الطب

نبذة تعريفية عن البكتيريا المسببة لـ”مرض الكوليرا” وكيفية الوقاية منه

2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر

عبد الرحمن أحمد الأحمد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

مرض الكوليرا كيفية الوقاية من مرض الكوليرا الطب

الكُولِيرَا مَرَضٌ تُسَبِّبُهُ بَكْتيرْيا عَصَوِيَّةٌ تَكْتَسِبُ اللَّوْنَ الأَحْمَرَ بِصِبْغَةِ «جرامْ»، ولكنَّ العُصَيَّاتِ تَنْحَنِي قليلاً فتُشْبِهُ عَلامَةَ الضَّمَّةِ أو حَرْفَ الوَاوِ باللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، لِذَلِكَ فإنَّنا نَصِفُ هذه البَكْتيرْيا بأَنَّها ضَمِّيَّةُ أو واوِيَّةُ الشَّكْلِ.

وبكتيرْيا الكُولِيرَا تَسْتَطيعُ التَّحَرُّكَ (أو السِّباحَةَ) بِواسِطَةِ سَوْطٍ طَرَفِيٍّ، كما أَنَّها تَسْتَطيعُ البَقاءَ حَيَّةً في مِياهِ البِحارِ، كما تعيشُ في مصادِرِ مِياهِ الشُّرْبِ مثل الأَنْهارِ والآبارِ.

وعِنْدَما يَشْرَبُ الإنْسانُ هذا الماءَ يُصابُ بالمَرَضِ، ولِذَلِكَ تَنْتَشِرُ سريعاً بَيْنَ النَّاسِ.

 

وفي عامِ 1883 اكْتَشَفَ روبِرْت كوخْ البكتيرْيا المُسَبِّبَةَ لِلْكُوليرَا في مِصْرَ، وتَمَكَّنَ مِنْ عَزْلِها بِصورَةٍ نَقِيَّةٍ، ثُمَّ دَرَسَ المَرَضَ في الهِنْدِ، ووَضَعَ أَوَّلَ تَوْصياتٍ لِمُكافَحَةِ المَرَضِ علَى أَساسٍ عِلْمِيٍّ.

وفي الماضِي كانَتْ الأَوْبِئَةُ تَقْتُلُ أَعْدادًا كبيرَةً مِنَ النَّاسِ. وأَحَدُ أَسْبابِ الأَوْبِئَةِ هي الكُولِيرَا. وفي مُعْظَمِ الأَحْيانِ كانَ الوَباءُ يَنْتَشِرُ في جميعِ القارَّاتِ بِسُرْعَةٍ مُذْهِلَةٍ، وتصيبُ أعدادًا كبيرةً مِنَ النَّاسِ في وَقْتٍ قصيرٍ.

فمنذُ القَرْنِ التَّاسِعَ عَشَرَ وحتَّى اليومِ حَدَثَتْ سَبْعَةُ أَوْبِئَةٍ لِلْكوليرَا كانَ آخرُها عامَ 1970 – 1971 وعامَ 1990 – 1991؛ وبَلَغَتْ الوَفَيَاتُ في كُلٍّ مِنْهُما حوالَيْ عَشْرَةِ آلافِ شَخْصٍ في قارَّةِ أَفْريقْيا وَحْدَها.

 

وتُقَدِّرُ مُنَظَّمَةُ الصِّحَّةِ العالَمِيَّةِ عَدَدَ الوَفَياتِ سَنَوِيًّا بِحَوالَيْ 120000 شخصٍ. ويَصِلُ مُعَدَّلُ الوَفَياتِ إلَى 40% من المَرْضَى علَى الأَقَلِّ.

وفي الماضِي كانَتْ الدُّوَلُ تَتْبَعُ ما نُسَمِّيه «الحَجْرَ الصِّحِّيَّ». ويَقْتَضِي ذَلِكَ مَنْعَ الدُّخولِ إلَى البِلادِ المُصابَةِ بالوَباءِ، وكَذَلِكَ مَنْعَ النَّاسِ المَوْجودينَ في هذه البِلادِ مِنْ مُغادَرَتِها.

وكانَتْ الدُّوَلُ الّتي تُبْتَلَى بالأَوْبِئَةِ تَرْفَعُ راياتٍ صَفْراءَ علَى الموانِيء والمَنافِذِ الحُدودِيَّةِ لِتُعْلِمَ الآخرينَ بِحُدوثِ وَباءٍ، في مُحاوَلَةٍ لِمَنْعِ انْتِشارِ المَرَضِ إلَى غَيْرِها مِنَ البِلادِ.

 

وجَديرٌ بالذِّكْرِ أَنَّ رَسولَ اللهِ، صلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قَدْ أَمَرَ بِذَلِكَ حيثُ قالَ: «إِذَا وَقَعَ الطَّاعونُ بأَرْضٍ لَمْ تَدْخُلوها فلا تَدْخُلوها».

وهذه القاعِدَةُ تَسْرِي – طبعًا – علَى الطَّاعونِ أو أَيِّ وباءٍ آخَرَ، وبِذَلِكَ يكونُ الرَّسولُ، صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم، سَبَقَ ما تَوَصَّلَ إِلَيْه العِلْمُ الحديثُ بِمِئاتِ السِّنينَ.

ومَريضُ الكُولِيرَا يُصابُ بإِسْهالٍ شَديدٍ وكَذَلِكَ بِقَيْءٍ مُتَكَرِّرٍ ويُسَبِّبُ ذَلِكَ فَقْدَ الماءِ والأَمْلاحِ مِنَ الجِسْم، أَيْ حُدوثَ «جَفافٍ»، وهذا هو السَّبَبُ الأَساسِيُّ لِلْمَوْتِ.

 

والبَكْتيرْيا المُسَبِّبَةُ لِلْمَرَضِ تعيشُ في الأَمْعاءِ وتتكاثَرُ بِسُرْعَةٍ كبيرَةٍ، وتَخْرُج مَعَ البِرازِ لِتُلَوِّثَ مِياهَ الشُّرْبَ أو الطَّعامَ، وبالتَّالِي تَنْتَقِلُ إلَى أَشْخاصٍ آخرينَ فتُصِيبُهُم بالمَرَضِ.

ويحتاجُ مريضُ الكُولِيرَا لِلْماءِ والأَمْلاحِ بِكَمِّيَّاتٍ كبيرَةٍ لِتَعْويضِ ما يَفْقِدُهُ مِنْهما. وقَدْ يَشْرَب المريضُ هذه المحاليلَ بالفَمِ أو يَحْصُلُ عَلَيْها بالحَقْنِ الوَريدِيِّ.

وإذا لَمْ يَحْصُلْ المريضُ علَى هذه المَحاليلِ، يُؤَدِّي الجَفافُ إلَى هُبوطٍ في الدَّوْرَةِ الدَّمَوِيَّةِ، ينتهي بالمَوْتِ. كذَلِكَ يَسْتَخْدِمُ الأَطِبَّاءُ المُضادَّاتِ الحَيَوِيَّةَ لِلْقَضاءِ علَى البكتيرْيا المُسَبِّبَةِ لِلْمَرَضِ، ولكنَّها لَيْسَتْ بَديلَةً عَنْ المَحاليلِ

 

وهُناكَ أَكْثَرُ مِنْ لَقَاح لِلْوِقايَةِ مِنَ الكُولِيرَا، ولكنَّ عَدَمَ التَّعَرُّضِ لِلْمَرَضِ أَفْضَلُ مِنْ أَيِّ شَيءٍ آخَرَ. وهُناكَ احْتياطاتٌ بَسيطَةٌ يمكنُ اتِّباعُها إِذا سافَرَ شَخصٌ إلَى بَلَدٍ قَدْ يَتَعَرَّضُ فيهِ للعَدْوَى مَثَلاً. فإذا لَمْ يَكُنْ واثِقًا مِنْ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْه أَنْ يَغْلِيَ الماءَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَبَهُ.

كَذَلِكَ ينبغي أَلاَّ يُسْتَخْدَمَ الثَّلْجُ إلاَّ إِذا كانَ مَصْنوعًا من ماءٍ سَبَقَ غَلْيُه قَبْلَ صِناعَةِ الثَّلْجِ. كَذَلِكَ يجبُ تجنُّبُ أَكْلِ المَحَارِ أو المَأْكولاتِ البَحْرِيَّةِ إلاَّ إِذا كانَتْ مَطْهُوَّةً طَهْوًا جَيِّداً لأَنَّ البَكْتيرْيا تستطيعُ أَنْ تَبْقَى حَيَّةً في مِياهِ البِحارِ، كَذَلِكَ تَجَنُّبُ أَكْلِ الأَيْسِ كِريمِ (البوظةِ) في البلادِ الّتي قَدْ يوجدُ بِها المَرَضُ.

وبالطَّبْعِ عَلَيْنا ألاَّ نَأْكُلَ أَيَّ طعامٍ مِنَ الباعَةِ الجَائِلينَ في الشَّوارِعِ، خصوصًا إِذا كُنَّا نَأْكُلُ الطَّعامَ بِدونِ طَهْوٍ أو إذا كانَ الطَّعامُ بارِدًا عِنْدَما نَشْتريهِ مِنَ البائِعِ، لأَنَّ الحَرارَةِ الّتي تَكْفِي لِطَهْي الطَّعامِ تكونُ كافِيَةً لِقَتْلِ بَكْتيرْيا الكُولِيرَا.

 

أمَّا الخَضْراواتُ والفَاكِهَةُ فيَجِبُ أَنْ نَغْسِلَها جَيِّدًا بالماءِ الصَّالِحِ لِلْشُّرْبِ قَبْلَ أَنْ نَأْكُلَها، كما يَحْسُنُ إِضافَةُ عَصيرِ اللَّيمونِ أو الخَلِّ إِلَيْها.

وكما تَرَى تَنْتقلُ البكتيرْيا من بِرازِ المَريضِ وقَيْئِهِ إلَى طعامِ الأَصِحَّاءِ وشَرابِهِمْ. فلِمُكافَحَةِ المَرَضِ لابُدَّ مِنْ مَنْعِ وُصولِ البكتيرْيا إلَى الشَّخْصِ السَّليمِ.

 

وهذا يَتَطَلَّبُ أَمْرَيْن: أَوَّلُهُما تَوْفيرُ مِياهِ الشُرْبِ النَّقِيَّةِ الخَالِيَةِ من مُسَبِّباتِ الأَمْراضِ لِجَميعِ النَّاسِ، وهو ما تَحْرِصُ عَلَيْهِ جميعُ الدُّوَلِ لِلْحِفاظِ علَى الثَّرْوَةِ البَشَرِيَّةِ الّتي هي أَغْلَى ما تَمْلِكُه أَيُّ دَوْلَةٍ.

والأَمْرُ الثَّانِي هو توفيرُ الطُّرُقِ الآمِنَةِ للتَّخَلُّصِ مِنَ الفَضَلاتِ الآدَمِيَّةِ كالبَوْلِ والبِرازِ، وهو ما يُسَمَّى «بالصَّرْفِ الصِّحِّيِّ». وهُناكَ أَكْثَرُ مِنْ أُسْلُوبٍ للتَّخَلُّصِ مِنْ هذه الفَضَلاتِ، وتَخْتارُ كلُّ دَوْلَةٍ الأُسْلوبَ الأَنْسَبَ لَها.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى