الرياضيات والهندسة

وصف هندسي للسطوح الأصغرية

2000 الرياضيات والشكل الأمثل

ستيفان هيلدبرانت و انتوني ترومبا

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الرياضيات والهندسة الهندسة

استخدمنا في البنود السابقة اسم "السطوح الأصغرية" للدلالة على القيم الأصغرية للمساحة – أي للدلالة على النماذج الرياضياتية للأغشية الصابونية المستقرة. هذا وإن الطاقة الكامنة "للتوتر السطحي" surface tension في الأغشية الصابونية هي أصغرية محليا.

لقد رأينا أن منحنيًا مغلقًا مفروضًا قد يحد أكثر من سطح أصغري "مستقر" stable واحد. لذا فمن الطبيعي السؤال عما إذا كانت هناك سطوح تمتد على منحن مفروض وتقابل توازنات غير مستقرة للطاقة الكامنة.

سنشرح هذا الوضع بالاستعانة بنظير ميكانيكي هو زهرية فولاذية مشوهة، كما في الشكل في يسار الصفحة. لدينا هنا نقطتان p1  و  p2 يكون فيهما الارتفاع h فوق مستو مثبت أصغرياً، ونقطة p3 ذات توازن غير مستقر.

لنأخذ الآن منحنيًا مغلقًا يشكل حدود قرصين مختلفين يمثلان قيمتين أصغريتين نسبيتين للمساحة، عندئذٍ يمكننا السؤال عن وجود سطحٍ ثالثٍ يوفر توازنا غير مستقر للمساحة مقابل للنقطة p3 ذات التوازن غير المستقر.

 وإذا تحقق ذلك، فهل يمكننا إيجاد شرط هندسي يصف كلا التوازنين المستقر وغير المستقر للمساحة؟ إن الاجابة في كلتا الحالتين هي "نعم"، حيث إن وجود قيمتين أصغريتين للمساحة يتطلب فعلا وجود سطح بشكل القرص يمثل توازنا غير مستقر للمساحة. هذا وليس بمقدورك رؤية الغشاء الصابوني الموافق، ذلك أنه شبح سريع الاختفاء يمكن أن يظهر مدة لا تتجاوز جزءًا من الثانية عندما تحول سطحاً أصغرياً إلى السطح الآخر، ونبين في أسفل اليمين صورة لمثل هذا الغشاء الصابوني الشبح.

 

ترى، كيف يمكننا صياغة شرطٍ يميز خصائص جميع سطوح التوازن، المستقر منها وغير المستقر، بالطريقة نفسها؟ إذا سئلنا عن إلحاق قيمة بمقدار انحناء مستقيم، فسيكون الجواب قطعا، إنها تساوي الصفر. ولكن ما الذي يمكننا قوله عن منحنيات أخرى، وما هو مقدار انحنائها؟

سنبتدئ بالجواب عن هذا السؤال وذلك بالنظر أولاً في دائرة نصف قطرها r . إن الدائرة تنحني بالقدر نفسه في كل نقطة منها . وعندما يكون r صغيراً، فإن الدائرة تكون شديدة التقوس؛ وكلما ازداد نصف القطر r، كبرت الدائرة وقل تقوسها. وإذا أردنا تعريف التقوس بحيث يعكس هذه الملاحظة البسيطة، قلنا إن التقوس k لدائرة يعرف بالقاعدة k=1/r

أي أن التقوس= مقلوب نصف القطر

وهكذا فكلما كبر نصف القطرr، صغر التقوس  k.

ترى، ما العمل إذا كان لدينا منحن مستو أعقد، مثل المنحني المرسوم في الأسفل (القسمA ) ؟ من الواضح أن هذا المنحني شديد التقوس في بعض النقاط، وأنه لا يتقوس أبدًا في نقاط أخرى. ولو تمكنا من اعتماد عدد لقياس الانحناء، فلا بد من أن يكون هذا العدد متغيراً لدى انتقالنا من نقطة إلى أخرى على هذا المنحني. لنأخذ منحنياً اختيارياً  C، مستويا أو غير مستو، ونقطة P عليه (كما هو مبين في القسممن الشكل السفلي).

إذا كان المنحني أملس، فثمة مستقيم مماس T للمنحني في النقطة P. وإذ ذاك يمكننا أن نبين وجود دائرة تمر بالنقطة P ولها المماس T نفسه للمنحني، بحيث تأخذ الدائرة شكل المنحني في النقاط القريبة جداً من النقطة P. وعلى الرغم من أن التعريف الدقيق لهذه الدائرة يتطلب معرفة حسبان الصغائر. 

       

دوائر ذات أنصاف أقطار متزايدة.

 

فإنه يمكننا إعطاء فكرة تقريبية عنها. لنختر نقطتين P1 و P2 قريبتين من P ؛ عند ذلك تعين النقاط الثلاث P1 و P2 و P دائرة. وحين تقترب P1 و P2 بلا حدود من P، فإن الدائرة تقترب أكثر فأكثر من أخذ شكل المنحني في النقطة P ، فإذا كان r نصف قطر هذه الدائرة، فان التقوس k للمنحني C في P يعرف بأنه 1/r ولأسباب ستتضح بعد قليل. فإننا سنعطي إشارة أيضاً لتقوس منحنيات معينة تسمى"مقاطع ناظمية لسطح"normal sections of a surface ، أي إننا سنعرف التقوس k "لمقطع ناظمي بأنه /r1، أو /r-1، طبقاً لقاعدة سنشرحها الآن.

لنحدد أولاً المقطع الناظمي، لذلك نأخذ سطحاً كيفيًا  S، كما هو مبين في أعلى يسار الصفحة، سنثبت نقطة P على هذا السطح، ثم نختار اتجاهًا N يعامد المستوي المماس E الذي يشترك مع السطح S في النقطة P فقط. يسمى مثل هذا الاتجاه العامودي اتجاهاً ناظميًاnormal direction   على السطح في النقطة p . ويمكنك أن تتخيل هذا الناظم N سهماً ثبت مبدؤه في النقطة  p (يوجد في كل نقطة من سطح نظامي regular  سهمان ناظميان لهما اتجاهان متعاكسان).

وأخيراً لندخل في اعتبارنا مستوياً آخر يمر بالنقطة  p ويحوي الاتجاه الناظمي  N، كما هو مبين في الشكل الأوسط أيسر الصفحة . يسمى هذا المستوي المستوي الناظمي  normal plane، على السطح في النقطة  p، ومن الواضح أن ثمة عدداً غير منته من المستويات الناظمية في p ، ويمكنك توليدها جميعاً بتدوير أي منها حول المحور المحدد بالاتجاه الناظمي  N،

إن كلا من المستويات الناظمية في النقطة p يقاطع السطح S وفق منحن مستو يسمى مقطعًا ناظميا للسطح S .

لنأخذ الآن مقطعا ناظميا C للسطح في النقطة  P، وليكنr  نصف قطر الدائرة التي تأخذ شكل  C في النقطة  P، كما هو مبين على الشكل B في أسفل الصفحة السابقة. إن هذه الدائرة واقعة في المستوي الناظمي نفسه الذي يوجد فيه المقطع الناظمي  C، ومركزها موجود على المستقيم الذي يحوي "السهم الناظمي (العمودي)" N . وإذ ذاك إما أن يتجه السهم N من P إلى مركز هذه الدائرة، وإما أن يتجه بالاتجاه المعاكس. فإذا اتجه نحو مركز الدائرة فإننا نرمز الى التقوس k للمقطع الناظمي في النقطة P بالعدد/r 1 واذا اتجه بالاتجاه المعاكس، فإنا نرمز إليه بالعدد/r -1 وهكذا يمكن أن يأخذ التقوس k قيماً موجبة أو سالبة، وهذا يتوقف على اختيار الناظم N. ويعني k السالب أن المقطع الناظمي يتقوس بعكس اتجاه N ، في حين يعني k الموجب أن المقطع الناظمي يتقوس باتجاه N ، ومن ثم فإن استعمالنا لهذه الإشارة قبل k لا يسمح فقط بتقدير شدة انحناء مقطع ناظمي في النقطة  p، وإنما يتضمن أيضاً بعض المعلومات حول اتجاه التقوس.

سنقوم الآن بتعريف قياس لتقوس سطحٍ. وهذا يشكل خطوتنا الرئيسية التالية، وهناك قياسان للتقوس يستعملان في أيامنا هذه من قبل علماء الهندسة: التقوس الكاوسي Gaussian curvature  والتقوس الوسطي mean curvature .

لننظر في جميع المقاطع الناظمية المارة بنقطة مثبتة p على السطح، يمكننا إثبات وجود مقطعين خاصين C1 و C2 تقوسهما K1 و K2 على الترتيب، بحيث يكون K1 و k2 هما على الترتيب أكبر تقوس وأصغر تقوس يمكن أن يكون لمقطع ناظمي في النقطة p  .

نعرف التقوس الكاوسي k للسطح في p بأنه جداء التقوسين الرئيسيين k1 و k2

K = k1. k2 ;

أما التقوس الوسطي H فيعرف بأنه الوسط الحسابي للتقوسين الرئيسيين:  H=

ويمكننا الآن دراسة مبرهنة لاكرانج التي أدخل فيها معادلة السطح الأصغري(1). والتي توفر وصفا هندسيا للسطوح ذات المساحات الأصغرية التي نبحث عنها، وذلك على النحو التالي:

إن التقوس الوسطي في كل نقطة منتظمة regular من سطح ذي مساحة أصغرية يجب أن يساوي الصفر.

أي إن السطوح ذات المساحة الأصغرية تحقق المعادلة

 H=0

)يكون السطح في جوار نقطة منتظمة أملس ويبدو كقرص حل به تشوه طفيف.)

ثمة تعليل فيزيائي آخر لهذه المعادلة. فمن الممكن ربط فرق الضغط P بين وجهي غشاء صابوني في كل نقطة بالتقوس الوسطي H للغشاء بوساطة معادلة لاپلاس  Laplace equation

P = TH

حيث ترمز t إلى التوتر السطحي للسائل. وتربط المعادلة نفسها بالتقوس الوسطي لسطح يشكل حدوداً مشتركة بين سائلين (أو بين سائل وغاز) بفرق الضغط بينهما.

وهكذا فإن القول بان التقوس الوسطي يجب أن يكون صفراً، يكافئ القول بأن الضغط يكون متساوياً في كلا جانبي (وجهي) سطح أصغري. (بيد أننا نجد داخل فقاعة صابونية ضغطاً أعلى من الضغط خارج الفقاعة؛ وهكذا فإن الفقاعة هي سطح ذو تقوس وسطيّ ثابت H يغاير الصفر.)

(1)بسطت هذه المبرهنة من قبل >مونييه< Meusnier، وهو من أوائل علماء الهندسة التفاضلية، وذلك في بحثه بعنوان تقرير عن تقوس السطوح Memoire sur courbue des surfaces، الذي قدم إلى الأكاديمية الفرنسية 1776 ونشر عام 1785.

سطوح ذات تقوسات مختلفة. يوجد لإشارة K معنى هندسي،في حين أن إشارة H تعتمد على اختيار N.

 

وقد ثبت أن السطوح التي توفر توازناً غير مستقر للمساحة يجب أن يكون لها أيضاً تقوس وسطي مساوٍ للصفر. ولهذا السبب، فقد غدا من المألوف استعمال مصطلح "السطح الأصغري" لجميع السطوح التي لها تقوس وسطي مساوٍ للصفر، سواءً أكانت ذات مساحة أصغرية أم لا، وهذه هي السطوح التي سندرسها.

هذا وسنستعمل للسطوح ذات المساحة الأصغرية (أي ذات الطاقة الكامنة الأصغرية) مصطلح السطوح الأصغرية المستقرة  stable minimal surfaces، في حين نستعمل مصطلح السطوح الأصغرية للدلالة على السطوح ذات التقوس الوسطي الصفري؛ وتوافق هذه السطوح حالات غشاء صابوني تكون الطاقة الكامنة لتوتره السطحي ثابتة.

إن السطوح الأصغرية المستقرة هي تلك السطوح التي يمكن تحقيقها، من حيث المبدأ، بأغشية صابونية، بيد أن السطوح الأصغرية غير المستقرة، أي الأشباح السريعة الاختفاء، مثيرة ومهمة كذلك، على الرغم من استحالة تحقيق الأغشية الصابونية الموافقة لها، وترد أهمية هذه السطوح إلى أنها تمثل لعلماء الرياضيات أشياء رياضياتية محددة بشرط هندسي أنيق. ثم إلى كونها ضرورية لفهم سلوك السطوح الأصغرية لدى إحداث اضطراب في محيطها الحدودي boundary contour.

ترى، ما الذي تشبهه هذه السطوح؟ إذا كان لسطح تقوس وسطي صفري في كل نقطة، فإن انحناءه في كل نقطة يتجه نحو اتجاه ناظمي مفروض ومبتعداً عن هذا الاتجاه في آن واحد. فإن السطوح الأصغرية إما أن تكون منبسطة أو أن تكون شبيهة بسطوح سرجية  saddle surfaces.

ما عدد السطوح الأصغرية المحدودة بمحيط مثبت؟

السؤال الطبيعي الذي يطرح نفسه حول محيط مفروض هو التالي: ما عدد السطوح الأصغرية التي يمكن أن يحدها هذا المحيط؟ ومن سوء الحظ. فإننا لا نعرف شيئاً عن هذا الأمر، حتى لو اقتصرنا على السؤال الأبسط إلى حد كبير وهو: ما عدد السطوح الأصغرية من نمط القرص التي يمكن أن تنتشر على منحن مغلق؟ يبين الشكل في أسفل الصفحة 92 أن هناك قطعاً محيطات contours  يمكن أن ينتشر عليها أكثر من سطح أصغري واحد من نمط القرص، ولكن هل توجد محيطات يمكن أن تحد سطحاً واحداً فقط من هذا النوع؟

هناك جواب أول عرف منذ عهد بعيد، هو أن المنحنيات المستوية تحد سطحاً أصغرياً واحداً فقط. وهو سطح مستوٍ. وثمة نتيجة ثانية توصل إليها الرياضياتي رادو عام 1932، بين فيها أنه إذا كان المسقط في مستو لمحيط هو منحن محدب بسيط  simple convex، فإن هذا المحيط يمكن أن يشكل حدود سطح أصغري واحد فقط من نمط القرص.

وثمة نتيجة رياضياتية ثالثة وأخيرة تتعلق بالوحدانية وتستعمل فكرة التقوس الكلي لمنحن فضائي  total curvature of a spatial curve، وهو عدد يقيس مقدار تقوس المحيط بكامله. وعلى سبيل المثال، فإن للدائرة التي نصف قطرها 1 تقوساً كلياً قدره وإذا كان جزء صغير فقط من محيط شديد الانحناء، فإن التقوس الكلي لن يكون كبيراً جداً. هذا وهناك نتيجة معروفة هي أنه إذا كان لمحيط مفروض تقوس كلي أو أقل من، فلا يمكن أن يوجد سوى سطح أصغري واحد من نمط القرص محدود بذلك المحيط.

وهكذا فإن ما نطمح إليه هو أن نتوصل على الأقل إلى حد علوي upper bound لعدد السطوح الأصغرية من نمط القرص التي تنتشر على محيط "ليس معقداً جداً". بيد أن هذا الأمل قد ضاع تماماً، ذلك أنه أثبت منذ عهد قريب أنه إذا أعطينا عدداً ما N (وليكن 100، 5000، 100100، …) وأي عدد صغير موجب  (كأن يكون 10/1، 8000/1، …)، فهناك محيط ذو تقوس كلي أقل من + π4    يشكل حدود N على الأقل من السطوح الأصغرية من نمط القرص.

تبين هذه النظرية الرائعة أنه إذا كان التقوس الكلي لمنحنيين أكبر ولو بقدر قليل من، فقد تحدث أشياء شاذة جداً يصعب تماماً تصورها.

وباستثناء النتائج الثلاث المتعلقة بالوحدانية التي أوردناها قبل قليل، فلا نعرف شيئاً عن عدد السطوح الأصغرية، أو حتى عن عدد السطوح الأصغرية من نمط القرص التي تنتشر على محيط مفروض غير مستوٍ، ولا وجود لمثال على منحن يحد أكثر من سطح أصغري واحد وتكون جميع السطوح الأصغرية التي يحدها (حتى لو كانت من جنس محدد) معلومة، كما أنه لا وجود لأي أمثلة توحي بأجوبة مقبولة، وعلى سبيل المثال، فإن الشكل السفلي يمثل سطحين أصغرين ينتشران على محيط غير معقد واحد؛ بيد أننا لا نعلم عدد السطوح الأصغرية الأخر التي تنتشر على هذا المحيط.

هذا ولم تقدم إجابة حتى على هذا السؤال الأبسط كثيراً والذي يستفسر عما إذا كانت هناك محيطات تحد عدداً غير منته من السطوح الأصغرية من نمط القرص. ويبدو أن حدسنا يوحي بأن محيطاً مثبتاً لن يحد سوى عدد منتهه من هذه السطوح، بيد أن الحدس غالباً ما يكون مضللاً في علم الرياضيات! وهناك في الواقع منحن خارج يحد ظاهرياً عدداً غير منته من السطوح الأصغرية من نمط القرص. وهو منحني الوحش المرسوم في الصفحة 96.

 

سنرى الآن كيف يمكن إنشاء هذا المنحني، لذا نأخذ أولاً المحيط في الشكل العلوي من أسفل الصفحة. إن هذا المنحني يحد سطحين أصغرين على الأقل من نمط القرص (انظر الشكل المرسوم في أسفل الصفحة 92)، لننظر بعد ذلك في متتالية غير منتهية c1، c2، c3، من  منحنيات من النوع نفسه نختارها على نحو يكون فيه كبر C2 size نصف كبر  C1، وكبر C2 وهكذا (انظر الشكل الأوسط في أسفل الصفحة).

لنصل المنحنيين C1 و C2 بجسر صغير، كما هو مبين في الشكل السفلي، وذلك بعد قطع جزء صغير من كل من هذين المنحنيين كي يتشكل منحن بسيط مغلق C*. يمكننا بعد ذلك وصل كل من السطحين الأصغرين المستقرين المنتشرين على المنحني C1 بكل من السطحين الأصغرين المستقرين المنتشرين على C2 وذلك بإضافة شريط صغير يمتد على الجسر؛ لذا يوجد على الأقل  2 × 2 =4  مجموعات من السطوح من نمط القرص المحدودة بالمنحني C*. من المنطقي عند ذلك أنه إذا كان الجسر صغيراً بقدر كافٍ، فإنه يوجد سطح أصغري مستقر قريب جداً من كل من السطوح الموصولة الأربعة المولدة بعملية إقامة الجسور.

وهكذا، فإننا قد حصلنا بهذه الطريقة من المنحنيين C1 و C2 على منحنٍ بسيط مغلق جديد يحد أربعة سطوح أصغرية مستقرة مختلفة من نمط القرص. لن نتوقف عند هذا الحد، إذ أننا سنصل بالمحيط C* المنحني الثالث C3 في متتاليتنا بوساطة جسر ثانٍ كبره نصف كبر الجسر الأول، فتحصل عند ذلك على محيط بسيط آخر. وبإجرائنا مناقشة مطابقة لتلك التي قمنا بها قبل قليل، فإننا نتوصل إلى أن هذا المحيط سيحد على الأقل 2 × 2× 2 = 8  سطوح أصغرية مستقرة من نمط القرص.

 

 

بعد ذلك، نصل C3، C4، وC5  و …، بجسور ذات كبر متناقص. وبتكرار هذه العملية عدداً غير منته من المرات، فإننا نصل إلى منحن بسيط مغلق C طوله منتهٍ مرسوم في أسفل الصفحة 96. هذا، وإننا نحصل في كل مرحلة من عملية الوصل على سطوح أصغرية داخل المحيط الجديد عددها يساوي على الأقل ضعف عدد السطوح التي كانت موجودة داخل المحيط السابق، وهكذا فإن يمكننا أن ندلل على أن C يحدد عدداً غير منته من السطوح الأصغرية من نمط القرص. ومع أن هذه المناقشة تبدو مقنعة إلى حد بعيد، فإننا لم نتوصل حتى الآن إلى برهان رياضياتي كامل عليها. ومع ذلك فلعل منحني الوحش يقنعك بأن الوضع يمكن أن يكون أسوأ مما قد يبدو عليه من النظرة الأولى.

ومن ناحية أخرى، فليس الوضع من السوء بالدرجة التي قد يبدو عليها الآن، وفي الحقيقية، فقد تم البرهان في السنوات الأخيرة على أنه إذا اختار المرء عشوائياً محيطاً بسيطاً أملس، فإن احتمال أنه يحد عدداً لا نهائياً من السطوح الأصغرية من نمط القرص يساوي الصفر. وبعبارة أخرى، فإن المنحنيات "الرديئة" هي نادرة جداً، ومعظم المنحنيات الملساء تحد عدداً منتهياً فقط من السطوح الأصغرية من نمط القرص. هذا ولا تناقض هذه النتيجة الدعوى القائلة بان منحني الوحش يحد عدداً غير منته من السطوح الأصغرية، ذلك أنه قد ينتمي إلى مجموعة من المنحنيات الرديئة، فضلاً على ذلك، فإن منحني الوحش ليس منحنياً أملس، حتى لو وصنا جميع الجسور بطريقة سلسة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن نهاية ذيل منحني الوحش هي نقطة فريدة (شاذة) إلى حد بعيد، وكأنها عقدة في خيط.

هذا، وفي حال "المنحنيات الملساء" (التي يطلق عليها في علم الرياضيات اسم المنحنيات التحليلية ANALYTIC CURVES)) هناك مزيد من المعلومات في جعبتنا، إذ إن مثل هذه المنحنيات لا يمكن أن تحد سوى عدد منتهٍ فقط من السطوح ذات المساحة الأصغرية بين جميع السطوح من نمط القرص.

الصيغة الجبرية التي تربط بين السطوح الأصغرية المحدودة بمحيط مثبت

على الرغم من كل الشذوذات التي ناقشناها في البند السابق، فقد اكتشفت منذ عهد قريب طريقة تربط بين جميع السطوح الأصغرية الممكنة من نمط القرص التي يحدها منحن مثبت. وبغية إيضاح هذه النتيجة، لنعد إلى نموذجنا البسيط للزهرية الفولاذية المشوهة الموضوعة فوق مستوٍ كما هو مبين في أعلى الصفحة 101، فإذا كان h هو ارتفاع نقاط الزهرية عن المستوى، فإنه توجد ثلاث نقاط توازنية للارتفاع  h، هي النقطتان الأصغريتان p1 و p2، ونقطة توازن غير مستقر p3، لنتصور عنكبوتاً يسير على القسم الداخلي من الزهرية. فإذا انطلق العنكبوت من أي من النقطتين p1 و p2 فإن ارتفاعه فوق المستوي سيزداد بغض النظر عن الاتجاه الذي يسير فيه. بيد أن الوضع في p3 مختلف، إذ إن العنكبوت يمكنه هناك أن يختار اتجاهاً بحيث يتناقص في هذا الاتجاه ارتفاعه فوق المستوى، وكما هي الحال بالنسبة إلى المتزلج في الفصل الرابع، فإن العنكبوت ينقص عند ذلك من طاقته الكامنة. لنعط اسماً للعدد الأعظمي للاتجاهات المتعامدة مثنى (المتعامدة بالتبادل) mutually perpendicular والتي يمكن للعنكبوت أن يسير فيها مبتعداً عن نقطة التوازن جاعلاً ارتفاعه إذ ذاك يتناقص، ولنطلق عليه اسم العدد المميز characterisitic number لنقطة التوازن. ومن الواضح أن العدد المميز للنقطتين p1 و p2 هعو 0، في حين أن هذا العدد للنقطة p3 هو 1.

ويبين الشكل العلوي في يسار الصفحة زهرية مقلوبة عقباً على رأس فوق مستو E. إن نقطة التوازن الوحيدة هي  p، وتقع في قمة الزهرية المقلوبة. ونلاحظ أنه أياً كان الاتجاه الذي يزحف فيه العنكبوت، فإن ارتفاعه سينقص؛ لذا فإن العدد المميز للنقطة هو 2.

لنعد ثانية إلى زهريتنا الأولى حيث لدينا ثلاث نقاط توازنية أعدادها المميزة 0 = 1 λو λ2 = 0 و   λ3 = 1

لنشكل عندئذ المجموع

1+1 – 1 = 1. = 3(-1)λ+ 2(-1)λ+ 1(-1)λ

لنفترض الآن أننا أخذنا أي زهرية نصف كروية وشوهناها (دون المساس بحدودها) مولدين بهذه الطريقة عدداً ما من الحفر أو الشعاب أو القمم، وهذا ينتج منه عدد، وليكن n، من نقاط التوازن  p1، ، Pn أعدادها المميزة λ1 ، ….، λn على الترتيب (انظر الشكل السفلي).

من الممكن للقارئ التحقق من أن جميع هذه الأمثلة ستحقق المعادلة الشهيرة

 (-1)λ1 +(-1)λ2 + … + (-1)λn = 1

إن هذه المعادلة، التي تسمى معادلة مورس  Morse’s equation، مفروضة علينا نتيجة بنية رياضياتية معينة تختفي في طيات الطبيعة الطبولوجية للزهرية. ومفتاح فهم هذه البنية هو كشف قام به  .L>أولر<، الذي لاحظ أنه إذا كان كثير وجوه مرسوماً داخل كرة (أي إذا كانت رؤوسه واقعة على سطح الكرة) فإن

V – E + F = 2,

حيث V عدد رؤوس كثير الوجوه و E عدد حروفه  و F عدد أوجهه. وهذه حقيقة تصح في أي كثير وجوه مرسوم داخل كرة، فإن هذه الحقيقة يجب أن تنتمي إلى الطبيعة الطبولوجية للكرة.

 

 

 

وهناك ما يشبه هذا الوضع في حالة نصف الكرة، وهي زهريتنا المفتوحة غير المشوهة (التي هي طبولوجيا كرة فيها ثقب واحد). لنرسم أي كثير وجوه داخل هذه الزهرية التي فتحتها في الأعلى، ولنأخذ، بغية التبسيط، هرماً مقلوباً ثلاثي الوجوه ليس له قاعدة (توافق هذه القاعدة القمة المفتوحة للزهرية). لدينا هنا V=4 و E=6 و F=3، ومن ثم فإن:

V – E + F = 1

وهذا العدد نفسه سبق وحصلنا عليه لدى عدّ نقاط التوازن وحساب أعدادها المميزة في معادلة مورس. فضلا على ذلك، لدينا:

V – E + F = 1

في حال أي كثير وجوه مرسوم داخل هذا السطح. هذا وإن المساواة بين المجموعين

   (-1)λ1 +(-1)λ2 + … + (-1)λn = V – E + F

 

تمثل حقيقة جد عميقة اكتشفها عالم الرياضيات  .M>مورس<Morse  قبل قرابة 63 عاماً (وهي الأساس لما يسمى الآن نظرية مورس). وإنها لمساواة مدهشة حقاً، ويرد ذلك بوجه خاص إلى أنها تربط بين مفهوم التوازنات في حسبان التغيرات وبين مفاهيم في علم الطبولوجية (نظرية شكل السطوح وهيئتها)، وهذا المزيج هو أمر أساسي في البرهان عليها.

لكن ما علاقة كل هذا بالسطوح الأصغرية؟ لقد ذكرنا في البند السابق أنه استناداً إلى مبرهنة التناهي  finiteness theorem، فإن جميع المحيطات تقريباً تسلك سلوكاً معقولاَ، بمعنى أنها تحد عدداً منتهياً فقط من السطوح الأصغرية من نمط القرص. فإذا كان C واحداً من هذه المنحنيات المعقولة، فإنه يوجد لكل عدد صحيح N نفس العدد من السطوح الأصغرية من نمط القرص التي تمتد على  C، ولنرمز لها بـ S1، S2، ….،  Snوالبعض فقط من هذه السطوح يتميز بمساحة أصغرية.

هناك نظرية تتطلب قدراً كبيراً من الثقافة الرياضياتية تلحق بكل من هذه السطوح الأصغرية Si  عدداً مميزاً λi يشبه في معناه الأعداد المميزة في نموذج الزهرية الذي رأيناه. وبوجه خاص، فإذا كان Si أصغري المساحة، فإن 0 =  λiوبضم أفكار من حقلي الطبولوجيا وحسبان التغيرات بعضها إلى بعض، فإنه يغدو ممكناً إثبات أن معدالة مورس صحيحة:

(-1)λ1 +(-1)λ2 + … + (-1)λn = 1

 

وتوفر هذه المعادلة برهاناً جديداً على النتيجة المذكورة آنفاً، وهي أن وجود سطحين أصغريين يقتضي وجود سطح أصغري ثالث غير مستقر (انظر شرح الشكل في أسفل الصفحة 101).  لنفترض أن لدينا سطحين أصغريين المساحة ممتدين على محيط معقول ولا وجود لسطح أصغري آخر. عند ذلك نجد، استناداً إلى أن العدد المميز لكل قيمة أصغرية يساوي الصفر، أن الطرف الأيسر من معادلة مورس يصبح

(-1)λ1 +(-1)λ2 = (-1)0 + (-1)0 = 1+1 = 2 ≠ 1

وهذا يتنافى مع مساواة مورس. لذا فلابد من وجود سطح أصغري آخر ذي عدد مميز فردي، ومن ثم فلا يمكن أن يكون هذا السطح الآخر أصغرياً محلياً، ولا بد من أن يكون غير مستقر. وبوجه عام، فإنه يترتب على معادلة مورس أن وجود n من السطوح الأصغرية ذات المساحات الأصغرية التي تمتد على محيط ما، يقتضي وجوب وجود سطوح أصغرية غير مستقرة أخرى عددها n-1 ومحدودة بالمحيط نفسه.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى