التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

جسر مينيابوليس . أمور قانونية

2014 لنسامح التصميم

هنري بيتروكسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة

أدّى فشل جسر سيلفر، في ويست فيرجينا عام 1967، إلى اعتماد ممارسات أكثر صرامة، من ضمنها فحص جسور الخط السريع الكبيرة، مثل مجازI-35W  في مينيابوليس، مرّة كل سنتين على الأقل، وكان جسر مينيابوليس، الذي كان في الحقيقة يفحص سنوياً خلال السبعة عشر سنة قبل انهياره، قد تجاوز التدقيق مرات عديدة خلال حياته، ومن الواضح أنه لم يستطع أحد أن يكتشف أو يُبلّغ عن خلل أو عطل يقلق ما فيه الكفاية لإغلاق الهيكل لحركة المرور. بعد الانهيار فقط تبين بشكل لا يقبل الشك أن المجاز كان يشكو من مشكلة. عند ذلك بدأت اختبارات التشريح على الانقاض القابعة، فوق، وبجوار نهر المسيسيبي، وبعد فترة، أزيل الحطام إلى موقع تحت سيطرة NTSB لاختبارات إضافية.

لكن حتى قبل نقل الحطام، تمّ اختبار الجسور الفولاذية بشكل أكثر دقّة مما يجب أن يتمّ اعتيادياً، وتمّ إغلاق بعضها كإجراء وقائي، وفي خلال أسبوع من الحادث، اكتشف استشاري لولاية مينيسوتا، تفحّص وثائق هندسية تعود لأربعين سنة خطأً محتملاً في تصميم الجسر. لقد شكك في أن الصفائح المجمعة (Gusset plates)، وهي الصفائح الفولاذية المسطحة ذات الشكل المتعدّد الإضلاع غير المنتظم والتي ترتبط بها أجزاء تشبه العارضة والعمود لتكوّن مفاصل الجملون، قد تمّ تحميلها بأكثر مما تتحمّل، وقد تبيّن أيضاً بشكل واضح قبل ذلك أن تجاوز الحمولة قد يكون سببه الوزن الذي يعادل ما يقارب 100 طن من الحصى، بالإضافة إلى معدات الإنشاء التي وضعت في أحد الممرات المغلقة، بانتظار استخدامها في عملية إعادة إكساء الجسر في الوقت الذي حدث فيه الانهيار، وهذا التحميل غير المتناسق، الذي تجاوز ما صمّم الجسر لتحمله، قد يكون السبب الذي أوصل الصفائح المجمعة – التي هي من دون التصميم المطلوب – لأقصى حدود مقاومتها، وقد توصلت NTSB في النهاية إلى استنتاج مشابه.        

في نفس الوقت، تعرقلت حركة المرور في مينيابوليس، في أقل تقدير، في غياب العبور الرئيسي لنهر ميسيسبي. وبرزت الحاجة الملحّة لجسر بديل، لكن الجسور لا تُبنى بين ليلة وضحاها، ولم يرغب المهندسون ولا المواطنون في رؤية اعتماد نفس (أو أي) تصميم خاطىء للجسر الجديد، لذا فإنتاج هيكل جديد يحتاج إلى وقت يصرف على التصميم، وكذلك على البناء نفسه، والطريقة الأكثر كفاءة كانت إيجاد شركة واحدة أو شراكة لتصميم وبناء الجسر، وبوجود ذلك في الذهن، قامت إدارة مينيسوتا للمواصلات فوراً بإعلان طلب عطاءات، وفي خلال عشرة أسابيع تقريباً من الانهيار تمّ منح عقد تصميم وبناء إلى شراكة أعمال متكونة من فلاتيرون كونستركتورز (Flatiron Constructors) من كولورادو، التي تصف نفسها كـ "أحد المقاولين القياديين في أميركا الشمالية"، ومانسون كونستركشن (Manson Construction) من فلوريدا، وهي شركة رائدة في البناء البحري، وقد وعد الفريق بتصميم وبناء جسر بديل يقاوم لمائة سنة. لكن شركات البناء لا تقوم كقاعدة بتصميم الجسور، لذا قامت فلاتيرون باتخاذ شركة تالاهاسي (Tallahassee) كشريك للتصميم الهيكلي الفعلي.

تم التسريع في عملية المنافسة، لكن العقد الذي يبدو أنه منح على أساس بعض المخططات والرسومات الفنية لم يمر من دون تحدّ. فلم تكن فلاتيرون – مانسون أرخص العطاءات، وشكّك اثنان من المشاركين المنافسين بقرار إدارة المواصلات، الذي وُصف من أحد القضاة بعد ذلك بأنه كان مغطى بسرية. وفي النهاية، مع ذلك، تمّت المصادقة على عملية العقد في المحاكم، وفي الحقيقة إن العطاءات لم تقيّم على أساس السعر فقط لكن في "طريقة القيمة الأفضل في الاختيار" حيث أُخذت بالاعتبار عوامل ذات علاقة بالجمالية وسمعة المقاول وسجل أدائه، وكان فيك، شريك فلاتيرون، معروفاً بتصاميمه المؤثّرة والتي تعتبر من البعض ذات طابع فني. (كان جسر ومرصد بينوبسكوت ناروز الذي أكمل مؤخّراً أحد تصاميم الشركة). وفلاتيرون، التي عملت مع فيك على جسور أخرى، مشابهة بالتصميم، لديها سجل راسخ في بناء هياكل مميزة. إضافة لذلك، أختصّ مانسون في الإنشاءات البحرية لذا كان لديها مختصّون للعمل بمعدّات طوّافة على مياه نهر المسيسيبي. لذا كان هناك احتمال عالٍ بأن الفريق الذي تمّ اختياره سينفذ ما تعهد به.

كان الجسر الذي انهار من النوع الفولاذي المتين وجملونه وصف كـ "حَرِجُ الكسر"، ويعني ذلك أنه إذا انكسرت قطعة مهمة من الفولاذ في المجمع، فقد ينهار الجسر برمته، وهذا النوع من التصميم لا يمكن اختياره للجسر الجديد – ولا أي جسر فولاذي من أي نوع. فتصميم فلاترون– فيك كان كونكريتيا من نوع العارضة الصندوقية المربعة، التي تشيّد بطريقة النتوء المتوازن، وهي طريقة في الإنشاء لفلاتيرون خبرة واسعة بها، وسيتمّ صبّ الأقسام المجوّفة من الجسر على الممرات الفارغة من [طريق] ما بين الولايات المغلق، ثم يتمّ نقلها بالشاحنات إلى الأسفل إلى حافة النهر، وتمّ تحميلها هناك على عبّارات نهرية، ثم رفقت بواسطة الرافعات إلى مستوى الجسر لوضعها هناك، وبعد رفعها إلى مكانها، كان يربط كل جزء جديد بقرينه باستخدام لاصق الإيبوكسي بين الأجزاء، ثم يسحب بشكل محكم بحبال فولاذية داخلية لتشدّ جميع الأجزاء ببعضها، وعلى عكس الحبال الساندة للجسر المعلق أو المثبّت بالحبل، فإن الحبال الداخلية لاحقة الشدّ لن تكون ظاهرة للعيان في الهيكل النهائي، والذي بدى أن له حمالات رشيقة قليلة التقوّس مدعومة بأعمدة جالسة على حافات النهر، والحقيقة أن الجسر البديل تكوَّن من هيكلين توأمين متوازيين، أحدهما يحمل حركة المرور المتجهة شمالاً والآخر تلك المتجهة جنوباً، واختير طول كل مجاز رئيسي ليكون 500 قدم أو أكثر بقليل، وهو ضمن حدود الخبرة المؤكدة.

أبرز تصميم وبناء الهيكل الجديد تحدّيات وضغوطاً تعدّت الأمور الفنية. فلقد كان قد تمّ توقيت المؤتمر الوطني للجمهوريين في مينيابوليس خلال سنة، لذا رغب حاكم مينيسوتا الجمهوري في أن يكون الجسر البديل أقرب ما يكون إلى الاكتمال عندئذٍ، وقد ساعد هذا على الدفع بتسريع البرنامج الزمني للتصميم والإنشاء، وهو ما حذّر منه عمدة مينيابوليس الديموقراطي وأعوانه السياسيون. إضافة لذلك، هناك جدال مستمرّ في منطقة المدينتين التوأمين، وفي عموم الولاية، بين الذين يدعمون بناء طرق إضافية وبين الذين يفضّلون تطوير مشاريع للنقل الجماعي، كنظام أشبه بخطّ سكك خفيف، ويقيناً كان هناك ضغط لإدخال نظام سكك خفيف في الجسر الحديد، وكان الحلّ الوسط هو الخروج بتصميم للجسر على الرغم من عدم احتوائه خطوطاً للسكك في الباية على أن لا يُستبعد احتواؤه ذلك في زمن ما في المستقبل.

قُدِّم التصميم الأساسي الذي ابتكره فيغ لممثلين عن المجتمع في لقاء تصميمي خاص (Charette) لعرض الحلول والرسوم الأولية بعد 16 يوم فقط من إحالة العقد، ولم يكن متوقّعاً من الناس العاديين أن يكون لهم قول في التصميم الفني للهيكل، لكن طُلب منهم المشاركة في اختيار بعض المزايا الجمالية والتزويقية والزينة، وقد قُدّم الجسر الجديد باعتباره "منحوتاً عملياً" يتضمّن مفاهيمياً موضوع "الأقواس – الماء –الانعكاس". فالقوس ربط الجسر بالهياكل التاريخية المجاورة ذات الأقواس الحقيقية، والماء، اعترافاً بأن الجسر سيكون فرق النهر؛ والانعكاس، لا يشير فقط إلى حقيقة أن صورة الجسر ستنعكس بشكل مقلوب في الماء بل ليستحضر الهيكل الدلالة التاريخية أيضاً – وهي الفشل – للجسر السابق، واهتداءً بالموضوع الثلاثي هذا، ساعد المشاركون في اللقاء التصميمي في اختيار شكل ركائز الجسر، ولونها، وطبيعة إضاءتها، والأسوار، والأكتاف الداعمة – وكل هذه الأشياء لا تؤثر في التصميم الهيكلي الأساسي، ولم يعجب الجميع التصميم المختار، الذي تخيّل أحد المواطنين أنه يعكس ما يمكن للناس في ستينات القرن الماضي "تصور ما يمكن للمستقبل أن يكون" وسمّوا الجسر "نظرة مرتدة إلى المستقبل"، واعترف عمدة مينيابوليس أنه ليس بـ "التصميم المبتكر"، وصرّحت سيدة أنه "كان من الأفضل تشييد جسر كالاترافا"، ويقصد بذلك المهندس المعماري الإسباني المولد الذي أصبحت بصمة تصاميمه الملفتة للنظر مرغوبة جداً. لكن الوقت كان سيد الموقف؛ فظروف حركة المرور كانت لا تطاق.

لقد سمح المخططون بإضافة بعض مزايا السلامة إلى الجسر، ذلك لأن بناءه جاء في أعقاب الانهيار الكبير. وتضمنت اعتبارات هندسية إضافية للجسر الجديد استخدام تكنولوجية "الجسر الذكي" (Smart Bridge). جميع الجسور تتحرّك: تهتز تحت عجلات السيارات والشاحنات العابرة؛ وأجسام الطرق تتوسّع عند ارتفاع درجة الحرارة وتتقلص عندما تنخفض؛ وتُجهد عند تراكم الثلج؛ وتميل في الريح؛ وتهتزّ عند حدوث زلزال، وسيكون باستطاعة الجسر الجديد القيام بكل ذلك، بالطبع، ولكنه سيختلف عن الجسر التقليدي لوجود أكثر من 300 مجسّة (Sensor) مطمورة في أجزائه الكونكريتية لتسجيل البيانات المجمعة وبثّها عبر الأسلاك الضوئية حول الحركات المتوقعة وأكثر، وتجمع البيانات وتحلّل في جامعة مينيسوتا المجاورة لتكوين الرؤية حول سلوك الهيكل الحقيقي في ظلّ ظروف تشغيلية فعلية، ولخدمة برامج البحوث ذات العلاقة، وتوفر بعض المجسّات أيضاً إنذارات مبكرة في حالة أي سلوك غير متوقّع لأيٍّ من عناصر الجسر، مما يوفر إضافةً لأساليب الفحوص التقليدية والإنذارات لحالة فشل قريب.

بالرغم من تعقيدات السياسة، ومشاركة المواطنين، والبناء خلال الشتاء، واستخدام التكنولوجيا الذكية، فقد تم إكمال الجسر الجديد بمدة أطول بقليل من أحد عشرة شهراً، وقد افتتح الجسر الجديد للمرور فعلياً في 18 أيلول/ سبتمبر 2008 – بعد انتهاء مؤتمر الحزب بقليل، ولكن قبل ثلاثة أشهر من الموعد حسب الجدول الزمني، وقد سمي رسمياً جسر سانت أنتوني فولز (St. Anthony Falls)  تيمّناً بالشلالات الطبيعية القريبة من الهيكل في أعالي النهر، وقد وضع نصب تجريدي طوله 30 قدماً في الخط المنصف للجسر، في كلتا النهايتين يخبران الساقة أنهم مقدمون على عبور نهري مميّز. تتكوّن هذه البوابات المبتكرة من ثلاثة أعمدة مموجة متقاربة تمثّل "ترجمة عمودية" للرمز الكوني للماء". صُبّت باستخدام خليط خاص من الكونكريت الذي يتفاعل مع الملوثات الجوية لمنعها من تلطيخ الهيكل. لذا كان من المتوقّع أن تحافظ البوابتان على لونهما الأبيض الناصع من دون الحاجة إلى صيانة خاصة.

في هذه الأثناء عندما كان الجسر يصمّم ويُبنى، قام المهندسون القضائيون بتحليل وتفكيك طبيعة وبقايا [الجسر]، وتضمّنت النظريات المبكرة حول سبب الفشل موضوع التآكل وتعب المعدن الإجهادي، لكن النظرية التي عادت لها NTSB بشكل متكرّر هي نظرية التصميم غير المناسب للصفائح المجمعة (Gusset Plates). فقد وُجد أن سمك عدد من الصفائح كان نصف ما يجب، لكن ذلك لوحده قد لا يكون سبباً كافياً لفشل الجسر، ذلك لأنه دام أربعة عقود بوجود نفس هذه الصفائح الرقيقة. فوجود شيء ما في التصميم أدنى من المطلوب (Underdesign) لا يعني أنه لا يؤدي الواجب؛ فهذا يعتمد على كِبر معامل الأمان المستخدم في المقام الأول. فعلى سبيل المثال، لو أن الهيكل قد صُمم بمعامل أمان 3 لجميع أجزائه، ثم بُني باستخدام قطعة حرجة من الهيكل بنصف قوة ما يجب أن تكون، عندئذٍ سيصبح معامل الأمان لتلك القطعة 1.5 [بدلاً من 3]. بعبارة أخرى كان لا يزال بمقدور الهيكل تحمّل 50% أكبر من الحمل المُصمّم.

أدركت NTSB ذلك من دون شك، لأن التقرير النهائي للمجلس الذي شخّص الصفائح المجمعة كونها من ضمن التصميم أنه السبب الأكثر احتمالاً للفشل، ذكر أيضاً عاملاً مساعداً هو الوزن المشترك للحصى ومعدّات الإنشاء التي كانت واقفة على الجسر في وقت انهياره. هذا بالإضافة إلى الوزن الذي أضيف إلى الجسر من خلال تحسينات لجسم الطريق، بالإضافة إلى زحمة السير ساعة الذروة في وقت الانهيار، التي حمّلت الهيكل، ببساطة، أكثر مما كان يمكن أن يتحمّله، والحلقة الضعيفة كانت الصفائح المجمعة التي كانت أرقّ وبالتالي أضعف مما يجب أن تكون.

لم يكن مثل هذا السيناريو غير مسبوق في تاريخ الجسور. لنستعيد حالة الجملونات الشبكية لجسر دي التي انهارت في 1847. فالجسر كان يحمل قاطرات السكك بشكل آمن، لكن كان هناك قلق أن الجمرة المتوهّجة من قاطرة عابرة قد تكون قد سقطت على الجوانب الخشبية وأشعلت النار، ولتحاشي مثل هذه الحالة من الفشل، أضيفت طبقة سميكة من الحصى إلى أرضية السكك، وقد وقع الانهيار عند مرور أول قطار على الجسر بعد أن تمّ فرش الطبقة السميكة من الحصى [على أرضية السكك]. ومن المؤكّد أنه كان بإمكان الهيكل تحمّل وزن الحصى الإضافي أو القطار العابر، ولكن ليس كليهما معاً، لذا فقد فشل، وبالرغم من وجود تشابه واضح مع جسر مينيابوليس، لكن الجسر لم ينهار تحت أول موجة من موجات حركة المرور التي استخدمته بعد وضع معدات الإنشاء والمواد عليه. فقد كانت هناك عوامل أخرى مساهمة، وهذا أحد الأسباب لاستمرار النقاش والدراسات حول الفشل.

على الرغم من اقتناع البعض بنظرية الحمولة الزائدة للحصى التي يمكن أن تفسّر انهيار جسر مينيابوليس بعد 160 عاماً على [جسر] دي، فإن بعض المهندسين لم يكونوا مقتنعين. وتحقيق مستقل عن NTSB – التي ركزت تحقيقاته على الصفائح المجمّعة وحركة المرور وحمولات البناء فقط – فقد ركّز على عامل التآكل أيضاً. فبما أن مجازات الجسر تتمدّد وتتقلّص طولاً عندما تسخن أو تبرد، فمن الضروري أن يتضمّن التصميم بعض الوسائل القادرة على السماح لمثل هذا التحرّك، وتكون هذه الوسائل على شكل مفاصل توسع (Expansion Joints) بتركيبات تشبه الأمشاط المتداخلة، تتحمّل المرور بشكل سلس نسبياً فوق هذه الفجوات التي تكون أوسع في الشتاء مما هي في الصيف – والتي تكون مسموعة عند ضغط وارتداد الإطارات عليها. وسيلة أخرى لاستيعاب التغيّر هو المسند المتدحرج أو الهزاز (Roller or Rocker Bearing)، الذي يسمح لنهاية واحدة من الجسر للتحرّك بحرية مسافة قصيرة فوق الركيزة، لكي لا يقوم الهيكل بسحب [الركيزة] عند فترات التقلّص ولا يدفعها في فترات التمدّد، ويُصمِّم المسند أيضاً لمنع الارتباط بالركيزة من إبداء أية مقاومة للتوسّع والتقلص لمجازات الجسر. لكن يمكن أن يتآكل المسند إلى درجة تصبح حركته غير حرّة، عندئذٍ قد يمزق الجسر حاله فعلاً.

كان يوم 1 آب/ أغسطس يوماً حاراً جداً في مينيابوليس، لذا كان التمدّد الحراري قد جعل طول الجملون الفولاذي الساند لمتن جسرI-35W  قريباً جداً إن لم يكن مساوياً لطوله الأقصى. ولكن إذا كانت مسانده المتدحرجة متآكلة إلى درجة التصلّب، فهذا يعني أن الجملون لن يسمح له بالتوسّع بحرية، وهذا سيولّد إجهادات ضاغطة لأجزاء أساسية [حاكمة] من الجملون، وبما أن الجسر احتوى أيضاً على الصفائح المجمعة الرقيقة، بعضها قد يكون قد انحنى بسبب ظروف تحميل سابقة في ظروف حرارة عالية وبالتالي شكلّت بذلك مفاصل ضعيفة في الهيكل، تكون سمحت بحركة جانبية قد تكون قد خرجت عن السيطرة. لذا فتراكب المساند المتآكلة، وانحناء الصفائح المجمعة، ودرجات الحرارة العالية، وجسم الطريق المحمل أكثر من طاقته قد تكون كلها عوامل تسبّبت بفشل بعض أجزاء الجملون بالانبعاج (Buckling) وبالتالي عجّل الانهيارk وكان ذلك ضمن الحجج التي كان من المتوقّع أن يطرحها المحامون الممثّلون لعوائل الضحايا الذين أكدوا أن المصممين ليسوا الوحيدين المسؤولين بل الشركة الهندسية المسؤولة عن فحص الجسر والشركة الإنشائية التي أوقفت شاحناتها وموادها على الجسر فهم مسؤولون جميعاً عن المأساة، والضحايا لا يطالبون في النهاية بالأضرار الفعلية فقط من الشركات بل بالأضرار العقابية أيضاً باعتبار أنها مسؤولة في النهاية عن الانهيار.

مهما كانت تفاصيل الفشل، ففي عام 2008 أسست مينيسوتا صندوقاً لتعويض ضحايا انهيار الجسر إن وافق الضحايا على عدم مقاضاة الولاية، وفي محاولة لاستعادة المبالغ التي دفعت كتعويضات للصندوق، أقامت مينيسوتا لاحقاً دعاوي قضائية خاصة بها، ضدّ خليفة الشركة الهندسية التي صممت الجسر، مدّعية أن الصفائح المجمعة لم يكن حجمها مناسباً، وضدّ المقاول الذي وضع المواد والمعدّات الثقيلة على الجسر، مدعية إن إدارة المواصلات لم تُشعر بذلك الإجراء، وهما نفس الشركتين اللتين قاضتهما عوائل الضحايا بشكل مستقل. مع ذلك، ولحين صيف 2009، لم تكن الولاية قد شرعت بدعواها ضدّ الشركة التي قامت بدور الاستشاري الهندسي لفحص الجسر، وهو أمر محيّر للمراقبين، حيث لوحظ أن محامو الضحايا كانوا قد اتهموا الشركة بالإهمال، لمضي ثلاث سنوات  قبل الانهيار "لم تقم [الشركة] أثناءها بشيء لمعالجة المشاكل المعروفة في الجسر"، وبالتالي كان لها دور "كبير" في الفشل.

في جهودها المبذولة لتعويض الضحايا والإسراع في بناء الجسر البديل، قامت ولاية مبينسوتا إثر الانهيار بدفع 37 مليون دولار، وبعد ذلك، قامت بمقاضاة الشركة التي كانت مسؤولة عن فحص الهيكل. لكن خليفة شركة التصميم بدت وكأن لديها القدرة الأكبر على التعريض. التصميم الأصلي لمعبر نهر المسيسيبي كان قد نُفذ من قبل شركة سفردرب وبارسل أسوشيايتس (Sverdrup and Parcel Associates) وكانت خليفاتها قد تمّ الاستحواذ عليها عام 1999 من قبل جايكوبز إنجنيرنغ غروب (Jacobs Engineering Group). وجادل محامو جايكوبز في البداية إن موكلهم غير مسؤول لأن أعمال التصميم قد تمّت قبل أربعين سنة من الحادث، وقانون مينيسوتا يقضي بأن تقدّم طلبات التعويض عن الأضرار خلال عشر سنوات من الضرر وبعد سنتين من اكتشافه كحدٍّ أقصى. مع ذلك، رفض القاضي هذه الحجة، قائلاً إن الدعوى ضد جايكوبز هي لاسترداد أموال قامت الولاية بدفعها للضحايا، وهو إجراء قد تمّ ضمن حدود السنتين، وقد ورثت جايكوبز، في الواقع، هذه المسؤولية لأخطاء تصميم مزعومة تمت عقوداً قبل أن يتم الاستحواذ على شركة التصميم الأصلية، وبعد سنتين من الفشل، كان هناك 121 قضية معلقة، وبالرغم من أن هذه القضايا قد تمّت جدولتها في المحاكم لبداية عام 2011، فمن المتوقّع أنه سيكون هناك "إجراءات قانونية طويلة لهذا الفشل عقب ذلك".

كما هو الحال عادة إثر فشل هيكلي، فالنظريات التي توضح ما حصل لجسر مينيابوليس مستمرة بالتزايد حتى بعد تقدّم الدعاوي القانونية من خلال النظام القضائي، وقد لاحظ أحد رؤساء المهندسين السابقين من شركة للإنشاءات شيئاً غريباً في صورة ظهرت على الإنترنت بعد ساعات قليلة من الانهيار. وبحسب المهندس تُبيّن صورة الجسر المنهار جسمَ الطريق منكسراً كليّاً والجملون الفولاذي الذي كان في وقت ما فوقه قد تشوّه بشكل سيىء وما لفت نظره هو جزء غير مطلي من الحافة الفوقية (Top Flange) لقطعة من الجزء العلوي من الجملون، وعلم أنها هي الحافة الفوقية بسبب خبرته الإنشائية التي علمته أن هذه القطعة جزء من الفولاذ الذي كان مطموراً في كونكريت جسم الطريق قبل أن يتمّ طلاء الجملون في الموقع، ويعلم هذا المهندس أيضاً أن الحافة الفوقية لعارض فولاذي يحتوي على مسامير (Studs) ملحومة، لكي تتماسك مع الكونكريت عند صبه ولمنع الكونكريت والفولاذ من التحرك بشكل مقصّي (Shearing Motion) نسبة لبعضها، وبالتالي تقوم المواد بدعم بعضها لتجعل الهيكل أكثر صلابة.

في الصورة، لم تُكتشف مسامير مقصية مرئية على الجزء غير المطّلي، ولا توجد دلالات أنها استخدمت أصلاً. وعلِم المهندس، أيضاً من خبرته، أنه إذا لم يتم لِحام المسامير المقصية مباشرة على الحافة، كان يجب لحامها خلال الأجزاء المعدنية المستخدمة في الكونكريت، وفي كلتا الممارستين، فإن اختبار المسامير كان يجب أن يتم من خلال الطرق على كل واحد منهم بالمطرقة. فالمسمار المرسّى بشكل صلب إما سيرن أو ينثني تحت ضربة المطرقة. فإن كانت هناك مسامير مرتبطة بالحافة الفولاذية لجسر مينيابوليس، فقد كان يجب أن تنكسر بشكل مقصي عندما سقط الجسر. ولكن لم تظهر على الجزء غير المطلي للحافة الفوقية في الصورة أية إشارة لفشل مقصي أو دليل لعلامات حروق من أثر العملية، وفي غياب مثل هذه العلامات، استنتج المهندس بأنه لم يكن هناك أية روابط مقصية على ذلك الجزء من الجسر، وهذا الحذف قد ساعد على الأقل لحدوث الفشل.

الصعوبة في التقريب بين نظريات متنافسة حول فشل الهيكل يعود بشكل كبير لحقيقة إن هذه، بكلمات دقيقة هي هكذا – [أي عبارة عن] نظريات. وكما الفرضيات العلمية، يجب أن تختبر لاكتشاف إن كان أي منها صحيحاً. وللأسف، عندما ينهار هيكل، فواضح أنه لم يكون متوفّراً في حالة ما قبل الانهيار لاختبار أي فرضية بشكل صارم، أما إعادة بناء هيكل منهار إلى حالته قبل الانهيار لاختباره تحت ظروف تؤدّي إلى الفشل فهو أمر شبه مستحيل، كون أجزائه قد اعوجّت، أو انكسرت، أو التوت، أو فقدت، واستخدام مواد جديدة لإعادة بناء الهيكل يجعل أي اختبار عرضة للانتقاد لأنه ليس بالهيكل المشابه [للهيكل] الذي فشل والنماذج (الحقيقية والحاسوبية) يمكن ابتداعها وبناؤها، لكن نماذج الاختبار عرضة للانتقاد كونها نماذج فقط، وليست شيئاً حقيقياً. عندما تنشر NTSB تقريراً، فهي تؤشر عادة إلى "السبب الأكثر احتمالاً "للحادث، والكلمات هي اعتراف أن الفحص العلمي الصارم للفرضية أن الحالة أ  أدت إلى انهيار ب لا يحتمل أن يتحقّق. تحليلات الفشل لحطام هيكل قد توفر تصريحات مقنعة إلى حد، وفي بعض الحالات، [تصريحات] مؤكدة إلى حد كبير عن سبب الفشل، ولكن مرّة أخرى، لأن ليس بالإمكان اختبارها، فالتصريحات هي عبارة عن فرضيات غير مؤكدة عموماً، واستثناءً من ذلك أجسام طرق حياة ريجنسي في مدينة كنساس التي انهارت عام 1981، حيث تبين أن هناك دليل عيني قاطع تقريباً متدلّياً من السقف بأن العارضات المربعة المحملة فوق حدودها قد سحبت عبر الفلكات والبراشم للقضبان المعلقة، وتفاصيل الهيكل كانت بسيطة بما فيه الكفاية وصريحة بالنسبة للمحققين ليصلوا أساسياً إلى استنتاجات حصينة عن الحالة. تتضمّن معظم الانهيارات الهيكلية أنظمة أكثر تعقيداً وعوامل مترابطة، تسمح بطبيعتها لعدد كبير من النظريات المحتملة. الجدل القانوني حول أسباب الفشل تعتمد بشكل كبير على شهادات الخبراء حول سيناريوهات الفشل المفترضة، وقد يقتنع القاضي والمحلفون في قضية ما بفرضية معينة من دون أخرى، لكن القرار القانوني لا يوفر إثباتاً علمياً بأن فرضية معينة أكثر صحة من أخرى، فالجدل القانوني ليس إثباتاً علمياً أو هندسياً.

بالرغم من أن السبب الحقيقي لفشل هيكلي معيّن قد لا يُعرف بيقين علمي أو هندسي كافٍ، فالمنطق والتسبيبات المتضمنة في تحليل فشل متأنٍ توفر دروساً ثمينة لتحسين تصيمم هياكل المستقبل. فسيناريو فرضية معينة لفشل حقيقي قد لا يكون سبباً مؤكداً للفشل الحقيقي، لكنه يمكن أن يكون سبباً لفشل في المستقبل في هيكل مختلف، وإدخال هذا السيناريو المحتمل في عملية التصميم هي طريقة لتحاشي ذلك الفشل المخيف. تحليل الفشل لانهيارات الهياكل هي وسيلة لتعلم كيف نصمم هياكل أفضل في المستقبل، كما هي لفهم لماذا فشل شيء ما في الماضي.

ما وُصف أنه "آخر جزء رئيسي من الادّعاء الذي قدّم من قِبل الضحايا" لانهيار جسر مينيابوليس قد تمت تسويته بعد ثلاث سنوات من الحادث، وقد طالب أكثر من 100 شخص شركة يو. آر. إس كوربورايشن (URS Corporation) التي اعتمدتها [ولاية] مينيسوتا كاستشاريين للقيام بفحص هيكل الجسر، لم تكتشف إشارات التحذير بأن الجسر غير آمن، وفي الدفاع، جادلت يو. آر. إس أنها لم تُبلغ عن أي نقاط ضعف في تصميم الهيكل ولذا لم تستطع مراقبتها، وبدلاً من أن تقحم نفسها في ادعاءات طويلة ومكلفة، وافقت الشركة على تسوية القضية، على الرغم من اقتناعها بعدم اقترافها أي خطأ، وقد بلغت التسوية ما يقارب 50 مليون دولار، 1.5 مليون خُصِّص منها لبناء نصب تذكاري للذين قضوا في الانهيار، ولغرض استرجاع بعض كلف التسوية، قامت يو. آر. إي. وولاية مينيسونا بالاستمرار في متابعة استحقاقاتهم ضد جايكوبز أنجنيرنغ.

بغضّ النظر عمّا ترشح داخل وخارج قاعة المحكمة، فإن فشل جسرI-35W  قد أصبح جزءاً لا ينفصم عن الخبرة في عبور نهر المسيسيبي في مينيابوليس. فالجملون الصدئ الذي انهار كان يمكن استبداله بمجاز نظيف أبيض من الكونكريت، لكن قليلاً من الذين سيعبرون الجسر الجديد – سواء المنتقلين يومياً للعمل والبيت أو الذاهبين في إجازاتهم في طريقهم من دالاس إلى دولوث – سيقومون بذلك من دون أن يتذكروا – من خلال البوابات المتموجة في حالة الضرورة – ما حدث في ذلك الموقع في 1 آب/ أغسطس 2007. لكن على هؤلاء السائقين والركاب أن يدركوا أيضاً أن ما حصل في يوم حار في آب/ أغسطس هو نادر بقدر ما هو نادر [أن يمر] شهر آذار/ مارس في مينيسوتا من دون ثلوج. فالجسر الذي سقط كان يحمل 140.000 مركبة يومياً – وربما 200.000 شخص في اليوم، وفي السنوات الأربعين التي كان فيها الجسر القديم قائماً، ربما عبره أكثر من مليار شخص، وأرقام كبيرة كهذه لا تقلّل من المأساة التي أصابت الضحايا من الذين ماتوا أو أصيبوا في الحادث، لكنها يجب أن تطمئننا بأن حوادث كهذه بالحقيقة نادرة، ومن المتوقع أن تكون أكثر ندرة في التصاميم الجديدة للجسور، خاصة تلك التي أحدثت إثر حالات الفشل.

ليست الجسور، بالطبع، هي الأشياء الوحيدة التي تفشل في ظلّ ظروف تدعى تلطيفياً بالحوادث. فالطائرات والسفن والسيارات تتعرض جميعها لحوادث، وحالات الفشل في بعض الأحيان هيكلية، عندما، على سبيل المثال، يسقط جناح أو ذيل لطائرة لتترك من دون دفع كافٍ أو وسيلة للسيطرة، أو عندما تنكسر سفينة فجأة إلى نصفين، كما حصل لبعض سفن لبيرتي خلال الحرب العالمية الثانية، أو عندما ينفجر دولاب سيارة وهي تسير بسرعة، ما يؤدّي إلى فقدان السائق السيطرة وقد تنقلب السيارة. لكن هذه الحالات من الفشل هي حالات أجهزة مادية (Hardware) ونستطيع أن نتخلّص منها أو نقلّل من خطورتها من خلال فهم أفضل للمواد المستخدمة، وتطوير تصميم أكثر متانة، وباهتمام أكبر بصيانة وتصليح الهيكل، وحالات فشل أخرى مرتبطة بالبرمجيات والطريقة التي تتفاعل فيها عناصر النظام مع بعضها، وهذه الحالات قد تسمّى حوادث أو قد لا تسمّى، اعتماداً على وجهات النظر، والفصل القادم يتحرّى عن بعض الجوانب اللينة [البرمجية] للفشل.

 

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى