علم الفلك

النَجْوم النيوترونية

2006 موسوعة علم الفلك والفضاء2

شوقي محمد صالح الدلال

KFAS

علم الفلك

النجوم النيوترونية هي مرحلة نهائية من تطور نجم كبير الكتلة بعد أن فقد كل مصادر الطاقة الداخلية التي تحفظ توازنه الجاذبي.

وعندما يصل النجم إلى هذه المرحلة يتقوض على نفسه بفعل جاذبيته الذاتية وتنضغط مادته لتتحول إلى بحر من النيوترونات .

افترض عدد من علماء الفلك في الثلاثينيات (1930s) وجود هذه الأجرام ومنهم لانداو (Landau) وزويكي *(Zwicky) وباد  *(Baade)، وتتكون هذه النجوم عندما تفوق الكتلة المتبقية لقلب النجم بعد استعاره الأعظم حد شاندراسيخر *(Chandrasekhar limit)، أي 1.4 كتلة شمسية تقريباً.

 

ولا يكون هذا القلب مستقراً كقزم أبيض لأن ضغط الإلكترونات المتردية ليس باستطاعته التغلب على قوة الجاذبية الناتجة عن كتلة الجسم الكبيرة ، ويستمر التقوض حتى تبلغ الكثافة المتوسطة 1017 كغم/ م3.

وعندها تتكون النيوترونات من اتحاد الإلكترونات بالبروتونات مولدةً ضغطاً يمنع النجم من الاستمرار في تقوضه ، وعندما تتجمع كتلة كافية من الغاز حول قزم أبيض ثم يبدأ في التهامها – تزداد كتلته حتى تفوق حد شاندرا سيخز ، ويأخذ النجم في التقوض ليصبح نجماً نيوترونياً (وفي حالات أخرى يصبح مستعراً أعظم).

 

والنجوم النيوترونية هي أيضاً ما يعرف بالنباضات *(pulsars) ولكن إشعاعاتها النباضة لا تمر بموقع الراصد من الأرض .

ولا يتجاوز قطر النجم النيوتروني عشرين كيلومتراً، وله مجال مغنطيسي شديد القوة (107 تسلا) ، وسرعة دورانية كبيرة، والنجوم النيوترونية الفتية هي المسئولة عن ظاهرة النبض .

كما أن قوتها الجاذبية الهائلة تكون سبباً في التسخين السريع للمادة كما هو الحال في بعض المنظومات الثنائية السينية ، وتزداد سرعة النباضات القديمة بتجميعها للمادة التي تنتقل من نجم مرافق لتصبح من فئة نباضات المليثانية ، وتكون لها عندئذٍ سرعة دورانية هائلة .

 

ويتعرف العلماء على بنية النجوم النيوترونية عن التغيرات المفاجئة في معدل دورانها، وتسمى هذه التغيرات الكدر (glitche)، وتعنى النماذج المختلفة لبنية النجوم النيوترونية بتفسير هذه الظاهرة الفريدة التي تتميز بها هذه الفئة من الأجرام السماوية.

لا يتجاوز سمك الغلاف الجوي للنجوم النيوترونية البضعة سنتيمترات ، وتذهب بعض النظريات إلى أن سطح النجم مكون من قشرة مبلورة يبلغ سمكها كيلومتراً واحداً تقريبا ً.

أما المنطقة التي تحت القشرة فهي مكونة من سائل فائق من النيوترونات (تساوي لزوجتها الصفر) وتمتد حتى قلب مبلور صلب البنية . (الشكل 1) .

 

وفي نموذج آخر يغطي النجم النيوتروني بقشرة من الحديد الصلب لا يتجاوز سمكها بضعة مئات من الأمتار ، ويشكل الحديد كما هو معروف الناتج النهائي لعملية الاندماج النووي في النجوم.

وذلك لأنها لا تحرق الحديد للحصول على مزيد من الطاقة، فيتبقى رماداً بعد انفجارها ، وتصبح البنية أكثر تعقيداً في المناطق الواقعة تحت القشرة مباشرة وحتى مسافة 2 أو 3 كيلومترات من السطح.

وقد افترض باد وزويكي وجود "سائل" من النيوترونات يهيمن على هذه المنطقة من النجم ، وفي مناطق أكثر عمقاً تصبح البنية على قدر كبير من التعقيد.

 

ويذهب العلماء إلى أن المادة تصل إلى درجة مفرطة من الكثافة على مسافة 3 كيلومترات من قلب النجم النيوتروني وتتحول جسيمات المادة إلى هايبرونات *(hyprons)، والهايبرون هو باريون *(barion) يحوي واحداً أو أكثر من جسيمات الغرابة (انظر strange matter) ، وتتخلق هذه الجسيمات عادة في مسارعات الجسيمات أو بواسطة الأشعة الكونية عالية الطاقة .

الكَدَر ، الزلزال النجمي ، ودوامات المائعية الفائقة : تتميز النجوم النيوترونية أو النباضات بدقة توقيت ما تصدره من نبضات ، مما يتطلب استخدام ساعة ذرية لقياس أي حيود في زمن إصدارها (انظر pul-sar).

وتقل سرعة دوران النجم النيوتروني بتقدم الزمن بصورة تدريجية ، ولذلك تمر معظم النباضات بطور غريب يتغير خلاله معدل النبض بصورة مفاجئة، وتسمى هذه الظاهرة الكَدَر *(glitch) كما ذكرنا سابقا.

 

ويحدث الكدر فجأة دون سابق إنذار حيث يزداد معدل النبض ، ولكنه لا يلبث أن ينخفض ثانية ، (انظر الشكل 2) ، وبعد شهور عدة يعود النباض إلى سابق عهده .

وقد اعتقد الفيزيائيون لأول وهلة أن الكدر يحدث عندما تأخذ القشرة الحديدية للنجم النيوتروني في التصدع محدثة زلزالاً هائلاً (تقدر شدة الزلزال بـ 22 على مقياس ريختر) وتقوضاً لقشرة النجم ، ويؤدي هذا الزلزال والتقوض إلى ازدياد في معدل سرعة دوران النجم.

وتعزو هذه النظرية الزلزال النجمي إلى تجمع الإجهادات في قشرة النجم عندما تنخفض سرعته الدورانية بصورة تدريجية لفترة قد تمتد لآلاف السنين .

 

ولكن النجوم النيوترونية لا تعرف الاستقرار عادةً لفترات طويلة ، فظاهرة الكدر تحدث كل بضع سنوات، وهذا يجعل نموذج الزلزال والتقوض المصاحب له أمراً لا يمكن تفسيره بهذه النظرية .

وفي بداية السبعينيات (1970s) اقترح كل من ريشارد باكارد (من جامعة بيركلي) وفيليب أندرسون (من جامعة برنستون)، وباستقلال ، أن الكدر يحدث نتيجة ظاهرة أخرى يعود اكتشافها إلى الثلاثينيات  (1930s).

 

ففي عام 1937 اكتشف الفيزيائيون قدرة بعض السوائل على السريان دون لزوجة أو احتكاك عند درجات حرارة غاية في الانخفاض ، فعند إحداث دوامة في هذا السائل فإنها تستمر في الدوران إلى الأبد دون توقف ، وتعرف مثل هذه السوائل بـ "السوائل فائقة المائعية".

وتتخذ هذه السوائل في المختبر ، عندما تكون في حالة دوران ، أشكالاً هندسية غريبة بعض الشيء، فيظهر في السائل دوامات لها سرعة دوران واحدة، بينما ينعدم الدوران في المناطق الأخرى من السائل . (انظر الشكل 3) .

 

وتصنع الدوامات أشكالاً هندسية منتظمة يمكن مقارنتها بالبنية الشبكية في البلورات (انظر الشكل 4).

فعند حدوث اضطراب في منطقة ما من النجم النيوتروني تتولد موجة تكتسح باطنه بسرعة تعتمد على كثافة الدوامات والخواص المرنة للوسط الذي تنتشر فيه.

ويحوي النجم النيوتروني عادة الآلاف من الدوامات لكل سم2 ، ويؤدي الكدر إلى إتلاف مئات أو آلاف البلايين من هذه الدوامات .

 

نجوم الكوارك ونجوم الغرابة : تتكون جسيمات المادة وفقاً للنموذج المعياري (انظر standard model) من بروتونات ونيوترونات ومئات من الجسيمات الأخرى التي أمكن تخليقها في المسارعات ، وتتكون هذه الجسيمات من لبنات صغيرة تسمى الكوارك *(quark)

ويتنبأ النموذج المعياري بقدرة جسيمات الكوارك على تكوين نوع جديد من المادة عندما تبلغ كثافتها حداً مفرطاً ، ومن الناحية العملية فإن كل ما نعرفه في الكون من مادة مستقرة مكون من الكواركات الخفيفة : "فوق" و"تحت" .

وتذهب النظرية إلى نوعاً ثالثاً من الكواركات – يسمى كوارك الغرابة (strange quark) – بإمكانه الاستقرار من الكواركات الخفيفة ليكون ما يعرف بجسيمات الغرابة . ويحدث ذلك فقط عندما تبلغ الكثافة قيمة كبيرة كما هو الحال في النجوم النييوترونية.

 

ويعتقد الفيزيائيون أن القلب عظيم الكتلة للنجم النيوتروني قد يحوي مثل هذه المادة الغريبة . (انظر الشكل 5) ، ويرى العلماء أن الانتقال من مادة مكونة من الجسيمات العادية إلى مادة مكونة من الكواركات، أو ما يعرف بمادة الكوارك – يحدث بصورة تدريجية.

فعندما يكون الضغط منخفضاً تشكل مادة الكوارك صفيفاً من القطرات في بحر من المادة العادية، وعندما يزداد الضغط تكبر هذه القطرات ثم تتحد مشكلة قضباناً طويلة ، لا تلبث بدورها أن تتحد لتكون صفائحاً.

وعندما يبلغ الضغط حداً أقصى تتحد هذه الصفائح مع بعضها وتنحسر المادة العادية حتى تتلاشى تدريجياً ، وفي النهاية تبقى مادة الكوارك وحدها المهيمنة على البنية الداخلية للنجم النيوتروني.

 

وبعد تشكل مادة الكوارك يبقى المجال مفتوحاً لاحتمالات أخرى ، فوفقاً للنموذج المعياري تكون الطاقة المختزنة في فقاعة كبيرة من مادة الكوارك أقل من الطاقة المختزنة في المادة العادية المحيطة بها .

ولذا باستطاعة النجم النيوتروني حديث التكوين الحصول على مزيد من الطاقة بتحويل جزء من كواركات "فوق" و "تحت" إلى كواركات الغرابة.

ويُحدث ذلك موجة من التفاعلات المتسلسلة تؤدي إلى تحول النجم بصورة كاملة إلى كتلة من مادة الغرابة (مادة تسودها كواركات الغرابة) . (انظر الشكل 6).

 

ويعتقد بعض العلماء أن نجوم الغرابة لا يمكن وجودها في الطبيعة.

وذلك لأن النجوم النيوترونية لا تستطيع الاحتفاظ بدقة نبضاتها دون وجود قشرة حديدية عازلة تحيط بها ، فالقشرة المكونة من مادة الغرابة على سبيل المثال لا تملك القسوة اللازمة لإصدار نبضات بالدقة المرصودة .

ومن جهة أخرى يرى بعض العلماء أن مادة الغرابة تكون محاطة بمجال كهربائي شديد القوة يعزلها عن القشرة الحديدية المغلفة للنجم ، ويمنع تحولها إلى مادة الغرابة ، وقد عثر العلماء عام 2002 على نباضات يعتقد أنها مكونة من مادة الكوارك أو مادة الغرابة .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى