التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

رافعات البناء منذ أزمنة قديمة

2014 لنسامح التصميم

هنري بيتروكسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة

استخدمت رافعات البناء منذ أزمنة قديمة. كانت تُصنع من الخشب، والأقدم منها احتوت على قطعتين من الخشب مربوطتين ببعضهما من جهة واحدة، حيث كانت توضع بكرة أو مجموعة من البكرات (Block and Tackle). كان يستخدم حبل للحدّ من الحركة لكي يبقي الخشب بزاوية مناسبة بالنسبة للأرض لتكون قمة الرافعة على استقامة الكتلة المراد رفعها أو إعادة تموضعها، وفي القاعدة، تمّ وضع الساقين الخشبيين بشكل متباعد عن بعضهما لكي تتوفّر الاستقرارية الجانبية المناسبة، وكان يتم لفّ الحبل الذي بواسطته يتمّ تسليط القوة حول محور يقع بين الساقين، ويتمّ تدويره بواسطة ذراع أو رحوية، أو طاحونة دوارة. وكان يتمّ تشغيل الرافعات الصغيرة بواسطة الذراع، لكن الرافعات الأكبر – التي كانت تحتاج لاستخدام الطاحونة الدوارة، وهي عبارة عن [محرّك من النوع الذي يسمى بـ] قفص سنجاب (Squirrel Cage) لا يوجد بداخله فئران، بل رجال يتسلّقون سلماً لا نهاية له، وقد قام فيتروفيس بوصف أنواع الرافعات الأساسية ونوع الأخشاب المستخدمة والتي أصبحت تُعرف بسيقان القص (Shear Legs). وقد تطوّرت الرافعات الخشبية، بطبيعة الحال، لأشكال أكثر تعقيداً وبسعات أكبر واستخدمت في بناء الكاتدرائيات خلال القرون الوسطى وحتى في الوقت المعاصر.

لقد تم توضيح مفهوم آلات الرفع في مرحلة النهضة الأوروبية في مذكرات واتفاقيات وأدّلة وما يسمّى مسارح المكائن (Theaters of Machines). رسم ليوناردو [دافنشي] ما يبدو أنها رافعات؛ ونشرت أغريكولا دي ريميتاليكا (Agricola’s De remetallica) لأول مرة عام 1556، صوراً كاملة لآلات لرفع خام [الحديد] ومواد أخرى من المناجم؛ واحتوى كتاب أوغسطينو راميللي (Agostino Ramelli) عام 1588 على مكائن متنوعة وغريبة، ونماذج من الآت الرفع، واستخدمت سيقان القصّ البسيطة بشكل واسع لغاية العهد الفكتوري المتأخّر، ومع تطوّر حديد الصبّ واستخداماته في الجسور وما بعد ذلك في المباني، أصبح بالإمكان نصب الأضلاع المقوّسة، والأعمدة، والعوارض بواسطة سيقان القصّ ومجموعة البكرات وكان من السهولة إبقاؤها في مواقعها لحين رفع الأجزاء الهيكلية المتبقية وربط الأجزاء ببعضها لجعل [الهيكل] المجمّع قوياً وثابتاً ذاتياً. وهذه هي الطريقة التي شيّد بها أول جسر حديدي فعلاً عام 1779، ومن المفهوم سبب تسميته ببساطة بالجسر الحديد، الذي شُيّد قرب [مدينة] كولبروكديل (Coalbrookdale) في إنجترا، وكيف تمّ نصب العارضات المصنوعة من الحديد المطاوع والصبّ في كريستال بالاس (Crystal Palace) في هايد بارك (Hyde Park) في لندن لغرض المعرض الكبير في عام 1851، وبُدئ باستخدام الرافعات المصنوعة من الفولاذ التي تمّ تطويرها أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وبدأت تشغيل الرافعات المتحركة والرافعات التي تعمل بالطاقة مُركّب عليها دلاء بدلاً من السناتير، والمعروفة بالمعاول البخارية، بعد فترة قصيرة أيضاً وثبتت أهميتها التي لا تثمّن في بناء قناة بنما.

الرافعات مفيدة أيضاً كأدوات تعليمية. تتضمّن أسئلة الواجبات البيتية [للطلاب] الرافعات بأنواعها: الاعتيادية وذات الذراع والحبال؛ والأنواع الأطول – أبراج البثّ والصواري المشدودة – عادةً ما يصادفها [الطلاب] في المساقات الهندسية الأساسية، لأنها تكون سهلة مفاهيمياً وذات تحديات هندسية في نفس الوقت، ويمكن اختبار المهارات الأولى المكانية والقدرات الرياضية في المثلّثات من خلال المسائل ذات الطبيعة الثلاثية الأبعاد، وبالرغم من أن الوظيفة الأساسية للرافعة هو تحريك أجسام كبيرة من مكان لآخر – عادة ما يكون أعلى أو أكثر انخفاضاً – فإن الحركة ذات العلاقة بطيئة نسبياً بشكل مقصود. والهدف ليس فقط ضمان سلامة العملية ودقة السيطرة، بل أيضاً القضاء على التأثيرات المحتملة غير المسيطر عليها، وتأثيرات العطالة المزعزعة المرافقة بالحركات الفجائية. وبمصطلحات الهندسة، يكون التعجيل والقوى المصاحبة صغيرة بحيث يمكن إهمالها. لذا، وبحسب القانون الثاني للحركة لنيوتن، الذي ينصّ على أن صافي القوة المسلطة على جسم ما يتناسب مع كتلته ضرب التعجيل، و[بالتالي] تكون القوى بحالة توازن مع بعضها البعض.

الرافعة الحديثة عبارة عن مرفاع [ونش] أو مرفاع من نوع ويندلاس (Windlass) يعمل ميكانيكياً بواسطة ذراع ممتدّة تُعرف بذراع المرفاع (Boom) أو الجب (Jib)، حيث تكون إحدى نهاياته مثبتة بقاعدة يمكنها الدوران، والنهاية الأخرى للذراع مثبت عليها بكرة أو حزام، ويمرّ فوق البكرة حبل، كما هو الحال بالنسبة للحبل الذي يربط ساقي القص. يؤدي ذلك إلى إعادة توجيه القوة الساندة للثقل من الاتجاه العمودي المعرّف بالجاذبية إلى زاوية الذراع الموجهة للحبل الرافع عائداً إلى الرافعة، وفي الآونة الأخيرة، تطورت رافعات الإنشاءات لتصبح أكثر تعقيداً، وأكبر حجماً، وسعة وأكثر براعة، وأكبر هذه الرافعات كانت تتوارد في الأخبار دوماً في عام 2008، لسبب رئيس هو أنها كانت ذات علاقة بعدد من الحوادث المرئية والمميتة. والعمل الإنشائي نشاط خطر بأشكاله كافة، وبمعدل وفيات 4 عمال تقريباً في اليوم في الولايات المتحدة، وقد هبط العدد الكلي لوفيات الإنشاءات عام 2008 و2009، لكن الأوضاع الاقتصادية غير المواتية كانت السبب في هذا الهبوط أكثر من أي عامل آخر، بحيث نتج من ذلك العمل لساعات أقل في مواقع البناء. وقد وصل عدد الوفيات في حوادث الرافعات فقط في سنة أخيرة واحدة، إلى 82 عاملاً، وأعداد أكبر من المصابين، ولم تحضّ هذه الحوادث على اهتمام واسع خارج نطاق الأخبار المحلية ونشرات التجارة. وفي المعدل، وصل عدد الوفيات إلى ما يقارب التسعين سنوياً كنتيجة لـ "حوادث الرافعات والمخاطر ذات العلاقة". لكن العديد من هذه الحوادث التي حصلت عام 2008 لاقت تغطية إخبارية واسعة لأنها تجاوزت موقع البناء، ومهما تضمّن العمل في صناعة البناء من خطورة، فليس من المتوقّع أن تمتدّ إلى المواطنين العاديين الذين يزاولون نشاطاتهم اليومية في الشوارع تحت [الرافعات] وفي المباني تحت وبجانب الرافعات التي تلوح في الأفق.

الرافعات الكبيرة المتحرّكة، القادرة على التحرّك بواسطة قوتها الذاتية على عجلات أو على مسارات التراكتورات الزاحفة إلى أي مكان من موقع البناء، هي بالأساس آلة رفع ثقيلة مدفوعة ذاتياً، على الرغم من أنها قد تضطرّ إلى توسيع امتداداتها وأوزانها المقابلة لتوازن نفسها بشكل آمن في حالات كثيرة في العمل. ولكن مثل هذه الرافعات محدّدة بامتداد ذراعها، وبالتالي بمدى ارتفاع وعرض ما تستطيع رفعه، ولغرض بناء مبانٍ أكثر طولاً من أطول الرافعات المتحركة، من الضروري إيجاد نظام للرفع يمكنه اعتلاء الهيكل غير الكامل أو الصعود معه، وفي حالة البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي في نيويورك، والذي بدأ إنشاؤه في أواخر الستينات من القرن الماضي، فقد تمّ تركيب 4 رافعات فوق الهيكل الفولاذي لكل بناية، وكانت تتمّ إعادة تموضعها في طوابق أعلى مع صعود الهياكل، وقد نشأت هذه التكنولوجيا في أستراليا، والآلات القافزة كانت تُعرف برافعات الكنغر، ولكل واحد منها مرفاع قادر على خدمة أحد الأرباع المتداخلة من مساحة أرضية البرج المربع المركّب فوقها.

استخدام مثل هذه الأنظمة التمهيدية المبتكرة يحتاج إلى تخطيط متقنٍ، ليس لرفع الرافعة فقط كلما ارتفع البناء، ولكن لإعادة الرافعة إلى الأرض بعد اكتمال البناء، وفي حالة مركز التجارة العالمية، فقد تمّ استخدام إحدى الرافعات الأربع لإنزال أجزاء الرافعات الثلاث الأخرى إلى الأرض، ومن الطبيعي لا يمكن للرافعة الأخيرة أن تنزل لحالها. لذا كان من الضروري إنزالها بواسطة رافعة أصغر يمكن تفكيكها إلى أجزاء صغيرة بما فيه الكفاية لتوضع في مصعد الخدمات، وقد استخدمت رافعات من تصميم مماثل لرافعات الكنغر في الإمارات العربية المتحدة عند إنشاء أطول مبنىً في العالم، معروف باسم برج دبي عندما كان قيد الإنشاء، ولكن أعيدت تسميته ببرج خليفة عند إهدائه [في حفل الافتتاح لرئيس الاتحاد الشيخ خليفة بن زايد] عام 2010، ومن الواضح أن الخدمات اللوجستية لتحريك الرافعات إلى أعلى مع ارتفاع المبنى – وكذلك عندما تغيّر الهيكل الكونكريتي إلى هيكل فولاذي في الطابق 156 – كانت عملاً أُخذ بالحسبان من قِبل مصمّمي الإنشاءات، وهي المشاريع الإنشائية الأكثر وضوحاً التي اعتمدت على الرافعات الرشيقة، ودبي المزدهرة، ولحين انحسار اقتصادها مع بقية مدن العالم، كانت تعرف بـ "ربما أرض اللهو الأكثر شهرة تصميمياً في العالم،" وجزء كبير من هذه الشهرة كانت بسبب وجود الأعداد الكبيرة من رافعات البناء الشامخة [على أرض الإمارة].

بشكل خاص خلال القرنين الماضيين، ومع التسارع في تطوير هياكل أكبر وأكبر، ومن ضمن ذلك أشكال جديدة من الجسور ذات المجازات الطويلة ومبانٍ عالية، كان على مهندسي التصاميم أن يأخذوا بالاعتبار بشكل متزايد كيفية بناء الإنشاءات غير المسبوقة، وفي الجزء الأول من القرن التاسع عشر، استخدمت السلاسل المصنوعة من حلقات الحديد المطاوع في تصميم الجسور المعلقة، حيث كان بالإمكان رفع كل سلسلة إلى مواقعها على حدة ثم يتم ربطها عند التسقيل (Scaffolding). وقد ابتكر جون روبلينغ طريقةً لغزل آلاف الأميال من الأسلاك الفولاذية المنفردة وتحويلها إلى حبال معلقة هائلة الحجم، والتي تكون ثقيلة بسبب طولها وحجمها ولا يمكن رفعها إلى مواقعها إن كانت مُجمعة بالكامل على الأرض، وقد استخدم طريقته في الجسور اللاحقة [التي نفّذها]. وكانت طريقة التركيب جزءاً أساسياً من التصميم، ومن الواضح، إنه إذا فشلت طريقة التركيب، فسيفشل المشروع بكامله، وقد استمر استخدام المزايا الأساسية لطريقة روبلينغ في غزل الحبال من قبل شركة جون روبلينغ أند سنز (John Roebling and Sons Company) في بناء العديد من الجسور المعلقة المعلمية الطويلة المجازات، ومن ضمنها جسر جورج واشنطن وجسر غولدن غيت.

أصبحت الجسور الكونكريتية مرغوبة في القرن العشرين، وعند نهاية القرن كانت الجسور ذات المجازات الطويلة تصمّم وتُبنى [بهذه الطريقة]، وبالأخص عندما تكون الجسور فوق أعالي الوديان أو فوق مساحات واسعة من الماء، كان البنّاؤون بحاجة متزايدة إلى طرق إنشائية مبتكرة وأجهزة أشبه بالرافعات في عملية التركيب، وفي بعض الحالات، كانت الأجهزة عبارة عن هيكل كبير بحدّ ذاته، قوي وصلب بما فيه الكفاية لرفع ونقل أقسام كبيرة الحجم من الطريق من الكونكريت المسبق الصبّ عبر الفراغ، قبل أن يتم وضعها فوق ركيزتين متجاورتين، وفي خطط أخرى، غالباً ما تستخدم فيها رافعات مركبة فوق صنادل كبيرة، يتم إضافة أقسام قصيرة من قطع الجسر المسبق الصبّ بشكل متناوب على جانبي الركيزة بشكل متوازنٍ دائماً، وفي بعض الحالات تُمدُّ في جسور ناتئة لمئات الأقدام قبل أن تلتقي بممتدة ناتئة أخرى من الركيزة التالية. من الواضح أن تصميم خطط تفصيلية إنشائية كهذه لتكون آمنة من الفشل هي بدرجة أهمية تصميم الهيكل نفسه، والرافعات المتخصصة ضرورية لهذه العملية.

أكثر أنواع الرافعات ظهوراً ووقعاً في بناء الجسور والمباني العالية هذه الأيام هي الرافعة البرجية (Tower Crane) والتي تتكون من سارية عمودية عادة ما ترتفع من داخل، أو مباشرة من جانب، الهيكل الذي تخدمه، تعلوها ذراع أفقية دوّارة ملفتة للنظر يصاحبها كلّاب رفع يمكنه التنقل للوصول إلى أي نقطة ضمن دائرة المدى، وقد صنعت الرافعات البرجية الأولى في بدايات القرن العشرين؛ ويعود تاريخ الرافعات المتسلقة ذاتياً إلى منتصف القرن [العشرين].

يطلق أيضاً على الرافعات البرجية ذات الأذرع الأفقية لقب "هامرهيدز [رؤوس المطرقة]  (Hammerheads). وفي النموذج المتطوّر منها، والذي ترجع أصوله إلى أحواض بناء السفن والأحواض [الأخرى] في أوائل القرن العشرين، يجلس مشغل الرافعة في مقصورة قريبة من أعلى السارية وما بين ذراع المنفرج قطرياً ووزنها الثقيل المقابل وقد تكون [للمشغل] أو قد لا تكون له 360 – درجة رؤية للنشاطات التي تحته. ومع ذلك، وبواسطة استخدام التوجيه الراديوي، عند الضرورة، يمكن للمشغل ذي الخبرة أن يوصل حملاً من المواد ضمن إنشات قليلة من أي نقطة على مبنىً متصاعد. وأصبحت هياكل المكائن الثابتة (لكنها ليست ساكنة) مشاهد مألوفة في مشاريع البناء الضخمة حول العالم. هناك أيضاً رافعات برجية معروفة بـ "لفرز" (Luffers) لها ذراع قابلة للميلان نسبة إلى السارية، وتبدو هذه الرافعات من مسافة بعيدة كالرافعات الأرضية الزاحفة معشعشة فوق قاعدة هشة، واللفرز أكثر ملاءمة من الهامرهيدز للقيام بأعمال الرفع في مواقع البناء المحدودة الفراغ، كما هي الحال عادة في المدن الكثيفة السكان مثل نيويورك. ومهما كان الشكل التي تتخذه [الرافعات]، فإن عدد رافعات البناء التي تعلو مدينة، في أواخر القرن العشرين وأوائل القرن الحادي والعشرين مقياس لسلامة الاقتصاد والتنمية الصناعية، وبالأخص كانت هياكل الرافعات هامرهيدز ذات شكل T والمؤطّرة شبكياً، والتي بدت وكأنها تتوازن على هيكل ساقٍ عظمية واحدة وتظهر وكأنها تدور على أصبع قدم خفية كراقصة باليه (وتبدو أنها تنمو وكأنها تدفع حالها إلى أعلى من خلال قدراتها التمهيدية) وقد باتت شائعة لدرجة أثارت اهتمام العديد حول طريقة عملها – وكيف تفشل جميعها بشكل متكرر.

توجد العديد من الرافعات المعدة مبدئياً للفشل، ليس فقط هيكلياً، وكان المعتقد في وقت ما أن نسبة كبيرة من جميع رافعات البناء في العالم تعمل في الإمارات العربية المتحدة. في عام 2006، ادُّعي محلياً بأن في دبي لوحدها ما يقارب 2000 رافعة برجية قيد الاستخدام، وادّعى المبالغون أن ما يقارب 25% من مجمل رافعات العالم من جميع الأنواع البالغ عددها في العالم 125.000 رافعة، كانت تعمل هناك [في دبي]، إلّا أن مجهّزي الرافعات وضعوا رقماً أقل من ذلك بكثير. وقد أطلق أحد السواح على المدينة لقب "أرض الرافعات"، حيث تحتل أنواع رافعات الهامرهيدز بشكل مرئي سماء [المدينة]، كما تعوّدوا على ذلك. ووجودها رمزاً لدرجة من قوة الرفاهية والنمو التي عادة ما يبالغ السكان بها عن عمد. ومع ذلك، فكثرة رافعات البناء العاملة في دبي، مقترنة بتعليمات حكومية متراخية، وصيانة رديئة، ومشاكل تواصل بين قوة العمل المتعددة اللغات والثقافات، جعلت حصول الحوادث أمراً عادياً، لكن الإبلاغ عنها غير ذلك.

الجوانب الميكانيكية لبرج الهامرهيدز بسيطة نسبياً، وقسم السارية العمودي الذي يُثبّت عادة على قاعدة كونكريتية كبيرة، توفّر أساساً ثابتاً يتحمل وزن الرافعة وأي شيء تحمله. وتخدم السارية الهدف الواضح لرفع الذراع الأفقي للرافعة إلى ارتفاع كافٍ بعيداً عن ما يتم إنشاؤه في الأسفل، ويتكون العنصر الأفقي من جزئين أساسيين: الذراع الرئيسية، التي من خلالها يتمّ رفع الأحمال، والذراع المقابلة، لغرض مقابلة التوازن، وبالتالي إبقاء الرافعة ثابتة على قاعدتها، والذراعان المرتبطتان تدوران مع بعضهما حول السارية، حيث تكونان في استقامة دائمة. وتستخدم عند الضرورة الحبال أو قضبان الربط المرتبطة بقمة البرج للمساعدة في الحفاظ على استقامة وأُفقية الأذرع الطويلة. ولكي يرفع ويوضع أي حمل في أي مكان من موقع البناء تحت الرافعة، يدور مجمع الذراع حول المحور العمودي من خلال السارية، ويتم تحميل المثبتات والأوزان المقابلة على عربات تتحرّك داخلاً وخارجاً في استقامة طول الذراع.

تعتمد كمية المواد التي يمكن رفعها بواسطة الرافعة البرجية على المسافة ما بين محور البرج المثبت عليه الرافعة وموقع الحمل. فكلما كان الحمل بعيداً عن السارية الساندة كلما كان احتمال تغلّب الحمل على الرافعة أكبر، وهذا يعني أن سعة الرافعة البرجية ليست مجردة بل تعتمد بالأحرى على الموقع النسبي للحمل على ذراع حبل السحب، مقيساً من المحور العمودي للسارية، وفي علم الميكانيك، يعرف حاصل ضرب القوة بالمسافة بـ "عزم" القوة، و"العزم" في هذا السياق لا يُشير إلى لحظة من الوقت ولكن إلى قابلية القوة أن تحني أو تلوي أو تدوّر، أو تقلب الهيكل. (في نقطة المركز على السارية، فعزوم الحمل المنوي رفعه والأثقال المقابلة تُلغي، مثالياً، بعضها البعض؛ لذا لا توجد محصلة نهائية لميلان السارية). وإذا حاولت رافعة برجية أن تحمل شيئاً أثقل مرات عدة من سعتها، عندئذٍ قد يؤدّي عزم قوة الحمل المسلّط على حبل الرفع إلى اعوجاج الذراع، وسيقضي هذا بدوره على التوازن بين ذراع الحمل وذراع الوزن المقابل ويؤدّي إلى رفع الرافعة إلى حالة غير مستقرة، تؤدي إلى انقلابها. (لتحاشي حالة كهذه يتمّ تجهيز الرافعة البرجية الحديثة بنظام تفصيلي من السيطرات الحاسوبية يحتوي على فاصلات محدِّدة). وتحدّد السعة الرافعة للرافعة البرجية من خلال العزم الذي يمكن للذراع الرئيسي تحمله، وبالتالي فإن رفع رافعة بذراع رئيسي طوله 60 متراً 50 طناً مترياً لتلك المسافة يطلق عليها رافعة ذات 3000 طن – متر، وكلما كان الحمل قريباً من السارية، كلما كان من الممكن أن يكون أثقل، ولأن صنع معظم الرافعات الكبيرة يتم خارج الولايات المتحدة، فإن قياس نظام الطن المتري هو السائد في المواصفات.

عند حلول القرن الحادي والعشرين، كان من بين أكبر الرافعات البرجية في العالم تلك المصنوعة من قبل كرول كرونز (Kroll Crones) وهي شركة مقرها الدنمارك. أطلقت كرول على الرقم القياسي رافعات برجية K-10000، والرافعة القياسية من هذا النوع يمكنها رفع ما يعادل 120 طناً مترياً على بعد 82 متراً من مركز الرافعة (120 × 82 = 9840، أو ما يقارب 10.000 طن – متر، وبالتالي الاسم). والنوع ذو الذراع طويل من K-10000 يمكنه رفع وزن لغاية 94 طناً مترياً على بعد 100 متر، وهو ما يعادل بالوحدات الأميركية المتعارف عليها 104 مما يسمّى أطناناً قصيرة (Short Tons) على بعد 330 قدماً. بعبارة أخرى، فالذراع الحامل أطول من ملعب كرة القدم [أميركي]. وقد صنعت هذه الرافعات بكميات محدودة؛ ففي نهاية عام 2004، كان العدد 15 في جميع أنحاء العالم. في نفس الوقت قامت [شركة] كرول بتصنيع رافعة أكبر، هي الرافعة K-25000، التي كان سعرها 20 مليون دولار، ولكن لم يتم شراء واحدة منها لغاية 2011. ولكي يتم بالضرورة الحفاظ على توازن القوى الميكانيكي لمكائن عملاقة كهذه – والتي تعرف للمهندسين بالسكونيات (Statics) – وتدور رافعة مثل K-10000 حول برجها بشكل بطيء بحيث تستغرق دقيقتين ونصف لإكمال دورة واحدة، وهذا لا يلغي القوى المُسَرِّعة فحسب بل يُتيح وقتاً كافياً لرفع الحمل، وهي عملية تستمر بسرعة أقل من 20 قدماً في الدقيقة بالنسبة للحمولة القصوى ويمكن رفع حمولة أقل بسرعة قد تصل 10 أضعاف ذلك، ومع ذلك تستغرق دقائق معدودة، على الأقل، لرفع شيء ما إلى أعلى بناية عالية قيد الإنشاء.

لا توجد فوائد تذكر في أن تكون الرافعة أطول من الحاجات الآنية لموقع بناء – لكنها ستكون مخاطرة وبكلفة معتبرة –، لذا تنمو الرافعات البرجية بالطول عادة مع نمو المباني التي تحتها. فالمجمّع الأولي لرافعة برجية لموقع بناء عادة ما يتم بمساعدة رافعة أرضية متحركة، والتي تحدّد بالضرورة ارتفاع السارية كما في التركيب الأولي، وعندما يعلو المبنى من تحت الرافعة البرجية، يكون من الطبيعي الوصول إلى مرحلة تتطلب نمو السارية إلى ارتفاع كي تكون الرافعة فاعلة، ويحقّق العمال هذا "التسلق" (أو "القفز") للرافعة البرجية باستخدام مقابس هيدروليكية لفتح فجوة، ربما بمقدار، 20 قدم في السارية ثم إيلاج قسمٍ جديدٍ من السارية في الفراغ. وعندما يصبح القسم الجديد في مكانه، تستخدم المقابس الهيدروليكية لإنزال قمة البرج فوق القسم الجديد، حيث يتم تأمين ربطه بباقي السارية. (قد تعلو الأبراج الكبيرة جداً، مثل K-10000، رافعات خدمة، يمكن استخدامها في مثل هذه العمليات). ولأن الفواصل الأوتوماتيكية وأجهزة السلامة الأخرى تحدّ من تحميل الرافعة البرجية فوق طاقتها خلال الاستعمالات الاعتيادية، فإن العمليات الأكثر خطورة بالنسبة للرافعة البرجية هي تلك التي يتمّ فيها جعل الرافعة أطول أو أقصر.

 

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى