العلوم الإنسانية والإجتماعية

أمثلة على مراحل “التألق والخفوت” في حياة العلماء

1997 قطوف من سير العلماء الجزء الثاني

صبري الدمرداش

KFAS

التالق والخفوت في حياة العلماء العلوم الإنسانية والإجتماعية المخطوطات والكتب النادرة

لم تكن حياة العالم المعيَّن عطاءً مستمراً وإنتاجاً متصلاً متدفقاً بتوالي السنين، وإنما كانت هناك فترات تألق تتبعها فترات خفوت. وبالمعنى الفيزيقي كان يوجد تضاغظ وتخلخل في سني حياة العلماء .

فأرسطو  مثلاً تألَّق في فترة عمادته لليسيوم، وهي ثلاثة عشر عاماً، وضع إبانها أعظم مؤلفاته. ونيوتن، كانت تعتبر الشهور الثمانية عشر التي أعقبت تخرجه في كلية ترينتي بمثابة الشهور الذهبية التي توصَّل خلالها إلى أهم كشوفه وأعظمها .

كما كان أهم نشاط زاوله ماكسويل في العامين اللذين لحقا تخرجه، وهما العامان اللذين قضاهما في ترينتي.

 

ففي هذين العامين قرأ كتاب فاراداي الشهير "بحوث تجريبية"، كما بدأ دراساته في الكهرباء وهي الدراسات التي أدَّت إلى أعظم كشوفه ، النظرية الكهرومغناطيسية .

وحتى آينشتاين تركز نشاطه الحقيقي خلال نحو خمسة عشر عاماً، من 1901 إلى 1916، أنجز خلالها نظريته في النسبية الخاصة في بدايتهما والنسبية العامة في نهايتهما. ويعتبر عام 1916 بالذات هو عام الذروة بالنسبة للنشاط العلمي لآينشتين، وبعده أخذ المعدَّل في الهبوط.

وبمرور السنين بدا هذا العالم الفذ معزولاً عن التيار الفكري المتصاعد في الفيزيقا النظرية، كما كان بمنأى عن التطورات الفيزيقية الخطيرة التي حدثت في سنوات ما بين الحربين، مثل كشف النيوترون في إنجلترا وتفتيت ذرة اليورانيوم في إيطاليا .

 

وفيما بين عامي 1747 و 1751، أي خلال سنواتٍ أربع فقط ، توصَّل فرانكلين إلى أهم كشوفه . وهنا تجب الإشارة إلى أنه على عكس القاعدة العامة التي تقول إن أعظم الكشوف في علم الفيزيقا قام بها رجال في العقدين الثالث والرابع ، فإن فرانكلين قد بدأ حياته العلمية في سن الأربعين، لأنه كان قبل ذلك مشغولاً بأمور أُخر .

كذلك كان من نصيب بعض الناس أن يقوموا في حداثتهم بعمل علمي خطير ثم سرعان ما يذوي غصن حياتهم الغض الرطب بسببٍ أو بآخر. ولعل من أظهر الأمثلة لأولئك عالم الذرة الشهير موزلي الذي بلغ مدى حياته العلمية كلها سنواتٍ أربعاً فقط أخرج في أثنائها ما أدهش الثقات!

وقبل أن يذيع اسمه وتُدرك قيمة مباحثه واراه التراب شهيد وطنيته، فقد مات وهو غض الإهاب في الثامنة والعشرين ! .

ويرى روبنسون أن الثامنة والعشرين هذه بالذات هي سنٍّ حاسمة، لأن كثيراً من كبار العلماء تألَّقوا فيها .

 

ولكن من جهة آخرى يستمر بعض العلماء في العطاء العلمي الرفيع حيث ينشرون بحوثاً من الدرجة الأولى وهم في أرذل العمر.

فقد أتمَّ كل من بافلوف والسير فردريك مولاند هوبكنز والسير جوزيف باركروفت إنجازاتهم وهم فوق السبعين ! .

هذا، ومن المعلومات الطريفة التي يمكن ذكرها أن الذروة الإنتاجية للعلماء المولودين بين عامي 1750 و 1850 كانت تقع خلال السنوات بين الثلاثين والتاسعة والثلاثين.

وإذا اتخذنا هذه السن أساساً للمقارنة، وقدَّرنا نسبتها الإنتاجية بمائة في المائة، لوجدنا أن إنتاج العقد الواقع بين سنّي 20 و 29 يقدر بنحو 30%.

 

وإذا كانت قدرة الإنسان على الابتكار تبدأ في التناقص في سنٍّ مبكرة، قد تقع في العقد البادئ بسن العشرين، فإن هذا النقص قد يُعوِّضه تزايد الخبرات وتراكمها .

وقد يرجع فقدان العلماء لقدرتهم الإنتاجية في أواسط العمر تقريباً إلى انشغالهم بأعباءٍ ومهام أُخر، قد تكون إدارية في أغلبها أو سياسية، ومن ثم لا تُتاح لهم الفرصة الكافية للبحث، وفي حالاتٍ أُخر يظهر الكسل والتراخي بحلول منتصف العمر. والاطمئنان على المستقبل مما قد يؤدي إلى فتور الحافز. كما يُعزى ذلك الفقدان للقدرة الإنتاجية بتقدم العمر إلى الاقتصار على نفس الموضوع أطول من اللازم.

ومن هنا يُنصح العلماء الذين تخطّوا منتصف العمر وفقدوا قدرتهم على الإبداع بالتغيير الجذري لمجالات بحوثهم. وكم نجح علماء بإنعاش أذهانهم، بهذه الطريقة، بعد ما تخطَّوا الخمسين من عمرهم .

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى