البيولوجيا وعلوم الحياة

الأسس المعتمدة من الطبيب الشرعي حول الاستعراف نتيجة الإصابة بالأعيرة النارية

2010 الاستعراف الجنائي في الممارسة الطبية الشرعية

صاحب عيسى عبدالعزيز القطان

KFAS

الاسس المعتمدة من الطبيب الشرعي حول الاستعراف نتيجة الإصابة بالأعيرة النارية البيولوجيا وعلوم الحياة

ومن أهم الأسس التي يعتمد عليها الطبيب الشرعي في إبداء الرأي هي :

1-  مسافة الإطلاق : فإن كانت الإصابة نشأت عن مقذوف مطلق من مسافة بعيدة ، فإن ذلك يتعارض مع القول بأن الحالة انتحارية ، ما لم يكن هناك تمويه وتضليل كتثبيت السلاح في مكان بعيد ، وعمل ترتيبات لإطلاقه وهو في هذا الموضع البعيد عن متناول يد المنتحر لتبدو الحالة وكأنها اعتداء ، وكثيراً ما يحدث ذلك عندما يكون المنتحر مؤمناً على حياته لدى إحدى شركات التأمين 

ووجود الإسوداد البارودي والاحتراق والنمش البارودي يعني قرب الإطلاق ، ويعتبر علامة يمكن الاستناد إليها في القول بأنه من المحتمل أن تكون الحالة انتحار إذا ما اصطحبت هذه العلامة بعلامات أخرى مساعدة لها ، وإذا ما اصطحبت بمطابقتها لظروف الحادث إن كان الإلمام بهذه الظروف قد روعي فيه الدقة والأمانة.

وفي حالة عدم إتضاح هذه العلامات بالعين المجردة فإن ذلك لا يكفي للقول بأن الإطلاق كان من مسافة بعيدة يقيناً ، وإنما يتحتم إجراء الفحوص لمعرفة ذلك ولا تقتصر الفحوص على موضع الإصابة من الجسم فحسب.

بل يتحتم إجراء هذه الفحوص على الملابس التي كان يرتديها القتيل عندما تكون العلامات بالملابس أكثر اتضاحاً عنها بالجسم ، وقد تكون العلامات المشاهدة بها هي الدليل الوحيد على قرب الإطلاق وذلك إن وجدت هذه العلامات .

 

وفي حالة الإطلاق الملامس فليس من المحتم وجود مخلفات احتراق البارود بالجلد حول جرح الدخول ، أو حول ثقب الدخول بالملابس مقابل موضع الإصابة وذلك أن الغازات تندفع مع المقذوف إلى داخل الجسم ، وفضلاً عن ذلك فإنه في حالة تسرب بعض الغازات وترسب بعض هذه المخلفات حول جرح الدخول وحول ثقب الدخول بالملابس.

فإن الدماء النازفة خلال جرح الدخول إلى الخارج قد يطمس معالم هذه – المخلفات تماماً ، ومن الممكن البحث عن هذه الآثار بالسطح الداخلي للملابس حول ثقب الدخول ، وبالأنسجة الواقعة في مدخل جرح الدخول بالجسم ، حيث يشاهد اسوداد بهذه المواضع.

وهناك عامل آخر هام كفيل بطمس هذه المعالم وعدم اتضاحها بالملابس وهو خروج السوائل الرمية عند تقدم التعفن الرمي خلال ثقب الدخول ، وتلوث الملابس بهذه السوائل .

 

2-  موقع الجرح : ويعتمد الطبيب الشرعي في إبداء الرأي على موقع الجرح ، فإن كان في متناول يد القتيل ، فإن ذلك قد يشير إلى أن الحادث كان انتحاراً ، فالذي يقترف جريمة الأنتحار يختار مواضع في متناول يده ، كما يحرص على أن يكون موضع الإصابة مقابلاً لأعضاء هامة جداً بالجسم ليضمن فعالية الإصابة النارية في إحداث الوفاة ، كأن تكون الإصابة مقابل للمخ أو – القلب.

فوجود الإصابة في مكان بعيد عن متناول اليد أو تصل إليه اليد بصعوبة ، كأن تكون خلف الرأس أو بأعلى خلف جدار الصدر بين عظمتي اللوح ، فإن ذلك يشير إلى أن الحادث ليس انتحارياً ما لم يكن هناك خدعة ، كتلك التي ذكرت عند الحديث عن دور مسافة الإطلاق في إبداء الرأي بشأن ذلك.

ومعظم الإصابات النارية الأنتحارية التي يستعمل في إحداثها أسلحة قصيرة كالمسدسات والريفولفرات ، تحدث بأعلى الصدغ أو مقابل الجبهة أو بالفم بإتجاه من أسفل إلى أعلى وذلك لإصابة المخ أو أن تكون بيسار مقدم جدار الصدر لإصابة القلب.

وتشير الإحصائيات التي أجريت لحصر مواضع الإصابات النارية الأنتحارية بالجسم ، إلى أن الصدغ هو أكثر هذه المواضع إختياراً لإحداث الإصابة ، وقد يكون لطبيعة المنتحر في استعمال أي من اليدين في قضاء حوائجه اليمنى أو اليسرى دور في هذا الأمر.

فقد يدعو إلى الشك وجود إصابة بالصدغ الأيسر بالرغم مما هو معروف من أن القتيل يستعمل يده اليمنى أو العكس ، عندما تشاهد الإصابة بالصدغ الأيمن ، ويكون القتيل أعسراً ولكن هذا الشك غير ذي أهمية على الإطلاق.

فكثيراً ما شوهدت هذه الحالات في حوادث ثبت باليقين أنها انتحارية ، ويفسر ذلك بأن الرأس تتمتع بمدى متسع لحرية الحركة كما تتمتع اليدان بمدى أكبر من حرية الحركة ، فمن الممكن أن تصيب اليد اليسرى الصدغ الأيمن وتصيب اليد اليمنى الصدغ الأيسر في حالات الانتحار .

 

3-  آثار مخلفات احتراق البارود : العثور على آثار لمخلفات احتراق البارود على سطح يد القتيل المستعملة في إطلاق السلاح الناري ، يعتبر من الأدلة التي يمكن الاستناد إليها في القول بأن الحادث كان في الغالب انتحارياً.

ويرجع تلوث اليد بهذه المخلفات إلى ارتداد الدخان المتصاعد من فوهة السلاح إلى الخلف ، وترسب ذرات الكربون الموجودة به على سطح اليد الممسكة بالسلاح المطلق ، عندما يكون بالسلاح خلل يؤدي إلى تسرب هذه الغازات من مؤخرة ماسورته.

وتتضح هذه العلامات أكثر عندما يكون السلاح المستعمل في الحادث من الأسلحة قصيرة الماسورة كالريفولفرات أو المسدسات ، أما في حالة استعمال الأسلحة طويلة الماسورة كالبنادق ، فإن المسافة بين فوهة ماسورة السلاح واليد الممسكة به هي مسافة طويلة ، بحيث لا يتسنى للدخان المتصاعد من فوهة الماسورة أن يصل إلى اليد الممسكة بالسلاح ، وحينئذ يتعذر وجود هذه العلامة بيده مستعمل السلاح ، ما لم يكن هناك خلل بالسلاح أدى إلى تسرب الغاز من مؤخرة ماسورته .

ويحدث ترسب مخلفات احتراق البارود على سطح اليد بصور تختلف باختلاف نوعية السلاح المستعمل … وقد أثبتت التجارب أن أكثر أجزاء اليد عرضة للتلوث بمخلفات الاحتراق البارودي ، هي إصبع السبابة وإصبع الإبهام وسطح الجلد الواصل بين قاعدتي هذين الإصبعين.

 

وفي قليل من الحالات قد يلجأ مطلق السلاح الناري إلى استعمال كلتا يديه في الإطلاق ، فيستعمل سبابة أحد اليدين في الضغط على زناد السلاح ، ويستعمل يديه في الإمساك بجسم السلاح لتثبيته في لحظة الإطلاق ، وفي هذه الحالة يحتمل تلوث اليدين بمخلفات الاحتراق البارودي .

وقد يحول تلوث اليد بالدماء دون إتضاح معالم ترسب مخلفات اختراق البارود على سطح اليد ، وقد يساعد غسل اليد برقة على إذابة الدم وزواله واتضاح معالم هذه المخلفات .

ولا يجوز أخذ بصمات اليد المشكوك في استعمالها في إطلاق النار ، قبل إجراء الفحوص اللازمة لمعرفة ما إذا كان بها تلوث ناشئ عن مخلفات الاحتراق البارودي على الإطلاق ، فإن البصمات سوف لا تتغير أبداً نتيجة لهذه الفحوص ، ولكن الآثار المتخلفة عن الأحتراق البارودي فتزول نتيجة للإجراءات التي تتبع لرفع البصمات .

 

وهناك العديد من الأبحاث التي تجرى لمعرفة ما إذا كان هناك آثار لمخلفات الاحتراق البارودي باليد ، وقد تكون هذه الأبحاث من البساطة بحيث لا تتعدى الفحص الكيميائي العادي ، أو قد يستدعي الأمر إجراء فحوص معقدة وأستعمال أجهزة متطورة إلكترونية للوصول إلى حقيقة هذا الأمر.

ولعل أقدم وسائل البحث في هذا الأمر هو إحاطة سطح اليد المشتبه في تلوثها بمخلفات الأحتراق البارودي بشمع البرافين المذاب وتركه على سطح اليد ، حتى يتجمد تماماً وخلعه عن سطح اليد وفحص السطح الداخلي لهذا الغلاف الشمعي باستعمال "دايفنيل أمين" أو "دايفينيل بنزيدين" ، ليتضح لون أزرق بالمواضع المقابلة لمواضع التلوث باليد المشتبه في أمرها ، ومن عيوب هذا الفحص أن إيجابيته لا تقتصر على وجود مخلفات احتراق البارود فحسب.

بل أن ذلك يشاهد أيضاً في حالة تلوث اليد بأي مادة تحتوي على النيترات ، كتراب التربة أو مخلفات التوباكو وخاصة عندما يكون الشخص مدخناً ، أو بعض مساحيق التجميل أو البول ، فإن هذه التلوثات تعطي نتيجة إيجابية مع هذا الفحص الكيماوي المذكور .

 

4- العثور على السلاح المستعمل في القتل : العثور على السلاح المستعمل في القتل بيد المنتحر وقد توترت أصابعه ، وهي ممسكة بالسلاح يشير إلى أن الحادث غالباً ما يكون انتحارياً ، وهذه الظاهرة تسمى بـ "التوتر الرمي" وهي ظاهرة لها أهمية بالغة إن وجدت .

 

5- العثور على السلاح المستعمل في مكان الحادث : العثور على السلاح المستعمل في مكان الحادث قد يؤخذ كقرينة على أن الحالة انتحار ، وهذا إن حدث فليس له دلالة خاصة أو أهمية فما أسهل أن يتخلص القاتل من السلاح الذي استعمله بتركه في مكان الحادث بعد الأطمئنان على زوال آثار بصماته من على سطح السلاح.

وخاصة عندما يكون السلاح غير مرخص بحمله ولا يستدل على صاحبه عند فحصه ، وما أسهل من أن يرفع السلاح من موقع الحادث قبل وصول المسؤولين حفاظاً على السلاح ، أو لإبعاد الشبهة من أن الحادث انتحاري لأي سبب من الأسباب .

 

6-  تعدد الإصابات النارية بالجسم : تعدد الإصابات النارية بالجسم تؤخذ كقرينة ودليل قاطع على نفي احتمال حدوث الحادث انتحاراً ، وذلك لأن المنتحر يختار عادة موضعاً يقابل أعضاء هامة من جسمه كالقلب أو المخ لإطلاق النار عليه ، مما يتعذر معه القدرة على إطلاق المزيد من الأعيرة بعد إصابة هذه الأجزاء الهامة ، ولكن إبداء مثل هذا الرأي لابد وأن يكون على أساس قوي ومتين.

فإن كانت الإصابات المتعددة قد نشأت عن إطلاق أسلحة متعددة مختلفة ، فإن ذلك يكون دليلاً له قيمته على أن الحالة اعتدائية وليست انتحارية أو عرضية ، وإن كانت الإصابات في مواضع مختلفة من الجسم متباعدة عن بعضها البعض.

فإن ذلك يعتبر أيضاً دليلاً قاطعاً على أن الحالة ليست انتحارية ، وخاصة عندما تكون أكثر من إصابة بمواضع خطيرة كالقلب والمخ ، أما حدوث العديد من الإصابات النارية بجثة ووقوع هذه الإصابات متجاورة ، ونتيجة لإطلاق قريب وفي موضع يقع في متناول اليد.

وتكون قد حدثت نتيجة لإطلاق سلاح واحد فإن ذلك لا يتعارض مع احتمال حدوث الحالة انتحاراً إن كان السلاح المستعمل أوتوماتيكيا سريع الطلقات فإن الضغط على زناده ضغطة مستمرة لفترة وجيزة جداً ، قد يؤدي إلى انطلاق أكثر من عيار ، ويكون انطلاقها متتالياً وتحدث الإصابات الناشئة عنها بمواضع متجاورة ، وقد تكون في بعض الأحيان متلاصقة ويكون مسار مقذوفاتها بالجسم متوازياً تقريباً ، وذلك لا يتنافى مع حدوث الحالة انتحاراً .

 

قد يحاول المنتحر إزاحة الملابس عن المواضع التي سيطلق النار عليها ، كأن يزيح القميص عن الصدر إن كانت نيته الإطلاق على القلب ولا يشاهد ذلك في حالات الإصابات الاعتدائية .

في حالات الانتحار باستعمال أسلحة طويلة الماسورة فإن المنتحر يحاول أن يكون بموضع يمكنه من استعمال هذه الأسلحة في تنفيذ جريمته ، وتتركز مهمة الطبيب الشرعي في أثناء معاينة الجثة في مكان وقوع الحادث على التيقن ، مما إذا كان القتيل يستطيع إطلاق النار على نفسه باستعمال السلاح المضبوط ، وهو في الوضع المشاهدة به الجثة من عدمه.

ويستلزم ذلك قياس ذراعي القتيل وما إذا كان من الممكن أن تصل أصابع يديه إلى موضع زناد السلاح والضغط عليه ، في وضع للسلاح يؤدي إلى إنطلاق عيار منه ويتخذ مقذوفه المسار المشاهد بالجثة من عدمه ، وقد يتبين أن القتيل قد استعمل الإصبع الكبير بإحدى قدميه للضغط على الزناد ، أو أن يكون قد استعمل عصا أو قطعة من الخيط للجذب على الزناد بأصابع اليد .

ولإيضاح ما إذا كان الحادث قد حدث عرضاً فإن ذلك يستلزم معاينة دققة للجثة بموضع العثور عليها ، وتشريح الجثة بدقة لمعرفة اتجاه المقذوف بداخلها ، والإلمام الكامل بأقوال الشهود المتعلقة بتصوير الحادث ، ويفضل الاستعانة بالتصوير الفوتوغرافي والرسوم الإيضاحية في هذه الحالات .

 

7-  علامات مضللة في الإصابات الناشئة عن أعيرة نارية : التدخل الجراحي لإنقاذ المصاب بأعيرة نارية فيما لو بقي المصاب على قيد الحياة ، يؤدي إلى حدوث الكثير من العلامات المضللة ، ومثالاً لذلك تلك الثقوب التي تحدث بسطح جسمه لمرور أنابيب التصريف ، تبدو وكأنها ناشئة عن مقذوفات رشية.

كما أن الشقوق الجراحية التي تجري بجسمه بأيدي الجراحين قد تؤدي إلى طمس معالم الإصابات الحقيقية ، وتزداد المشكلة تعقيداً عندما تكون الإصابة الأصلية في موضع من الجسم غير مكسو بملابس كالوجه أو معظم العنق أو الأيدي وتؤدي الدهانات المطهرة التي تستعمل في الجراحة إلى طمس ما عسى أن يكون بسطح الجسم من علامات قرب الإطلاق كالإسوداد البارودي .

ولعل من أشهر القضايا التي حدثت بها علامات مضللة هي قضية مقتل الرئيس جون كيندي ، فقد أدى التداخل الجراحي الذي أجري للرئيس إلى طمس معالم إصابته بحيث تعذر التمييز بين جرح الدخول وجرح الخروج .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى