تكنولوجيا

هل تباطأ الذكاء الاصطناعي؟ هذا ما تقترحه مكاسب GPT-5 المحدودة

بعد النجاح الباهر الذي حققه GPT-4، كان العالم ينتظر تحقيق قفزة جديدة في الذكاء الاصطناعي، مع إصدار GPT-5، لكن التقييمات الأولية تشير إلى أن التحسينات جاءت محدودة؛ ما يثير تساؤلات جوهرية عن قدرة قطاع الذكاء الاصطناعي على مواصلة التقدم اعتمادًا على التصاميم الحالية.

بقلم أليكس ولكنز

الخطوة الأخيرة في مسيرة الذكاء الاصطناعي ليست قفزة عملاقة، بل أشبه بخطوة مترددة؛ فقد أصدرت شركة OpenAI نموذجها الجديد المحوِّل التوليدي مسبق التدريب GPT-5، بعد عامين من طرح GPT-4 الذي دفع روبوت الدردشة المدعوم بالذكاء الاصطناع التوليدي ChatGPT نحو الانتشار العالمي. ولكن على الرغم من الوعود بتحقيق قفزة مماثلة في القدرات، يبدو أن GPT-5 لم يتلق سوى تحسينات طفيفة، مقارنة بنماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة الأخرى؛ مما يوحي بأن القطاع قد يحتاج إلى نهج جديد لبناء أنظمة ذكاء اصطناعي أكثر تطورًا.
تصف OpenAI النموذج الجديد بأنه «قفزة كبيرة في الذكاء» مقارنة بالنماذج السابقة، مشيرة إلى تحسينات في البرمجة والمعالجة الرياضية، والكتابة والمعلومات الصحية، والفهم البصري. كما يَعِد النموذج بتقليل «الهلوسات»، أي الحالات التي يقدم فيها الذكاء الاصطناعي معلومات خاطئة على أنها صحيحة. وفي معيار داخلي لقياس «الأداء في الأعمال المعرفية المُعقَّدة ذات القيمة الاقتصادية»، تقول الشركة إن «GPT-5 يعادل الخبراء، أو يتفوق عليهم، في نحو نصف الحالات… في مهام تشمل أكثر من 40 مهنة، منها القانون واللوجستيات والمبيعات والهندسة».
لكن أداء GPT-5 في المعايير العامة لا يبدو متفوقًا – بشكل واضح – على نماذج شركات أخرى، مثل: Claude الذي طورته شركة Anthropic أو Gemini من شركة Google. صحيح أنه يتفوق على GPT-4، لكن الفارق في العديد من المعايير أقل بكثير من القفزة التي حدثت بين GPT-3 وGPT-4. كما عبّر العديد من مستخدمي ChatGPT عن خيبة أملهم؛ خاصة بعد تداول أمثلة على فشل GPT-5 في الإجابة عن أسئلة بسيطة على وسائل التواصل الاجتماعي.
تقول ميريلّا لاباتا Mirella Lapata، من جامعة إدنبرة University of Edinburgh في المملكة المتحدة: «كان كثيرون يأملون في حدوث اختراق، لكنه ليس كذلك. إنه مجرد ترقية، ويبدو كأنه خطوة تحسين إضافية».
تأتي أكثر التقييمات شمولًا لأداء GPT-5 من شركة OpenAI نفسها؛ لأنها الوحيدة القادرة على الوصول إلى كل إمكانات النموذج، وفق آنا روجرز Anna Rogers من جامعة تكنولوجيا المعلومات في كوبنهاغن IT University of Copenhagen في الدنمارك. وتقول: «لذلك، لا يمكن مناقشته بجدية كادعاء علمي».
في مؤتمر صحافي، قبل طرح النموذج، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI سام ألتمان Sam Altman أن GPT-5 «هو أول نموذج يشعر معه المستخدم كأنه يتحدث إلى خبير في أي موضوع، خبير بمستوى الدكتوراه». لكن هذا الادعاء لا تدعمه المعايير المرجعية، كما تقول روجرز التي تشير إلى أن العلاقة بين درجة الدكتوراه والذكاء ليست واضحة عمومًا: «فالأشخاص ثاقبو الذكاء لا يحملون بالضرورة درجات الدكتوراه، ونيل هذه الدرجة لا يضمن بالضرورة التحلي بذكاء متقد».
قد تكون التحسينات المحدودة في GPT-5 مؤشرًا إلى صعوبات أوسع تواجه مطوري الذكاء الاصطناعي. حتى وقت قريب، كان يُعتقَد أن قدرات نماذج اللغة الكبيرة Large language models‎ (اختصارا: النماذج LLMs‎) تزداد كلما زادت بيانات التدريب وقوة الحوسبة. لكن يبدو أن نتائج النماذج الأخيرة لا تؤكد ذلك، ولم تنجح الشركات في إيجاد تصاميم أفضل من تلك التي اعتمدت عليها في ChatGPT. تقول لاباتا: «الجميع يستخدمون الوصفة نفسها، ونحن نعرف ما هي هذه الوصفة»، في إشارة إلى عملية التدريب المسبق على كمية ضخمة من البيانات، ثم إجراء تعديلات خلال عمليات التدريب اللاحقة.
ومع ذلك، من الصعب الجزم بأن نماذج اللغة الكبيرة وصلت إلى مرحلة الركود؛ لأننا لا نعرف بالضبط كيف تُصمَّم نماذج مثل GPT-5‎. عن ذلك يقول نيكوس أليتراس Nikos Aletras، من جامعة شيفيلد University of Sheffield في المملكة المتحدة: «قد يكون من السابق لأوانه أن نجزم بأن هذه النماذج قد استنفدت قدراتها. لا يمكننا إصدار أحكام مادامت التفاصيل التقنية غير متاحة».
تعمل شركة OpenAI على تحسين كفاءة منتجاتها بطرق أخرى، مثل نظام التوجيه الجديد في GPT-5؛ فبدلًا من أن يختار المستخدم النموذج الذي يريد استخدامه، يتولى GPT-5 حاليًا قراءة الطلبات وتوجيهها إلى النموذج الأنسب، من حيث استخدام القدرة الحاسوبية.
وترى لاباتا أن هذا النهج قد يُعتمَد على نطاق أوسع. وتقول: «إن نماذج التفكير تستهلك كثيرًا من الحوسبة، وهذا يتطلب الوقت والمال. إذا أمكن الإجابة باستخدام نموذج أصغر، فسنرى مزيدًا من ذلك مستقبلا»؛ لكن هذه الخطوة أثارت غضب بعض مستخدمي ChatGPT؛ ما دفع ألتمان إلى التصريح بأن الشركة تعمل على تحسين عملية التوجيه.
ثمة مؤشرات إيجابية أكثر لمستقبل الذكاء الاصطناعي في نموذج آخر من OpenAI؛ حقق أخيرا نتائج تضاهي الفوز بالميدالية الذهبية في مسابقات رياضية وبرمجية نخبوية، وهو إنجاز لم تكن النماذج المتقدمة قادرة عليه قبل عام. ومع عدم توافر ما يكفي من التفاصيل عن طريقة عمل هذه النماذج، يقول موظفو OpenAI إن هذا النجاح يشير إلى امتلاك النظام قدرات استدلالية عامة متعددة المجالات.
يقول أليتراس إن هذه المسابقات مفيدة لاختبار النماذج على بيانات لم تُعرَض عليها في أثناء التدريب؛ لكنها تظل اختبارات ضيقة لمستوى الذكاء. وتقول لاباتا إن تحسين أداء النموذج – في مجال معين – قد يؤدي إلى تراجع أدائه في مجالات أخرى، وهو أمر يصعب تتبعه.
ومن المجالات التي شهد فيها GPT-5 تحسُّنًا ملحوظًا هو كلفته؛ فهو حاليًا أرخص بكثير من النماذج الأخرى؛ مثلًا: النموذج Claude، وهو أفضل ما أنتجته شركة Anthropic، كان يكلف نحو عشرة أضعاف تكلفة معالجة عدد الطلبات نفسها باستخدام GPT-5 عند كتابة هذا المقال. لكن هذا قد يخلق مشكلات مستقبلية إذا لم تغطِّ إيرادات OpenAI التكاليفَ الهائلة التي التزمت بها لبناء مراكز البيانات الجديدة وتشغيلها. تقول لاباتا: «السعر جنوني. إنه رخيص جدًّا لدرجة أنني لا أعرف كيف يمكنهم تحمُّل ذلك».
تدور منافسة شرسة بين نماذج الذكاء الاصطناعي الكبرى، خاصة انطلاقًا من فرضية أن النموذج الذي يسبق منافسيه، ويحل في الصدارة، يهيمن على السوق. تقول لاباتا: «جميع هذه الشركات الكبرى تسعى إلى الانفراد بالفوز، لكن ذلك ليس بالأمر السهل. فمن يظفر بالصدارة لا يحتفظ بها لأكثر من ثلاثة أشهر».

© 2025, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى