العلوم الإنسانية والإجتماعية

سياسات الأزمة والنموّ والشرعية في بناء مجتمع السوق

2014 مجتمع السوق

سبايز بوتشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

تُظهر ردّات الفعل تجاه الأزمات كيف يخدم النموّ الاقتصادي أهدافاً سياسيةً بارزةً. فالغنى الناجم عن النموّ الاقتصادي هو احد أبرز المبررات لتنظيم المجتمع استناداً إلى مبادئ السوق. ولكن حين يفشل النموّ، يقود إلى البطالة والفقر والمشقات. وبما أن حياة كثيرين ترتبط بالأسواق، يمكن للأزمة الاقتصادية أن تؤدي إلى أزمة سياسية.

سبق لأزمات اقتصادية ماضية أن ولدت اضطرابات سياسية واجتماعية كبرى. فالكساد الكبير في الثلاثينات كان من المسببات الرئيسية لصعود التطرف في ألمانيا والنجاح الذي حققه الحزب النازي. وفي أستراليا، أدى كساد تسعينات القرن التاسع عشر إلى نشأة حزب العمال الأسترالي الذي ساهم في إصلاحات اجتماعية واقتصادية مهمة. غير أن مناصري السوق اعتبروا أن الركود في السبعينات نتج من "التدخل" الحكومي المفرط في الأسواق، ما أعطى تبريراً للقيام بإصلاحات اقتصادية كبرى سعت إلى الحدّ من حجم سيطرة الدولة.

وبالطبع، يؤثّر الاقتصاد بشكل كبير في مدى الشعبية التي تتمتع بها الحكومات. ففي معظم الدول الديمقراطية، تعتبر "الإدارة الاقتصادية" (Economic Management) من أهم المواضيع الانتخابية. ورأى علماء الاجتماع السياسي أن الاقتصاد يلعب أيضاً دوراً واسعاً في ترسيخ شرعية سياسية. وتتجاوز الشرعية مدى الشعبية التي تتمتع بها حكومة قائمة، وتشمل قبول المؤسسات السياسية بحدّ ذاتها.

كان ماكس فيبر أول من بحث هذا المعنى من الشرعية، وقال في كتابه (Economy and Society) (1978 ]922[1) إن الشرعية ضرورية لتحقيق المتوقع وضمان النظام. كان من الضروري أن يتقبل الناس حق القادة بالحكم.

حدد فيبر ثلاثة مصادر للشرعية: التقليد، حيث يتقبل الناس النظام بسبب التاريخ: القيادات الكاريزماتية، فيرى الناس أن قائداً ما يتمتع بمميزات ممتازة، والسلطة العقلانية: القانونية حيث يقبل الناس القيادة لأنها تنبثق عن قواعد متفق عليها مثل الدستور، والمصدر الثالث للشرعية الذي رآه الأكثر عقلانيةً فهو مجتمعات الأسواق.

من جهة أخرى، حدد فلاسفة سياسيون الشرعية في إطار ادعاءات معيارية تتعلق بالاستخدام العادل للقوّة. فهم يرون أن الحكومات شرعية لأن سلطتها تنبثق عن عمليات عادلة مثل الانتخابات الديمقراطية أو لأنها تحافظ على الحريات الفردية من خلال حكم القانون.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى نموذج "الصراع" في ما خصّ الشرعية (Zeldich 2001). فقد رأى بعض المنظرين مثل ماركس ومكيافيلي (1969 ]1640[) أن مصلحة الحكام تتعارض مع مصلحة المحكومين. كما أن الاستخدام الواضح للقوّة بحدّ ذاته كان مكلفاً وغير مستديم، لذا فإن الأساطير والأيديولوجيات التي بررت النظام على أنه "عادل" كانت ضروريةً. غير أن منظرّين نقديين آخرين ركزوا على دور الأيديولوجية في الحفاظ على مجتمع السوق (الفصل 10).

يربط كثير من علماء الاجتماع نجاح المؤسسات السياسية بنجاح الاقتصاد (أوكونر 1973). فالنموّ الاقتصادي لا يؤمّن العمل فحسب، بل قد يولّد أيضاً عوائد ضريبية تستخدم للردّ على ادعاءات أخرى مثل عدالة مجتمع السوق من خلال إعادة توزيع الدخل. وهنا يتمتع النموّ ببعد سياسي بالإضافة إلى بعده الاقتصادي.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى