923 منحت جائزة نوبل في الطب لماكليود وبانتنغ لاكتشافهما الإنسولين. وقد أثبتا أن الإنسولين ليس بمثابة شفاء للسكري بل هو معالجة له.

وكنتيجة جزئية للتجارب التي قام بها ماكليود وبانتنغ أصبح من المعلوم في الوقت الحاضر أن الإنسولين يتواسط استقلاب الكربوهيدرات والمغذيات الأخرى التي تقدم للجسم الطاقة اللازمة للأنشطة اليومية.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى