علوم الأرض والجيولوجيا

أسباب القلق من استخدام البطاقة الكربونية ومفهوم “الغذاء ميلاً”

2014 الاقتصاد وتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري

تشارلزس . بيرسون

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البطاقة الكربونية مفهوم الغذاء ميلاً علوم الأرض والجيولوجيا

هيمنت القضايا التنافسية على مناقشات سياسة التجارة البيئية، ولكن كان هناك اهتمامٌ مستمر قد يكون غير معلناً بصورة كبيرة حول طبيعة السياسات التي تحمي ظاهرياً البيئة.

ويمكن أن تصبح "عوائق تجارية غير متعلقة بالرسوم الكمركية" (Non-Tariff Trade Barriers).

وقد أظهرت الحكومات براعة كبيرة في تصميم اللوائح التنظيمية للمنتج تعاقب بموجبها المنتجات المستوردة وتوفر الحماية للمنتجين المحليين.

 

والمفاجئة الكبيرة في اللوائح الناظمة والمعايير المتعلقة بالمنتجات البيئية، التي قد بدأت منُذ أربعين سنة خلت، أنها قد وسعت من تلك الفرص.

فالبعض منها تُعتبر جهوداً مشروعة لحماية الصحة والسلامة العامة والموارد البيئية المحلية، والبعض الآخر يقوم على دوافع حمائية مشكوك في أمرها.

فجميع المعايير سواء المتعلقة بضوضاء الطائرات، ورواسب المبيدات في المنتجات الغذائية، ومعدات استثناء السلاحف عند صيد الروبيان، كانت رهناً للنزاعات التجارية.

 

والمصدر الأكثر تخصصية كمدعاة للخلاف هي "البطاقة البيئية" (Eco-Label)التي تم إدخالها بشكل طوعي وفي بعض الأحيان بشكل إلزامي.

وقد عادت هذه المسألة للجدل مجدداً تحت عنوان عام لوضع البطاقة التوصيفية للكربون والاختلافات حول "الغذاء ميلاً"، وقد يكون من المفيد تناولها بعد إجراء فرز هذه القضايا.

الدقة والانصاف في البطاقة البيئية وعدم انحيازها، التي من ضمنها بطاقة الكربون ، بمقدورها أن تحسن من كفاءة السوق.

 

فالبطاقة الوصفية تساعد في الملائمة بين الأفضليات مع السوق، وتقلل كذلك من الحاجة إلى التنظيم الحكومي غير الملائم، كما حدث في القضية المشهورة المتعلقة بتجارة سمك التونة-الدلفين السيئة الصيت(19).

ولكن البطاقات الوصفية ليست دائما في المحل الرابح البين، لكونها تتطلب شهادة ذات مصداقية معينة، وهو أمرٌ كثيرٌ ما يكون مكافاً مالياً.

والأمر الأكثر تعقيداً هو السلسلة الانتاجية، لكونها تكلف أمولاً أكثر من العواقب المترتبة على البيئية من جراء إنتاج المنتج، التي من ضمنها المدخلات المباشرة وغير المباشرة.

 

فبالنسبة للبطاقة الكربونية، يتطلب ذلك معلومات حول استخدام الطاقة وكثافة الانبعاثات في كل مراحل السلسة الانتاجية، لبتدأ من عملية المدخلات مروراً بالمعالجة ثم التخزين وبعد ذلك الشحن وانتهاءاً بالبيع النهائي.

وللحصول على البصمة الكربونية بالكاملة، فإن الطاقة المستخدمة في المواد وحيدة الاستعمال وفرص إعادة التدوير ستكون ذات صلة(20).

وكلما كانت سلسة الانتاج معقدة أكثر، كل ما كان من السهل ان تنحاز حسابات الكربون لصالح الإنتاج المحلي على حساب المنتجات المستوردة.  وأن البساطة النسبية لسلاسل الانتاج في الزراعة تساعد على تفسير لماذا ما يتم استخدامها غالباً للإيضاح؟

 

لقد عبر اقتصاديو التجارة عن قلقهم حول البطاقة الكربونية التي سوف تضع مصدري البلدان النامية المصدرة، في وضع تنافسي غير ملائم.

ولعل هناك ثلاثة أسباب لهذا القلق

الأول، أن التكلفة الإضافية للحسابات وإصدار شهادات التصديق تؤثر بشكل كبير في الموردين الصغار والموردين البعدين عن السوق.

فقد أشار برينتون وآخرون (Brenton et al. 2009) إلى أن الكلفة المترتبة عن تحقيق المعايير الصارمة المفروضة من قبل الصناعات الغذائية الزراعية في أوروبا قد تكون السبب الرئيسي في تهميش المزارعين الصغار، وإخراجهم من أسواق تصدير منتجات البستنة على مدى العقدين الماضيين.

 

السبب الثاني، إن الحسابات قد تكون منحازة بقصدٍ أو من دون قصدٍ ضد هؤلاء المصدرين لصالح المنتجين المحليين.

فعلى سبيل المثال الطريقة المختصرة في استخدام قيم الانبعاثات المستمدة من البلدان الصناعية من دون إجراء أية تعديلات عليها نتيجة للاختلافات القائمة في تكنولوجيا الإنتاج.

 

والسبب الثالث هو، أن وضع البطاقة الكربونية الطوعية يمكن أن يؤدي إلى منزلق جعلها متطلبات إلزامية للمشتريات حكومية، أو ملزمة للصناعات الخاضعة للتنظيم.

فتفويضات الطاقة المتجددة وقوة صناعة "الإيثانول المستخرج من الذرة" (Corn Ethanol) في الولايات المتحدة الأميركية، كلاهما مع المعاملة القاسية للإيثانول المستورد المصنع من قصب السكر كشف عن الإمكانية الحمائية.

 

إن مفهوم الغذاء ميلاً (مسألة نقل الأغذية) الذي فقد مصداقيته في الوقت الحاضر بالإمكان أن يوضح بعض التعقيدات. فالفكرة البسيطة والجذابة القائمة على  أن الغذاء يُزرع وينمو بالقرب من الطاولة التي يُستهلك عليها، والتي قد تخفف من الانبعاثات الناتجة من جراء وسائط النقل.

ويتحقق ذلك، إذا كان كل الأمور الأخرى هي على قدم المساواة. ولكن ليس كل شيء قائماً على قدم المساواة، ومع ذلك فبمجرد العد البسيط لانتقال الغذاء أميالاً، لا نجد معلومة عن نوع وسائل النقل المستخدمة في نقله.

وكما لوحظ فيما سبق، أن انبعاثات الكربون للطن/ كم قد تختلف بعامل يبلغ 100، بين النقل البحري والشحن الجوي. علاوة على ذلك، فإن النقل لا يشكل إلا مكون واحد من مكونات انبعاثات الكربون فحسب. فمكننة الغرس والحصاد، والري واستخدام الأسمدة تسهم أيضاً في الانبعاثات.

 

فقد استشهد برينتون بدراسة بينت أن إنتاج الزهور في كينيا وشحنها جوياً إلى أوروبا تنتج انبعاثات أقل من الزهور المنتجة في هولندا.

فالطاقة الشمسية في كينيا بسعر أقل من استخدام الوقود الأحفوري في هولندا، على الرغم من عائق الشحن الجوي. وتالياً، على الرغم من أهميته، فالكربون هو ليس إلا واحداً من بين العديد من غازات الدفيئة المؤثرة في المناخ فحسب.

وهي مسألة مهمة خاصة بالزراعة حيث إن نترات الأكسجين (Nitrous Oxide) من التربة وغاز الميثان (Methane) من الحيوانات المجترة هما غازان معنيان بذلك. وإن انبعاثات الكربون ما هي إلا معيار غير مكتمل [لقياس] ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.

 

وأخيراً فإن قدرة المستهلكين على الاستيعاب والتصرف وفقاً لبطاقات معايير متعددة يمكن أن يدفع بها إلى ابعد من ذلك.

فقد يكون المستهلكون متمتعين بنوايا حسنة تجاه تغير المناخ، ولكنهم قد يمتلكون أيضاً نوايا حسنة بشأن استخدام وإساءة استخدام المبيدات، ودفع أجور عادلة، والاستخدام [غير القانوني] لعمالة الأطفال، والتمييز ابين الجنسين، وإعادة تدوير [المواد المستعملة]، والعديد من ميزات المنتج الأخرى.

وإن عملية رزم هذه الأفضليات مع بعضها البعض للتوصل إلى نظام توسيم بسيط ودقيق  مازال  يشكل تحدياً.

 

بالإضافة إلى مسألة وضع البطاقة الوصفية، فإن السياسات المتعلقة بظاهرة الاحتباس الحراري العالمي توفر أرضية خصبة لصراعات تجارية أخرى.

وتشتمل هذه الصراعات على القواعد الغامضة بشأن الإعانات، والحواجز التكنيكية التي تواجه التجارة، والتمييز في المشتريات الحكومية، وحماية حقوق الملكية الفكرية، وعدم التمييز بين الجنسين، والمعالجة الوطنية، وغيرها.

فالبعض منها يمكن أن يكون مثيراً للاهتمام بالفعل ويمكن أن تكون له تبعات سياسية، مثل التنازع فيما بين الإعانات الحكومية المقدمة  لدعم التكنولوجيا الخضراء. ولكن كل هذه النزاعات لا تزال مستمرة منذُ عدة عقود، حيث أن سياسة ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي لم تأتِ أية تحديات جديدة.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى