شخصيّات

نبذة عن حياة العالم “جُوزيفُ بريسْتلي”

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

جُوزيفُ بريسْتلي حياة العالم بريستلي شخصيّات المخطوطات والكتب النادرة

متى شربت آخر مرة زجاجة مياه غازية؟ لا شك من وقت قريب . ولا شك كذلك أن العالَم يُنفق في الوقت الحاضر مبالغ خيالية في العام الواحد على شرب تلك المياه .

أما عالِمُنا فلم يكن ليحلم قط عندما حصل على الوسام الذهبي لاختراعه غاز ثاني أكسيد الكربون المذاب في الماء أنه يبدأ صناعة جديدة ، صناعة المياه الغازية ، تُقدَّر قيمتها في أمريكا وحدها بعدة مليارات من الدولارات سنويا ..!.

وعلى كل فإن اختراع المياه الغازية لم يكن السبب الذي جعل جوزيف بريستلي (شكل رقم 217) من بين عمالقة العلم عملاقاً ، وإنما كان ذلك لسببٍ آخر – كشفه الأكسجين.

 

خمسة ألسن … في لسان !

ولد جوزيف في 13 مارس عام 1733 في قرية صغيرة بجوار مدينة ليدز بإنجلترا .

كان والده نسَّاجاً أو صوَّافاً فقيراً ، توفي وترك ابنه يتيماً في السابعة ، فكفلته عمته ونشَّأته في جوٍ من الفكر الحر، حيث كانت هي نفسها تنتمي إلى جماعة دينية صغيرة تسمى "المنشقون". أرسلته إلى أكاديمية معارضي الكنيسة الإنجليزية؛ ليكون فيما بعد راعياً لكنيسة .

وكان جوزيف دارساً كفئاً ، أظهر براعة خاصة في اللغات ، حيث أتقن – عدا لغة بلاده – الفرنسية والإيطالية والألمانية والسريانية ، إلاّ أنه كان عيي اللسان على أية حال!.

 

ولم يستطع عند تخرجه إلا أن يعمل راعياً لأبرشية صغيرة جداً ليتقاضى مرتباً يقل عن الجنيه الواحد في الأسبوع !! .

وكان جوزيف من الناحية الشكلية، حتى وهو في الثلاثين، نحيفاً رقيقاً. أما ملابسه فكانت تغلب عليها الأناقة الدنيوية أكثر من كونها ملابس رجل دين.

وكان مرحاً حاضر البديهة، اكتسب شهرةً كبيرة ككاتبٍ في الشؤون الدينية . وأما فقره فكان يتعامل معه على أنه أمر واقع، ولكنه كان يتمتع بشجاعة أدبية لا تُنكر .

 

لقاءٌ … مع السفير الجوَّال

عمل جوزيف أيضاً معلماً بمدرسة محلية، وكان يعطي لتلاميذها دروساً خاصة ليحصل على المال الكافي لمواجهة نفقات الحياة ، أو ربما لأنه كان لا يكل من العمل!.

وسرعان ما حصل على وظيفة مدرس لقواعد اللغة بالأكاديمية التي تخرج منها ، أكاديمية معارضي الكنيسة الإنجليزية، وكان يحضر في الأكاديمية بعض محاضرات الكيمياء، وبدأ يجري التجارب بنفسه حتى أصبح معروفاً بين علماء الكيمياء المحليين .

وفي تلك الآونة زار بنيامين فرانكلين، السفير الجوَّال للمستعمرات الأمريكية، إنجلترا ليثير العطف على قضية الاستقلال. زارها في ثوب العالِم لا في ثوب السياسي .

 

هُرع بريستلي إلى لندن لمقابلة العالم والفيلسوف  والسفير فرانكلين . وكانت تجارب فرانكلين على البرق قد جعلت منه بطلاً أسطورياً في أعين معاصريه من الأوروبيين .

واعتقد الناس أنه قادر على إحداث شرارة برقية أنّى شاء، وأُضيفت كرامة منبته إلى تلك الهيبة التي كانت تحيط به .

ومع أنه كان مبعوثاً إلى لندن لهدفٍ محدَّد هو الدفاع عن وجهة نظر المستعمرات ، إلاّ أنه رأي في العلم وسيلة هامة في تحقيق هذا الهدف ، لذا فضّل أن يحيا حياة العلماء بدل أن يتشح بوشاح السياسيين .

 

في صالون فرانكلين … كانت له أيام!

في لندن كثيراً ما تردَّد بريستلي على الصالون الفكري لفرانكلين، وكان لهذا الصالون أثره الكبير في تغيير مجرى حياته .

فلم يكن حتى ذلك الوقت قد اهتم بالعلم إلا باعتباره من المربين أو الهواة .  ولما اقترح على فرانكلين – في إحدى جلسات الصالون – أن يقوم أحد الأشخاص بكتابة كتاب مبسط عن الكهرباء، حثَّه فرانكلين على أن يكون هو هذا الشخص .

ومن هنا نشأت فكرة الكتاب القيِّم الذي أنهاه بريستلي في عام عن " تاريخ الكهرباء ووضعها الحاضر". والحق أن الكتاب لم يكن مجرد تجميع لمعلوماتٍ متناثرة، وإنما كان عملاً أصيلاً،  اضطر بريستلي في إعداده إلى التحقق بنفسه من صحة بعض النقاط المختلف عليها في النظريات الكهربائية المختلفة . كما ضمنَّه بعض كشوفه المبتكرة، ومنها أن الكربون موصلٌ جَيِّد للكهرباء .

وكان للنجاح الكبير الذي لقيه الكتاب ومؤلَّفه ان انتُخب بريستلي في العام التالي عضواً في الجمعية الملكية عام 1766 .

 

 

في صحبة …  اللورد شلبورن

تحرَّر بريستلي من وظيفته الكنسية . حدث ذلك في الوقت المناسب . إذ أن الأبرشية لم تكن قد اعتادت فكرة وجود راعٍ من رعاتها تحيط به دائما القوارير والزجاجات ، وتنبعث من حواليه الروائح والأبخرة ، ويمضي معظم وقته في مصنع جُعَّة . وماذا بعد؟ ابتسمت له الدنيا .

عرض عليه اللورد شلبورن ، وهو عالم ورجل دولة ، وظيفة أمين مكتبة ، وزوَّده بمسكن شتائيَّ في لندن وآخر صيفي في كالن ، وبمعملٍ يُجري فيه تجاربه ويُزيَّن كل هذا راتب سنوي قدره 250 جنيهاً.

وكانت الفترة التي اشترك فيها بريستلي مع اللورد شلبورن من أخصب فترات حياته ، ففيها أجرى أهم تجاربه العلمية ، وفيها زار – بصحبة اللورد – فرنسا وعالمها الكبير لافوازييه الذي يرجع إليه فضل اكتشاف أن "هواء" بريستلي الخالي من الفلوجيستون ما هو في الحقيقة إلاّ مادة جديدة أسماها لافوازييه "أكسيجين" .

 

الإنضمام إلى عضوية … القمريين !

ومن القمريون هؤلاء؟ إنهم كبار العلماء ورجال الصناعة في ذلك الوقت تضمهم منظمة شهيرة انضم إليها بريستلي عام 1780 بدعوة منها .

وكان من بين أعضائها جيمس واط (شكل رقم 218) رائد صناعة الآلات البخارية، وإراسْمُس داروين جد العالم الأشهر تشارلس داروين.

وكان القمريون هؤلاء يجتمعون مرة واحدة في الشهر في اقرب يوم إثنين إلى اكتمال القمر، وإلى هذا ترجع تسميتهم .

 

والسبب في اختيار هذا الموعد هو تجلَّي القمر اثناء عودة الأعضاء إلى منازلهم بعد اجتماعهم حول عشاء علمٍ وعملٍ يستغرق ست ساعات .

وقد أفاد القمريون بريستلي كثيراً ، حيث زوَّدوه بمناقشات وأفكار مثمرة، كما أمدّوه بمبالغ تموِّل تجاربه.

وفي المقابل كان بريستلي مثالياً فلم يفكر قط في الاستفادة المالية من تجاربه وإنما كان يهبها من يريد مجاناً .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى