الاماكن والمدن والدول

نبذة تعريفية عن مسجد “الأَزْهَرُ الشَّرِيفُ”

1997 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الثاني

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

مسجد الأزهر الشريف الاماكن والمدن والدول المخطوطات والكتب النادرة

منذُ أكثرَ مِنْ ألفِ عامٍ، وبالتحديدِ في سَنةِ 361هـ الموافقةِ لسنة 971

اكتملَ بناءُ المسجدِ الجامعِ بمدينةِ القاهرة بعد أن أَتَمَّ إنشاءَها القائد جوهَرُ الصَقَلِيُّ، تنفيذاً لأمرِ المُعِزِّ لدينِ اللّه، أشهرِ الخلفاءِ الفاطميين.

وقد سَمَّوهُ "الأزهرَ" تَبَرُّكاً بفاطمة الزهراء التي كانوا ينتسبون إليها، ولذلك سَمَّوْا قصورَهم قُرْبَ الجامِع "القصورَ الزاهرةَ". 

 

وكان غرضُ الفاطميين من بناءِ هذا الجامعِ أن يجعلوه مركزاً للدَّعْوَةِ إلى تأييدِ دولِتهم الجديدةِ، حيثُ لم تَكُنْ جماهيرُ المسلمين تَتَعاطف معها لخروجِها على الخلافةِ العباسيَّةِ في بغداد.

وما لَبثَ الأزهرُ أنْ زادَت شُهرَتُه على شُهرةِ جامعِ عَمْرو، وجامعِ ابن طُولون، وكانا المسجدَين الكبيرَيْن بالفُسْطاط (المدينة القديمةِ قبلَ إنشاءِ القاهرةِ)،

وذلك عِنْدَمَا أقاموا فيه حَلْقَاتٍ لِلْعِلمِ على مستوىً رفيعٍ، ودروساً للعامَّة للدِّعايةِ لمَذْهبِ الفاطميين ومَنْهَجِهِم.

 

وتطوَّرَ الأمرُ بخطوةٍ أخرى قامَ بها الخليفةُ الفاطميُّ "العزيزُ باللّه" عام 378ه، وهي تعيينُه أربعينَ عالِماً للتدريسِ بالأزهر، وتخصيصُ مرتَّباتٍ ومساكنَ لَهُمْ، وبذلك قامتْ أقدمُ جامعةٍ إسلامية.

وقد كانَ هناكَ جامِعَان لَهُمَا شَبَه بالجامعاتِ أيضا، أحدُهما جامعُ القَرَويِّين بفَاس، وهو أقدمُ من الأزهر، بُنِيَ عام 160ه، والآخرُ جامعُ الزيتونةِ بتونُس، لكنَّ الزهرَ كان الغرضُ الأساسيُّ منه منذ إنشائِه هو التعليمَ، وظَلَّتْ للأزهرِ مكانتُه بالرغم من بناء الفاطميين "دارَ الحِكْمَة" لأنه كان، إلى جانب التعليمِ فيه، هو المكانَ الرسمِيِّ للمناسباتِ الدينية.

ولما حَكَمَ الأيوبيُّون مِصْـرَ والشامَ قامَ صلاحُ الدِّين الأيوبيُّ بإزالةِ ما أظهره الفاطميّون من مَعَالِمِ دولتِهْم وشعائِرها، وشجّع عودة المذاهِب الأربعةِ، وأنشأ لهاَ مدارسَ عِلْمِيَّةً مُضَاهِيَةً للأزهر.

وما أن جاءَ عهدُ المماليك حتى عادَتْ للأزهر مكانتُه ولَقِيَ عنايةً كُبْرى من المَلِك الظاهرِ بيبرس، حيثُ جَدَّدَ مبانيه وزادَ حَلقاتِ العِلْم فيه.

 

وقد ازدادَتْ شُهْرَةُ الأزهر عَقِبَ النَّكَبَات الحَضَارِيَّةِ الكُبْرَى، كسُقُوط الأَندلس وحَمْلاَتِ التتار والصَليبيين حيثُ دُمِّرَت مراكزُ العِلمِ المنتشـرةُ في شرقِ العالَمِ الإسلامي وغربهِ، وساعَدَ على الاهتمامِ به موقعهُ الجغرافِيُّ المتوسطُ.

وفي عهدِ العثمانيين قامَ الأزهرُ بدورٍ مُهِمٍّ في الحِافَظِ على اللُّغَةِ العربيَّةِ وأصولِ الثقافةِ الإسلاميةِ. واصطحبَ السلطانُ سليمٌ معه بعدَ فَتْح مصـر كثيراً من علماءِ الأزهرِ إلى إسطنبول عاصمةِ الخلافةِ. وقامت النهضَةُ الإسلاميّةُ الفكريَّةُ الحديثةُ على جهودِ الأزهرِ وخريجيه من أمثالِ الشيخ محمد عبدُه وتلاميذِه.

وشاركَ الأزهرُ في مقاومةِ الحملاتِ العسكريَّةِ التي قامَ بها الفرنسيون والإنجليزُ للاستيلاءِ على مِصْـرَ واستنزافِ خيراتِها.

فقد قادَ بعضُ علماءِ الأزهرِ وخِرِّيجِيه الثوراتِ ضِدَّ الفَرنْسِيِّين وتَصَدَّوا لمحاولاتِ نابُليون في التقرب إلى الشعب تحت ستار الشعاراتِ الدينيةِ ولما شكَّلَ نابليون "دِيواناً" من العُلَماءِ للمشاركةِ في إِدارةِ البلادِ كانُوا يُحَذِّرُون الشعبَ من الاغترارِ بمَا يتظاهرُ به المستعمرُ من حُسْنِ نِيَّة.

 

ولَمَّا أَخفقت جهودُ المستعمرين صَبُّوا غَضَبَهُم على الزهرِ وعلمائِه بضَـربِهِ بالمدافعِ مِمَّا دَفَع أحدَ طلبةِ الأزهرِ المغتربين وهو "سُليمانُ الحَلَبِيُّ" للانتقامِ لكرامةِ الأزهر فقتلَ الجنرالَ "كِلِيبر" نائِب نابليونَ في مِصْرَ.

وفي فترةِ احتلالِ الإنجليز لمصـرَ انطلقتْ من الأزهرِ المظاهراتُ المضادَّةُ، كما قامَ القائدُ المعروفُ أحمدُ عُرابِيِّ، والزعيمُ الوطنيُّ سعدُ زغلول. وهما مِمَّنْ تَعَلَّمْوا في الأزهر، بثورتيْهما المشهورَتَين.

وقد تَمَّ تجديدُ بناءِ الأزهرِ مراراً، وألحقَ به ملوكُ مصـر مدارسَ ملاصِقَةً له ومساكِنَ للأساتذةِ والطلبةِ. وممَّن أهتمَّ به كثيراً "قانصُوه الغُوري"، آخِرُ سلاطين المماليك، وهو الذي بَنَى له مِئْذَنَةً ذاتَ بُرجَين (وقد اعتُبِرَت فيما بعدُ شَعَاراً للأزْهَرِ).

 

ويشتهِرُ الأزهرُ بالأَروِقَةِ، وهي في الأَصلِ الفُسحَةِ بين عمودٍ وآخرَ، حيثُ كانَ يجلسُ الطلبةُ حولَ أستاذِهم لتَلِقِّي العلمِ. ثم نشأَتْ أروقةٌ على شكلِ حجراتٍ مجاورَةٍ للأزهرِ.

وخُصِّصَ منها أروقةٌ للطلبةِ من مُخْتَلِفِ البلادِ الإِسلامِيَّةِ وبعضِ الأقاليمِ الكُبرَى في مِصْـرَ نَفْسِها، حتى بَلَغ عددُها 26 رُوَاقاً، بالإضافة إلى المدارسِ المُلْحَقَةِ بالأزهرِ.

ومنذُ عامِ 1100ه استقرَّ العُرْفُ على اختيارِ أَبْرَزِ علماءِ الأَزْهَرِ رئيساً عِلْمِيًّا وإداريًّا له ويُلَقَّبُ "شَيْخَ الأزهر". وقد شَغَل هذا المنصبَ حتَّى الآنَ أكثرُ من أربعين شيخاً، وذلك للإشرافِ على سَيْرِ التعليمِ فيه والذي يَجْرِي بصورةٍ مَرِنَةٍ لا قُيودَ فيها على سِنَّ الطلبةِ، ولا تحديدَ للسَّنواتِ وحِصَصِ الدراسةِ.

 

وفي عهدِ "الخِدِيوِي إسماعيلَ" صدرَ قانونُ عام 1872 لتنظيمِ التعليمِ في الأزهرِ وترتيبِ مراحِلِه الدِّرَاسِيَّةِ وشَهَاداتِه وموادِّه وكُتُبِه.

وصَدَرَت بعدَه قوانينُ أخرى، باقتراحِ شيوخِ الأزهِر، لإصلاح طُرُقِ التعليمِ بحيثُ تواكبُ مُتَطَلَّبَات العصـرِ، كما شملَ التنظيمُ المعاهدَ الأزهريةَ ومدارسَ تحفيظِ القرآن. ومِمَّنْ لَهُم دورٌ كبيرٌ في هذا، شيخُ الأزهر مُحمد مصطَفى المَرَاغِي.

وفي عام 1966 تَطَوَّر الأزهرُ الشـريفُ إلى جامعةٍ عامَّةٍ كْبرى تَضْمُّ كلياتٍ لجميعِ العُلُوم ككليات التربيةِ، والعلومِ، والطبِّ والهندسةِ، بالإضافةِ إلى كليّاتهِ الأصلية: كلياتِ الشـريعةِ وأصولِ الدينِ، واللّغةِ العربيَّةِ، ثم أُنشِئَتْ فروعٌ لجامعةِ الأزهرِ في سَائِر المُحَافَظَات بمِصْرَ.

 

ولن تنسـى البلادُ الإسلاميةُ فَضْلَ الأزهرِ عليها، حيثُ ضَمَّ أبناءَها في أَرْوِقَةٍ ليتلقَّوْا العلومَ وينفعُوا بلادَهم، كما استقبلَت البلادُ الإسلاميةُ والجالياتُ والمراكزُ الإسلاميةُ مَبْعُوثين من الأزهرِ للإفتاءِ أو الدعوةِ أو التعليمِ في المعاهدِ الدينيةِ فيها.

وكثيرٌ من تلك المعاهدِ نشأَ على نَمَطِ معاهدِ الأزهِر وقامَ على بعثاتهِ التدريسية، ومنها "المعهدُ الدينيُّ" في الكُوَيْت.

قال أحمد شوقي في مَدْحِ الأزهر:

قُمْ في فَمِ الدُّنيا وحَيِّ الأزهَرَا

                                                     وانْثُرْ على سَمْعِ الزَّمانِ الجَوْهَرَا

واخشعْ مَلِيًّا واقضِ حَقَّ أَئِمَةٍ

                                                     طَلَعُوا بِــهِ زُهْراً وماجُــوا أبْحُراً 

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى