مرحبًا بكم…
هل كان بليز باسكال يعلم أن رهانه الشهير الذي طرحه في القرن السابع عشر ليس مجرد حجة كلامية، بل أداةٌ فكرية مدهشة ستشُق الطريق أمام علم الاحتمالات الحديث؟ ثم جاء توماس بايز ليعلمنا كيف نُحدِّث أفكارنا استنادًا إلى الأدلة الجديدة، وأكمل بعده جون فون نويمان المسيرةَ بتأسيس نظرية الألعاب، التي باتت تُؤطِّر كل شيءٍ من استراتيجيات الأسواق العالمية إلى سلوك البكتيريا.
لكن هذه النظرياتِ لم تعُدْ حبيسة قاعات المحاضرات وصوامع المفكرين؛ فاليوم نرى توظيفًا مبتكرًا لتلك الأفكار في محاولة فهم الكون، من أعظم أسرارِه إلى أصغر تفاصيلِه.
نتساءل في هذا العدد: هل يمكن للسماء أن تُمطر ألماسًا؟ نعم، إنْ تَحوَّل إلى حمض فائق في أعماق الكواكب الجليدية مثل أورانوس ونبتون. تشير المحاكاة الحاسوبية إلى أن الحرارة والضغط الهائلَين هناك قد يُحوِّلان الماء إلى وسط كيميائي متطرف، يُنتِج ألماسًا يسقط فعليًّا من السماء.
ومن السماء إلى الأرض، نكتشف أن شبه الجزيرة العربية لم تكن دائمًا صحراء؛ إذ تشير الدراسات الجيولوجية – لتلك البقعة من اليابسة – إلى فترات رطبة متكررة خلال الـ 8 ملايين سنة الماضية؛ الأمر الذي جعل منها مَعْبَرًا مُهمًّا للهجرات البشرية المبكرة نحو آسيا وأوروبا.
وفي الرياضيات، نغوص في عوالم ألغاز لم تُحَلّ بعد؛ فعقِبَ مرور أعوام طوال على تخصيص مليون دولار لحل أيٍّ من سبعة ألغاز رياضية مستعصية، لم يُحَلّ منها سوى واحد فقطّ! ولكن، ما الذي يجعل هذه الألغاز صعبةً إلى هذا الحد؟ وما الذي تكشفُه عن طبيعة التفكير الرياضي وحدود العقل البشري؟
أحد الأجوبة قد يكون في لُب علم الهندسة: علينا أن نتجاوز الأشكال البسيطة، مثل: المثلث والمربع؛ لأنها لم تعُدْ كافية لحل المعضلات؛ فالعلماء اليوم يدرسون أجسامًا عجيبة مثل الأمبليتوهدرون الذي يؤدي دورًا مُهمًّا في تفسير فيزياء الجسيمات، فهل تكون الهندسة مفتاحَنا لـ «نظرية كل شيء»؟
أما في الفيزياء الحديثة، فقد اكتُشِف نوعٌ جديد من المغناطيسية، هو الأول منذ نحو قرن… هذه «المغناطيسات التناوبية»، بخصائصها الغريبة، قد تفتح الباب أمام تطوير حواسيب جديدة كليًّا، أسرع في معالجة البيانات، وأقل استهلاكًا للطاقة، وتعمل على مبادئ لم نكن نحلم بها من قبل.
وفي الصحة، يحمل لنا هذا العددُ خبرًا مبهجًا، هو أن الأنسولين المُستنشَق قد يُغني الأطفال المصابين بالسكري عن الحقن، ويوفر وسيلة أسرع وأكثر راحة للتعايش مع المرض.
وفي قسم الرأي، نتأمل تساؤلًا بيئيًّا مُهمًّا: هل الحل لتقليل أثَر الطيران في المناخ هو تغيير وقود الطائرات… أو تغيير طريقة تفكيرنا وسلوكنا؟
ما يجمع بين هذه الموضوعات كلها هو شيء واحد: العلم يُثبت لنا، يومًا بعد يوم، أنه ليس مجردَ أداة لوصف العالم وصفًا مجردًا، بل لغةٌ لفهمه وتغييره، والاستمتاع به. وبين رهان باسكال وأمطار الألماس، هناك مسيرة طويلة من البحث، والتجربة، والإبداع البشري.