التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

أمثلة و فرضيات للتصاميم هياكل الهندسية . لنسامح التصميم تفهم الفشل

2014 لنسامح التصميم

هنري بيتروكسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة

في بعض الحالات قد تسبق حالة الفشل ظروفاً قد تستدعي الانتباه. فقبل سقوط جسر دي، تم إضافة طبقة من الحصى سمكها 5 إنشات إلى الطريق لمنع الجمر الناتج من القاطرات من الوصول إلى السطح الخشبي للجسر مما قد يسبّب حريقاً فيه، وإضافة وزن طبقة الحصى إلى الجسر قاد إلى الفرضية أن وزن القطار هو السبب في كسر ظهر العارضات التي تشبه ظهر الجمل، والفرضية الأخرى تقول إن الألواح الخشبية المسنودة بواسطة الحافات الداخلية للعارضات المصنوعة من الحديد المسبوك ولدت حملاً غير متجانس على هيكل العارضات ما جعله يلتوي تحت ثقل القطار العابر، وهذا الالتواء قد يكون قد ولّد عدم استقرار بنيوي أدّى إلى التواء وتحدّب الحمّالة وبالتالي تصدّعها، وهذا التفسير كان سائداً لعقود.

أما أحدث الفرضيات وأغربها فقد تمّ طرحها بعد قرن ونصف من قبل بيتر لويس (Peter Lewis) وزميله كولن غاغ (Colin Gagg) من الجامعة المفتوحة، اللذين اشتركا في تأليف عدد من الكتب من ضمنها كتاب: التحقيقات القضائية في هندسة المواد (Forensic Material Engineering) وهو كتاب يحتوي على حالات دراسية لفشل المنتج، وبحسب لويس وكاك، فقد يعود السبب النهائي لكارثة جسر دي إلى التصميم الجمالي المسبوك للعارضات، وقد أدى ذلك التصميم إلى وجود مساحة ذات تغيّرات حادة في شكلها الهندسي وبالتالي تركيز الإجهاد الذي قد يكون أدّى إلى نمو أيّ تصدع مهما كان صغيراً في الحديد المسبوك، والفكرة كما يبدو تقول إن أي رغبة حميدة لجعل هيكل وظائفي أكثر جاذبية وجمالاً قد تكون سبباً غير مستبعد لحدوث فشل. إن تصميم جسر تاكوما ناروز السيىء الصيت قد تأثر، جزئياً على الأقل، بالهدف الجمالي لصنع هيكل طويل ورشيق، وهو طراز أصبح سائداً في مجتمعات مصمّمي الجسور في أعوام الثلاثينات من القرن الماضي، فرشاقة سطح جسر تاكوما ناروز برهن أنه نقطة ضعفه (كعب أخيل).

السيناريو الذي تخيّله لويس وكاك لجسر دي هو كالتالي: تمّ سبك العوارض الحديدية بأسلوب القولبة المقعرة (Cavetto Molding) في الموقع الذي يلتقي فيه النسيج العمودي مع الحافة الأفقية السفلى، وقوالب مماثلة هي عبارة عن تفاصيل تكميلية حيث تلتقي الحيطان العمودية بالسقوف الأفقية في بناء الدور، وبما أن من المحتمل أن النجارين كانوا طرفاً في صنع قوالب عارضات الحديد المسبوك ولربما أدخلوا هذه التفصيل كظاهرة جمالية معتقدين ربما أنهم بذلك سيجعلون العارضة ليس فقط أكثر جمالاً بل أفضل أداء أيضاً. للأسف فإن الزوايا الحادة للقولبة المقعّرة أدت إلى تركيز الإجهاد في هذه المواقع (كما كان الحال في خطوات محاور رانكين وحيث أدى الشق ]الأخدود[ إلى مكان لتراكم الأتربة). فإذا احتوت العارضة المسبوكة على أي خلل مهما كان صغيراً، مثل فقاعة صغيرة، أو خدش، أو أي خلل آخر – فإن ذلك سيكون بمثابة الحافز النواة للشق أن ينمو مع مرور كل قطار، وسيؤدي ذلك إلى ازدياد التصدع، وبمرور الوقت يكون التصدع قد وصل إلى نسبه الحرجة، وعندما يحمّل في المرة التالية من طريق مرور القطار سينهار من دون أي شك. لذا افترض لويس وكاك أن جسر دي انهار نتيجة نمو التصدع الإجهادي الذي بدأ بسبب الجمالية المتقصدة في التصميم. جعل الأشياء جميلة يجب أن لا يكون على حساب المتانة.

وضع اللوم على مصمّم جسر دي لانهياره يعتمد على وجهة النظر التي تحدّد مسؤولية المهندس في توقع الفشل. في الوقت الذي تم بناء الجسر فيه كان تصميم العارضات المحزمة قد استعمل لعقدين من الزمن تقريباً، وقد استخدم روبرت ستيفنسون نفسه نفس الأسلوب لأكثر من عقد من الزمن. انصب اهتمام ستيفنسون والمهندسون الآخرون على ضعف الحديد المسبوك عند تعرضه للشد، والمتأتي في الجانب السفلي لعارضة الجسر من جراء الحمل الذي صممت العارضة لتحمله، ولذا تم استخدام التحزيم.

فظاهرة الإجهاد المعدني التي عرفناها الآن لم تكن غير معروفة في ذلك الوقت، لكن الآلية التي تظهر بموجبها وتتوسّع في حالة خلل بسيط لم تكن مفهومة بالكامل. فالتجربة الناجحة – وعادة ما تكون خالية من الإجهاد – للمهندسين في تصميم العارضات المحزومة منحتهم الثقة في الشكل، ومن المعقول اعتقادهم أنهم قد سيطروا [على تصميم مثل هذه الهياكل]. ويقيناً، بينما تستخدم كلمة "إجهاد" بنفس الأسلوب التي نستخدمها بالنسبة للإنسان لتعني "التعب"، فإن مصدرها يعود إلى القرن السابع عشر، عندما استخدمت الكلمة في سياق تدهور أجزاء المعدن المتعرّضة لتحميل وتفريغ متكرر وأصبح استخدامها دارجاً في القرن التاسع عشر، وقد نغفر للمهندسين الذين اكتسبوا الخبرة في عصر ما قبل الإجهاد، جهلهم بهذه التسمية، ولكن لا يمكن مسامحة مهندس لعدم أخذه بالاعتبار إجهاد المعادن في الأجزاء المتحركة بعد أن تم تشخيص الإجهاد كخصم للمصمم.

عمر حوادث السكك الحديد هو بعمر السكك الحديد نفسها. في 15 أيلول/ سبتمبر 1830، وهو يوم افتتاح خدمات خط ليفربول – مانشستر، قام عضو في البرلمان بمدّ رجليه خارج قطار الافتتاح المتجه جنوباً عند صب الماء عليه، أصيب بحادث مميت من جرّاء اصطدامه بالقطار المتجه شمالاً والذي كان يسير على سكة مجاورة.

ازدادت الحوادث بازدياد وتوسع شبكات السكك الحديد، والعديد منها كان بسبب الحيوانات الشاردة التي تتجوّل عبر سكك الحديد، أو ركاب مخمورين يقعون فوق السكة، وبعض عمال السكك الذين يعملون على سكة ليفاجأوا بأنها مخصّصة للقطار. وبازدياد المخزون الدوار وتراكم الأميال وتقادم المعدات، فإن كثيراً من الحوادث صارت تعزى لأعطال في الأجهزة. إحدى هذه الحوادث المريعة وقعت في فرنسا عام 1842. فكجزء من احتفالات عيد ميلاد الملك لويس فيليب (King Louis Philippe)، أقل قطاراً عدداً من المهنئين الرحلة إلى قصر فرساي (Versailles). كان آخر القطارات العائد إلى باريس متكون من قاطرتين تجران 17 عربة تحمل ما مجموعه 768 راكباً. وبعد عبور جسر على الطريق، خرجت القاطرة الأمامية عن السكة وانقلبت، وسُحق الركاب بسبب زخم الصدمة، واشتعلت النيران في العديد من الضحايا بحيث صعُب التعرف على العديد منهم. وكانت حصيلة الحادث 56 قتيلاً وعدداً مماثلاً من الجرحى، وبحسب الخبراء الذي درسوا الحادث فقد عُزي السبب إلى تصدّع محور القاطرة الأمامية.

لم تكن محاور السكك وعارضات الجسور هي الأجزاء البنيوية الوحيدة التي كانت تتصدّع فجأةً في منتصف القرن التاسع عشر. في 1854، نُشر محضر اجتماع في وقائع معهد المهندسين المدنيين (Minutes of the Proceedings of the Institution of Civil Engineers) ورقة بحث من قبل فريدريك برايثوايت (Frederick Braithwaite) بعنوان "الإجهاد وما يعقبه من تصدعات في المعادن" (On the Fatigue and Consequent Fracture of Metals) التي حملت العنوان الرئيس "إجهاد المعادن" (Fatigue of Metals). أدرك برايثوايت في ورقته أن "الإجهاد قد يتأتى من أسباب متعددة مثل الانفعال (Strain) المتكرر، أو الضربات أو الارتجاجات، أو النخعات، أو الالتواءات أو الشدّ… إلخ". ومن ضمن الحوادث الغامضة التي اعتقد أنها حدثت كنتيجة لإجهاد المعدن حمالة مصنوعة من الحديد انكسرت تحت وعاء البيرة الضخم الذي تكرّر ملؤه وتفريغه؛ وتسربات من خلال شقوق في مفاصل ملحومة الأنابيب من النحاس في مصنع آخر للبيرة؛ أو الكسر المتكرّر للذراع المصنوع من الحديد في مضخة الماء في مصنع آخر للبيرة. وتبع تقديم الورقة مناقشة، أثنى خلالها برايثوايت على المهندس الاستشاري جوشوا فيلد (Joshua Field) المتخصّص في المحرّكات البحرية، الذي اقترح مصطلح "إجهاد" ليصف به "فصيلة التردّي في المعدن" الذي تمّ البحث فيه، ومن بين المناقشين لورقة برايثوايت كان رانكين الذي وجد فيها تأكيداً للأفكار التي قدّمها في ورقته قبل عقد من الزمن. (من المعتقد أن كلمة "إجهاد" بمعنى التدهّور البنيوي تم صكها من قبل الميكانيكي الفرنسي جون–فيكتور بونسيلي (Jean–Victor Poncelet)، والذي استخدمها في محاضراته في المدرسة العسكرية في متز (Metz)، وكتب عام 1839 أن "أكثر النوابض اكتمالاً هي،  بمرور الزمن، عرضة للإجهاد.).

بعد قرن ونصف قرن من انهيار جسر دي أعيد النظر في موضوع فشل [انهيار] جسر كلاسيكي من القرن التاسع عشر من قبل بيتر لويس (Peter Lewis) وزميل له كن رينولدز (Ken Reynolds)، خبير التحقيق القضائي في المعادن (Forensic Metallurgist)، حيث كان الجسر موضوعاً للشعر وحكايات أخرى، بالإضافة إلى العديد من التحقيقات وإعادة التحقيقات والقصة، باختصار، أن سكك حديد الشمال البريطاني (North British Railway) رغبت في بناء جسر عبر خليج نهر تاي (Tay River) في مدينة داندي (Dundee) في اسكتلندا، لكي تكون خطوط القطارات الساحلية أكثر تنافسية من تلك الخطوط التي تستخدم الأراضي الداخلية، حيث لا تصادف ممرات مائية واسعة تحتاج إلى عبّارات لاجتيازها، وكان النهر في داندي واسعاً ولكنه ضحلاً قليل العمق، لذا فقد اقتُرح جسر طويل متكوّن من عدة مجازات تستند إلى عدد من الدعامات، وصُمّم الجسر من قِبل توماس باوش (Thomas Bouch)، وقياس طول الجسر من مقترب إلى المقترب الآخر جعل هذا الجسر عند افتتاحة نهاية أيار/ مايو 1878 الأطول في العالم.

ربما كان الجسر طويلاً، لكن عند بنائه لم يكن صعباً بالنسبة لكل دعامة من المجازات الجمالونية التي كان أطولها 245 قدماً ولم يكن هذا الطول أمراً غير اعتيادي في ذلك الوقت، وأطول مجاز كان الذي سمي الحمالة العالية (High Girder)، التي وضعت فوق الدعامات الضخمة لتوفّر أكبر فضاء ممكن لساريات السفن الطويلة التي تمرّ من الأسفل. كانت تمرّ القطارات خلال هيكل الجسر عبر الحمالات العالية بدلاً من فوق الجمالونات كما في باقي أجزاء الجسر، وقد حمل جسر تاي (Tay Bridge) حركة مرور القطارات عبر النهر لسنة ونصف، ولكن في ليلة 28  كانون الأول/ ديسمبر 1879، انهارت جميع حمالاته العالية – التي كانت ممتدة لمسافة نصف ميل من مجمل طول الجسر – بينما كان قطاراً مارّاً عبرها. وقد قضى جميع الركاب الـ 75 على متن القطار.

          شكّل مجلس التجارة (Board of Trade) المحكمة للنظر في مسببات الحادث وتحديد مسؤوليات هذه المأساة، وقد كان في المحكمة ثلاثة أعضاء: وليام هنري بارلوو (William Henry Barlow) الذي كان رئيساً لمعهد المهندسين المدينيين (Institution of Civil Engineers_، وليام يولاند(William Yolland)، وهو مهندس كان يشغل وظيفة رئيس مفتشي السكك في بريطانيا، ورئيس مجلس الإدارة هنري كادوغان روثيري (Henry Cadogan Rothery) الذي كان معتمد الحكومة لحطام السفن (Wreck Commissioner)، ولكنه ليس مهندساً. نتج من التحقيق عدد ضخم من الشهادات التي وفرت نفاذ بصيرة عن تصميم وتشغيل الجسر، ومن بين الحقائق التي ظهرت أن الدعامات الحديدية الضخمة احتوت على العديد من الشوائب، وأن ربط الحمالات والدعامات لم يكن آمناً ضد الرياح، وأن الجسر كان يهتز بشكل كبير عند مرور القطار فوقه. لكن أعضاء المحكمة لم يستطيعوا أن يصلوا إلى اتفاق حول السبب المطلق للحادث أو تحديد الجهة الملامة.

اتفق بارلوو ويولاند وروثيري على العوامل التي أدّت إلى الفشل، واستنتج المكلّفون الثلاثة "أن الجسر كان رديء التصميم، رديء التشييد، ورديء الصيانة، وانهياره كان بسبب الأخطاء المتأصلة في الهيكل، التي كانت ستُسقط الجسر عاجلاً أم آجلاً". ولكن إثنين من المهندسين في هيئة المحكمة توقفا قبل إثبات سيناريو محدّد، مؤكدين "أن ليس لديها معرفة كافية للنمط الذي انهار فيه الهيكل"، وقد اختلف الرئيس روثيري مع زملائه حول تسلسل الأحداث التي أدّت إلى الانهيار، لذا فتقرير الهيئة النهائي احتوى على جزئين، الأول يعكس رأي بارلوو ويولاند المحافظ والثاني يحتوى على موقف روثيري الأشد تصلباً. وعلى كل حال، لم يتردد الجميع في وضع اللوم بشكل غير غامض على مهندس الجسر الذي أصبح عندئذٍ سر توماس باوش (Sir Thomas Bouch). فهو "مسؤول كلياً عن أخطاء التصميم". وبالنسبة لأخطاء البناء فهو مسؤول عنها أيضاً لعدم ممارسته الإشراف على العمل، حيث كان بإمكانه اكتشاف الأخطاء وتنفيذ التصحيحات، وهو مسؤول بشكل رئيسي أيضاً، وليس كلياً، لإهمال صيانة وفحص الهيكل، كما كان يجب أن يحصل. أما باوش الذي كان قد منح لقب الفروسية لتصميمه الجسر بعد انتهاء بنائه فقد اضطر إلى الانزواء عن المجتمع والرأي العام وتوفي بعد 4 أشهر، رجلاً محطماً بعمر الثمانية والخمسين.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى