البيولوجيا وعلوم الحياة

نبذة تعريفية عن تقنية “الهَنْدَسَة الوِرَاثِيَّة” وأمثلة متعددة حول استخدامها

2004 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السادس عشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الهَنْدَسَة الوِرَاثِيَّة أمثلة حول استخدام تقنية الهندسة الوراثية البيولوجيا وعلوم الحياة

الهِنْدَسَةُ الوِرَاثيَّةُ تِقَنِيَّةٌ بَيُولُوجيّةٌ حَديثةٌ تَسْتهدِفُ تعديلَ صِفاتِ الكائناتِ الحَيَّة أو إِكْسابَها صِفاتٍ أُخْرى جَديدةً وفقَ ما يَراهُ الإنْسانُ، وذلكَ بِقَطْعِ جُزءٍ من المادةِ الوراثيَّةِ مِنْ كائِنٍ حيٍّ ما ثُمَّ دَمْجِها مَعَ المادةِ الوراثيَّةِ لكائنٍ حيٍّ آخرَ كَيْ تبرزَ فيه صِفَةٌ أُخْرى جديدةٌ.

وعَنْ هذا الطَّريقِ تَمكَّنَ العُلماءُ من نَقْلِ صِفاتٍ وراثيَّةٍ بينَ أنواعٍ من الكائناتِ الحَيَّةِ مُتباعدةٍ تَصْنيفيَّاً تَمَاماً عنْ بَعْضِها البعض.

ويَرْجِعُ الأَصْلُ في تِقْنيةِ الهَنْدسَةِ الوراثيَّةِ إلى الكَشْفِ الَّذي توصَّلَ إليهِ العالِمُ الأمريكيُّ «هامِليتونُ سميث» عامَ 1970 ونالَ عليه جائزةَ نُوبلَ في الطَّبِّ والفٍسْيُولُوجْيَا عامَ 1978. 

وهو «إِنْزيماتُ القصر» الَّتي تَقومُ بقَصِّ الـ DNA في مَواقعَ مُحَدَّدةٍ، ويُعرَفُ منها الآنَ نحوُ ثلاثمائةِ إِنْزيمٍ. حيثُ لاحَظَ سميثُ أنَّ أنواعَاً مُعَيَّنة من البِكتيريا تقومُ بِتَقْطيعِ المَادةِ الوراثيَّةِ للفِيرُوساتِ الَّتي تُهاجِمُها فَتَحْمِي أنفسَها مِنْها.

 

والنقْطةُ المُهمَّةُ في هذا الخُصوصِ هِيَ أنَّ كلَّ إِنْزيمِ قصرٍ يقومُ بقَصِّ المَادةِ الوراثيَّةِ (جزيء DNA) عندَ تَتَابُعاتٍ مُعَيَّنةِ من القواعدِ النِيتروجينيَّةِ المَوْجودةِ بها.

ومنَ المَعْروفِ أَنَّه لارْتِباطِ شَريْطيْ DNA يَرْتبطُ المُركَّبُ A مع المُركَّبِ T   ويَرتَبطُ المُرَكّبُ C   مع المُرَكَّبِ G، ومِنْ ثُمَّ يُمكِنُ الحُصولُ على جُزَيءٍ مِنْ DNA مُؤَلَّفٍ مِنْ مَصْدَرينِ مُخْتلفينِ من الكائنات الحَيَّةِ.

وكان أوَّلُ مَنْ نجحَ في ذلكَ هو العالِمَ الأمريكيَّ «بولُ برج» عامَ 1973 ونالَ عليه جائزةَ نُوبلَ في الطبِّ والفِسْيُولوجْيا عامَ 1980.

 

وَلَعَلَّ مِنْ أَشْهر الأَمْثلةِ لنَجاحِ العُلماءِ في اسْتخدامِ تِقنيَّةِ الهَنْدسَةِ الوراثيَّةِ لمَصْلحةِ الإنسانِ.

هوَ ما تَوصَّلُوا إليهِ عامَ 1978 منْ تَسْخيرِ البِكْتيرْيا لتَخْليقِ هُرْمونِ إِنْسُولينٍ بَشَريٍّ لمُعالجةِ البَوْلِ السُّكريِّ عندَ المُصَابينَ بِهِ

وذلكَ بنَقْلِ المَادةِ الوراثيَّةِ من الإِنسان إلى المادةِ الوراثيَّةِ للبَكْتيرْيا بعدَ مُعَاملَتِها بإنزيمِ قصرٍ، فقامَتِ البَكْتيريا بتَخْليقِ إِنسولينٍ بَشَريٍّ يَتمُّ استخلاصُهُ من مَزارِعِ البَكْتِيرْيا مُعَدَّلةِ الجِيْناتِ ومُعَالجَةُ مَرْضَى البَولِ السُّكريِّ بِهِ.

 

ومِنْ أمْثلةِ النَّجاحاتِ الَّتي حَقَّقَها العُلماءُ كذلكَ في هذا الخُصُوصِ بالنِّسبةِ لِلحَيَوانِ:

المثلُ الأوَّلُ: نَجَحَ عُلَماءُ أسكتلندا عام 1988 في الحُصولِ على شَاةٍ مُعدَّلَةٍ جينيّاً اسْمُها «تريسي» تَدرُّ لَبَناً بِهِ مادةٌ لازمةٌ لعلاجِ مَرَضِ التليُّفِ الحوصلي الَّذي يُدَمِّرُ رِئتيْ الإنسانِ وبنكرياسِهِ.

 

المَثَلُ الثَّاني: نَجَحَتْ إِحْدَى المُؤَسَّساتِ الأمريكيَّةِ في الحُصولِ على ثلاثِ عَنْزاتٍ مُعَدَّلة جِينيَّاً تَدرُّ ألباناً بها مَادةٌ مُضَادَّةٌ للتجلُّطِ.

 

المَثَلُ الثالث: نَجَحَ العُلماءُ في إنتاجِ أُنْثَى خِنْزيرٍ أَسْمَوْها «جني» مُعدَّلَة جينيَّاً تدرُّ لَبَناً يَحتوي على مُرَكَّبٍ بروتينيٍّ بشريٍّ مُضادٍّ للنَّزْفِ.

 

المَثَلُ الرَّابعُ: تَعْملُ إِحْدى الشَّركاتِ الكَنَديَّةِ على إنْتاجِ عَنْزةٍ مُعَدَّلةِ الجِيناتِ تدرُّ لبناً به إفرازاتٌ بروتينيَّةٌ يمكنُ استخدامُها في عَمَلِ خيوطٍ حَرِيريَّةٍ تُسْتخدَمُ في الجِراحَةِ. حيثُ تَتَميَّزُ بميزتيْ المَتَانَةِ والتَّحلُّلِ التِّلقائيِّ مثلِ تلكَ الَّتي يُنتجُها نَوْعٌ مُعَيَّنٌ من العَناكِبِ.

وقد فضَّلَتْ الشَّركةُ الماعِزَ على الأَبْقارِ لأَنَّها الأَوْفرُ لَبَناً والأسْرَعُ وُصولاً إلى سنِّ البلوغِ.

 

المَثَلُ الخامِسُ: نَجَحَ العُلماءُ عامَ 1982 في الحصولِ على فَأْرٍ عِمْلاقٍ مُعَدَّلٍ جينيّاً عن طريقِ حَقْنِهِ بجِينِ هُرْمونِ النّموِّ الخَاصِّ بالجُرْذانِ، يزنُ 44 جراماً بَيْنَما يَزِنُ الفَأْرُ العاديُّ 29 جراماً فَقَطْ.

 

ومِنْ نجاحاتِ العُلماءِ في مَجَالِ اسْتخدامِ تِقنيَةِ الهَنْدسَةِ الوراثيَّةِ في النَّبات لتحسينِ الإنْتاجِ الزّراعيِّ كمَّاً وكَيْفاً، الأمثلةُ التاليَةُ:

المَثلُ الأوَّلُ: نَجَحَ العُلماءُ الكَنَديونَ عامَ 1999 في الحصولِ على نَباتٍ مُعدَّلٍ جِينيَّاً يَتحمَّلُ الرِّيَّ بالمِياهِ المَالحةِ جِدّاً.

وكانَ العُلماءُ الأمريكيونَ قد نَجَحُوا قبلَ ذلكَ بعامٍ في الحصولِ على النَّباتِ نفسِهِ بصُورةٍ تجعلُهُ يَتحمَّلُ الصَّقيعَ المُفاجِئَ مِنْ غيرِ أَنْ يتلفَ.

 

المَثَلُ الثَّاني: نَجَحَتْ شَرِكتانِ إِحْداهُما بِريطانيَّةٌ والأُخْرى أَمريكيَّةٌ في الحصولِ على طَمَاطِمَ من نَوْعٍ خَاصٍّ تُقاومُ عواملَ التَّلفِ مدَّةً طَويلةً.

كما تَمكنَ العُلماءُ كذلكَ من إنتاجِ طَماطِمَ لا يَتجمَّدُ عَصيرُها وذلك بنقلِ جِينٍ مُعَيَّنٍ إليْها من سَمَكةٍ تعيشُ في البحارِ المُتجمدَةِ شَماليَّ القَارةِ الأُوروبيَّةِ من غَيْرِ أَنْ تَتَجمَّدَ!.

 

المَثَلُ الثَّالثُ: نَجَحَ العُلماءُ في زيادةِ القِيمةِ الغِذائيَّةِ لنباتِ فُولِ الصُّويا، وذلكَ بنقلِ جِينٍ مُعَيَّنٍ إليهِ من نَباتِ البندقِ البَرازيليِّ.

 

المَثَلُ الرَّابعُ: نَجَحَ العُلماءُ السويسريونَ في إنتاجِ أَرزٍّ ذَهبيٍّ غنيٍّ بمادةِ «بيتاكاروتين» ذاتِ القِيمةِ الغِذائيَّةِ العاليةِ.

 

المَثَلُ الخامسُ: نجحَ العُلماءُ الأمريكيونَ في إنتاجِ ذُرةٍ مُقاومَةٍ للآفاتِ، عن طريقِ نَقْلِ جينٍ مُعَيَّنٍ إليْها من البَكْتيريا يُنْتِجُ مَادَّةً سَامَّةً تقتلُ تلكَ الآفاتِ.

 

كما يُحاوِلُ العُلماءَ كذلَك الاستفادَةَ من تِقْنيَّةِ الهَنْدسةِ الوراثيَّةِ مِنْ أَجْلِ حِمايَةِ البِيئةِ والمُحافَظةِ عَليْها، ومن نَجاحاتِهمْ في هذا الخُصوصِ:

المَثَلُ الأَوَّلُ: نَجَحَ العُلماءُ في الحصولِ من النَّبات على نَوْعٍ من البلاستيكِ يَتَحلَّلُ طَبيعيَّاً، ومِنْ ثمَّ فهو أَفْضلُ كثيراً من نَظيرِهِ الاصْطناعيّ الَّذي يُشكِّلُ عِبْئاً على البِيئَةِ لصعوبَةِ تَحَلُّلِهِ، فَضْلاً عن أَنَّه يُصْنعُ من مَوْردٍ طَبيعيٍّ غيرِ مُتجدِّدٍ وهو النِّفْطِ.

 

المَثَلُ الثَّاني: نَجَحَ العُلماءُ في إنْتاجِ بَكْتيريا مُعَدَّلَةٍ جينيَّاً يُمْكِنُها تحليلُ بُقَعِ النَّفْطِ الَّتي تلوِّثُ مياهَ البِحارِ من جَرَّاءِ حَوَادثِ السُّفنِ النَّاقلةِ له.

ولكنْ مَعَ كلِّ ما تَقَدَّمَ من إيجابياتٍ، فإنَّ هناكَ عُلَماءَ يَرَوْنَ أنَّ تلكَ التَّقنيةَ قدْ تَحمِلُ في طَيَّاتِها أخطاراً لمْ يَحِنِ الوَقْتُ بعدُ لظهورِها والكَشْفِ عَنْها، ومِنْ ثَمَّ فلا يَزالُ الوَقْتُ مُبَكِّراً للقَوْلِ – فقطْ – بإيْجابياتِ الهَنْدَسَةِ الوراثيَّةِ.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى