الرياضيات والهندسة

معجزة وليست بالمعجزة

2000 الرياضيات والشكل الأمثل

ستيفان هيلدبرانت و انتوني ترومبا

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الرياضيات والهندسة الهندسة

لما كان الكون بأسره بأكمل صورة ممكنة،

ومن تصميم خالقٍ حكيمٍ، فلن يحدث شيء في العالم كله

 ليس فيه قاعدة قيمٍ عظمى أو قيم صغرى."

                                                          ليونارد أولر

 

لاحظ العبارة  WONDER EN IS GHEEN WONDER، التي معناها "معجزة وليست بالمعجزة"، في الشعار الذي يزين الصفحة المقابلة. وقد ظهر هذا الشعار على صفحة عنوان كتاب ألفه المهندس الهولندي.S.>ستيڤن Stevin (1548-1620) <مشيراً إلى حله الشهير لمسألة ميكانيكية قديمة.

لقد أراد ستيڤن أن يعرف مقدار الشد اللازم لإبقاء ثقل موضوع على مستو مائل في حالة توازن (انظر الإيضاح في أعلى الصفحة التالية).من الواضح أننا لا نحتاج إلى أي قوة إذا كان المستوي أفقيًا لأن المستوي إذ ذاك يحمل الثقل، وأن أكبر شد نحتاج إليه يحدث حين يكون المستوي   رأسيا (شاقوليًا). وهكذا فأن هاتين الحالتين قصويان (حديتان)، أما الحالة العامة فتقع بينهما؛ حيث تكون قوة الشد اللازمة لموازنة الثقل تابعة لزاوية ميل المستوي على الأفق.

ترى. ما القاعدة الدقيقة لذلك؟ لقد وجد ستيڤن الإجابة بمعالجته مسألة أعمَّ قليلاً. فقد أخذ موشورًا prism ارتفاعه h وقاعدته مستندة إلى الأرض، التي تفترض أفقية تماماً. لنفترض أن للموشور مقطعاً عرضياً مثلثياً ABC

 

(انظر الشكل في أسفل اليمين). وأن وجهيه المستويين P1 و P2 يصنعان زاويتين 1  و 2  على الترتيب مع الأرض الأفقية. عندئذ إذا كان لدينا ثقلان  m1 وm2  يستندان إلى p1 وp2  على الترتيب. فإن الشرط اللازم والكافي كي يوازن هذان الثقلان كل منهما الآخر هو أن تتحقق العلاقة:

   =   (sin⁡α 2)/sin⁡α1  = m1/m2

وهذا هو قانون المستوي المائل الذي يظهر برهانة على شعار ستيڤن.

لنورد الآن المحاكمة العقلية التي أجراها ستيڤن. لنأخذ سلسلة مغلقة ثخانتها وكثافتها منتظمتان وتحيط بالموشو. عندئذ يقول ستيڤن إن هذه السلسلة إما أن تكون في حالة توازن وإما أن تكون متحركة.

فإذا كانت متحركة، فيجب أن تبقى متحركة على نحو دائم لغياب أي سبب يمنعها من الحركة، ولما كان هذا أمراً مستحيل الحدوث كما فكر ستيڤن، فإنه يتعين على السلسلة الواقع تحت الضلع AB سيكون متوازناً أيضاً إذ إنه يتدلى بحرية دون أن يدعمه شيء. لذا فإن القسمين العلويين AC و BC من السلسلة يوازن أحدهما الآخر. ونظراً إلى أن ثقليهما m1 وm2 متناسبان مع المسافتين AC و BC، فيجب أن تتحقق المساواة

 =       (AC )/BC =    m1/m2

ومن ناحية أخرى، يمكننا أن نجد بالنظر إلى الشكل السفلي الأيمن أن

وإذا استعضنا الآن عن الجزأين AC و BC من السلسلة بالثقلين m1 و m2، فإن كلاً منهما سيوازن الآخر.

إن برهن ستيڤن هذا رائع حقاً، إذ إنه يرد مسألة صعبة إلى دعوى واضحة تقريباً، وتجدر الإشارة إلى أن خط تفكيره يسير دائماً وفق ما كان يتبعه أرخميدس. ففي واقع الأمر كان ستيڤن من الأوائل، منذ العصور القديمة، الذين قرأوا واستوعبوا بحوث أرخميدس في علم السكون statics  وعلم هندسة الموائع (الهيدروليك)  hydraulics، وكان عمله الأساسي يكمن في معالجة أفكار أرخميدس بأسلوبٍ معاصرٍ.

هذا، ولم يصلنا من إسهامات أرخميدس في علم الميكانيك سوى عملين عنوانهما حول الأجسام الطافية On Floating Bodies و حول توازن المستويات ومراكز ثقل الأشكال المستوية On     the Equilibrium of Planes or Centers of Gravity of Plane Figures.  وقد نشرا لأول مرة عام 1543 من قبل عالم الرياضيات الإيطالي  .N>تارتالي<Tartaglia (1557-1506)، وكان ذلك في وقت ملائم تماماً لستيڤن. وفي العمل الثاني. غادر أخميدس مملكة الرياضيات البحتة إلى مملكة العلوم التطبيقية.

 وقد توصل إلى نظرية في توازن التشكيلات الميكانيكية تستند إلى سبع موضوعات (مسلمات) axioms  وضعها في البداية تماماً، معالجاً بهذه الطريقة علم الميكانيك وبالنهج نفسه الذي سار عليه إقليدس لدى معالجته علم الهندسة. لذا فإنه كان أول من رسخ نظرية رياضياتية لفرع من علم الفيزياء، وهو إنجاز كانت له أهمية كبيرة في تطوير العلم فيما بعد.

لقد تناول أرخميدس في كتاب التوازن الرافعة lever التي تنتمي إلى الآلات البسيطة المستعملة في العصور القديمة، ومن هذه الآلات أيضاً الإسفين wedge المستوى المائل والمحدلة roller والبكرة. (وقد مكنت الآلات الحضارات القديمة من إقامة منشآت رائعة مثل الأهرامات في مصر والهياكل اليونانية وقنوات المياه الرومانية).

واستعمل أرخميدس بصورة تلقائية مفهوم مركز الثقل، إلا أنه لم يقدم قط تعريفاً واضحاً لهذه الفكرة(1). وتجدر الإشارة إلى أن پاپوس الإسكندري Pappus of Alexandria أورد عام 340 ب.م الشرح التالي (الذي يصح قطعاً في حال الأجسام المحدبة  convex، على الرغم من كونه غير مرضٍ في الحالة العامة):

مركز ثقل جسم ما هو نقطة من الجسم بحيث يبقى ساكناً إذا علق من هذه النقطة ويحافظ على وضعه الأصلي.

وانطلاقاً من هذه الفكرة، فإن علماء من أمثال ستيڤن وكاليليو بدأوا من جديد، بعد مرور نحو 1800 سنة على وفاة أرخميدس، ببناء نظرية في علم السكون، أي في توازن الأنظمة الميكانيكية المعدة. بيد أنه علينا ألا نفترض أنه خلال هذه القرون الثمانية عشر لم تكن هناك معارف ميكانيكية جديدة، بل على العكس من ذلك، إذ إن المهندسين المعمارين الرومانيين أدخلو مفاهيم جديدة، كالأقواس والقناطر التي كانت دون ريب تتطلب فهماً عميقاً لمبادئ علم السكون، وعلى الرغم من أن الأقواس والقناطر كانت قد استعملت في حضارات سابقة أخرى، فإن الرومان كانوا هم الذين رقوا بها إلى مرتبة الكمال.

إن أحد المباني الرائعة في روما القديمة هو الپانتيون Pantheon الذي شيد منذ زهاء 1900 سنة، وقد أنشئ هذا البناء أصلاً كهيكل لعبادة آلهة الكواكب السبعة، لكنه أصبح فيما بعد كنيسة للقديسة >ماريا روتوندا<. ويتألف الرواق الرئيسي للپانتيون من أسطوانة دائرية تعلوها قبة قطرها نحو 140 قدماً له دعاماتها الخاصة بها، ومصنوعة من نوع معين من الاسمنت، هذا ولم يجر إنشاء قبة ذات قطر أكبر، إلا بحلول عام 1890.

(1)هناك تكهنات عديدة حول السبب في عدم تعريف أرخميدس ما كان يعنيه"بمركز الثقل". ويفترض بعض الباحثة أن مفهوم قد عرف سابقاً إما من قبل علماء سابقين لأرخميدس وإما من قبل أرخميدس في أحد بحوثه المفقودة. ولم تسو هذه المشكلة بعد، بيد أنه يتعين علينا القبول بأن أرخميدس كان يفترض أن قراء كتابه يعرفون ما يعنيه مصطلح "مركز الثقل".

توازن كتلة مستطيله الشكل: (A) وضع مستقر؛ (B) وضع مستقر نسبياً (أي إنه مستقر ما دامت الكتلة تخضع لإزاحات صغيرة بقدرٍ كافٍ)؛ (C) وضع غير توازي ؛ (D) توازن غير مستقر؛ (E) توازن مستقر آخر.

ويمكن التمتع بمنظر الأقواس الرومانية في قنوات جر المياه، الموجودة في معظم البلدان التي كانت تحت الحكم الروماني, وكان الغرض من هذه المنشآت، وما زال، هو جر المياه من الجبال إلى المدن، وقد أحب الرومان المياه، واستعملوها بإسراف في النوافير والحمامات العامة والمنازل الخاصة، وحتى في أيامنا هذه، فإن مدينة روما تحوي كميات من المياه تفوق في وفرتها كميات المياه في أي مدينة أخرى في العالم، ونوافيرها الرائعة ليس لها مثيل في ضخامتها وجمالها. وإنه لأمر مدهش حقاً معرفة أن طول بعض قنوات جر المياه الأربع عشرة إلى مدينة روما القديمة يبلغ 100 كيلومتر تقريباً. كما أن العدد القليل الباقي منها والصالح للاستعمال يكفي لتزويد مدينة روما الحالية بكل ما تحتاج إليه من المياه.

ويحتمل أن تكون المباني التي شيدت في أوروبا خلال العصور الوسطى أدعى إلى الإعجاب والدهشة من الصروح الرومانية. فبابتكار القوس المسنن، الذي يستند إلى القطع الناقص، برز مبدأ جديد في التصميم طبق في إنشاء الكاتدرائيات القوطية gothic البديعة.

وحين باتت أفكار أرخميدس معروفة على نطاق واسع في إيطاليا خلال عصر النهضة، أبدى كاليليو وغيره من العلماء، وبخاصة .E>توريشيلي< Torricelli (1647-1608)، اهتماماً كبيراً بمفهوم أرخميدس لمركز كتلة barycenter نظام ميكانيكي. وقد نصوا على المبدأ بأن مثل هذا النظام سيكون متوازناً (توازناً مستقراً) إذا كان مركز كتلته في أخفض وضع ممكن تبعاً لتشكل النظام.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى