التاريخ

كان توت عنخ آمون فرعونًا من الصف الرابع، فكيف حظي بمقبرة بهذه الفخامة؟

لم يكن توت عنخ آمون من كبار ملوك مصر القديمة، غير أن مقبرته ربما كانت أبهى مدفن في مصر القديمة على الإطلاق، بما احتوته من كنوز نادرة، وأثاث جنائزي فاخر. تكشف الأبحاث الحديثة عن أسباب غير مُتوقَّعة وراء هذا التشييع الملكي الباذخ.

بقلم كولين باراس

قبل قرن من الزمان، وتحديدًا في شهر أكتوبر من العام 1925، فتح عالم المصريات ‏هوارد كارتر ‎Howard Carter‎، وزملاؤه، النعش الداخلي في التابوت الذي سُجِّي فيه ‏الفرعون توت عنخ آمون‏Tutankhamun ‎، بعد أن ظل مُغلقًا لما يقرب من ‏‏3250 عامًا؛ فانكشفت أسرار الدهر؛ حين عثروا بداخله على مومياء الملك الصبي وقد غُطي وجهُه بقناعٍ من الذهب الخالص، مرصّعٍ بالأحجار الكريمة، يسطع ببريقٍ يأسر الأبصار.
منذ اكتُشفت مقبرته المترعة بالكنوز والحلي النفيسة، توهج اسم توت عنخ آمون في ذاكرة التاريخ. وإضافة إلى القناع الجنائزي الذهبي الرائع، هناك العربات ‏الملكية، والتماثيل، وحتى خنجر مصنوع من حديد نيزكي… هذا، مع أن هذا الملك ‏لم يكن ذا شأن كبير في التاريخ السياسي لمصر القديمة؛ ما يجعل دفنه بهذه الفخامة ‏لغزًا محيِّرا: إذا كانت هذه حال فرعون صغير، فكيف كانت مقابر الفراعنة العظام، ‏وما الكنوز التي حملوها معهم إلى الدار الآخرة؟
كارتر نفسه طرح هذا السؤال، فكتب لاحقا: «كم كانت رائعة تلك الثروات التي ‏دُفنت مع أولئك الفراعنة القدماء!». لكن، للأسف، مازلنا نجهل ذلك على وجه ‏اليقين؛ فقد نُهِبت معظم المدافن الملكية الأخرى عبر العصور، وضاعت نفائسها ‏الجنائزية ربما إلى الأبد.‏
غير أن عالم المصريات بيتر لاكوفارا Peter Lacovara ‎ جاء بتفسير غير مُتوقَّع ‏للغز فخامة غرفة الدفن هذه، فهو يرى أن مقبرة توت عنخ آمون، وبفضل ‏تضافر مجموعة من الظروف الفريدة، قد تكون الأغنى بين جميع مدافن الفراعنة ‏على امتداد ثلاثة آلاف عام من تاريخ مصر القديمة. ويقول: «حتى الملك خوفو ‎‎Khufu، صاحب الهرم الأكبر في الجيزة، لم يكن ليحظى بكمية مماثلة من الكنوز ‏التي عُثِر عليها في مقبرة توت عنخ آمون».‏
وللتحقق من هذه الفرضية، يتطلب الأمر مقارنة محتويات مقبرة توت عنخ آمون ‏بمقبرة فرعون آخر من الحقبة ذاتها تقريبًا. ولحسن الحظ، قد تكون هذه المقارنة ‏ممكنة قريبًا؛ إذ تشير التوقعات إلى احتمال اكتشاف مقبرة ملكية غير منتهكة، يُعتقَد ‏أنها تعود إلى تحتمس الثاني ‏Thutmose II، الجد الأكبر لتوت عنخ آمون‎.‎
في 28 أكتوبر من العام 1925، وبعد ثلاث سنوات من اكتشاف المقبرة، كان كارتر وفريقه ‏قد أنهوا الاستعدادات لفتح التابوت الذهبي. وكتب عن مدى تأثره لرؤية المومياء ‏المزدانة بالنفائس التي عُثِر عليها بداخله، بقوله: «بدا الزمن… أمام مشهد يستحضر ‏طقوس حضارة اندثرت، كأنه تخلّى عن مقاييسه ‏المألوفة».‏
ومع ذلك، من السهل أن نفهم تساؤلات كارتر عن الكنوز الأروع التي لا بد من أنها ‏دُفِنت – وفق تقديره – في مقابر فراعنة آخرين أعظم شأنًا؛ فقد حكم توت عنخ آمون أقل ‏من عشر سنوات، وتوفي في سن المراهقة، قبل أن يُشيِّدَ صروحًا ضخمة تُخلِّد اسمه، أو يحقق ‏إنجازات عسكرية تُحسَب له. ويقول نيكولاس براون ‎Nicholas Brown‎ من ‏جامعة ييل‎ Yale University ‎إن هذا يجعله «في المرتبة الأدنى تقريبًا» بين سائر ‏فراعنة الأسرة الثامنة عشرة التي حكمت مصر من منتصف القرن السادس عشر ‏إلى أوائل القرن الثالث عشر قبل الميلاد‎.‎‏ وتتماشى مكانته المتواضعة مع حجم ‏مقبرته الصغير في وادي الملوك، قرب مدينة الأقصر الحديثة، والتي لا تتجاوز ‏مساحتها 110 أمتار مربعة. ‏
وهذا يتعارض بشدة مع مقابر ملوك الرعامسة ‏Ramessides‏ الذين حكموا بعد ‏الأسرة الثامنة عشرة، مثل رمسيس الثالث ‏Ramesses III الذي تبلغ مساحة ‏مقبرته أكثر من أربعة أضعاف مساحة مقبرة توت عنخ آمون. ومع ذلك، يقول ‏لاكوفارا إن ضخامة المقبرة لا تعني بالضرورة غناها، وربما لم تحتوِ على كنوز ‏تضاهي ما وُجد في مقبرة الملك الصبي.‏

إضاءات من علم المصريات
تميزت بعض المدافن، مثل مقبرة رمسيس الثالث‎Ramesses III ‎، بمداخلها ‏المهيبة. يقول لاكوفارا، مدير صندوق الآثار والتراث المصري القديم‎ The ‎Ancient Egyptian Archaeology and Heritage Fund، وهو منظمة غير ‏ربحية مقرها الولايات المتحدة، إن تلك المقبرة شُيِّدت «لتكون بارزة وتراها كل عين». ويعتقد لاكوفارا أن ‏هذه المقابر، على عكس مقبرة توت عنخ آمون، صُمِّمت لتكون مقصدًا ومزارًا ربما ‏للكهنة الذين واصلوا تبجيل الفرعون بعد وفاته. ولهذا، يجادل بأن تلك المدافن لم ‏تكن لتضم كنوزًا كثيرة حتى لا تصير هدفًا سهلًا للصوص؛ بينما كانت مقبرة ‏توت عنخ آمون المملوءة بالكنوز مغلقة، وخُبئت بعناية بعيدًا عن الأعين. وتقول جوان فليتشر‎Joann ‎Fletcher، ‎‏ من جامعة يورك‎ University of York ‎ في المملكة المتحدة: «من ‏المؤكد أن مدافن الأسرة الثامنة عشرة وُوريت بعيدًا عن الأنظار أكثر من مقابر ‏الرعامسة».‏
ومع ذلك، كان هوارد كارتر‎ ‎محقًّا في اعتقاده
أن العديد من المقابر الملكية الأخرى ‏احتوت على
قطع أثرية تخطف الأنظار؛ فعلى الرغم من أن معظمها نُهِب في ‏العصور القديمة، فإن بعضها نجا من أيدي اللصوص‎.‎
مثلًا، في العام 1925، قبل أشهر فقط من فتح تابوت توت عنخ آمون المُذهَّب، ‏اكتشف فريق من الباحثين – قرب الهرم الأكبر في الجيزة – كنزًا جنائزيًّا ملكيًّا يعود ‏إلى الملكة حتب حرس ‏‎Hetepheres، والدة الملك خوفو ‏‎ Khufuالتي عاشت في القرن ‏السابع والعشرين قبل الميلاد. ‏
تضمنت لقية حتب حرس أساور فضية مرصعة باللازورد الأزرق الملكي، وصندوقًا ‏مذهَّبًا. يقول يوزف فيغنر‎ Josef Wegner ‎من جامعة بنسلفانيا‎ University of ‎Pennsylvania‏: «إنها حلي
رائعة الجمال».‏

مومياوات سليمة
وفي أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، اكتُشِفت مقبرة ملكية لم تصل إليها يد ‏اللصوص في شمال مصر، تحتوي على مومياوات حُفظت على حالها لثلاثة فراعنة ‏من القرون الحادي عشر والعاشر والتاسع قبل الميلاد. وكان قناع الدفن الذهبي ‏لأحدهم، وهو بسوسنس الأول ‏‎Psusennes I، يشبه – إلى حد كبير – قناع توت عنخ ‏آمون الشهير. وتُعد مثل هذه الكنوز نافذة ثمينة نطل منها على المهارات الحرفية ‏والمعتقدات الدينية لدى المصريين القدماء، كما تُعزِّز مكانة كنوز توت عنخ آمون، ‏باعتبارها من أروع ما أنتجته الحضارة المصرية.‏
لنأخذ قناع توت عنخ آمون الذهبي الشهير مثالًا. قبل نحو عقد، أُتيحت ‏لكريستيان إيكمان ‎ Christian Eckmann ‎، وكاتيا بروشات ‎ Katja Broschat‎، وزملائهما من مركز لايبنيز للآثار ‎ Leibniz Centre for Archaeology ‎ في ‏ألمانيا، ضمن مشروع ترميم، الفرصة لدراسة القناع من كثب. وقد نشروا نتائجهم في العام ‏‏2022، وأعربوا عن إعجابهم وتقديرهم العميق للعمل المُتقن الذي بُذل في تصنيعه. ‏يقول إيكمان: «يتكوّن قناع توت عنخ آمون الجنائزي من نحو 1230 قطعة فردية، ‏تشمل الحشوات والملحقات». أما قناع بسوسنس الأول، وعلى الرغم من تشابههما ‏في الظاهر «فهو مصنوع أساسًا من قطعتين من صفائح الذهب، مع عدد محدود ‏من الحشوات للعينين والحاجبين».‏
‎ ‎يقول بيرس ليذرلاند ‏‎ Piers Litherlandرئيس مؤسسة أبحاث المملكة الحديثة ‎ ‎New Kingdom Research Foundation، وهي فريق بحثي متخصص في ‏علم الآثار، في المملكة المتحدة: «إن التميُّز الفني الاستثنائي الذي يتجلى في مقبرة توت عنخ ‏آمون يمثل ذروة الإبداع الفني». ويرتبط ذلك، جزئيًّا، باتجاه عام في السياسة ‏المصرية القديمة عكست فيه الفنون ‏والطقوس الجنائزية السلطة الملكية، وسعي ‏الفراعنة إلى تثبيت مكانتهم وتعزيز ‏هيبتهم.‏
فقد شهدت مصر القديمة تقلبات بين فترات من الاستقرار والازدهار، وأخرى من ‏الاضطراب والقلاقل. وحكم فراعنة الأسرة الثامنة عشرة، في بداية ما يُعد العصر ‏الذهبي لمصر القديمة، والمعروف باسم المملكة الحديثة. ومازال سبب هذا ‏الازدهار موضع بحث؛ ففي دراسة لم تُنشَر بعد، وجد ليذرلاند وزملاؤه أدلة على ‏أن المناخ صار أكثر رطوبة في بداية حكم المملكة الحديثة؛ ما ساعد – على الأرجح – ‏على تحسين الزراعة وأعمال الصيد، وحقق انتعاشًا اقتصاديًّا أسهم في زيادة ثروة ‏فراعنة الأسرة الثامنة عشرة. لكن لاكوفارا يشكك في هذا التفسير، ويرى أن ‏الازدهار كان نتيجة قرارات تجارية حكيمة للفراعنة، وانتصاراتهم العسكرية على ‏جيرانهم.‏
على أي حال، بلغت الأسرة الثامنة عشرة ذروة ثرائها في عهد أمنحتب الثالث ‏Amenhotep III، جد توت عنخ آمون؛ في تلك الحقبة، كان الاقتصاد قويًّا بما ‏يكفي لتوفير فرص عمل واسعة للفنانين والصاغة، ما يفسر روعة الكنوز التي ‏وُجدت في مقبرة الملك الصبي. يقول ليذرلاند: «إن التناسق البديع والصنعة المتقنة ‏في مجوهراته وتماثيله تعكس الثروة المتنامية لسلالته».‏

أي كنوز تليق بفرعون عظيم ليأخذها إلى قبره؟
لا تكمن فرادة كنوز توت عنخ آمون في جودة إتقانها فقط، بل في كميتها أيضًا؛ فقد عثر هوارد كارتر وزملاؤه، داخل مقبرة الملك الشاب، على نحو 5400 قطعة أثرية. يقول لاكوفارا: «كانت النفائس مُكدَّسة في المقبرة».
وتُقدم قائمة المقتنيات الجنائزية التي عُثِر عليها بعض الأدلة على سبب هذا الكم الهائل منها؛ إذ تضمنت عدة أسرّة وكراسي خشبية باذخة في زخرفتها.
ويتفق علماء المصريات عمومًا على تفسير ذلك؛ إذ يقول لاكوفارا: «كان لدى توت عنخ آمون أثاث جنائزي خاص به، إلى جانب عدد كبير من القطع التي يبدو أنها كانت مُخصَّصة للفراعنة الذين سبقوه مباشرة». ويُرجَّح أن هذه المقتنيات حُفِظت ولم تُوضَع في مقابر أولئك الفراعنة؛ لأنهم كانوا ‏يُعتبرون هراطقة؛ ففي معظم فترات تاريخ مصر القديمة، حتى عهد أمنحتب الثالث، جد توت عنخ آمون، كان الفراعنة يحرصون على تكريم آلهة الدولة المتعددة ببناء معابد كبرى تبجيلًا لها. لكن والد توت عنخ آمون، أمنحتب الرابع Amenhotep IV الذي غيَّر اسمه لاحقًا إلى إخناتون Akhenaten، اتبع نهجًا دينيًّا راديكاليًّا؛ فأغلق العديد من المعابد، وسعى إلى استبدال العقيدة التعددية التقليدية بديانة توحيدية تتمحور حول عبادة قرص الشمس، ممثلًا في إله واحد هو آتون Aten.

إعادة إحياء العقيدة
لكن هذه الرؤية الجريئة لم تدم طويلًا؛ فقد انهارت الديانة الأتونية بعد وفاة إخناتون، ويبدو أنها استمرت بضع سنوات فقط، وهي فترة غامضة من تاريخ مصر، ربما حكم خلالها فرعونان فترةً وجيزة، قبل أن يعتلي توت عنخ آمون العرش، على الرغم من أننا لا نستطيع أن نجزم بذلك؛ لأن المصريين القدماء سعوا لاحقًا إلى محو كل أثر لهذه العقيدة من تاريخهم. وعندما نُصِّب توت عنخ آمون فرعونًا، وهو مازال صبيًّا، رأى مستشاروه في ذلك فرصة لإعادة إحياء العقيدة التقليدية وفتح المعابد المغلقة. يقول لاكوفارا: «بهذا المعنى، يُعد توت عنخ آمون شخصية محورية».
في دراسة نُشرت في النصف الأول من العام 2025، كشف نيكولاس براون Nicholas Brown عن العثور على ما يشير إلى أن توت عنخ آمون، أو مستشاريه، ابتكروا طقوسًا جديدة ضمن جهود إعادة إحياء الديانة التقليدية، وهذا يُبرز كذلك أهميته. ويستند براون – في ذلك – إلى أربع صوانٍ طينية وعصي خشبية عُثر عليها في مقبرته، ويعتقد أنها تمثل أقدم مثال على طقس جنائزي يُعرَف باسم إيقاظ أوزيريس Awakening of Osiris، وهو طقس ظهر لاحقًا في الأعمال الفنية المصرية القديمة، بعد عهد توت عنخ آمون بعدة عقود.
عندما تُوفِي الملك الشاب في السنة التاسعة من حكمه، كانت الديانة التقليدية التعددية قد استعادت مكانتها. ويبدو أن قرارًا اتُخذ حينها بدفنه، ليس فقط مع ممتلكاته الشخصية، بل أيضًا مع مقتنيات أسلافه المغضوب عليهم من أتباع العقيدة الأتونية. وتُظهِر صور حفريات كارتر أن المقبرة احتوت على مجموعات متعددة من المقتنيات الجنائزية الفاخرة، مكدسة جنبًا إلى جنب، كأنها جناح فاخر في متجر ضخم.

لغز مقبرة توت عنخ آمون
لكن السبب الحقيقي وراء هذا القرار لايزال مثار جدل؛ فبعض الباحثين، مثل جوان فليتشر، يقترحون أن كنوز عبدة آتون كانت تُعد «نجسة»، فدُفنت مع توت عنخ آمون للتخلص منها؛ بينما يرى براون احتمالًا آخر، هو أن دفنه مع كل هذه الكنوز كان تعبيرًا عن الامتنان لدوره في استعادة العقيدة التقليدية. وللدلالة على ذلك، يستشهد براون بوجود تماثيل مذهّبَة بكثافة في المقبرة، وهي سمة غير معتادة؛ إذ كانت التماثيل تُطلى عادة بالراتنج الأسود، كما في مقبرة الفرعون اللاحق حورمحب Horemheb. ويقول براون: «كمية الذهب في مقبرة توت عنخ آمون تُشكِّل وحدها لغزًا».
مهما كان التفسير، فإن الرسالة واضحة، وهي في رأي لاكوفارا أن جنازة توت عنخ آمون كانت استثنائية؛ لأنه لم يُدفن مع مقتنيات تليق بملك واحد، بل مع مقتنيات تليق بعدة ملوك. ويقول: «لا أظن أن هناك شيئًا آخر يمكن أن يُضيف إلى هذا». ومع ذلك، قد يكون هناك ما يُعزز هذه الفرضية.
ففي النصف الأول من العام 2025، اكتشف بيرس ليذرلاند وزملاؤه مقبرة ملكية تعود إلى تحتمس الثاني، الجد الأكبر لتوت عنخ آمون. كان تحتمس الثاني فرعونًا من الأسرة الثامنة عشرة، لكنه حكم في بداياتها، قبل أن تبلغ ذروة ازدهارها الاقتصادي والفني. ولهذا، يُرجِّح ليذرلاند أن الكنوز التي دُفنت معه كانت متواضعة مقارنة بكنوز توت عنخ آمون؛ لكن للأسف لا يمكن التأكد من ذلك؛ إذ عُثِر على المقبرة فارغة!
ويعتقد ليذرلاند أن سبب فراغ المقبرة يعود إلى أن سلطات مصر القديمة نقلت محتوياتها إلى موقع آخر، ربما بعد أن غمرت المياه المقبرة بعد فترة قصيرة من دفن تحتمس الثاني. وهذا يُفسِّر غياب أي علامات على تعرضها للنهب، مثل ضمادات الكتان المبعثرة، أو بقايا المومياء المُحطَّمَة، أو الأواني الفخارية المهشَّمة.

هل مازالت في مصر نفائس غير مُكتشفة؟
يقول ليذرلاند: «كان لا بد من نقل المقتنيات الجنائزية إلى مكانٍ ما»، ويعتقد أنه يعرف ذاك المكان؛ فعلى مقربة من المقبرة الفارغة، اكتشف هو وزملاؤه كومة ضخمة من الحطام، تتضمن طبقات من الجص الطيني المصنوع يدويًّا، ويُرجِّحون أنها تخفي مدخلًا لمقبرة ثانية نُقلت إليها مومياء الملك ومقتنياته الجنائزية، وربما مازالت هناك حتى وقتنا الحالي. ومن المقرر أن يستأنف الفريق البحث عن هذه المقبرة التي يفترضون أنها سليمة في وقت لاحق من العام 2025.
يقول ليذرلاند: «أتوقع، إذا عثرنا على المقبرة، أن نجد مجموعة أصغر من القطع مقارنة بما وُجد في مقبرة توت عنخ آمون، وأن يكون مستوى الصنعة الفنية، في بعض الحالات، أقل إتقانا».
ويتفق معه لاكوفارا؛ إذ يقول: «حتى لو كانت المقبرة سليمة، فإن محتوياتها ستكون أقل فخامة وأقل عددًا بكثير من تلك التي احتوتها مقبرة توت عنخ آمون». لكنه يُبدي شكوكًا في إمكان حدوث هذا الاكتشاف. ويقول: «أخشى أن تكون فرص العثور على مقبرة سليمة لتحتمس الثاني معدومة». ويعزو سبب استبعاده احتمال العثور على مقبرة سليمة تعود إلى تحتمس الثاني إلى الاعتقاد بأن مومياء الملك قد عُثِر عليها ضمن مجموعة من المومياوات الملكية التي اكتُشِفت في إحدى المقابر القريبة من وادي الملوك، ويُرجَّح أن المصريين القدماء نقلوها إلى ذلك الموقع حفاظًا عليها من العبث أو السرقة. صُنِّفت إحدى تلك المومياوات على أنها تعود إلى تحتمس الثاني، إلا أن ليذرلاند يُبدي شكوكه في صحة هذا التصنيف، خاصة أن البقايا تعود إلى رجل توفي في نحو الثلاثين من عمره، بينما يرجِّح كثيرون أن تحتمس الثاني توفي في أواخر سنوات مراهقته، أو في مطلع العشرينيات.
ولكن حتى في غياب أدلة مباشرة من مقبرة تحتمس الثاني، يرى لاكوفارا أن ما اكتشفه كارتر كان ضربة حظ نادرة؛ فما عثر عليه قد يُعدُّ من أبهى الكنوز الجنائزية الملكية التي عرفتها مصر القديمة في تاريخها الممتد عبر آلاف السنين.
يقول لاكوفارا: «إنها مقبرة تفيض بالكنوز والنفائس، ونجاة مجمل مقتنياتها عبر القرون تُعد معجزة قائمة بذاتها».

© 2025, New Scientist, Distributed by Tribune Content Agency LLC

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى