علم الفلك

المعالم السطحية للقمر

2013 أطلس الكون

مور ، السير باتريك مور

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

علم الفلك

المعالم السطحية للقمر

إن القمر بالنسبة لراصد يستخدم مقرابا صغيرا هو أكثر جرم مدهش في السماء، ففيه يظهر كم هائل من التفاصيل، ويتغير مظهره تغيرا ملحوظا عبر الليالي بسبب تغير زاوية الإضاءة الشمسية، فالفوهة التي تبدو مهيبة عندما يقترب القمر من الخط الفاصل- وهو الحد بين نصفي النهار والليل- تكون رؤيتها شبه مستحيلة عندما يقترب القمر من البدر ولا تقع أي ظلال.

ومن أبرز معالم القمر السطحية السهول الواسعة المعتمة المعروفة بالبحار. فمنذ قرون ونحن نعلم أنها خالية تماما من المياه (وأنها دائما ما كانت كذلك) ولكنها بقيت على أسمائها الرومانسية كبحر الأمطار وخليج قوس قزح ومحيط العواصف، وهي متعددة الأنواع. فبعضها، مثل بحر الأمطار، محيطها دائري وحدودها جبلية، ويبلغ قطر بحر الأمطار 1300 كيلومتر (800 ميل). أما البحار الأخرى، كمحيط العواصف، فهو غير منتظم الشكل ومرقع ويعطي بذلك انطباع أنه فيضان بركاني. وتوجد خلجان، مثل خليج قوس قزح، تبدأ من بحر الأمطار ويبدو مظهرها عند شروق أو غروب الشمس فوقها مدهشا، حيث يسقط الضوء على قمم الجبال والأرض مازالت مكسوة بالظلال فتُحدِث ما يسمى أحيانا ’بالمقبض المرصع’.

تُشكل معظم البحار الرئيسية منظومة متصلة، باستثناء وحيد وهو بحر الأزمات المنعزل الذي يقع بالقرب من الطرف الشمالي-الشرقي للقمر، وتسهل مشاهدته كجسم منفرد بالعين المجردة. يبدو كأنه ممدود من الشمال إلى الجنوب، ولكن هذا يرجع إلى تأثير التقصير البصري، فالقطر الشمالي-الجنوبي يساوي 460 كيلومتر (285 ميل) في حين يساوي القطر الشرقي-الغربي 590 كيلومتر (370 ميل)، وتتأثر البحار الأقرب للطرف بظاهرة التقصير لدرجة أنه لا يمكن رؤيتها إلا تحت ظروف ملائمة.

وتسود منظر القمر الفوهات البركانية، التي يتراوح حجمها من تطويقة شاسعة مثل بيلي الذي يبلغ قطره 293 كيلومتر (182 ميل) إلى حفر صغيرة. ولا يخلو أي جزء من سطح القمر منها، فهي تتركز عند المرتفعات ولكن تجدها أيضا في قاع البحار وعلى جوانب وقمم الجبال. وفي بعض الأحيان تنفتح الفوهات على بعضها، فتتشوه لدرجة أنه يصعب معرفة شكلها الأصلي. فبعضها تهشمت جدرانها متأثرة بتدفق الحمم البركانية حتى أصبحت ’أشباحا‘ وبعضها تم اختراق جدرانها المواجهة للبحار فأصبحت خلجانا مثل فراكاستوري الذي يقع عند طرف بحر الرحيق.

رسيولي (Riccioli) هو العالم الفلكي اليسوعي الذي وضع خارطة قمرية عام 1651، وسمى فيها الفوهات الرئيسية على شخصيات معظمها من العلماء. وقد اتبع نظامه حتى يومنا هذا مع أنه قد تم تعديله والإضافة له، وقد جاء الفلكيون اللاحقون من أمثال نيوتن تااين له في هذا السياق. ويلاحظ أن بعض الأسماء الموجودة غير متوقعة، فمثلا سميت إحدى الفوهات باسم يوليوس قيصر، مع العلم أن سبب اختياره يعود إلى علاقته بتعديل التقاويم وليس لبراعته العسكرية.

تنتشر على سطح القمر القمم المركزية ومجموعات القمم ومن جدرانها ما هو ضخم و مدرج، ولو نظرت للفوهة من جانبها لن ترى حفرة شديدة الانحدار كمهوى المنجم، فالجدران ترتفع فقط ارتفاعا بسيطا فوق السطح، والقاع هابط، والقمم المركزية لا تعلو أبدا عن السور الخارجي، فنظريا من الممكن وضع غطاء على الفوهة! بعضها مثل أفلاطون في منطقة جبال الألب وغريمالدي بالقرب من الطرف الغربي يكون قاعها شديد العتمة مما يجعل تمييزه سهلا مع أية إضاءة متاحة. أما أرستارخوس في محيط العواصف فلا يزيد قطره عن 37 كيلومتر (23 ميل) ولكن جدرانه وقمته المركزية شديدة السطوع لدرجة أن التألق الأرضي وحده يضيئها، حتى أنه قد خلط بينها وبين بركان ثائر. وفوهة وارغنتون عند الطرف الجنوبي الغربي امتلأت بالحمم البركانية حتى حافتها فاتخذت شكل هضبة عرضها 90 كيلومتر (55 ميل).

أكثر الفوهات إبهارا هي فوهة تايكو الواقعة في المرتفعات الجنوبية وفوهة كوبيرنكوس في بحر السحاب. وتحت الإضاءة العالية تظهر كأنها مراكز لمنظومة أشعة ساطعة تنتشر على امتداد آلاف الكيلومترات. فهي معالم سطحية لا تلقي ظلالا فتُشاهَد بوضوح فقط عندما ترتفع الشمس فوقها بمسافة ملائمة، وعندما يقترب القمر من البدر تبرز بروزا شديدا يغطي على معظم المعالم الأخرى. والمثير للاهتمام أن الأشعة المحيطة بتايكو لا تأتي من مركز الفوهة ولكنها مماسة لجدرانها. وهناك العديد من المراكز الإشعاعية الصغيرة مثل كبلر في محيط العواصف وأناكساغوراس في منطقة القطب الشمالي.

إن سلاسل الجبال الرئيسية تُشكِّل حدود البحار العادية، فبحر الأمطار تحده جبال الألب والأبيناين و الكارباثية. والقمم المنعزلة والتلال منتشرة، والقبب كذلك، وهي عبارة عن نتوءات طفيفة متوجة أعلاها بفويهات. ومن المعالم الجديرة بالاهتمام الخاص الجدار المستقيم في بحر السحاب، مع أنه ليس جدارا ولا هو مستقيما! فالأرض في الجهة الغربية تسقط إلى عمق 300 متر (1000 قدم)، وليس الجدار سوى انكسارا في السطح، وقبل اكتمال القمر يظهر كخط أسود بسبب ظله، وبعده يظهر ثانية كخط ساطع تضيء أشعة الشمس وجهه المائل، فهو ليس شفافا بأي حال من الحوال، ويبدو أن درجة ميله لا تزيد عن °40. وبدون أدنى شك سيجذب هذا المنظر السائحين في المستقبل.

تنتشر الوديان هنا وهناك، وأبرزها الوادي العظيم الذي يمر عبر جبال الألب. فما يسمى بوادي ريتا في مرتفعات الشمال الشرقي هو في الواقع سلسلة من الفوهات التي اندمجت مع بعضها البعض، وسلاسل الفوهات هذه منتشرة على سطح القمر وتبدو أحيانا كأنها سلسلة من الخرز. وهناك أيضا أخاديد أو أفلاج وهي أشبه بالشقوق المتقوضة، وقد ثبت أن بعضها في الواقع سلاسل فوهات كليا أو حتى جزئيا. وأشهر هذه الأخاديد هايجينوس وأريادوس في منطقة بحر البخار، ولكن هناك منظومات معقدة من الأخاديد في قاع بعض الفوهات الكبيرة مثل غاسندي بالقرب من الحد الشمالي لبحر النداوة، بالإضافة إلى ألفونسوس وهو العنصر الأساسي لسلسلة من السهول المسورة العظيمة بالقرب من منتصف قرص القمر التي تتوسطها فوهة بطلميوس وهي أكبر فوهة فيها ذات قاع مسطح حيث يصل عرضها إلى 148 كيلومتر (92 ميل).

والكثير من البحار تخترقها مرتفعات ناتئة هي عبارة عن مرتفعات منخفضة ومتلوية، ومعظم المرتفعات الناتئة في البحار هي في الأصل جدران لفوهات شبحية قد غمرتها الحمم البركانية حتى أصبحت معالمها من الصعب التعرف عليها.

وقد تكونت هذه الفوهات نتيجة لوابل عنيف من النيازك بدأ منذ ما لا يقل عن 4500 مليون عاما واستمر حتى ما يقارب 3850 مليون عاما، تبعها نشاط بركاني هائل فأغمرت الحمم البركانية الأحواض. وتوقف فيضان الحمم البركانية فجأة منذ 3200 مليون عاما ومنذ ذلك الوقت أظهر القمر نشاطا بسيطا ما عدا تكوين فوهة تصادمية من حين إلى آخر. وقد زُعِم أن الفوهتين الشعاعييتين تايكو وكوبيرنكوس قد لا يزيد عمرهما عن ألف مليون سنة، مع العلم أن هذا يعتبر قديما بالنسبة للمقاييس الأرضية، فأصغر فوهات القمر مازالت أقدم كثيرا من أي فوهات موجودة على الكرة الأرضية.

واليوم يوجد نشاط قليل، فهناك توهجات وتعتيمات محلية من حين إلى آخر معروفة بالظواهر القمرية العابرة والتي يعتقد أن سببها انبثاق غازات من تحت قشرة القمر، ولكن على العموم يظل القمر اليوم غير متغير.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى