
غرسة دماغية جديدة يمكنها فك شفرة «الحوار الداخلي» لدى البشر
بقلم: سكايلر وير
طوَّر العلماء واجهةً جديدة بين الدماغ والحاسوب Brain-Computer Interfaces (اختصارًا: الواجهة BCIS) يمكنها التقاط وفك شفرة الحوار الداخلي لدى البشر، أي الأفكار التي تدور في الذهن من دون أن تُنطَق. قد تُسهم هذه التقنية في تمكين الأشخاص الذين يعانون صعوبات في النطق من التواصل بشكل أكثر سهولة وفعالية مع الآخرين. وعلى خلاف الأنظمة السابقة، لا تتطلب هذه الواجهة من المستخدِم محاولة النطق الفعلي، بل يكفي أن يفكر فيما يريد قوله. تقول إيرين كونز Erin Kunz، المهندسة الكهربائية في جامعة ستانفورد: «هذه هي المرة الأولى التي نتمكن فيها من فَهم شكل النشاط الدماغي عندما يكتفي الشخص بالتفكير في الكلام. بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون إعاقاتٍ شديدة في النطق أو الحركة، قد تُمكنهم واجهات الدماغ-الحاسوب القادرة على فك شفرة الكلام الداخلي من التواصل بطريقة أكثر طبيعية وبسلاسة».
تُتيح واجهات الدماغ-الحاسوب للأشخاص المصابين بالشلل استخدامَ أفكارهم للتحكم في الأجهزة المساعدة، مثل الأطراف الاصطناعية، أو للتواصل مع الآخرين. تعتمد بعض هذه الأنظمة على زرع أقطاب كهربائية داخل دماغ الشخص، بينما تستخدم أنظمة أخرى التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI) لرصد النشاط الدماغي وربطه بالأفكار أو الأفعال. لكن عديدًا من واجهات الدماغ-الحاسوب المصممة لمساعدة الأشخاص على التواصل تتطلب منهم محاولة النطق الفعلي لكي تتمكن من تفسير ما يرغبون في قوله، وهي عملية قد تكون مرهقة جدًا لمن يعانون ضعفًا في التحكم العضلي. وفي الدراسة الجديدة، تساءل الباحثون عمّا إذا كان في الإمكان فك شفرة الكلام الداخلي بدلًا من ذلك.
في الدراسة الجديدة المنشورة في مجلة «الخلية» Cell، تعاونت الباحثة إيرين كونز وزملاؤها مع 4 أشخاص مصابين بالشلل نتيجةً إما لسكتة دماغية وإما لمرض التصلب الجانبي الضموري Amyotrophic Lateral Sclerosis (اختصارًا: التصلب ALS)، وهو مرض تنكسي يصيب الخلايا العصبية المسؤولة عن التحكم في العضلات. وقد خضع المشاركون لزرع أقطاب كهربائية داخل أدمغتهم ضمن تجربة سريرية تهدف إلى التحكم في الأجهزة المساعدة باستخدام الأفكار. درّب الباحثون نماذج ذكاء اصطناعي على فك شفرة الكلام الداخلي ومحاولات النطق، اعتمادًا على الإشارات الكهربائية التي التقطتها الأقطاب المزروعة في أدمغة المشاركين.
أظهرت نتائج الدراسة أن النماذج المدرَّبة تمكنت من فك شفرة الجُمل التي «نطقها» المشاركون داخليًا في أذهانهم بدقة بلغت نحو %74. وكذلك تمكنت النماذج من التقاط الكلام الداخلي الطبيعي في أثناء أداء مهامَّ ذهنية، مثل تذكُّر ترتيب مجموعة من الأسهم التي تشير إلى اتجاهات مختلفة. لقد تبين أن الكلام الداخلي ومحاولات النطق يُنتجان أنماطًا متشابهة من النشاط الدماغي في القشرة الحركية المسؤولة عن التحكم في الحركة، إلا أن النشاط الناتج عن الكلام الداخلي كان أضعف عمومًا. تُثير هذه التقنية إشكالية أخلاقية محتملة، إذ قد تتمكن واجهاتُ الدماغ-الحاسوب من فك شفرة الأفكار الخاصة التي لا ينوي الشخص الإفصاح عنها. تشير الفروق بين الإشارات الدماغية الناتجة عن محاولة النطق والكلام الداخلي إلى إمكانية تدريب هذه الواجهات مستقبلًا على تجاهل الكلام الداخلي تمامًا.
كإجراء احترازي إضافي لمنع النظام الحالي من فك شفرة الكلام الداخلي لدى الشخص من دون قصد، طوّر الفريق واجهة دماغية-حاسوبية محمية بكلمة مرور. أُتيحت للمشاركين فرصة استخدام محاولة النطق للتواصل في أي وقت، لكن النظام لم يبدأ في فك شفرة الكلام الداخلي إلا بعد أن «نطقوا» عبارة المرور «Chitty Chitty Bang Bang» داخل أذهانهم. وعلى الرغم من أن الواجهة لم تتمكن من فك شفرة جمل كاملة عندما لا يكون الشخص يفكر بكلمات محددة، فإن الأجهزة المتقدمة قد يمكنها ذلك في المستقبل. يقول فرانك ويلِت Frank Willett، وهو أحد المشاركين في إعداد الدراسة: «تتسم واجهات الدماغ-الحاسوب بمستقبل واعد بالفعل، مما يمنحنا أملًا حقيقيًا في أن تتمكن هذه الأنظمة يومًا ما من استعادة القدرة على التواصل بطلاقة وطبيعية وراحة، كأنه حديث عادي بين شخصين».