التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

أمثلة راسخه لفشل التصميم الهندسية لنسامح التصميم لنفهم الفشل

2014 لنسامح التصميم

هنري بيتروكسكي

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

التكنولوجيا والعلوم التطبيقية الهندسة

كما يرسل الطبيب عينات من دم المريض إلى المختبر لفحصها باستخدام أجهزة مناسبة ومهنيين متمرّسين [على استخدامها]، كذلك يقوم مهندس البناء بإرسال عينات الكونكريت إلى مختبرات المواد الإنشائية المجهّزة بمكائن ومهنيين لديهم الكفاءة لاحتساب متانة المواد، وبالرغم من بداهة سلامة الأسلوب المتبع في الفحص يجب أن يعتبر حتمياً، فقد اكتشفت قبل سنوات حوادث في منطقة مدينة نيويورك تؤشر عكس ذلك. فقد اكتشفت هيئة المحلفين الكبرى أن مختبرات تستويل (Testwell)، وهي أكبر مختبرات فحص المواد الانشائية في المدينة، "فشلت خلال سنوات خمس سابقة بالقيام ببعض الفحوصات وقامت بتزوير تقارير فحص في حالات أخرى، وتقاضت أجوراً مضاعفة لأعمال ميدانية". إضافة لذلك، فقد قامت الشركة بالتفسير السيىء لشهادات الفحص المعدة من قبل مفتشيها، وهذا تصرّف أكثر من فاضح، ذلك لأن بعض هذه المواد قد دخلت في بناء مشاريع مهمة مثل برج الحرية (Freedom Tower) الذي أطلق عليه لاحقاً "مركز التجارة الدولي" – (World Trade Center) وكان عندئذٍ قيد الإنشاء في غراوند زيرو (Ground Zero)، في الموقع 11 أيلول/ سبتمبر 2001 الذي تعرض للهجوم الإرهابي المعروف، وفي هذه الحالة كانت شركة تستويل قد أصدرت شهادة فحص تؤكّد أن الكونكريت المستخدم يتحمّل 12000 باوند للإنش المربّع، وهو الرقم الذي ورد في وثائق التصميم. لكن عند قيام المالكين، وهم سلطة ميناء نيويورك ونيوجرسي، بعد ذلك بتكليف جهة مستقله للقيام بفحص المواد تبيّن أن تحمّل الكونكريت لا يزيد على 9000 باوند للإنش المربع، وبما أن مهندسو الإنشاء يعتمدون في حسابات تصاميمهم على المواصفات، فإن تقديراتهم لمتانة البناء كان يجب أن تكون أعلى بمقدار الثلث عما كانت عليه فعلياً، ولتحاشي مثل هذه الحالات [كاحتياط عملي] يقوم المهندسون باستخدام معامل السلامة (Safety Factor)، لجعل هيكل البناء أكثر متانة بنسبة هذا المعامل، مقارنة مع متطلّبات ما يكون عليه.

حالة أخرى لنتائج فحوصات مزورة تتعلّق بمشروع نفق الشارع الثاني في مانهاتن في ملعب اليانكي (Yankee Stadium) الذي كان يبنى مجاوراً لنفق آخر قديم في برونكس (Bronx). فقد تبيّن أن تستويل تولّت القيام "بفحوصات لتصاميم متنوّعة منفصلة، وفحوصات ميدانية واختبارات قوة الضغط وفحص الفولاذ وإصدار الشهادات"، وقد اتُهمت الشركة "بالفساد المؤسسي" (Enterprise Corruption) الذي يعادل جرائم ابتزاز الأموال، ومن بين الممارسات الخادعة واللاأخلاقية واللاقانونية التي اكتشفت في المحاكمة، إصدار المئات من التقارير "الكاذبة" المعتمدة على نصف دزينة أو ما يشبه ذلك من فحوصات خليط التصاميم الفعلية، وقد وجد رئيس الشركة، ف. ردي كانشارلا (V. Reddy Kancharla)، مذنباً في تزوير قيود العمل، إضافة إلى تُهم أخرى، وحُكم بالسجن لفترات من 7 إلى 21 سنة.

عندما كان ملعب اليانكي الجديد قيد الإنشاء، قام العمال – الذين كانوا في نفس الوقت من مؤيدي فريق رد سوكس في بوسطن (Red Sox) – بإلقاء قميص رد سوكس بوسطن في خليط الكونكريت الذي كان يصبّ للتعبير عن حماسهم لفريقهم، ونكاية ولعنة لملعب اليانكي، للعبة البيسبول، ولحسن الحظّ فإن مجموعة أخرى من العمال المتعاطفين مع فريق نيويورك اكتشفوا المكان الذي ألقي فيه القميص النحس واستطاعوا تكسير الصبّة الكونكريتية التي احتوته بعمق قدمين ونصف قدم من الكونكريت المتصلّب، وظهرت حالة أخرى، أكثر خطورة، في نهاية الموسم الأول في الملعب الجديد، حيث ظهر أن المنحدرات المخصّصة للمارة لكي ينتقلوا من مستوى إلى آخر في الملعب قد حصل فيها عدد من التشقّقات، طول قسم منها أكثر من قدم، وعرضها ما يقارب الإنش، وواسعة لدرجة يمكن للكعب العالي لحذاء سيدة أن ينحشر فيها، وبينما حاول البعض من الراغبين في التقليل من أهمية هذه التشقّقات، واعتبروها جمالية فقط، وآخرون أشار إلى أن خليط الكونكريت كان قد تمّ تصميمه ثم فحصه من قبل تستويل. لذا بوشر بالتحقيق لمعرفة الأسباب التي قد تكون "بسبب التركيب أو التصميم أو الكونكريت، أو عوامل أخرى".

لقد ابتليت الصناعة الإنشائية عبر السنين بعدد من المجهّزين والمفتّشين عديمي الضمير. فعندما كان جسر بروكلين قيد الإنشاء حرص مجلس إدارة المشروع على اتخاذ قرار يمنع منح عقود إلى شركات لها علاقات بأعضاء المجلس أو لمهندسين ذوي علاقة بالمشروع، وهذا يعني أن شركة روبلينغ (Roebling) كانت لا تستطيع تجهيز الأسلاك اللازمة للحبال الفولاذية التي تستعمل للتعليق، لأن الجسر كان قد صمّم من قبل جون روبلينغ (John Roebling)، وبعد وفاته أصبح ولده، واشنطن روبلينغ، رئيس المهندسين في الشركة، وفي الوقت نفسه، حذّر روبلينغ الابن، من دون نجاح، من تعاقد المشروع مع شركة ج. لويد هاي (J. Lloyd Haigh) المعروفة بموثوقيتها المتدنية، في الأقل، ومع ذلك، فقد حصلت الأخيرة على العقد، وفي خلال التنفيذ تبيّن أن شركة هاي قامت بارتكاب عملية احتيال كبيرة. فحسب روبلينغ "إن المهندس الذي لم يتعلّم ليكون جاسوساً أو مخبراً، لا يمكن أن ينافس وغداً".

لانعدام ثقة روبلينغ بالجودة المتجانسة لأسلاك شركة هاي فقد حرص على القيام بفحص جميع بكرات الأسلاك للتأكّد من متانتها وملاءمتها للجسر، والأسلاك التي اجتازت الفحص أعطيت شهادة الصلاحية وأرسلت إلى موقع العمل، والأسلاك التي لم تجتز الفحص أعيدت إلى الشركة المجهزة, ولكن بعد بعض الوقت، تنامت الشكوك أن بعض الأسلاك المرفوضة قد عادت ووجدت طريقها ثانية إلى المشروع، وقد تمّ التأكّد من ذلك من خلال وضع علامة سرية مميزة على الأسلاك المقبولة، ثم التأكّد من وجود هذه  العلامة عند الاستخدام، وعندما بدأت الأسلاك غير المعلمة تصل إلى الموقع، كان واضحاً أن خطأً ما قد وقع. فقد تبيّن أن بكرات الأسلاك المرفوضة التي كان من المفروض أن تتراكم عبر الفحص قد بدأت بالتناقص، وتبيّن أيضاً أن الشركة المجهِّزة قد قامت بإرسال العديد من بكرات الأسلاك المرفوضة، بشهادات فحص لبكرات صالحة مع الاحتفاظ بالبكرات الصالحة، وعندما تمّ فحص 80 بكرة في موقع العمل لغرض معرفة صلاحيتها تبيّن أن خمساً منها فقط كانت صالحة للاستعمال. عند ذلك، تبين أنه قد تم فعلاً إرسال 221 طناً من الأسلاك غير صالحة إلى المشروع، وقبل اكتشاف التلاعب، وقد استخدمت فعلاً على أنها صالحة. مما يعني أن قوة هذه الحبال قد هبطت جرّاء ذلك، وكان على روبلينغ أن يقرّر ماذا يعمل. فاكتشاف وإزالة الأسلاك غير الصالحة هي عملية شاقّة وتحتاج إلى وقت طويل. ولكن، ولحسن الحظ، فإن روبلينغ كان قد اعتمد عامل أمان عالٍ جداً بالمستوى (6) في التصميم بالتحديد، بإمكانه امتصاص "استخدام الأسلاك الضعيفة الصنع"، مما يعني أن تصميم روبلينغ كان يمكنه تحمّل ستة أضعاف أكبر مما يجب. لذا قرّر روبلينغ أن يترك الأسلاك الضعيفة في الحبال، مع الأخذ بالاعتبار الانخفاض في عامل الأمان الناتج من ذلك إلى 5 تقريباً والذي يعتبر مقبولاً شريطة ألا تُستخدم أسلاك إضافية رديئة. وكإجراء إضافي، قام روبلينغ بإضافة 150 بكرة أسلاك جيدة [كانت قد اجتازت الفحص] إلى العدد المحتسب للتصميم [للتعويض عن النوعية الأضعف التي استخدمت]. إن مقاومة الجسر لأكثر من قرن وربع القرن شاهد واضح للإجراء السليم الذي اتخذه روبلينغ لمعالجة الغش المكتشف، ما يعني أنه إذا كان هناك غش في التنفيذ فإن التصميم السليم يمكن أن يصمد، وهو مثال أيضاً لما قد يحصل في حالة ضعف السيطرة على سلسلة التجهيز التي تتغاضى عن النوعية والسلامة، وبالتالي تقود إلى الفشل.

قد يعرّض استخدام أنواع مختلفة من المواد الرديئة التصميم الجيد للخطر، سواء كان مشروع بناء مدرج ملعب للرياضة، أو جسراً معلّقاً أو منزلاً سكنياً. لقد واجه مقاولو البناء في فترة الازدهار العقاري في أميركا، وقبل الانتكاسة التي حصلت عام 2008، صعوبات جمّة في إيجاد مجهزين محليين لمادة درايوول (Drywall) مما اضطرّهم لاستخدام ألواح منها من صنع صيني استورد منها سبعة ملايين لوحة  إلى الولايات المتحدة الأميركية. لقد استخدمت المادة المستوردة هذه في عشرات الآلاف من البيوت، قبل اكتشاف إشكالاتها. إذ بدأ أصحاب هذه البيوت يشكون من نزيف الأنف والصداع وصعوبة التنفّس، ولاحظوا حصول صدأ في المعادن وأعطال في الأجهزة المنزلية، إضافة إلى روائح كريهة تملأ جو البيوت، وقد عزي ذلك في النهاية إلى مركبات الكبريت المنبثقة من الألواح الصينية، ونتج من ذلك عدد من الدعاوي القضائية، وللأسف لم يكن بالمستطاع تتبع معظم هذه الألواح لمعرفة الجهات التي صنعتها، وبالتالي لم يكن ممكناً تحديد المسؤول عنها. والعديد من مالكي البيوت المتضررين – آلاف منهم في 38 ولاية – كانوا قد شغفوا بتصاميم بيوتهم ولكنهم لم يتحمّلوا العيش فيها، والطريقة الوحيدة التي بدت واضحة للمعالجة كانت إزالة جميع هذه الألواح واستبدالها بألواح جيدة، ولكن وجد أن هذا الحل سيكلف كل بيت أكثر من 100000 دولار، وحسب تصريح الناطق باسم الرابطة الوطنية لبنّائي البيوت (National Association of Home Builders)، فالكارثة "جاءت في وقت سيئ بالنسبة لواقع قطاع البناء". فأسعار البيوت بشكل عام كانت قد تراجعت، وشركات التأمين لم تعد تدفع تعويضات عن الألواح الرديئة، ولم تكن الشركات الصينية المجهزة متعاونة أيضاً.

ليست المواد المستوردة الجاهزة فقط هي التي يمكنها تدمير ما يجب أن يدوم مدة العمر. لقد تزايد استخدام الأنابيب المصنوعة من كلوريد البولي فينيل في شبكات المياه، والمادة البلاستيكية التي يطلق عليها ب. ف. س. (PVC) لها مزايا عديدة، منها خفّة الوزن النسبية، وسهولة القطع والتثبيت، إضافة لكونها مقاومة للتآكل، ولكن تبيّن منذ منتصف التسعينات أن أنابيب رديئة الصنع دون المعيار المعتمد قد وجدت طريقها إلى سلسلة التوريد، وفي بعض المواقع التي استخدمت فيها أنابيب ب. ف. س.، والتي كان من المتوقّع لها أن تدوم لخمسين سنة، تبيّن أن بعض هذه الأنابيب قد بدأ ينفجر قبل مرور سنة على تركيبه. أحد الأماكن التي حصل فيها ذلك كان نيفادا، حيث حصلت عدّة انفجارات في شبكة المياه التي كانت تزوّد سجناً، تحت ظروف ضغط ماء صممت لتتحمّله هذه الأنابيب. كل حالة تطلّبت قطع الماء واستبدال الأنابيب المكسورة، بعد أن يتم استخراجها من خلال حفر الأماكن [التي يمرّ بها الأنبوب المكسور] بكلفة لم تكن قليلة، وقد وُجد أن هذه الأنابيب قد وُردت من طريق مصنّع واحد، وقد اكتشف المراقب الذي بلّغ عن هذه الأعطال أن الشركة المصنِّعة كانت قد "زوّرت نتائج فحص النوعية"، وحسب قوله، وكان يعمل سابقاً في الشركة، فإن السبب يُعزى إلى إدخال أساليب صناعية هدفها تقليص الكلفة [على حساب النوعية]، ويبدو أن الشركة كانت بدأت باستخدام "مواد أولية منخفضة الجودة" مستوردة من الخارج، ورفعت من وتيرة الإنتاج، وقد طلبت "منظومة الشرف" (Honour System) الصناعية أن تقدّم الشركة نماذج جديدة لمختبرات أندر رايترز (Underwriters Laboratories) المستقلّة لغرض إعادة فحصها ومنحها الشهادة المناسبة لغرض الاستمرار في استخدام المنتج الجديد وختمه بالعلامة الخاصة بجودة النوعية (UL). وكما كان متوقّعاً، دافعت الشركة عن جودة منتجها ووضعت اللوم على تصاميم شبكات المياه في البيوت المشيّدة في نيفادا وغيرها من المناطق. إلا أن الشركة، وتحاشياً للتحديات القانونية التي واجهتها، اضطرت إلى الإعلان بأنها تضمن الأنابيب التي تصنعها لمدة 50 سنة، بدلاً من الضمان السابق الذي كانت مدته سنة واحدة.

وقد ادعى المبلّغ أيضا،ً أن الشركة حاولت خفض التكاليف أيضاً من خلال "توظيف خريجين جدد، كحالته". وكانت إحدى مهامه الأولى حصر شكاوي العملاء من خلال زيارة مواقع الخلل، ووضّح أنه قد تمّ تدريبه من قِبل الشركة ليضع اللوم في حالات الأعطال على الإدارات الحكومية المسؤولة، وعلى المقاولين العاملين على تركيب وصيانة شبكات الأنابيب، وقد تمّ تكليف المهندس الشاب أيضاً بالإشراف على الاختبارات والاطلاع على الشكاوي والفحوصات ما قاده لاستنتاج المطلوب منه، وبمرور الزمن أصبح من الصعوبة بمكان "إخبار العملاء أن الأعطال هي بسبب أخطاء ارتكبوها في مواقع العمل". وهذا ما أُبلغ به مدير هيئة الأشغال العامة في نيفادا عندما طلب من الشركة المصنعة مساعدته في تشخيص أسباب تكرار انفجار أنابيب المياه في السجن. وبحسب ما قاله مدير الهيئة إن خبراء الشركة الذين جاءوا لتقدير الأعطال تكهّنوا أن الأنابيب لم تكن مسندة بشكل صحيح، وأن المقاول الذي قام بتركيبها "ربما تسبّب بتوليد ضغط على الأنابيب لم تكن مصمّمة لتحمله"، وكان مصير هذه الحالة وحالات أخرى الإحالة إلى القضاء وقد نوقشت الجوانب المتعددة من هذه القضايا لسنوات عديدة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى