أحداث تاريخية

أماكن انتشار مرض الحمى الصفراء

1995 أمراض لها تاريخ

حسن فريد أبو غزالة

KFAS

مرض الحمى الصفراء أحداث تاريخية المخطوطات والكتب النادرة

ممن كانوا يحتال الأوربيون (من أسبان وبرتغاليين وهولنديين وانكليز وفرنسيين) على جلبهم من غرب إفريقيا، حيث كانت تتوطن الحمى الصفراء في الشريط الاستوائي، والمداري للقارة الإفريقية السوداء منذ زمن طويل، ربما كان أطول من عمر الإنسان نفسه على وجه الأرض حيث كانت تعشش القرود وهي الضحية الأولى للحمى الصفراء قبل أن يكون للإنسان وجود.

واتخذت هذه الحمى من ظلمة القارة الإفريقية وأحراشها، ستاراً يخفيها عن بصر التاريخ، إلى أن جاء المستعمر ليمزق هذه الستارة، فيدفع ثمن فعلته النكراء على صورة ضريبة الشيطان.

داء الحمى الصفراء الذي حملته السفن مع من حملت من عبيد من الساحل الإفريقي إلى الساحل الأميركي، ولا ندري هل كانت السفن تحمل المرضى من البشر أم هي تحمل البعوض المريض أو كلاهما معاً؟!

على أن أول وباء رصده التاريخ من أوبئة الحمى الصفراء كان عام 1648م حين أصاب إحدى القبائل الكبرى من الهنود الحمر يدعونها ألمايا، وكانت تقطن منطقة بالمكسيك تدعى "يوكاتان" على هيئة شبه الجزيرة داخل شواطئ المحيط الباسيفيكي، وقد كتب عن الوباء أحد الذين عاصروه فقال:

(في شهر يونيو انتشر فوق البلاد ضباب كثيف، وكان الهنود الحمر القدامى يومنون أن مثل هذا الضباب هو علامة أكيدة للموت، وقد ظهر حقاً في مدينة "كاجيشي" فاجتاحها وشل فيها كل حركة ..).

 

لقد فرضت حراسة مشددة على كل الطرق لمنع الأهالي من المغادرة، ولكن المرض مع هذا شاع وانتشر، فما كان شهر أغسطس إلا والداء قد اجتاح الجميع صغيراً كان أم كبيراً غنياً كان أم فقيراً، فوصل إلى "مريدن" وعم الناس كافة في ثمانية أيام، ثم وصل بعدها إلى كوبا في السنة التي تلتها، حيث قتل ثلث سكانها.

أما في عام 1660م فقد أصاب وباء الحمى الصفراء أفراد الحامية البريطانية؛ التي كانت ترابط في جزيرة "سانتا لوتشيا" وقوامها ألف وخمسمائة جندي، أصيبوا جميعا ففتك بهم باستثناء تسع وسبعين منهم.

حتى ذلك الحين كان الناس يظنونها فرعاً من التيفوس، إلى أن كان عام 1667م فوصف الحمى وأعراضها وعلاماتها كاهن فرنسي يدعونه "جين دي تيرتري" أثناء فوعة أصابت "جواديلوب" المدينة المكسيكية وجزيرة "سانت كيتس".

ولم يطلقوا عليها اسم الحمى الصفراء إلا عام 1775م وكان صاحب الفضل فيها عالم طبيعي يدعونه "جريفيث هو جيز" أثناء عرضه لتاريخ المنطقة الطبيعي، في كتاب سماه "التاريخ الطبيعي لبربادوس" وهي جزيرة من جزر الهند الغربية!!

 

وفي خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر تواترات أوبئة الحمى الصفراء على هواها دونما رقيب أو حسيب، تتحكم في مصائر البشر، وتكتب لهم تاريخهم، وتتابعت موجاتها حتى أنهم عدّوا منها ما بين سنتي 1702 – 1878م مائة واثني عشر وباء عام 1791م الذي أصاب "فيلادلفيا" بجنوب الولايات المتحدة الأمريكية.

فكان الناس يخاف بعضهم بعضاً فيغلقون على أنفسهم الأبواب، ويتجنبون السلام والمصافحة فيما بينهم، ومع هذا فالإحصاءات ترصد وفاة عُشر سكان ولاية "نيو أورليانز" فمات ما يزيد عن ثمانية آلاف شخص.

بل ويقال إن الإمبراطور "نابليون الثالث" حين فكر في غزو المكسيك بعد أواسط القرن التاسع عشر سنة 1861 – 1867م، حط رحال جيشه في المستعمرة الفرنسية "سانت دياجو" فكانت الحمى الصفراء له بالمرصاد، فلم تبق له من جيشه ولم تذر إلا الجزء الضئيل، مما اضطره إلى أن يبيع للولايات المتحدة ولاية "لويزيانا" ويحمل متاعه ويرحل، وتبخرت أحلامه في إمبراطورية المكسيك التي كان يخطط لها منذ زمن ويحلم.

لقد كان الحمى الصفراء شغل الجميع الشاغل، وهموم الناس كلهم، حتى أن أديباً كبيراً مثل "نوخ ويبستر" "مؤلف قاموس ويبستر الشهير" كتب في الأيام الأوائل لإنشاء الجمهورية الأميركية في نهاية القرن الثامن عشر يقول:

"في عام 1795م عندا اشتدت الحرارة  والرطوبة، انتشرت معها الحمى الصفراء في نيويورك، عندما اختفى الذباب وظهر البعوض بكميات ضخمة، فالذباب يتكاثر في الجو الحار الجاف فيما يفضل البعوض جواً حاراً رطباً، ومن المعلوم أن تكاثر البعوض يجعل الهواء غير صحي.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى