
ماذا تخبرنا سبعة ألغاز رياضية بالغة الصعوبة عن طبيعة الرياضيات؟
قبل 25 عامًا، خُصِّصت مكافأة قدرها مليون دولار لمن يتمكن من حل واحد من سبعة ألغاز رياضية شديدة التعقيد. وبعد أن تمكن الرياضيون من حل واحد منها فقط، ماذا يتطلب حل ما تبقى منها؟
بقلم مايكل بروكس
كم تغيرت الأمور منذ العام 2000. في ذلك العام، كان عدد سكان الكوكب أقل بمليار نسمة. ولم تكن محطة الفضاء الدولية قد استضافت بعد أي رائد فضاء للإقامة فيها، حينها تزوج براد بيت من جينيفر أنيستون بعد قصة حب.
وفي 24 مايو من ذلك العام، صعدت مجموعة من علماء الرياضيات إلى خشبة المسرح، في باريس، لطرح مجموعة من المسائل. استخدموا صفائح أسيتات وجهاز عرض فوقي، خلال العرض، لكن ما قدموه لم يكن تحديًا مدرسيًّا في الرياضيات. بل كانت هذه مسائل الألفية السبع Millennium Problems، أصعب الألغاز الرياضية المطروحة في ذلك الوقت.
نظَّم الحدث معهد كلاي للرياضيات
Clay Mathematics Institute، وهو مؤسسة خيرية مقرها في الولايات المتحدة. ووعد المعهد بمكافأة قدرها مليون دولار لأي شخص يتمكن من حل إحدى تلك المسائل.
بعد 25 عامًا، كيف أبلى إذن علماء الرياضيات؟ للوهلة الأولى، قد يبدو الجواب مخيِّبًا للآمال: لم تُحل سوى مسألة واحدة، وهذا قد يدفع البعض إلى التساؤل عمّا إذا كان عالَم الرياضيات قد فقد قدرته على الابتكار. لكن التعمق في الأمر يكشف عن أن مسائل الألفية تُخبرنا كثيرًا عن حال الرياضيات المعاصرة، وعن المعنى الحقيقي للتقدم في هذا المجال
بالغ التجريد.
بل وهناك ما يدعو إلى التفاؤل؛ إذ من المحتمل أن يُسجِّل التقدم في هذه الألغاز خطوات مهمة قريبًا، مع بدء تلمس تأثير تعلم الآلة في المجال. يقول ماركوس دو سوتوي Marcus du Sautoy، من جامعة أكسفورد University of Oxford: «سأكون متشوِّقا لمعرفة ما إذا كانت طريقة ممارستنا الرياضيات ستتغير خلال السنوات الخمس والعشرين المقبلة بفضل هذه الأدوات الجديدة».
علماء الرياضيات معروفون بشغفهم بحل المسائل الصعبة؛ فخلال القرن العشرين، دأب العديد من الأسماء اللامعة، من بول إردوش Paul Erdös، إلى أندريه ويلAndré Weil ، على طرح مسائل استمتعوا برؤية الآخرين يحلونها. وفي العام 1900، كان للمسائل التي طرحها ديفيد هيلبرت David Hilbert وقع كبير؛ فقد حدَّد هيلبرت 23 مسألة قال إنها تستحق أن يصب الجميع جهودهم لحلها. وتقول كولفا روني-دوغال Colva Roney-Dougal من جامعة سانت أندروز University of St Andrews في المملكة المتحدة: «لقد وضعها بهدف تشكيل مسار الرياضيات في القرن العشرين… كان ذلك واضحًا وناجحًا إلى حد كبير». وحاليا، لم يتبقَ سوى عدد قليل من تلك المسائل من دون حل، مع أن واحدة منها لم تُحل إلا في شهر مارس 2025.
وجاء طرح مسائل الألفية، في مطلع القرن الجديد، تحيةً ضمنيةً لبرنامج هيلبرت، وفرصةً لتسليط الضوء على مجموعة من المسائل المستعصية. غير أن هذه المرة، كان علماء الرياضيات على دراية بهذه المسائل. ولم يكن معهد كلاي للرياضيات يسعى إلى فرض توجهات، أو تحديد أولويات بحثية معينة، بل كان هدفه الأساسي هو إعلاء مكانة الرياضيات، وزيادة الاهتمام بها في المجتمع العلمي والعام. ومع ذلك، مازالت هذه الجوائز تُثير الحماسة؛ لأنها تسلط الضوء على مسائل يتوق علماء الرياضيات فعلًا إلى حلها، سواء بدافع التشويق والشعور بنشوة الإنجاز، بعد حل مسألة شهيرة استعصت على عقول كثيرة، أو طمعًا في تحقيق اختراق علمي قد يكون له أثر عميق في ميادين أوسع، ويؤدي إلى تغيير شامل في طريقة فهمنا للعلوم والهندسة أو تطبيقها. يقول ويليام غاسارش William Gasarch، من جامعة ماريلاند University of Maryland: «كانت مسائل هيلبرت مسائل جيدة، ومسائل المليون دولار جيدة أيضًا».
وقد تجلّى ذلك بوضوح عندما أثبت غريغوري بيرلمانGrigori Perelman تخمين بوانكاريه Poincaré conjecture، وهو مسألة الألفية الوحيدة التي عُثِر على حل لها حتى تاريخ كتابة المقال. في الرياضيات، التخمين هو جملة رياضية يُعتقَد أنها صحيحة، لكنها لم تُثبَت بعد. في العام 1904، قدّم هنري بوانكاريه اقتراحًا يتعلّق بطوبولوجيا الكرة في فضاء رباعي الأبعاد. وقد جاء برهان بيرلمان بعد مرور نحو 100 عام بالتمام، وحظي باهتمام إعلامي واسع، لا سيما عندما رفض المكافأة المالية؛ لأنه رأى أن منحها له وحده يتجاهل مساهمة رياضي أمريكي كان له دور أساسي في تطوير أدوات رياضية استخدمها في إثباته. رفض بيرلمان من قبل أيضًا ميدالية فيلدز المرموقة في الرياضيات، بقوله: «لستُ مهتما بالمال أو الشهرة؛ لا أريد أن أُعرَض كحيوان في حديقة حيوانات».
مسائل الألفية
إذن، حُلَّت مسألة، فما المسائل الست المتبقية؟ إحداها هي تخمين هودج Hodge conjecture الذي يمثل جسرًا بين فرعين من الرياضيات: الطوبولوجيا والجبر. يهدف هذا التخمين إلى إيجاد طرق موثوقة لتقريب الأشكال المُعقَّدة، وتمثيلها باستخدام عناصر رياضية تُعرف بالدورات الجبريةAlgebraic cycles . لم يتحقق أي تقدم يُذكر في هذا المجال خلال 25 عامًا. ويقول بيير ديلين Pierre Deligne، من معهد الدراسات المتقدمةInstitute for Advanced Study في برينستون بولاية نيوجيرزي: «ليس لدينا أدنى فكرة كيف يمكن أن نتعامل مع هذه المسألة».
مسألة أخرى هي تخمين بيرش وسوينرتون-داير على اسم العالمين براين جون بيرش Bryan John Birch ، وبيتر سوينرتون-داير Peter Swinnerton-Dyer اللذين طرحا في أوائل ستينيات القرن الماضي اقتراحًا بشأن خصائص معينة لحلول المعادلات التي تصف ما يُعرف بالمنحنى الإهليلجي Elliptic curve، مثل هذه المنحنيات يمكن التعبير عنها بمعادلات جبرية، ولها خصائص جعلتها مفيدة في مجموعة واسعة من السياقات؛ فهي تظهر فجأة في عملية تحليل الأعداد الكبيرة إلى عوامل أولية، وفي أنظمة التشفير المختلفة. كما أنها ظهرت في البرهان الذي قدّمه أندرو وايلز Andrew Wiles بشكل مفاجئ في أوائل التسعينيات لحل مسألة رياضية شهيرة جدًّا، وصفها البعض بأنها أسطورية لصعوبتها، وتُعرف باسم مبرهنة فيرما الأخيرة Fermat’s last theorem.
أما مسألة فجوة الكتلة Mass gap problem التي طرحها يانغ-ميلزYang-Mills ، فهي تتعلق بفيزياء الجسيمات الأولية؛ فالكائنات الأساسية، مثل الإلكترون، يمكن النظر إليها كجسيم له كتلة، أو كموجة تتحرك بسرعة الضوء. غير أن الأشياء التي تتحرك بسرعة الضوء لا تمتلك كتلة، وهذه الفجوة المفاهيمية يسعى الفيزيائيون إلى تفسيرها، من خلال ابتكار رياضي عبقري.
ثم هناك مسألة P مقابل NP، وهي سؤال مفتوح يختبر حجم الجهد الحسابي المطلوب لحل أنواع معينة من المسائل الرياضية، وما إذا كانت حلولها يسهل التحقق منها. تُوجَد أنواع كثيرة جدًّا من المسائل التي تبدو صعبة، وتُصنَّف بأنها «غير حتمية متعددة الحدود»Non-deterministic-polynomial ،
هذا التصنيف يشير إلى أنها تتطلب وقتًا هائلًا ليتمكن الحاسوب من إيجاد حلول لها؛ لكن المهم هو أن التحقّق من صحة الحل، بعد إيجاده، يكون في أكثر الأحيان سريعًا، ويُنجز خلال ما يُسمّى الزمن المتعدد الحدود Polynomial time، أي أنه لا يستغرق مع الحاسوب وقتًا طويلًا للتحقق منه. مثلًا، إيجاد عوامل الأعداد الأولية لعدد ضخم هو من النوع NP، ولكن إذا حصلت على الحل، فمن السهل التحقق من صحته: ما عليك سوى ضرب الأعداد الأولية – وهي أعداد لا تقبل القسمة إلا على نفسها وعلى الواحد – معًا. وما لا نعرفه هو إذا كان من الممكن التحقُّق من حل مسألة ما في زمن متعدد الحدود، هل يعني ذلك أنه يمكن – كذلك – إيجاد الحل نفسه بسرعة في زمن متعدد الحدود، عبر خوارزمية لم تُكتَشف بعد؟
هناك أيضًا مسألة تُعرف باسم: مسألة وجود وسلاسة معادلات نافييه-ستوكس Navier-Stokes existence and smoothness. هذه المسألة تختبر مدى موثوقية معادلات نافييه-ستوكس، وهي معادلات مُستخدَمة على نطاق واسع للتنبؤ بالكيفية التي تتدفق وفقها السوائل في ظروف مختلفة، سواء كان ذلك الهواء الذي يمر فوق أجنحة الطائرة، أو الدم الذي يتحرك داخل الشرايين، أو التيارات الجوية التي تجوب الغلاف الجوي حول الأرض. حل هذه المسألة لن يجعلك تكسب المليون دولار فقط، بل سيجعل ملايين المهندسين والأطباء وعلماء المناخ حول العالم ممتنين لك.
وأخيرًا، تأتي أقدم المسائل، وهي فرضية ريمان Riemann hypothesis، ويعود تاريخها إلى 116 عامًا. تتعلق هذه الفرضية بتوزيع الأعداد الأولية، وهي مسألة الألفية الوحيدة التي وردت أيضًا في قائمة هيلبرت الشهيرة. طُرحت الفرضية لأول مرة في العام 1859، وتفترض وجود نمط يمكن من خلاله التنبؤ بمواضع ظهور الأعداد الأولية على خط الأعداد.
فأيٌّ من هذه المسائل سينهار تاليًا؟ ربما تكون فرضية ريمان؛ وهو ما يرجّحه ماركوس دو سوتوي، لكن حلها مازال يبدو بعيد المنال. وقد شهد العام 2019 حماسة كبيرة بين علماء الرياضيات، بعد إحراز بعض التقدم في حدسية الأعداد الأولية التوأمية Twin prime conjecture التي تقترح وجود عدد لا نهائي من أزواج الأعداد الأولية التي يفصل بينها عدد صحيح واحد فقط، مثل: 3 و5، أو 5 و7، أو 17 و19. لقد أحرز عدد من الباحثين تقدمًا مهمًّا في اتجاه إثبات هذه الحدسية، لكنهم لم يصلوا إلى برهان نهائي بعد، كما أن هذا التقدم لن يُفضي بالضرورة إلى حل فرضية ريمان.
وماذا عن مسألة P مقابل NP؟ يقول وليام غاسارش: «إنها مسألة شديدة الصعوبة. لم يُحرَز فيها أي تقدّم منذ زمن طويل، وربما لم يُحرَز فيها أي تقدّم على الإطلاق، ولا أعتقد أننا سنحلها في المستقبل القريب .«صحيح أن إدراج هذه المسألة ضمن قائمة مسائل الألفية قد جذب عددًا أكبر من علماء الرياضيات، وحفَّزهم للعمل عليها، إلا أن غاسارش يرى أن الأدوات الرياضية اللازمة غير متوافرة بعد، حتى لمجرد البدء في إحراز تقدم فيها.
في الواقع، الأدوات هي كل شيء في الرياضيات؛ فمن دون التقنيات الرياضية المناسبة، لا سبيل إلى تحقيق أي تقدم في مجال معين، وهذا ما يفسر لماذا طوّر كل من إسحق نيوتن وغوتفريد فيلهلم لايبنتز حساب التفاضل والتكامل في أواخر القرن السابع عشر. حينها، لم يكن هناك أي إطار رياضي أو تقنية لوصف الخصائص التي تتغير عبر الزمن أو الفضاء. لكن بمجرد أن توضع الأداة المناسبة في الأيدي المناسبة، يصير التقدم حتميًّا تقريبًا. بهذه الطريقة، مكّن حساب التفاضل والتكامل نيوتن من تحقيق إنجازات رياضية مذهلة، من بينها وصف حركة الكواكب بدقة، وتفسير القوى المؤثرة فيها، وعلى رأسها الجاذبية.
وقد كان امتلاك الأداة المناسبة أساسيًّا في إثبات مبرهنة فيرما الأخيرة. كان أندرو وايلز يعمل على حدسية تانياما-شيمورا-ويل Taniyama-Shimura-Weil conjecture ، ثم في العام 1986، أشار أحدهم إلى أن حل هذه الحدسية جزئيًّا سيكون مكافئًا لإثبات مبرهنة فيرما الأخيرة. يقول دو سوتوي: «فجأة، رُبطت مبرهنة فيرما الأخيرة بجزء من الرياضيات يحفل بالآليات التي يمكن البدء في العمل بها مباشرة».
وتضيف كولفا روني-دوغال إن نجاح بيرلمان في إثبات تخمين بوانكاريه هو مثال آخر على هذه الفكرة: «لقد طُوِّرت منظومة كاملة من النظريات؛ ما حوّل المسألة من مستحيلة إلى ممكنة». كان بيرلمان من بين مَنْ وضعوا هذا الأساس النظري، وقد رُشِّح لميدالية فيلدز تقديرًا لتطويره أدوات رياضية كانت أساسية في إثباته لاحقًا للتخمين. لكن هذا لا يعني أنه الوحيد الذي كان قادرًا على إنجاز شيء مماثل.
تقول روني-دوغال: «بيرلمان عبقري، وكان يعمل ضمن المجال الصحيح من الرياضيات، لكن من المرجَّح أنه لو لم يفعل هو ذلك، لفعله شخص آخر».
نظرًا إلى الجهد الهائل الذي يتطلبه إحراز تقدم حقيقي في الرياضيات، ربما ينبغي ألا نفاجأ بأن مسألة واحدة فقط من مسائل الألفية قد تم حلها. لكن ذلك لا يعني ألا أمل في تحقيق اختراق جديد. يرى دو سوتوي أن الأدوات المناسبة ربما بدأت في الظهور، وقد تساعدنا على إحداث فرق حاسم في التعامل مع المنحنيات الإهليلجية، مثلًا؛ فقد حظيت هذه المنحنيات باهتمام كبير نظرًا إلى أهميتها في مجالات مثل التشفير وتطبيقات أخرى. وهذا يعني أن تخمين بيرش وسوينرتون-داير مرشح قوي ليكون المسألة التالية التي ستنهار.
يقول دو سوتوي: «المنحنيات الإهليلجية تحظى باهتمام عدد كافٍ من الباحثين، وهناك أدوات رياضية متقدمة تتيح التعمّق فيها بجدّية».
نظرًًا إلى الجهد الهائل الذي يتطلبه إحراز تقدم حقيقي في الرياضيات، ربما ينبغي ألا نُفاجَأ بأن مسألة واحدة فقط من مسائل الألفية قد تم حلها
أداة رياضية جديدة .. الذكاء الاصطناعي
وجود عدد كافٍ من الباحثين في المجال أمر بالغ الأهمية. بعض مسائل الألفية – كتخمين هودج مثلًا – قد تكون شديدة الغموض، أو تخصصية جدًّا، بحيث لا تجذب عددًا كافيًا من العقول اللازمة لتحقيق تقدم ملموس. أما غيرها، فقد استفاد بالفعل من الزخم الإعلامي المصاحِب لإدراجها في قائمة المسائل الكبرى. تقول كارين أولينبك Karen Uhlenbeck، من جامعة تكساسUniversity of Texas في أوستن، والمتخصصة في نظرية يانغ-ميلز Yang-Mills theory: «من المؤكد أن عدد الباحثين الذين يعملون على مسألة فجوة الكتلة قد ازداد».
لكن هناك حاليًا أداة جديدة قد تُحدث فرقًا حقيقيًّا: إنه الذكاء الاصطناعي؛ فبعض هذه المسائل قد تحتاج إلى «دفعة خفيفة» من الخوارزميات لكي تتحرك خطوة إلى الأمام. تقول روني-دوغال: «بدأ الذكاء الاصطناعي يبرهن على أنه أداة مفيدة في مجال الرياضيات». ولا يدور الحديث هنا عن نماذج اللغة الكبيرة، مثل التقنية المُستخدَمة في روبوتات الدردشة مثل تشات جي بي تي ChatGPT(مع أن أداء هذه النماذج آخذ في التحسن في حل المسائل الرياضية التي ترد في الامتحانات). بل ما يجري حاليًا هو تطوير أنواع مختلفة من الشبكات العصبية المُصمَّمة خصيصًا للتعامل مع المسائل الرياضية. وبالاعتماد على بيانات تدريب مناسبة، يمكن لهذه الشبكات رصد أنماط خفية في معارفنا الرياضية، قد تفتح آفاقًا جديدة، أو تقودنا إلى فرضيات واعدة.
أحد المجالات التي أحدث فيها الذكاء الاصطناعي فرقًا هو نظرية العقد؛ إذ تمكّن الباحثون من تغذية شبكة عصبية بأوصاف العُقد الرياضية، ثم حثّها على اكتشاف روابط مثيرة للاهتمام بينها. وقد قادهم ذلك – في نهاية المطاف – إلى مفهوم رياضي جديد ويستحق الاهتمام.
ويُستخدَم الذكاء الاصطناعي أيضًا للمساعدة في تضييق نطاق البحث عن حلول لمسألة وجود وسلاسة معادلات نافييه-ستوكس. يقول دان فريد Dan Freed، من جامعة هارفارد Harvard University: «يتطور تعلم الآلة بسرعة ليضاف كأداة جديدة في صندوق أدواتنا». لكنه يضيف أن هذه الأداة لن تكون مناسبة لحل جميع مسائل الألفية التي «قد يكون بعضها أقل قابلية للاستفادة من تعلم الآلة».
ويرجع ذلك إلى أن الذكاء الاصطناعي يعتمد على تزويده بكميات ضخمة من البيانات، مثل كتالوغات العُقد. وفي كثير من المجالات، لا تتوافر مثل هذه الكميات من البيانات المفيدة. ومع ذلك، قد لا تدوم مشكلة محدودية البيانات طويلًا. يقول فريد: «يبتكر الناس بسرعة طرقًا خلَّاقة لتوسيع نطاق استخدامات تعلم الآلة وتطبيقاته».
بل وحتى في غياب مجموعات البيانات الضخمة، قد يكون للذكاء الاصطناعي دور فعّال في التعمّق في الحجج الرياضية المعقدة. يقول دو سوتوي: «أحد الجوانب اللافتة حقًّا في تحديات الألفية هو أن المشكلات قد تكون بسيطة بما يكفي لطرحها، لكن قد يتسم إثباتها بدرجة من التعقيد تفوق قدرة العقل البشري على الإحاطة بها». وربما يمتلك الذكاء الاصطناعي القدرة على المثابرة اللازمة لاكتشاف روابط خفية يمكن للرياضيين حينها أن يلتقطوها ويبنوا عليها. ويضيف: «أظن أننا، خلال العَقد المقبل، قد نشهد بروز تخمينات جديدة تستحق الاهتمام، لم يكن في الإمكان أن نتصورها من دون استخدام هذه الأداة». وبعبارة أخرى، تمامًا كما أتاح التلسكوب لغاليليو الإبحار في السماء، قد يوفّر الذكاء الاصطناعي رؤية أعمق لعالم الأعداد. يقول دو سوتوي: «إنه تلسكوب رائع حقًّا للتبحر في عالم البيانات».
ويبقى قبول معهد كلاي للرياضيات بحل إحدى المسائل بمساعدة الذكاء الاصطناعي رهنًا بمدى استعداد المجتمع الرياضي للاعتراف بذلك الحل؛ فالمعيار الأساسي هو أن يحظى «بقبول عام من المجتمع الرياضي العالمي». عند الإعلان عن الجوائز في العام 2000، قال آلان كونAlain Connes ، من كوليج دو فرانسCollège de France في باريس، وهو أحد المستشارين الأربعة للمعهد، إن المسائل السبع «لا تمكن معالجتها على الإطلاق باستخدام الحواسيب». غير أنه، ومع انفتاح علماء الرياضيات على التعاون مع الذكاء الاصطناعي، يبدو أن هذا التخمين في طريقه إلى الانهيار، تمامًا كما تنهار المسائل أمام حلول خوارزميات الآلة.
© 2025, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC