إسلاميات

نبذة تعريفية عامة عن كتاب الله عز وجل “القرآن الكريم”

2003 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر

عبد الرحمن أحمد الأحمد

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

كتاب الله عز وجل القرآن الكريم إسلاميات المخطوطات والكتب النادرة

القُرآنُ الكَريمُ هو كِتابُ الإسْلامِ، آخرُ الكُتُبِ الإلهِيَّةِ المُنَزَّلُ على خاتَمِ الرُّسُلِ.

نَزَلَ بهِ جِبْريلُ، أَمينُ الوَحْي مِنَ المَلائِكَةِ، علَى مُحَمَّدِ، صلَّى الله عَلَيْه وسلَّم: (وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ (195) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (الشعراء: 192-196).

ومَعْنَى أَنَّه «في زُبُرِ الأَوَّلينَ» أنَّ التَّوراةَ والإنْجيلَ بَشَّرا بِهِ، وأَنَّه حاوٍ لِما فيهما مِنْ أُصولِ الدِّين.

 

ظلَّ يَتَنَزَّلُ ثلاثاً وعِشْرينَ سَنَةً، مِنْ حينِ مَبْعَثِ مُحَمَّدٍ رسولِ اللهِ، إلَى أنِ انْتَقَل إلَى الرَّفيقِ الأعْلَى، صلَّى الله علَيْه وسلَّم.

كانَ أوَّلَ ما نَزَلَ مِنه صَدْرُ سُورَةِ العَلقِ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق : 1- 5).

وكان آخرهُ نزولاً (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ ۗ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (المائدة:3).

 

وَعاهُ حَرْفاً حَرْفاً، وكَلِمَةً كَلِمَةً، وآيةً آيةً، وسُورةً سورَةً، قلبَ رسولِ اللهِ، حتَّى تكامَل تنزيلُهُ. وأيَّدَه اللهُ تعالَى فحفِظَهُ مِنَ النِّسْيانِ والتَّبْديلِ تَحْقيقاً لِوَعْدِه:

( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ) (الأعلى:6).

إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ) (القيامة :17).

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (الحجر :9).

ثُمَّ علَّمَه رسولُ اللهِ مَنْ آمَنَ بِرِسالَتِه، وهَؤلاءِ قَاموا – في حَياةِ رسولِ اللهِ وبَعْدَ مَماتِهِ بِتَعْليمِه لِلْمُؤْمنينَ الجُدُدِ. 

فكانَتْ صِفَةُ القُرْآنِ الأُولَى أَنَّه مَحْفوظٌ في الصُّدورِ قَبْلَ أَنْ يكونَ محفوظاً في الصُّحُفِ والقَراطِيس: ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ ) (العنكبوت :49).

 

والاعْتِمادُ علَى حِفْظِ القُلوبِ والصُّدورِ، لا عَلَى حِفْظِ المَصاحِفِ والكُتُبِ، هو أَشْرَفُ خصائِصِ الأُمَّةِ الإسْلاميَّةِ، كما يُقَّرِّرُ ذَلِكَ ابنُ الجَزَرِيِّ.

وقَدْ شاءَ اللهُ سُبْحانَهُ وتَعالَى ألَّا ينزلَ القرآنُ دَفْعةً واحِدَةً، وإنَّما ينزلُ مجزَّءاً طيلةَ مُدَّةِ رِسالَةِ مُحمَّدٍ، صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم.

وفي هذا حِكْمَةٌ بالِغَةٌ، إذْ إنَّ اسْتِمرارَ نزولِ القرآنِ كانَ يُثَبِّتُ النَّبيَّ والمؤمنينَ ويقوِّي نُفوسَهُم. كما أَنَّه كانَ يَنْزِلُ بِحَسَبِ ما يَعْرِضُ لَهُم من مُناسَباتٍ وأحْداثٍ، فَيُوَجِّهُ المسلمينَ إلَى سلوكٍ مُعَيَّنٍ أو يَحُلُّ لهم مُشْكِلَةً معيَّنةً.

هكذا سَهُلَ علَى المسلمينَ أنْ يَحْفظوا القرآنَ ويَفهموه ويَعْملوا بِأَحْكامِه (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَىٰ مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا) (الإسراء :106) (على مُكثٍ: أَيْ علَى مَهلٍ).

 

كِتابَةُ القرآنِ في العَهْدِ النَّبَوِيِّ:

لمَّا هاجَرَ رَسولُ اللهِ، صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم، مِنْ مَكَّةَ إلَى المَدينَةِ، اتَّخَذَ كُتَّاباً عُرِفُوا باسْم «كُتَّاب الوَحْي». 

مِنْ أشْهَرِهِمْ وأَحَقِّهِمْ بهذا الوَصْفِ «زَيْدُ بنُ ثابِتٍ»، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فكانَ يَكْتُبُ بَيْنَ يَدَيْ رَسولِ اللهِ، صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم، حَيْثُ يُرْشِدُهُ إلَى كُلِّ سُورَةٍ، وإلَى مَوْضِعِ كُلِّ آيةٍ فيها.

ولَمْ تَكُنْ القَراطِيسُ والأَوْراقُ مُتَيَسِّرَةً، فكانوا يَكْتبونَ في «الرِّقاعِ» وهي مِنَ الجِلْدِ – غالِباً، و «اللِّخافِ» وهي الحِجارَةُ الرَّقيقَةُ، و«العُسُبِ» وهي الأَطْرافُ العَريضَةُ مِنَ جريدة النخل، و«الأكتاف» أي العظم العريض من الجَملِ وغَيْرِه بَعْدَ أَنْ يَجِفَّ، وما أَشْبَه ذَلِكَ. 

وهَكذا حتَّى كُتِبَ القُرآنُ جَميعُه تَحْتَ إِشْرافِ رسولِ اللهِ، صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم. عَنْ زيدِ بنِ ثابِتٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قالَ «كنَّا عِنْدَ رسولِ اللهِ، صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم، نُؤَلِّفُ القُرآنَ مِنَ الرِّقاعِ» (أيْ نَضُمُّ القِطَعِ المكتوبَ فيها بَعْضها إلى بَعْضٍ مُرَتَّبَةَ الآياتِ).

 

جَمْعُ القُرآنِ في عَهْدِ الصّديقِ:

وفي عَهْد أبي بَكْرِ الصِّديقِ رَضِيَ اللهُ عَنْه، وبِسَبَبِ حُروبِ الرِّدَّةِ وبِدايَةِ الفُتوحِ، ماتَ في المَعارِكِ كثيرٌ جِداً مِنْ حُفّاظِ القُرآنِ، فاقْتَرَحَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ علَى الخَليفَةِ أَبي بَكرٍ جَمْعَ القُرْآنِ.

ولما اقتنعَ أبو بكر بالفِكْرَةِ أرْسَلَ إلَى زَيْد بنِ ثابتٍ وكلَّفَهُ بالمُهِمَّةِ ويُعاوِنُه عُمَرُ، فكانَ يَجْلِسُ هو وعُمَرُ بنُ الخَطَّابِ أمامَ بابِ المَسْجِدِ، ويَسْمَعان ما عِنْدَ الصَّحابَةِ مِنَ القُرآنِ، سَواءٌ مِمَّا حَفَّظَهُمُ إِيَّاهُ الرَّسولُ، أو مِمَّا كَتَبوهُ عَنْهُ، صلّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم.

 

في عَهْدِ عُثْمانَ بنِ عَفَّانَ:

ولكنْ يُلاحُظُ أنَّ الكِتابَةَ الأُولَى في العَهْدِ النَّبَوِيِّ، والكِتابَةَ الثّانِيَةِ في عِهْدِ الصِّدِّيقِ، لَمْ تُعَمَّمْ، بَل ظَلّت النٌّسْخَةُ المَكْتوبةُ هي الوَحيدَةَ.

ولِذَلِكَ قَرَّرَ الخليفةُ الثَّالِثَ عُثمانُ بنُ عَفَّانَ، وبِمُوافَقَةِ الصَّحابَةِ، كِتابَةَ القُرآنِ الكَريمِ في مُصحَفٍ جامِعٍ، بِلَهْجَةِ قُرَيْشٍ الّتي كانَ النَّبيُّ، صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّم، يقرأُ بها القرآنَ ثُمَّ تَعْمَل منهُ نُسَخٌ مُتَعَدِّدَةٌ، تُوزَّعُ علَى الحَواضِرِ الإسْلامِيَّةِ، كالمدينَةِ، ومَكَّةَ، والشَّامِ، والبَصْرَةِ، والكُوفَةِ.

وتَمَّ ذَلِكَ؛ ومِنْ يَوْمِها وحتَّى اليومِ يَقولُ النَّاسُ «المُصْحَفَ العُثْمانِيَّ»، أَي المَكْتوبَ على الهَيْئَةِ والتَّرْتيبِ وبِنَفْسِ طَريقَةِ رَسْمِ الحُروفِ الّتي عَمَّمَ بها عُثْمانُ بنُ عفَّانَ المصاحِفَ علَى البُلدانِ الإسْلامِيَّةِ، ولكنَّهم أضافوا إلَيْهِ النَّقْطَ والشَّكْلَ تيسيراً لِضَبْطِ قِراءَتِهِ.

يَبْدَأُ المُصْحَفُ العُثمانيُّ بسورَةِ الفاتِحةَ، ويَنْتَهِي بِسورَة «قلْ أَعوذُ بِرَبِّ النَّاسِ»؛ مِئَةٌ وأَرْبَعُ عَشرَةَ سورَةً، كلُّ سورَةٍ مَعْروفَةُ الآيات عدّاً وتَتَابُعاً. (في الحديثِ الصحيحِ، قالَ رَسولُ اللهِ، صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم: أُعْطِيتُ مَكانَ التَّوْراةِ السَّبْعَ الطَّوالَ، وأُعْطيتُ مكَان الزَّبورِ المِئِينَ، وأُعْطيتُ مكانَ الإنجيلِ المَثانِيَ، وفُصَّلًتُ بالمُفَصَّل»

 

وفي العٌصورِ الحديثَةِ جاءَتْ التَّسْجِيلاتَ الصَّوْتِيَّةُ والإلْكترونِيًّةُ لِتُساعِدَ علَى تَعَلُّم التِّلاوَةِ الصَّحيحَةِ لِلْقرآنِ، وأَخَذَتْ الإذاعاتُ المَسْموعَةُ والمَرْئِيَّةُ تُرَدِّدُ آياتِ الذِّكْرِ الحكيم كلَّ يوم وكلَّ ساعةٍ. وصَدَق الله العظيم القائِلُ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9).

ولَقَدْ وَصَفَ اللهُ كتابَهُ فقالَ: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ) (القمر:17).

ومِنْ أجلِ ذَلِكَ يَسْتَطيعُ أطفالُ المسلمينَ أَنْ يَحفظوهُ جميعاً. وهو الكتابُ الدِّينِيُّ الوَحيدُ الّذي يَحْفَظُهُ المؤمنونَ بِهِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ. وهو الكتابُ الوحيدُ الّذي حَفِظَه اللهُ تَعالَى مِنَ التَّبْديلِ والتَّحْريفِ.

وسَنَتُرُكُ الحديثَ عَنْ تاريخِ القُرْآنِ وعُلومِهِ، فهذا مِمَّا تَجْدُهُ في مَداخِلَ أُخْرَى مِن هذه المَوسوعَةِ ، وتَقْرأُ عَنْ تَفْصيلاتِهِ في كتابِ «البُرهان» للزَّرْكَشِيِّ، و«الإتْقانِ» للسَّيوطِيَّ وغيرِهما من عَشَراتِ الكُتُبِ الحَديثَةِ في المَوْضوعِ، ونَنْظُر في القُرْآنِ نَفْسِهِ، مُحاوِلينَ – مَعَ الاخْتِصارِ الشَّديدِ – التَّعريفَ بهِ، كما تحدَّثَ هو.

 

أسْماءُ القُرْآنِ وصِفاتُهُ:

هو «القُرْآنُ» وهو «الكِتَابُ» وهو «الفُرْقانُ»، وهو «الذِّكْرُ»، وهو «النُّورُ». هذه أشْهَرُ أَسْمائِهِ الّتي نَطَقَتْ بِها آياتُهُ.

القُرآنُ: تَكَرَّرَ هذا الاسْمُ 68 مَرَّةً، ومِنْها: البَقَرَة: 185 ، والنِّساء: 82 والبُروج: 21. والكتابُ: تَكَرَّرَ هذا الاسْمُ أَكْثَرَ من خَمْسينَ مَرَّةً، منها: البَقَرَة: 2، آلُ عِمرانَ: 3، 7، الأَحْقَافُ: 12، 30. الفُرقانُ: البقَرَة: 185، آلُ عِمرانُ: 4، الفُرقان: 1. الذِّكْرُ: الحِجْر: 6، النَّحْل: 44، طهَ: 99، الأنْبِياءُ: 50، الطَّلاقُ: 1. النُّورُ: النِّساءُ: 174، التَّغابُنُ: 8.

ومن صِفاتِهِ أَنَّه «البُرْهانُ» و«الحَقُّ» و«الهُدَى» و«المَوْعِظَةُ» و«الرَّحْمَةُ»، وأنَّه «شِفاءٌ لِمَا في الصُّدورِ» و«بُشْرَى لِلْمؤمنينَ»؛ وأنَّه «العزيزُ»، «العَظيمُ»، «المجيدُ»، «العَلِيُّ»، «الكَريمُ»، «الحَكيمُ»، «المُبارَكُ»؛ وأَنَّه «المُبينُ»، «المُفَصَّلُ».

 

نُزولُه مِنَ اللَّوْحِ المَحفوظِ:

كانَ ابْتداءُ نُزولِ القُرآن في لَيْلَةٍ تُسَمَّى «لَيْلَةَ القَدْرِ»، وهي «لَيلَةٌ مُبارَكَةٌ» من لَيالِي «شَهْر رَمضانَ» (البَقرة: 185، الدخان:3، القدر:1).

وكانَ قَبْلَ نُزولِه مَحْفوظاً مَكْتوباً عِنْدَ الله في «اللَّوْحِ المَحْفوظِ» (البروج: 22). واللَّوْحُ المَحفوظُ هو «أُمُّ الكِتابِ»، إذْ هو أَصْلُ  الكُتُبِ السَّماوِيَّةِ، وكلُّها مَنْقول مِنْهُ.

 

القُرآنُ مُصَدَّقٌ لِلْكُتُبِ السَّابِقَةِ:

وقَدْ نَزَلَ القُرْآنَ الكريمُ مُصَدَّقًا لِلْكُتُبِ الإلهِيَّةِ السَّابِقَةِ كالتَّوْراةِ والزَّبورِ والإنْجيلِ ، يَحْوِي أُصولَها في العَقائِدِ ، والأَخْلاقِ.

ويَحْكِي كثيًرا مِنْ قِصَصِ أَنْبِيائِها وبَعْضِ شَرائِعِها، ويَشْهَدُ عَلْيَها: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ۖ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ ۚ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) (المائدة:48).

بَلْ هو يُبَيَّنُ بَعْض ما فيها منْ الأُمورِ المُشْكِلَةِ (إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (النمل:76).

 

المَضْمونُ العامُّ لِلْقُرآنِ الكَريمِ :

والقُرآنُ الكريمُ يُسَجَّل أُصولَ الإسْلامِ، ويُشيرُ إلَى مَواقِفِ المُخالِفِينَ : يُشيرُ إلَى أَهْلِ الشَّرْكِ عامَّةً ، ومُشْرِكِي العَرَبِ خَاصَّةً ، ويُجادِلُهُم ، ويَذْكُرَ مَطاعِنَهُم علَى الرَّسولِ وعلَى القُرآنِ ويَرُدُّ عَلَيْها.

ويكرَّرُ ذِكْرَ اليَهودِ ويَنْسُبُهم «بَني إسْرائِيلَ» ، ويفصَّل قِصَصَ رُسُلِهِمْ ، ويُطيلُ الحِوارَ مَعَهُمْ، ويَدْعُو النَّصَارَى ويُبَيَّنُ لَهُم الحقَّ في المَسيحِ عِيسَى بن مَرْيَمَ، وأَنَّه عَبْدُ اللهِ ورَسولُهُ، وأُمُّهُ صَدِّيقَةٌ مُصْطَفاةٌ علَى نِساءِ العالَمِينَ، وأَنَّه عَلَيْه السَّلامُ لَمْ يُصْلَبْ.

ويُمْكَنُ مِنْ خِلالِ القُرْآنِ تَتَبُّعُ السِّيرَةِ النَّبَوِيَّةِ، ومَعْرِفَةُ كثيرٍ مِنَ الوَقائِعِ والأَحْداثِ، كغَزْوَةِ بَدْرٍ والخَنْدَقِ (الأحزابِ)وقُرْيَظَة والنَّضيرِ وتَبوكَ. (راجِع كتابً «سيرةُ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم: صُورَةٌ مُقْتَبَسَةٌ مِنَ القُرآنِ الكريمِ» لِمُحمد عَزَّةَ دروزَة.

 

تُهَمٌ باطِلَةٌ والرَّدُّ عَلَيْها:

وفي القُرآنِ الكَريمِ تَسْجيلٌ واضِحٌ للتُّهَم الّتي وَجَّهَتْ إلَيْه، سواءٌ مِنَ المشُرِكينَ أو مِنْ أهْل الكِتابِ، وهي تُهَمٌ غايَتُها نَفْيُ نِسْبَتِهِ لِله عَزَّ وجَلَّ، ومِنْ أَهَمِّ هذه التُّهَمِ:

– أَنَّه «أَساطيرُ الأوَّلينَ»، أَي مَجموعَةُ حكاياتٍ وعقائِدَ تاريخِيَّةٍ «اكْتَتَبَها» مُحَمَّدٌ، أَيْ طَلَبَ مِنْ غَيْرِه أَنْ يَكْتُبَها لَهْ «فهي تَمْلَى عَلَيْه بَكْرَةً وأَصيلا» (الفرقان:5، وانظر: الأنعام:25؛ الأنفال: 31؛ النحل: 24؛ القلم: 15؛ المطفيين: 13).

 

– أنَّه نَقْلٌ عَن بَعْضِ الأَشخاصِ مِنْ أَتْباعِ اليَهودِيَّةِ أو النَّصرانِيَّةِ، يَتَعلَّمُهُ مِنْهُم مُحَمَّدٌ (النحل: 103 : الدُّخان: 14).

– أنَّه «إِفْكٌ» و «افْتِراءٌ» جاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ مِنْ عِنْدِ نَفْسِه، ثُمَّ نَسَبَهِ لِلِّهِ تَعالى (يونُس: 37، 38؛ هود:13، 35؛ يوسُف: 11؛ السَّجْدَة: 3؛ الأَحْقاف: 11).

 

– أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الخَيالاتِ المَرضِيَّةِ «أَضْغاثُ أَحْلامِ»، تَعْتَرِي إِنْساناً «بِهِ جنَّةٌ»، تَتَلَعَّبُ بِهِ الشَّياطِينُ وتُلْقِيهِ إِلَيْه (الحِجْر: 6؛ الأَنْبياء: 5؛ الصَّافَّات: 36؛ القَلَم: 51).

– أنَّه ضَرْبٌ من السِّحْرٌ والشِّعْرُ (يونس: 2؛ الإسراء: 47؛ سبأ: 43؛ الزخرف: 30؛ الأحقاف: 7؛ المدثر: 24؛ الصافات: 36؛ الطور: 30).

 

أما السحر والشعر، فَواقِعُ كلِّ مِنَ القُرآنِ الكَريمِ والرَّسولِ، صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم، يُكَذِّبُ هذه الدَّعْوَى. وأمَّا الإفكُ والافْتِراءُ، فَقَدْ واجَهَ القُرآنُ أَصْحابَ هذه المَقولَةِ بالتَّحدِّي، ودَعاهُم إلَى الإتْيانِ بِمِثْلِه، أَو بِعَشْر سُوَرٍ مِنْ مِثْلِه مُفْتَرياتٍ، أَو بِسورَةٍ مِنْ مِثْلِه.

ووَاقِعُ الحالِ دالٌّ علَى أَنَّه لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ بِمِثْلِ هذه المُحاوَلِةِ (الّذي يوجدُ في أيَّامِنا هذه على شَبَكاتِ الانْتَرْنِتْ عَبَثٌ مَحْضٌ، لا يَنْتَمِي إلَى الجِدِّ والعِلْمِ بِسَبَبٍ).

بَقَيَتْ ثلاثُ تُهَمٍ تُوجَّهُ لِلْقرآنِ: أَنَّه خَيالاتٌ مَرَضِيَّةُ لِشَخْصٍ مَجْنونٍ، وأَنَّه مجموعةٌ مِنَ الأَساطيرِ، وأَنَّه نَقْلٌ عَنْ أَهْلِ الكتابِ.

 

وقَدْ دلَّ واقِعُ التَّاريخِ أَنَّ مُحَمَّداً، صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم، بَنَى أُمَّةً عَظيمَةً، غَيَّرَتْ مَجْرَى التَّاريخِ، علَى أَساسٍ مِنَ الأَخْلاقِ القَويمَةِ، والتَّشريعاتِ الحَكيمَةِ، وهذا لا يَصْنَعُهُ مَجْنونٌ بِطَبيعَةِ الحالِ

والتًّهْمَتان الباقِيتَان هُما مَلاذٌ «لِلْمُحْتَرِفينَ» مِنْ أَهلِ الكِتابِ وأَشْياعِهِمْ، بدافِع من العَصَبِيَّةِ والبَغْضاءِ لِرَسولِ اللهِ، صلَّى اللهُ عَلَيْه وسلَّم. وهَؤلاءِ كُلَّما وَجَدوا في القُرآنِ ما يَجْهلونَ قَالوا «أَساطيرُ الأَوَّلينَ»، وكُلَّما وَجَدوا ما يَعْرفونَ قالوا: هذا نَقْلٌ من كُتُبِنَا.

 

والسُّؤالُ البَسيطُ جِدّاً: إِذا كانَ مُحَمَّدٌ قَدْ تَعَلَّم ما عِنْدَه من كُتُبِكُم، فَهَلْ تَعلَّمَ أَيْضاً مِنْها تَصحيحَ أَخْطائِكُم، ونَقْصِ تَحْريفاتِكُم وتَأْويلاتِكُم الفَاسِدَة؟ ثُمَّ، هذه الأَساطيرُ أَمَامَكُم، فاصْنَعوا مِنْها قُرْآناً يَهْدِي النُّفوسَ ويَبْنِي الأُمَمَ!

يَقولُ القُرآنُ الكَريمُ في هؤلاءِ وأَشْباهِهِم (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَّا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ۚ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَٰذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ) (الأحقاف: 11) ، ويقول( بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ ۚ كَذَٰلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (يونس:39).

وأًهَمُّ الأَرْكانِ الّتي فَصَّلَها القرآنُ: الإيمانُ باللهِ وملائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليَّوْمِ الآخِرِ، والعبِاداتِ، والأَخْلاقِ، والتَّشريعاتِ.

 

اللهُ والإنْسانُ:

وحَديثُ القُرآنِ عَنْ اللهِ مَليءٌ بالجَلالِ، مُفْعَمٌ بِمَعانِي البرِّ والرَّحْمَةِ والقُرْبِ مِنَ الإنْسانِ. ولِلهِ صِفاتُ الكمَالِ، وعلَى رَأسِها أَنَّه واحِدٌ أَحَدٌ، لا شَريكَ لَهُ، ولا صاحِبَةَ ولا وَلَدَ؛ لَهُ الأَسْماءُ الحُسْنَى، والصَّفاتُ العُلْيا؛ لا إلَه إلَّا هو، لا مِثْلَ ولا نِدَّ ولا عِدْلِ ولا شَبيهَ لَهُ في صِفاتِهِ وأفْعالِهِ.

هو رَبُّ العالَمين، الرَّحْمنُ الرَّحيمُ، مالِكُ يَوْمِ الدَّينِ هو الأَوَّلُ والآخِرُ والظَّاهِرُ والباطِنُ. هو الحَيُّ القَيُّومُ، الحَقُّ المُبينُ، القَوِيُّ المتينُ، الحَميدُ المَجيدُ، الغَنِيُّ الرَّفيعُ، الكَبيرُ البديعُ، العَلِيُّ العظيم. هو المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤمِنُ المُهَيْمِنُ العزيزُ الجَبَّارُ المُتَكبِّرُ.

هو الخالِقُ البارِئُ المُصوِّرُ. هو النُّورُ الهادِي، الوَهَّابُ الرَّزّاقُ، التوَّابُ الغَفورُ، العَفُوّ الرَّءوفُ، الحليمُ اللَّطيفُ، الوَدودُ القَريبُ، المُسْتَعانُ المُجيبُ، الوَلِيُّ النَّصيرُ، البَرُّ الحَفِيُّ الأكْرَمُ هو الصَّبورُ الشّكورُ. هو الفَتَّاحُ العَليمُ، الحافِظُ الحكيمُ، المُنْتَقِمُ الغالِبُ، القَهَّارُ القَديرُ، الحَسيبُ الرَّقيبُ، المُحيطُ الشَّهيدُ، مالِكُ المُلْكِ ذُو الجلالِ والإكْرامِ، الإلَهُ الصَّمَدُ، الّذي لَمْ يَلِدْ ولَم يولَد ولَم يَكُن له كُفُواً أَحَدُ.

 

وهو سُبْحانَه – كما يَعْلَم قَارِئُ القُرآنِ – يَتَقَدَّمُ إلَى عِبادَهِ بِنِعَمِهِ وأَفْضالِهِ وإحْسانِهِ. وهذا هو المَنْحَى الشَّائِعُ في القُرآنِ، وكَمِثالٍ واحِدٍ مِنْ عشراتِ الأَمْثِلَةِ: سورَةُ النَّحل، الّتي يُسَمِّيها بَعضُ العُلَماءِ سُورَةَ النِّعَمِ.

إِنَّ قَارِئَ القُرْآنِ دائِماً مَعَ اللهِ، الّذي يُخاطِبُ عِبادَهُ، ويَدْنو مِنْهُم لِيَعْرِفُوه: بِأَوْصافِهِ المُقَدَّسَةِ، وأَسْمائِهِ الحُسْنَى، فيُوَقِّرونَهُ بالمُراقَبَةِ والخَشْيَةِ، ويُناجونَه بالتَّسْبيحِ والتَحْميدِ، ويَدْعونَه بالرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ.

ويَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ «العبِاداتُ» مِنْ صَلاةٍ، وصَوْمٍ، وزَكاةٍ، وحَجٍّ، وتِلاوَهٍ لِلْقُرآنِ، ودعاءٍ، وذِكْرٍ. «وما خَلَقْتُ الجنِّ والإنسَ إلاَّ لَيَعْبُدونِ. ما أُريدُ مِنْهُم مِنْ رِزْقٍ وما أُريدُ أَنْ يُطْعِمُونِ» (الذَاريات: 56، 57).

 

والعِباداتُ زَكاةٌ للنُّفوسِ، وطَهارَةٌ لِلقلوبِ، كما قالَ في الصَّلاةِ (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45). 

وفي الصَّوْمِ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)، وفي الزَّكاة (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (التوبة:103)، وفي شَعائِرِ الحَجِّ (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32).

 

المَبْدأُ والمعادُ:

ومِنْ مَوْضوعاتِ القُرآنِ الرَّئيسِيَّةِ تَنْبِيهُ الإنْسانِ إلَى المَبْدَأِ والمَعَادِ، فَنَجدُ فيهِ قِصَّةَ الخَلقِ: خَلقِ السَّمواتِ والأَرْضِ وخَلقِ الإنسانِ. ويَجْعَلُ من هَذَينِ المَوضوعَينِ مَجالاً للتَّفَكُّرِ والاعتِبارِ، والحَثِّ علَى التَأَمُّلِ والتَّدَبُّرِ واكْتِشافِ أَسرارِ الكَونِ والحَياةِ.

ويُقَرِّرُ القُرآنُ أنَّ هذه الحياةَ «الدُّنْيا» لَيْسَت نِهايَةَ المَطافِ، بَل هُناكَ الحَياةُ «الأُخْرَى». وصُورَةُ اليَوم الآخِرِ في القُرآنِ الكَريمِ ذاتُ تَفصيلاتٍ عَجيبَةٍ، سواءٌ في مُقَدِّماتِ ذَلِكَ اليَومِ أو في أَحداثِهِ ونَتائِجِه، إِذْ «تَبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ والسَّمواتُ»، فَتَنَشَقُّ السَّماءُ وتَنْفَطِرٌ.

وتَنْطَفِئُ النُّجومُ وتَنْكَدِرُ، ويَخْتَلُّ تَماسُكُ الكَواكِبِ وتَنْتَثِرُ، وتُزَلْزَلُ الأَرْضُ وتُحْمَلُ بِجبالِها وتُدَكُّ، ثُمَّ يُنْفَحُ في الصُّورِ فَيموت الأَحْياءُ، ويُنْفَحُ فيِه أُخرَى فإذا أَهْلُ القُبورِ قِيامٌ يَنطَلِقونَ لأَرْضِ المَحْشَرِ سِراعاً، ثُمَّ العَرْضُ والحِسابُ، ثُمَّ الجزاءُ «فريقٌ في الجَنَّةِ وفريقٌ في السَّعيرِ».

وصُورَةُ الجَنَّةِ والنَّارِ في القُرآنِ، هي أَيْضاً، تَعْطِي تَفْصيلاتٍ غَيرَ مَسبوقَةٍ، وهي تَمْلأ قَارِئَ القُرآنِ شَوْقاً إلَى الجَنَّةِ ونَعيمِها، وفَزَعاً مِنَ النَّارِ وجَحيمِها

 

القُرآنُ والأخلاقُ:

أَسَّسَ القُرآنُ الكَريمُ «نَظَرِيَّةً» في الأَخْلاقِ، هي «الأَخْلاقُ الإسْلامِيَّةُ». وهي صُورَةُ الكَمالِ الإنْسانِيِّ الّذي تَرْتَقِي فيهِ الأنْفُسُ إلَى أَعْلَى الدَّرجاتِ..

ولا انْفِصال لِلأَخْلاقِ الإسْلامِيَّةِ عَن الإيمانِ والعِباداتِ، ولِذَلِكَ لَمَّا سُئِلَتْ السَّيِّدةُ عائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْها، عَنْ خُلُقِ رَسول اللهِ، صلَّى الله عَليْه وسلَّم، قالَتْ: «كانَ خُلُقُهُ القُرْآنَ».

وفي القُرآنِ الكَريم جَوامِعُ، أو مَعاييرُ كُلَّيَةٌ لِلأَخْلاقِ، مِنْها: الحَقُّ، والعَدْلُ، والخَيْرُ، والبِرُّ، والصَّلاحُ، والإحْسانُ، والمَعروفُ (نَقيضُها: الباطِلُ، والظُّلْم، والشَّرُّ والفُجورُ، والفَسادُ، والسُّوءُ، والمُنْكَرُ).

 

وسواءٌ كانَ الإنْسانُ وَحْدَه أو في جماعَةٍ، وسواءٌ تَعامَلَ مَعَ الإِنْسانِ أو الحيوانِ أو الأَشياءِ، فالمطلوبُ مِنهُ الإحسانُ والصَّلاحُ (وهذا عَمَلٌ إيجابِيٌّ)، فإنْ عَجَزَ فَلْيَجْتَنِبْ السُّوءَ والفَسادَ، مُراقَبَةً للهِ وطَلَباً لِمَرْضاتِهِ.

وقَدْ حَرَصَ القُرآنُ علَى تَرْبِيَةِ الباطِنِ وتَزْكِيَةِ السَّرائِرِ، ولِذَلِكَ تَدْخُلُ في الأَخْلاقِ الإسْلامِيَّةِ التًّقوَى والإخْلاصُ (ونقيضُها النِّفاقُ والمُراءَاةُ)، وحَديثُ الأَرْبَعَةِ مُسْتَفيضٌ في القُرآنِ الكريمِ

وحَرَصَ القُرآنُ كَذَلِكَ علَى تَقْوِيَةِ الرَّوابِطِ الإنْسانِيَّةِ، بَدءاً مِنَ الأُسْرَةِ ثُمَّ الجيرانِ، ثُمَّ المُجْتَمَعِ ، ثُمَّ البَشَرِيَّةِ. فَحَثَّ علَى بِرِّ الوَالِدَيْنِ، وحُقوقِ الجارِ، ورِعايَةِ ابْنِ السَّبيلِ (الغَريبِ)، والإحْسانِ إلَى الضُّعَفاءِ كاليَتامَى والأَسْرَى.

 

ويُطْلَقُ علَى هذا النَّوْعِ مِنَ الأَخْلاقِ في المُصْطَلَحِ الإسْلامِيِّ «الأَدَبُ» و«البِرُّ والصِّلَةُ»، و«مَكارِمُ الأخْلاقِ».

ومِنَ الأَخْلاقِ الّتي نَصَّ عَلَيْها القُرآنُ الكَريمُ إضافَةً إلَى ما سَبَق: الأَمانَةُ، والصِّدْقُ، والصَّبْرُ، والإيثارُ، والوَفَاءُ، والرَّأْفَةُ، والرَّحْمَةُ، والكَرَمُ، والحَيَاءُ، والعِفَّةُ، والتَّواضُعُ (خَفْضُ الجَناحِ واللِّينُ)، والحِلْمُ، والوَقَارُ، والتَّعاوُنُ، والإخَاءُ، والمَحَبَّةُ ونَهَى القُرآنُ عَن الخِيانَةِ، والكَذِبِ، والجَزَعِ، والشُّحِّ، والغَدْرِ، والقَسْوَةِ، والبُخْلِ، والفُحْشِ، والكِبْرِ، والخُيَلاءِ، والهَلَعِ، والتَّنازُعِ، والفُرْقَةِ، والبَغْضاءِ.

وهناكَ كتابٌ مُهمٌّ جِدَاً في هذا المَوْضوعِ، عُنوانُه «دُسْتورُ الأَخْلاقِ في القُرْآنِ» ومُؤَلِّفه المَرْحومُ الدكتورُ مُحَمَّدُ عَبْدُ اللهِ دُرَازِ.

 

من أسئلة المسابقات حول القرآن الكريم:

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى