
بدأ محمد حيدر جمال حياته المهنية في العلوم الطبية عندما كان يافعاً، ومنذ ذلك الحين، وعلى مدى ثلاثة عقود تقريباً، سافر حول العالم باحثاً عن أفضل الفرص للتقدم في هذا المجال، وتوفير نتائج كفيلة بتغيير حياة المرضى.
وفي العام 2022، كرَّمت مؤسسة الكويت للتقدم العلمي تفانيه وعمله الدؤوب، بمنحه «جائزة جابر الأحمد للباحثين الشباب»، في مجال الطب والعلوم الطبية المساعدة.
درس جمال في المملكة المتحدة وكندا والولايات المتحدة، وحصل على العديد من المؤهلات المهنية، قبل أن يعود إلى الكويت في العام 2012؛ ليشغل – منذ ذلك الحين – مناصب مختلفة في جامعة الكويت، ومعهد الكويت للاختصاصات الطبية. قال جمال: «تشمل اهتماماتي البحثية – في الغالب – مجالات الأيض والسمنة». آخذاً هذه الاهتمامات في الاعتبار.
أكمل جمال درجة البكالوريوس في الطب والجراحة من جامعة أبردين University of Aberdeen في اسكتلندا، ثم حصل على درجة الماجستير في التربية من جامعة سينسيناتي University of Cincinnati بالولايات المتحدة، كما حصل على اعتماد (البورد) مجلس الجراحة الكندي في زراعة الأعضاء، وجراحة الكبد والبنكرياس، وشهادة المجلس الأمريكي للجراحة في جراحة السمنة من جامعة ماكغيل McGill University في مونتريال بكندا.
يعمل حالياً أستاذاً مشاركاً في قسم الجراحة بجامعة الكويت، ويستمر جمال في التواصل مع زملائه في إنجلترا وأمريكا الشمالية والعديد من الأماكن الأخرى؛ لاغتنام الفرص البحثية التي سيكون لها دور في تطوير هذا المجال. كما نشر ثلاثة كتب، وعشرات الأبحاث العلمية في مجلات مُحَكَّمة.
يركز بحثه الأخير على مرض الكبد الدهني غير الكحولي Non-alcoholic fatty liver disease (اختصاراً: المرض NAFLD) الذي يعد أحد الأسباب الرئيسية لأمراض الكبد المزمنة في معظم أنحاء العالم، والمؤشر الأسرع نمواً لزراعة الكبد في العديد من البلدان. قال جمال: «معدل الإصابة بهذا المرض في الكويت هو – على الأرجح – من بين أعلى معدلات الإصابة به في العالم». ونظراً إلى أن العديد من الأشخاص يصابون بالمراحل المبكرة من مرض الكبد الدهني غير الكحولي، من دون أن يعرفوا بذلك؛ فمن المحتمل أن يكون الانتشار الفعلي للمرض في الكويت أكبر مما رصده الباحثون.
أخيراً، تلقى جمال وزملاؤه في جامعة كينغز كوليدج لندن King’s College London منحة تمويلية لمشروع تعاوني يدرس التغيرات المرتبطة بالسمنة، والتي قد تؤدي إلى مرض الكبد الدهني غير الكحولي. ويمكن أن يؤدي ما يكتشفونه عن أسباب المرض إلى تطوير خيارات وقائية أو علاجية جديدة، وإحداث فرق حقيقي في حياة كثيرين، في الكويت وحول العالم.
حصلت أبحاث جمال السابقة، أيضاً، على الدعم من مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، بما في ذلك منحه أخيراً تمويلاً لمشروع يستكشف تأثيرات جراحة السمنة في خلايا مناعية مُحدَّدة، وقد نُشرت نتائج هذه الدراسة في مجلة أكاديمية مرموقة، وهي تمهد الطريق لمزيد من الأبحاث عن السمنة ومقاومة الأنسولين.
وإلى جانب مشروعاته البحثية، قال جمال إنه ملتزم – أيضاً – بتثقيف الجمهور بشأن الموضوعات التي يَدْرُسها، وإنه مؤمن – على وجه الخصوص – بأن إزالة وصمة العار المحيطة بوزن الجسم هي جزء أساسي من عمله؛ لأنه يمكن أن يشجِّع المرضى على طلب المساعدة قبل ظهور مشكلات صحية خطرة لديهم، وعن ذلك قال: «كثير من المرضى لا يطلبون المساعدة الطبية؛ لأنهم يعتقدون أن السمنة مشكلة شخصية، وهي موصومة بوصمة عار. لكن الأمر معقد جداً، ومرتبط بتصورات مسبقة خاطئة».
يعي جمال أهمية أبحاثه، وإمكاناتها في مساعدة المرضى وعائلاتهم؛ لاسيما أنه عايش تأثير الأمراض، بما في ذلك السرطان، في عائلته؛ بعد تشخيص إصابة خالته بسرطان الكبد، شعر بأن عليه أن يتخصص في أمراض الكبد وجراحته. قال: «لقد أثر ذلك بالتأكيد فيَّ، وجعلني أتخصص في مسار الجراحة».
وعن فوزه بـ «جائزة جابر الأحمد للباحثين الشباب»، هذا العام، قال جمال إنه شرف كبير له، وإنه يعزو إنجازاته البحثية، وما نشره من أبحاث، وما ناله من جوائز، إلى التوجيه الجيد الذي حصل عليه، والتعاون الذي حظي به طوال حياته المهنية. وقال: «لا أنظر إليه على أنه عمل فردي؛ أي عمل جيد هو نتاج فريق، وأنا محظوظ جداً بوجود أشخاص رائعين في فريقي، بمن فيهم الباحثون المساعدون، والمدرسون المساعدون في الجامعة، وطلبتي، والأطباء المقيمون الذين يشاركون في الأبحاث».
عندما كان جمال في بداية مسيرته، يتذكر أنه كان أحد هؤلاء الطلبة، وكيف أن التوجيه الذي تلقاه من أساتذته أسهم في تشكيل مساره المهني: «عندما انضممت إلى قسم الجراحة مدرِّساً مساعداً، شجعني أستاذي على مواصلة البحث؛ لأن البحث يمكن أن يطوِّر هذا المجال أكثر بكثير من الجراحة نفسها».
وحتى بعد سنوات من إنهاء دراسته، مازال جمال يتذكر معلميه بالاسم: البروفيسور أصفر، والبروفيسور دشتي. وأضاف: «لقد كانا مصدراً لتشجيعي ودفعي إلى الأمام». وهو يأمل أن يكون مثلهما، ويسعى إلى إلهام وإرشاد الجيل المقبل من العلماء الكويتيين الذين يعمل معهم في جامعة الكويت.
قال: «إن التوجيه والتدريب مهمان؛ لأنهما يضمنان استمرارية العلم والبحث… لكي تصير باحثاً، تحتاج إلى موجِّهٍ جيد في مرحلة مبكرة من حياتك المهنية، وأنا أود أن أكون موجِّهاً لطلبتي».
وبالمثل، يأمل جمال أن يكون خبر فوزه بـ«جائزة جابر الأحمد للباحثين الشباب» مصدر إلهام لفريقه. وعن ذلك قال: «كل جهودنا تُوِّجت بفوزنا بهذه الجائزة، أعتقد أن ذلك سيدفعنا إلى العمل بجدية أكبر، ومواصلة إجراء مزيد من الأبحاث عالية الجودة».