العلوم الإنسانية والإجتماعية

حدود النموّ الاقتصادي

2014 مجتمع السوق

سبايز بوتشر

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

العلوم الإنسانية والإجتماعية التكنولوجيا والعلوم التطبيقية

من المصادر المحتملة الأخرى للأزمات، نذكر التفاعل بين الاقتصاد والبيئة الطبيعية. وتعتمد زيادة الإنتاج في داخل الاقتصاد على تكاثر الظروف التي يحصل في إطارها النموّ. فتؤمّن البيئة مدخلات مهمة في الإنتاج وتعمل كمستوعب للنفايات وتدعم استمرار الحياة. ولكن يمكن لهذه الوظائف البيئية أن تقوّض. مثلاً الحادث النووي في تشيرنوبيل في الاتحاد السوفياتي السابق لوّث معظم شمال أوروبا، فيما قضى حادث التسرب النفطي الأخير في خليج المكسيك على قطاعات بأكملها. ولكن توجد أيضاً احتمالات حصول أزمات بيئية عالمية أوسع.

في عام 1972، ألقى كتاب The Limits to Growth   (Meadows et al, 1972)الضوء على الحدود البيئية لاستخدام الموارد الطبيعية وهو ما تكرر صداه لاحقاً في العديد من التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة (مثلاً: المفوضية العالمية للبيئة والتنمية 1987). وعلى الرغم من أن بعض المواد الطبيعة متجدد إلا أن بعضها الآخر مثل الوقود الأحفوري نافد أو قدرته على التجدد محدودة جداً، حتى إن البعض يقول إن نظام دعم الأرض المستديم الذي يبلغ عمره مليار سنة، قد انتهك (Brown 1998, p.270).

أعرب بعض الاقتصاديين عن القلق حيال الموارد المحدودة من المدخلات الاقتصادية الرئيسية. ويعتقد كثيرون أن "ذروة النفط"، وهي النقطة القصوى التي يبلغها إنتاج النفط العالمي، ستؤدي إلى ارتفاع أسعاره وتقود إلى أزمات طاقة. كما حذر الاقتصاديون من التكلفة المدمرة للتغيرات في مناخ الأرض الناتج من النشاطات الاقتصادية، على الأخص حرق الوقود الأحفوري من أجل توليد الطاقة. وقد تصاعدت النداءات من أجل القيام بتغييرات جذرية في الاقتصاد تضع حداً للأزمات المتزايدة (Stern 2006).

يدلل بعض المنظرين على أن النموّ الاقتصادي اللامحدود لا يتلاءم على الإطلاق مع الطاقة النافدة (Trainer, 2002, pp. 167-75). ويشدد البعض الآخر على النموّ النوعي (أي تحسن نوعية الحياة بدل تحسن كمية الناتج الإجمالي المحلي) في ظلّ شروط الحماية البيئية (Daly & Townsend 1992). وسنتحدث عن الدور الدقيق للبيئة في الحفاظ على ظروف الحياة الاقتصادية في الفصل 9.

يتناول بعض المنظرين البيئيين أثر النموّ الاقتصادي المستديم على العلاقات الاجتماعية. فمن الواضح أن قيام المجتمع الاستهلاكي حيث ترتبط هوية الناس بشكل متزايد بالأغراض التي يبتاعونها، يتصل بشكل واضح بالزيادة الملحوظة في الإنتاج الاقتصادي (الفصل 8).

وبما أن التحديات البيئية مثل ذروة النفط والتغيرات المناخية هي ذات طبيعة بيئية، فهي تستدعي إذاً تعاوناً دولياً. وقد ظهر ذلك من خلال المفوضية العالمية للبيئة والتنمية التابعة للأمم المتحدة ومن خلال تقرير "برونتلاند" (Bruntland) عام 1987، كما شكلت أساساً لاتفاقات دولية حول الصيد والتغير المناخي واستخدام الكلوروفلوروكربون. ويقول أولريتش بيك وأنطوني غيدنز (Beck, Giddens & Lash 1994) إن الطبيعة العالمية للتحديات البيئية وعدم اليقين حيال المستقبل البيئي يعكسان نوعاً جديداً من المشاكل يقتصر على "العصرية الحديثة" (Late Modernity).

وتوحي قائمة العصور المزمنة أن عملية "العقلنة" (Rationalisation) المرتبطة بـ "العصرنة" (Modernity) قد تعمقت مع المزيد من التركيز على القياس والتحكم والتوقع، من أجل إدارة المخاطر. غير أن طبيعة المخاطر التي تتم مواجهتها قد تغيرت، ما يستدعي المزيد من الاهتمام بالمستقبل وإدارة حالة عدم اليقين. فالبيئة مثال نموذجي على ما يسميه بيك (1992 [1986]) "مجتمع المخاطر" (Risk Society)، حيث المخاطر الناجمة عن التفاعلات المعقدة للأنظمة البشرية تحلّ مكان الكوارث "الطبيعية" كتحد رئيسي تواجهه الإنسانية.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى