الفيزياء

محاولات العلماء لتفسير جميع النظريات الفيزيائية

1997 عجائب الضوء والمادة تجريباً وتأويلاً

KFAS

النظريات الفيزيائية الفيزياء

هيا بنا إذن إلى جولة جديدة! لقد عثرنا على تلك التجارب ذات الطاقات العملاقة على إلكترون أثقل من سابقيه بكثير، إذ تبلغ كتلته 1800 ماف، أي قرابة ضعفي كتلة البروتون! وقد أسميناه ((تاو tau)).

ومن ذلك استنتجنا وجود نترينو آخر يقابل التاو. ثم وجدنا جسيماً مريباً ينطوي وجوده على كوارك رابع، ذي نكهة جديدة، رمزه b مشتق هذه المرة من ((جمال beauty)) ، وشحنته 3/1 – (شكل 92).

والآن ، وقد أصبحتم بجهودي فيزيائيين نظريين لامعين ، تستطيعون التنبؤ بشيء آخر: سنعثر على نكهة كواركية خامسة نسميها … اشتقاقاً من ((…)) وشحنتها تساوي … وكتلتها … ماف، والأمل كبير في أن توجد حقا!

وبانتظار ذلك تقوم اليوم تجارب لمعرفة فيما إذا كنا على عتبة دورة أخرى. فنحن بصدد بناء مسرعات جسيمية للبحث عن إلكترون أثقل من تاو. فاذا كانت كتلة هذا الجسيم الافتراضية من ربتة 100 000 ماف ، لن نستطيع العثور عليه. أما إذا كانت من رتبة  40 000ماف، فذلك ممكن.

إن أسرار الدورات المتكررة على تلك الشاكلة تثير حماس الفيزيايين النظريين ، فالألغاز التي تطرحها الطبيعية علينا هي من الإمتاع بمكان ! لماذا تصنع جلالتها  من الإلكترون نسخاً تفوق بكتلتها  كتلتله ب 260 و 3640 مرة ؟.

 

أحب أن أضيف ملاحظة أخيرة لإتمام هذه النظرة الشاملة إلى ما سبق عرضه من جسيمات عندما يقترن الكوارك d بجسيم w فيتحول إلى كوارك u، لا بد أن يكون له سعة احتمال صغيرة كي يتحول إلى كوارك c.

وإذا كان للكوارك u، أن يتحول إلى كوارك d، فله أيضاً سعة صغيرة كي يتحول إلى كوارك s، أو حتى إلى كوارك b بسعة احتمال أصغر (شكل 93). وعلى هذا فان الجسيم w ((يخلط الأشياء قليلا)) ويتيح للكواركات أن تنتقل من عمود لآخر في اللوحة  .

ونحن نجهل كلياً سبب هذه النسب بين سعات تحول الكواركات من  نكهة لأخرى. وبذلك أكون قد قلت، ما كنت أريد قوله لكم، بخصوص بقية الفيزياء الكمومية . إننا حيال خليط عجيب يمكن أن يوحي لكم بأن الفيزياء تتخبط في هذه الزنقة دون أمل في الخروج.

لكن الفيزياء كانت دوماً تعطي هذا الانطباع. وكان للطبيعة على الدوام ملامح جعبة ملأى بالعقد، لكننا بالجهد والمثابرة  نكتشف المزيد مما فيها من بنى ونباشر بناء صروح نظرية. وعندما تتضح الصورة شيئاً فشيئاً تصبح الأمور أبسط .

فالخليط الذي عرضته أمامكم أوضح  بكثير مما كان عليه قبل عشر سنوات فقط، لو كنت ألقيت هذه المحاضرات آنئذ. حين كان لدي أكثر من أربعمئة جسيم . فتصورا إذن ما كانت عليه حال الفيزياء في مطلع هذا القرن، عندما كانت تتعامل مع الحرارة  والمغنطيسية والكهرباء والضوء والإشعاع السيني وفوق البنفسجي وقرائن الانكسار ومعاملات الإنعكاس وما إلى ذلك من شتى خواص المواد المختلفة ، هذه الميادين التي جمعناها اليوم كلها في نظرية واحدة: الإلكتروديناميك الكمومي.

 

وثمة ملاحظة أخيرة أحب أن ألفت نظركم إليها : إن النظريات التي تخص بقية الفيزياء تشبه الإلكتروديناميك الكمومي كثيرا . إنها تتعامل كلها مع جسيمات سبينها 2/1 (كالألكترونات والكواركات) تتفاعل مع جسيمات سبينها 1 (كالفوتونات والغليونات والجسيمات W) ، وتصنع سعات (أسهماً) تتيح معرفة احتمال وقوع حادث مدروس وذلك بحساب مربع طول سهم. فلماذا  تتشابه هذه النظريات الفيزيائية في بناها إلى هذه الدرجة؟.

يمكن أن يكون لهذه الظاهرة عدة أسباب. أولها أن لخيال الفيزيائيين حدوداً: إنهم عندما يكتشفون جديدة ، يحاولون استيعابها ، في اطار معروف – لا بد من إجراء عدد كاف من التجارب للاقتناع بالفشل .

وهناك أيضاً ما يحدث للفيزيائي الأبله عندما يلقي محاضرة في جامعة كاليفونيا ، لوس أنجلوس ، عام 1983 ليقول لكم: ((إليكم كيف تسير الأمور، تصورا هذا التشابه الرائع بين هذه النظريات)) في حين أن الحقيقة قد لا تكمن في أن الطبيعة هي التي تراعي حقا هذا التشابه، بل إن الفيزيائيين عاجزون حتى الآن عن تصور أشياء أخر غير التحايل الذي اعتادوا عليه دوماً وأبداً.

وقد يكون كنه الطبيعة كما يرى الفيزيائيون فعلاً – أي أنها لا تعرف سوى ((لغة)) واحدة لتسيير شؤون مملكتها، ولكن جلالتها تتلعثم في بعض الأحيان.

 

وثمة إمكانية ثالثة: إن الأشياء تتشابه لأنها مظاهر متعددة لشيء واحد ووحيد- حقل واسع خفي لا نستطيع أن نسترخ منه تفاصيل لا تختلف فيما بينها أكثر من اختلاف أصابع اليد. ومن الفيزيائيين أعداد يجتهدون ما بوسعهم في سبيل إعداد صورة شاملة تجمع كل الأشياء موحدة في نموذج فائق خارق.

إنها لعبة ساحرة، لكنك لا تجد الان اثنين من المتنافسين متفقين على ما يحب أن تكون عليه هذه الصورة المأمولة: وأكاد لا أبالغ إذا قلت إن هذه النظريات، ذات الطابع التكهني، ليس فيها من مغزى عميق أكثر مما في الرهان على وجود الكوارك t، وأؤكد لكم أنها لا تتنبأ بكتلته بأحسن مما تتنبأون!.

خذوا مثلا أن الإلكترون والنترينو والكواركd  والكوارك u يمكن أن تتصنف – الالكترون والنترينو يقترنان فعلا ب W، وكذلك شأن الكواركين الآخرين. وفي الوقت الحاضر يُعتقد أن الكوارك لا يمكن أن يغير ((لونه)) أو ((نكهته)) . ولكن قد يكون متاحا للكوارك أن يتحول إلى نترينو بالاقتران بجسيم لم يكتشف بعد. فكرة مغرية. وما نتيجتها؟ نتيجتها أن تكون البروتونات قلقة، قابلة للتفكك.

 

يصنع أحدهم نظرية: إن البروتون قلق. يُجري الحساب فيتضح أن الكون كله يجب أن يكون فارغا من البروتونات فراغ فؤاد أم موسى! عندئذ يعمد أنصار النظرية إلى تعديل الثابتات بما يضمن للجسيم الجديد المنشود كتلة أكبر من ذي قبل؛ وبعد جهد جهيد يتنبؤون بأن احتمال تفكك البروتون أصغر قليلا من الحد الأدنى المقيس الأخير.

وعندما تأتي تجربة جديدة في قياس البروتون بعناية أكبر، يتدبر النظريون الأمر لحلحلة ذلك القيد. فقد أثبتت أحدث التجارب أن البروتون مستقر، أي أن معدل تفككه أصغر من خُمس آخر حد نظري. فماذا حدث؟ لقد غيرت النظرية جلدها كي تعطي نتيجة يتطلب التحقق منها تجارب أكثر دقة بكثير، تجارب تستلزم بعث أبو الهول. ونحن ما نزال نجهل إذا كان البروتون قلقا أم غير قلق، ومن بالغ الصعوبة البرهان على أنه لا يتفكك.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى