علم الفلك

درب التبانة

2013 أطلس الكون

مور ، السير باتريك مور

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الفلك

درب التبانة

المشكلة الأساسية التي تواجهنا عندما نحاول معرفة شكل مجرتنا هي أننا نعيش بداخلها، فحالنا تماما مثل حال رجل يقف في ميدان بيكاديلى ويحاول اكتشاف شكل لندن من داخله. وفي الأصل، افترض الجميع بالطبع أنه لا بد للشمس بالكواكب التابعة لها أن تقع في منتصف المجرة، فقد اكتشف ويليام هيرشل مثلا أن أعداد النجوم متماثلة عبر مجرة درب التبانة مع أنه وباعتراف الجميع فإن بعض مناطقها أغنى بالنجوم من غيرها.

جاءنا أول دليل موثوق في الأربعينيات عبر الفلك الراديوي. فقد كان من المعروف وجود الكثير من المادة المنتشرة بكثافة قليلة بين النجوم، وكان الافتراض المنطقي أن هذه المادة هي الهيدروجين لأنه أكثر العناصر انتشارا. وفي عام 1944، توقع الهولندي ه.س. فان دي هولست (H.C. van de Hulst) أن سحبا من الهيدروجين البارد تنتشر في المجرة وينبعث منها موجات راديوية عند طول محدد وهو 21.1 سنتيمتر (8.3 بوصة)، وثبت بعد ذلك أنه كان محقا فعندما تم قياس مواقع وسرعات سحابات الهيدروجين أظهرت أن بنيتها حلزونية- ولم يأت هذا الاكتشاف مفاجئا نظرا لأن معظم المجرات حلزونية الشكل.

ونحن اليوم في وضع يمكننا من رسم ما نعتقد أنه تصور جيد لشكل وبنية المجرة، فهي تمتد نحو 100,000 سنة ضوئية من ناحية إلى الأخرى (تعتقد بعض الهيئات أن هذا الرقم مبالغ فيه)، ولها انتفاخ مركزي يصل عرضه تقريبا إلى 10,000 سنة ضوئية. تقع الشمس على بعد ما بين 25,000 و 30,000 سنة ضوئية من مركز المجرة، ليس بعيدا عن مستوى المجرة الأساسي وبالقرب من طرف ذراع حلزوني. وما بعد المنظومة الرئيسية نجد الهالة المجرية وهي كروية تقريبا وتضم أجساما مُسِنة جدا كحشود كروية ونجوم متقدمة في التطور. وهي في الواقع تضم مجموعتين مختلفتين من النجوم، أولهما المجموعة I اليافعة نسبيا، والأخرى الأكبر سنا هي المجموعة II وهي السائدة في الحشود الكروية والأجسام الأخرى التي لها هالات.

لا يمكننا رؤية مركز المجرة لو نظرنا عبرها بسبب كَم المادة الحاجبة فيها، إذ يقع مركزها وراء السحب النجمية الجميلة التابعة لكوكبة الرامي. أما بالنسبة للأشعة تحت الحمراء فإنه لا يتم حجبها بنفس الطريقة وبالتالي تم العثور على مركز المجرة بواسطة القمر الفلكي تحت الأحمر IRAS في 1983. وكان أغلب الظن منذ فترة عن احتمال وجود ثقب أسود هائل الكتلة مرتبط بمصدر راديوي مدمج وللأشعة السينية اسمه الرامي A* (ينطق الرامي A نجمة). تم التأكد عام 2002 عبر رصد وحدة ييبون من المقراب فائق الكبر VLT. وأيضا تم كشف بعض النجوم في المنطقة المركزية ووجد أن واحدا من تلك النجوم واسمه S2 يدور حول الجسم المركزي في دورة زمنها 15.2 سنة ويقترب من الجسم حتى يكون على بعد فقط 17 ساعة ضوئية (ثلاثة أضعاف متوسط المسافة بين شمسنا و بلوتو)، في حين أن السرعة المدارية تجاوزت 5000 كيلومتر (3100 ميل) في الثانية. يشير هذا إلى أن الثقب الأسود الرامي A* له كتلة تفوق كتلة الشمس بنحو 2.6 مليون ضعف وتقع بالقرب منه سحابات غازية ملتفة بالإضافة إلى نجوم عالية التألق.

نحن نعلم أن المجرة تدور حول مركزها وأن شمسنا تستغرق 225 مليون سنة لإكمال دورة واحدة. تبين قوانين كبلر أن أجسام المنظومة الشمسية الأقرب من المركز (ينطبق على الشمس في هذه الحالة) تتحرك بسرعة تفوق سرعات الأجسام الأبعد، فعلى سبيل المثال يتحرك عطارد بمعدل أسرع من الأرض والأرض معدلها أعلى من المريخ. ولكننا لا نجد هذا في المجرة، فنجد أن السرعات أعلى بالقرب من طرف القرص مما هو المتوقع وفقا لقوانين كبلر. يبقى التفسير الوحيد هو أن معظم كتلة المجرة ليست متركزة في منتصفها ولا بد من وجود كَم هائل من المادة في مكان أبعد. لا نستطيع أن نراه ولا نعلم مما يتكون، وكل ما يمكننا أن نجزم به هو وجوده. أما مسألة ’الكتلة المفقودة’ فهي من أكثر المسائل المحيرة في علم الفلم الحديث.

يقتصر اليوم اسم ’درب التبانة’ على الحزمة المضيئة في السماء مع أننا في الواقع ما زلنا نتحدث عن مجرة درب التبانة. والقيام بمسح شامل للسماء بمنظار أو بمقراب واسع المجال أمر مذهل ومن الصعب التذكر دائما أن كل نقطة مضيئة هي بالفعل شمس أخرى. وبما أن معظم النجوم الموجودة في درب التبانة هي من الخافتة القليلة الكتلة، فمن المحتمل وجود ما يقارب 400,000 مليون نجم في مجرتنا.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى