لماذا تلعب الحيوانات

بقلم: إيلسا هارفي

عندما يلعب البشر، فإن ذلك يقرِّب ما بينهم اجتماعيًا، ويُظهر مهارات المنافسة والبقاء، ويمكِّن الإبداع والاستكشاف. وبالنسبة إلى عديد من الحيوانات، توفر الألعاب والتفاعلات الأخرى في أثناء اللعب فوائد مماثلة. لكن البشر يلعبون بنحو مختلف عن عديد من الأنواع الأخرى في المملكة الحيوانية، فكيف نعرف متى يكون الكائن يلعب ومتى يفعل شيئًا آخر؟ هناك 5 معايير يجب استيفاؤها قبل أن يتمكن الباحثون من القول بأن الحيوان يلعب: يجب أن يكون النشاط عفويًا ومبالَغًا فيه وغير وظيفي بالكامل، وينفَّذ عندما يكون الحيوان بصحة جيدة ومسترخيًا، وينطوي على بعض التكرار لإظهار أن الفعل كان مقصودًا.

يقضي البشر وقتًا أطول بكثير في الأنشطة الترفيهية مقارنةً بالحيوانات البرية، التي تظل موجهة نحو البقاء ومتأهبة للخطر. لكن اللعب قد يمثل وسيلة ممتعة وجذابة لتعريف الحيوانات الصغيرة بمهارات البقاء على قيد الحياة التي سيعتمدون عليها في وقت لاحق من حياتهم. فمثلًا، تبدأ مجموعة من القطط الصغيرة في عضّ ومقاتلة بعضها بعضًا منذ سن مبكرة. وعلى الرغم من أن تصرفات الأشقاء غير المتوقعة لن تسبب ضررًا من بعضهم لبعض، إلا أن هذه المجموعة تطوِّر سرعة استجابة أكبر للتهديدات المحتملة والأحداث المفاجئة في وقت مبكر.

وفي حالات أخرى، يبدو اللعب كأنه فعل عشوائي. لا يفهم العلماء تمامًا المنطق وراء كل تصرف يفعله الحيوان، ولكن يرجَّح أن الحيوانات لا تتبع المنطق دائمًا. وكما الحال مع البشر، تنفَّذ بعض الأنشطة من أجل المتعة فقط. عندما تلعب عديد من الحيوانات، تطلق مواد كيميائية تساعدها على الشعور بالسعادة مثل الدوبامين، وهذه المواد تخدم الجسم عن طريق تعزيز الحالة المزاجية وتعزيز الوظائف العصبية مثل التعلُّم والذاكرة.

التفاعل مع الحيوانات الأليفة

يمثل اللعب واحدًا من أفضل الطرق للتواصل والاستمتاع مع حيوانك الأليف، لكنه ليس مجرد ترفيه بين الشخص وحيوانه الأليف، ففي معظم الحيوانات الأليفة، يُعَد اللعب أمرًا ضروريًا لصحتها وتحفيزها العقلي. تتمتع الحيوانات المستأنسة بقدرات بدنية أكثر محدودية من تلك التي تعيش في البرية، مما يعني أن اللعب هو أحد المصادر الرئيسية لممارسة التمارين الرياضية التي تعتمد عليها للحفاظ على وزن صحي. فمثلًا من شأن ممارسة لعبة بسيطة لجلب الأشياء مع كلبك، أو التفاعل مع قطتك برمي لعبة ناعمة حول المنزل لتطاردها، تشجعها على تحريك أجسادها في عالم قد يسهل أن تصبح فيه خاملةً مثل البشر. تُساعد مثلُ هذه الألعاب الحيواناتِ على الحفاظ على نسبة صحية من العضلات إلى الدهون، وتوفر لها منفذًا لتنفيس الطاقة الزائدة والتوتر. تتسم الحيوانات الأليفة مثل الكلاب بكونها ذكية جدًا، كما إن اللعب يحفز حواسها ذهنيًا.

لعبة عقلية

ما الذي يدور داخل رأس الدلفين أثناء اللعب في المحيط؟

1 القشرة المخية Cerebral Cortex

يعزز اللعب قدرةَ الدلافين على حل المشكلات عن طريق تحفيز هذا الجزء من الدماغ.

2 العصب السمعي Auditory Nerve

العصب السمعي للدلافين أعرض بمرتين من العصب السمعي للإنسان، مما يمكِّنه من الاستجابة للأصوات بسرعة أكبر منا.

3 المركز البصري Visual Centre

عند نفخ الفقاعات، يقيِّم هذا الجزءُ من الدماغ الأشكالَ باستخدام المعلومات البصرية الواردة من العينين.

4 المحاكاة Mimicry

في أثناء اللعب، قد تبتسم الدلافين وتُحاكي تعبيرات الوجه للدلافين الأخرى، مما يزيد من ترابطها الاجتماعي.

5 بنية الدماغ Brain Structure

لدى الدلافين عدد أكبر من التلافيف والثنيات Gyri مقارنةً بمعظم الثدييات، مما يشير إلى ذكاء عالٍ يمكِّنها من ممارسة الألعاب المعقدة.

لعبة الفقاعات لدى الدلافين

لوحظت الدلافين وهي تمارس أشكالًا متعددة من اللعب، بدءًا من استخدام الأشياء الموجودة في المحيط ولعب شد الحبل، وصولًا إلى ابتكار ألعابها الخاصة على شكل حلقات فقاعية. إذ تطلق الدلافين الصغيرة ذاتُ الأنف القاروري Bottlenose dolphins الهواءَ من فتحاتها التنفسية في أثناء السباحة تحت الماء، وتحرك مياه البحر بزعانفها. عندما يُنفخ الهواء في المياه الدوّامية، تتكوَّن حلقات فقاعية دائرية. وعند تشكيل هذه الحلقات، تلعب بها الدلافين عن طريق تحريك الماء حولها لتدويرها وقلبها وتغيير اتجاهِها. ويمكنها أيضًا إنتاج مزيد من الحلقات وربطها معًا في سلسلة. تتطلب هذه الألعاب ذكاءً ومهارة عالية، لأن الحلقات يجب أن تكون مُشكَّلة بدقة لتكون ناعمة ومستديرة بما يكفي للاتصال بعضها ببعض. في أشكال أخرى من اللعب الاجتماعي، تأخذ الدلافين قطعًا من الأعشاب البحرية أو حيوانات مثل السلاحف البحرية وتلعب بها شد الحبل، حيث يسحبها حيوانان في اتجاهين متعاكسين. ومن الألعاب الأخرى التي لوحظت: مطاردة الأعشاب البحرية – حيث يطارد أحدها الآخر وهو يحمل قطعة من الأعشاب على رأسه أو زعنفته – وكذلك ركوب الحيتان الحدباء Humpback whales عمدًا لرفعها فوق سطح الماء.

لعبة الغميضة مع الجرذان

عندما تشعر بالراحة والأمان، أظهرت الدراسات أن الجرذان قوارض مرحة جدًا تستمتع بالألعاب التي تتضمن قواعد معقدة. ولتحديد مدى استمتاع الجرذ في أثناء اللعب، سجل العلماء الأصوات العالية التردد التي يصدرها. هذه الأصوات لا يُمكن سماعها بالأذن البشرية، لكنها تُلتقط بواسطة أجهزة حساسة. وفي دراسات سابقة، وجد العلماء أن الأصوات ذات النبرة العالية تُعد علامةً على التسلية والمرح لدى هذه الحيوانات. وفي تجربة أجراها عالم الأعصاب مايكل بريخت Michael Brecht في برلين بألمانيا، تبين أن الجرذان يمكنها ممارسة لعبة الغميضة، وتعلم قواعد اللعبة وعناصرها المعقدة. صمم بريخت منطقة لعب تبلغ مساحتها 30م2 خصيصًا لاختبار ما إذا كان في إمكان 6 جرذان مخبرية ممارسةُ هذه اللعبة. صمم بعض الأماكن لاختباء الجرذان، والبعض الآخر لمدير اللعبة. بدأت الجرذان تتعلم أن دورها في البحث يبدأ عندما يفتح غطاء الصندوق الذي كانت محتجَزة في داخله. وعندما ترك الصندوق مفتوحًا، علمت الجرذان أن هذا هو دورها للاختباء في أحد الأماكن المخصصة للاختباء. قبل ذلك، لم يكن معروفًا سوى أن الجرذان يمكنها ممارسة ألعاب بسيطة مثل القتال الترفيهي.

الترتيب الاجتماعي للفيَلة

تتعلّم الفيَلة منذ صغرها الهيكل الاجتماعي للقطيع من خلال اللعب وتقييم ترتيب بعضها وبعض في السلم الهرمي. لتحقيق ذلك، فإن الذكور الصغار من الفيلة يضرب بعضها رؤوس بعض بلطف، وعندما تكبر يتطور هذا إلى استخدام أنيابها للطعن واختبار القوة بقدر أكبر. تستمتع الفيلة الصغيرة بالقتال الترفيهي وتعتبره لعبة، لكنه يُكسبها مهارات تساعدُها على البقاء لاحقًا. عندما يرغب الفيل الصغير في اللعب مع آخر، فإنه يرفع خرطومه كدعوة للقتال الترفيهي. هذا النوع من اللعب يُعلِّم الفيلة مهارات القتال التي تحتاج إليها لاحقًا لإثبات الهيمنة والتنافس على التزاوج. ومن المعروف أيضًا أن الفيلة تمارس اللعب البيئي، والذي يشمل الركل ورمي الطين والماء والنباتات واستخدام خراطيمها للإمساك بالأشياء وأرجحتها في أثناء اللعب.

الغربان الذكية والألعاب البهلوانية الجوية

يُعَدّ الغربان Crows والغرابيات Ravens من أذكى الطيور في العالم، ولهذا فإنّ لعبها غالبًا ما يكون أكثر تعقيدًا ومغامرة من لعب الحيوانات الأخرى. فمثلًا، تستطيع هذه الطيور استخدام الأشياء المحيطة بها كلُعب في أثناء اللعب. وقد لوحظ أن الغربان تحمل نفايات بشرية مثل أغطية البلاستيك في مناقيرها، وتصعد بها إلى قمم المباني المغطاة بالثلوج، ثم تنزلق عليها على أسطح المباني كأنها تتزلج! يُظهر هذا النوع من اللعب مستوى عاليًا من الذكاء والابتكار، ويُشير إلى قدرة الغربان على التفاعل مع بيئتها بطرق غير تقليدية.

كلما لعب الغربان أكثر، زادت مهاراتُها في حل المشكلات، وكذلك قدرتها على التعامل مع الأدوات التي تصادفها في بيئتها. يؤدي الغربان والغرابيات عروضًا بهلوانية جوية مرحة، والتي تتضمن تنفيذ شقلبات في الهواء في أثناء اللعب. تشتهر الغربان بلعبة الالتقاط في الهواء، والتي تتضمن إسقاط عصا ثم الانقضاض إلى أسفل لالتقاطها مرة أخرى. يساعد هذا النوع من اللعب على تطوير مهاراتها الحركية والحسية.

حوت مستمتع بوقته

عندما يتعلق الأمر بالترفيه في المحيط، تلعب الحيتان القاتلة مع فرائسها، حيث ترمي أسود البحر في الهواء بعد مطاردتها. وفي المقابل تستعرض الحيتان الحدباء أسلوبها الخاص في الموضة، حيث تحمل الأعشاب البحرية على رؤوسها في ظاهرة تُعرَف باسم «التكلُّب» (Kelping). تصنع هذه الحيتان باروكات من الطحالب والأعشاب البحرية، وتلعب بها عن طريق التدحرج داخلها أو الإمساك بها في أفواهها. لا يزال العلماء يدرسون أسباب تفاعل الحيتان مع الأعشاب البحرية، لكن يُعتقد أن «التكلُّب» يُحفّز حواسها، ويُستخدم كوسيلة للتفاعل الاجتماعي عبْر تمرير الأعشاب بينها، كما يُساعد في الحفاظ على صحة الجلد بفضل الخصائص المضادة للبكتيريا في الأعشاب البحرية. ومن طرق لعب الحيتان الحدباء بعضها مع بعض: ضربُ الماء بزعنفة الصدر، والقفزُ خارج الماء لإحداث رذاذ ضخم في لحظات من الحماس والمرح.

الألعاب للبالغين

اللعب شائع بين الأفراد الأصغر سنًا في معظم الأنواع، ولكن كما يستمتع البشر بالألعاب في مرحلة البلوغ، تُظهر الدراسات أن الشمبانزي البالغ يفعل ذلك أيضًا. اللعب الاجتماعي بين الأفراد البالغة نادر في عالم الحيوانات، لكن ممارسة الألعاب في جميع مراحل الحياة يمكن أن تُعزز الروابط، والثقة، والمرونة النفسية، والعمل الجماعي. الشمبانزي البالغ أكثر ميلًا إلى اللعب مع أفراد تربطه بهم علاقة قوية، أو مع الأعضاء الأصغر سنًا في عائلته.

وقد لوحِظ أيضًا أن أفراد الشمبانزي تلعب مع أفراد بالغة أخرى سبق أن خاضت معها نزاعات. وهذا يُظهر قدرتها على استخدام اللعب المرح كوسيلة لتخفيف التوتر الاجتماعي داخل مجموعاتها. يُعزز هذا السلوك فرصَ بقائها على قيد الحياة، إذ يجعلها أكثر استعدادًا للتعاون عند الحاجة. خلال الدراسات التي تناولت سلوك اللعب لدى الشمبانزي، تبيّن أنه عندما يقل الطعام أو تواجه الحيوانات صعوبات في البقاء، تتوقف الأفراد البالغة عن اللعب معًا.

لكن إناث الشمبانزي تواصل اللعب مع صغارها خلال هذه الفترات، تمامًا كما يفعل الوالدان من البشر، حيث تسعى إلى الحفاظ على شعور الأطفال بالاستقرار في الأوقات الصعبة.

5 حقائق

اكتشافات ممتعة عن الحيوانات

1 الجرذان تشعر بالدغدغة

عند دغدغة الجرذان، فإنها تصدر الضوضاء نفسها التي تصدرها في أثناء اللعب، مما يحفز مناطق الدماغ المرتبطة بالمتعة، وهي المنطقة الرمادية حول القناة

2 الببغاوات والألغاز

تتمتع الببغاوات بذكاء شديد، يعني هذا أنها يمكنها اللعب بألغاز معقدة. يتضمن ذلك استخدام مناقيرها لمطابقة الأشكال والألوان، وإزالة البراغي والمسامير وتدوير العجلات.

3 نحلات تلعب الكرة

في دراسة بحثية أجريت في العام 2022، أعطي النحل الطنان Bumblebees كرات خشبية للعب بها. وجد النحل الصغير أن اللعب بالألعاب أكثر متعة من النحل البالغ، لكن كليهما أظهر سلوكًا متكررًا في اللعب بالأشياء، مما يُشير إلى وجود عنصر من المكافأة أو الشعور بالمتعة.

4 لعب الأخطبوط بالأشياء

تشارك الأخطبوطات في اللعب بالأشياء عن طريق إطلاق دفعات من الماء لدفع الأجسام عبر الماء. أمكن توثيق مثال على هذا السلوك عندما قامت أخطبوطات في الأسر بنفخ زجاجات دواء داخل حوضها، ثم راقبتها وهي تعود إليها عبْر صمام سحب الماء في الحوض.

5 خنازير تمارس ألعاب الفيديو

عند إخضاعها للاختبار، أظهرت الخنازير أنها تستطيع استخدام أنوفها للتحكم في عصا الألعاب Joystick، كما نجحت في التلاعب بالصور داخل لعبة فيديو.

أنواع اللعب

تُظهر التماسيح جميع أنواع سلوك اللعب الأساسية الثلاثة

اللعب الاجتماعي

يحدث هذا النوع من اللعب عندما يتفاعل أكثر من حيوان معًا في أثناء اللعب، فالتماسيح الصغيرة تمارس اللعب الاجتماعي من خلال حمل بعضها بعضًا على ظهورها بطريقة مرحة. أما الحيوانات البالغة، فقلّما يُلاحظ لديها هذا النوع من اللعب، لأنه غالبًا ما يُستخدَم في تطوير المهارات الاجتماعية في سن مبكرة.

التلاعب بالأشياء

هذا هو أكثر أنواع اللعب شيوعًا لدى التماسيح. ويُقصد باللعب بالأشياء أيُّ نوع من اللعب يتضمن التفاعل أو التلاعب بجسم أو غرض معين. في حدائق الحيوان، كثيرًا ما تُزوَّد التماسيح بألعاب خاصة للعب بها. أما في البرية، فقد تُرى وهي تلعب بأغصان الأشجار أو النباتات الطافية على سطح الماء.

اللعب الحركي

اللعب الحركي هو عندما يلعب الحيوان بمفرده أو مع الآخرين من خلال تحريك جسده. ويشمل هذا النوع من اللعب الجريَ، والقفز، والركل. وكثيرًا ما تشارك التماسيح الصغيرة في هذا النوع من اللعب عن طريق الانزلاق على المنحدرات أو ركوب أمواج المحيط.