علوم الأرض والجيولوجيا

تكاليف التكييف لظاهرة الاحتباس الحراري

2014 الاقتصاد وتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري

تشارلزس . بيرسون

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

ظاهرة الاحتباس الحراري علوم الأرض والجيولوجيا

لقد ضمنت  تكاليف التكيف في التحليل الاقتصادي لظاهرة الاحتباس الحراري من خلال ثلاث نقاط.

الأولى : كونها ضرورية في تحديد المبلغ الأمثل لجهد التكيف. وهو ما يمكن أن يتم على مستوى معين جداً- على سبيل النمثال، هل إن السياج البحري لحماية شاطئ هوا هين (Hua Hin) في خليج تايلاند وجوده مُسوغ ؟ هل ينبغي على الحكومة الإندونيسية تخزين الخيام خوفاً من إجلاء [المواطنين] في حالات الفيضان؟

هذه أسئلة نموذجية متوقعة- متمركزة في التساؤلات المرتبطة بتحليل الكلفة–العائد.

ولكن يمكن للتكيف أيضاً أن يتخلله المزيد من الدراسات التراكمية. فعلى سبيل المثال، إن كلاً من تحليلات النماذج الريكاردية ونماذج المحاصيل التي ناقشناهما سلفاً استوعبا بعض تدابير التكيف، كما وجدناه في المثال الثاني حول ارتفاع مستوى سطح البحر.

 

الثانية : إن تكاليف التكيف هي عنصر من مجموع تكاليف ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، وتحتاج إلى تحديد القيمة المثلى لجهود التخفيف.

وكما سنناقش في الفصل التالي، فإن التكيف والتخفيف هما بدائل (غير تامة). ويترتب على ذلك، أن مستويات التكيف المثلى ومستويات التخفيف المثلى ينبغي من حيث المبدأ أن يندمجا بصورة مشتركة.

وهذا لا يحتاج لأي دقة عالية ولا أي مسوغ ، ولكن الإهمال المفرط والتقدير الخاطئ المفرط لفرص التكيف وتكاليفها يمكن أن يؤدي إلى خطأ كبير في سياسة التخفيف.

 

الثالثة: إن القرارات بشأن كيفية تحمل أعباء تكاليف التكيف الدولية والمساهمة العالمية التي تساعد في تحديد مدى رغبة البلدان في الاتفاق على حدود ظاهرة الاحتباس الحراري (الفصل الثامن).

فالمفاوضات لما بعد اتفاقية كيوتو المناخية قد تربطهم بمسألة الالتزام بخفض انبعاثات الغازات، والإسهام في التمويل عالمياً للمساعدة في التكيف). نحو الأفضل أو الأسوء (10).

ففي الوقت الراهن نحن في غاية القلق حول كيفية الحصول على أرقام كلفة التكيف، وسوف نقوم بطرح أسئلة مرتبطة بالتخفيف والتكييف أكثر دهاءاً في الفصل التالي.

 

تكاليف التكيف هي، تشتمل على البلد والقطاع ومستويات النمو المعينة وهي صعبة التراكم. ومع ذلك، فمن الصعوبة تمييزها عن سمات الطبيعية للتنمية. وأمثلة على ذلك، البحوث في النباتات المقاومة للجفاف وأمراض المناطق المدارية.

ما الجزء من الإنفاق على الزراعة أو على البحوث الصحية العامة التي ينبغي إسنادها إلى الآثار الإضافية الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي؟ كما أنه تم تنفيذ العديد من تدابير التكيف في القطاع الخاص التي من الصعب تقديرها.

فعلى سبيل المثال، التحول في الأنماط الزراعية المرتبطة بالمناخ كان يقوم بها المزارعون خارج ميزانيات القطاع العام.

فإن الأمر الأكثر جوهرية، كنتيجة للحاجة إلى التكيف الذي يتوقف على مقدار التخفيف المضطلع به، هو حجم الأموال اللازمة للتكيف والذي ما هو إلا مفهوم غامض. ومع الأخذ بهذه المحاذير بعين الاعتبار، نقدم عينات صغيرة من أدبيات الموضوع لما يتعلق بكلف التكيف.

 

الزراعة: لقد حاول نيلسون (Nelson 2009) وباحثون آخرون في "المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية" (International Food Policy Research Institue: IFPRI) تقدير النفقات الإضافية اللازمة للإمساك بأرقام "سوء تغذية الأطفال" (Child Malnutrition) في عام 2050م عند المستوى الذي يمكن أن تصل إليه إذا لم تكن هناك ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.

فقد تركزت الطريقة الأساسية لاستخدام نماذج "المحاصيل الطبيعية الحيوية" (Biophysical Crop) على خمسة محاصيل – الرز، والذرة، والقمح، وفول الصويا، والفول السوداني.

وتركزت أيضاً معاً على اثنين من السيناريوهات المناخية (أحدهما للأكثر رطوبة، والأخرى للأكثر جفافاً) لتقديرات آثار ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي على الغلة واستهلاك السعرات الحرارية. وتُحوّل هذه إلى قوى إضافية لأي [حساب] سوء تغذية عند الأطفال.

 

هذا الافتراض هو كون أن المحصول سيُخفض، وسيكون هناك المزيد من سوء التغذية لدى الأطفال، وهو ما يمكن تعويضه بالاستثمارات الإضافية في مجال البحوث الزراعية، والري، وتعبيد الطرق الريفية [لتسهيل نقل المحاصيل].

وعلى الرغم من أن التفاصيل لم يتم التطرق إليها، إلا أن هناك مجموعة كبيرة من الأدلة التي تربط البحوث، والري، والنقل الريفي بزيادة إنتاج الغلة.

والاستنتاج الرئيسي هو، إن النفقات الإضافية في البلدان النامية هي حوالي سبعة مليارات دولار أميركي سنوياً، والتي يمكنها أن تعوض الآثار التغذوية للأطفال بسبب تغير المناخ في عام 2050م.

 

وإن 43% من الاستثمارات تأتي من استثمارات الري، و38% من الاسثمارات في الطريق الريفية، و18% من الاستثمار في البحث والتطوير.

لاحظ هنا بأن هذا ليس تحليلاً  إلى الكلفة–العائد، كما أنه ليس محاولة لمطابقة النفقات مع المنافع. ولاحظ أيضاً أن السبعة مليارات دولار مرتبطة بالسلع "شبه العامة" (Quasi-Public) – البحث والتطوير، والري، والطرق- ولم تعالج بصورة صحيحة كلف التكيف الخاصة.

ومن الأمور الجديرة بالملاحظة أيضاً، أن الأفق الزمني 2050م يعتبر قصير جداً وفقاً لمعايير تغير المناخ.

 

الصحة: قدرت "اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ" (UN Framework Convention on Climate Change: UNFCCC) رقماً محدداً لتكالف التكيف في مجال صحة الإنسان، مع التركيز على الملاريا وأمراض الإسهال وسوء التغذية في البلدان النامية.

وركزت الدراسة على التدابير التي يتعين اعتمادها من خلال نظم الصحة العامة، كما أنها أثبتت أن التحسينات في البُنى التحية وإدارة الكوارث يمكن أن تكون فوائدها الصحية هامة أيضاً.

ووضعت إطاراً زمنياً حتى عام 2030م، باعتمادها سيناريوهين للانبعاثات، الأول يؤدي في نهاية المطاف إلى أن تكون تركيزات مكافئ ثاني أكسيد الكربون 550 جزء بالمليون، والثاني 750 جزء بالمليون.

 

والمنهج الأساسي المعتمد في ذلك، هو استخدام الدراسة الشاملة لعام 2004م لـ "منظمة الصحة العالمية" (World Health Organization: WHO)، التي توقعت أن الحالات المتزايدة لتلك الآثار الصحية الثلاثة هي بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.

وإن الأرقام الإضافية السنوية العالمية حتى سنة 2030م هي 132 مليون دولار أميركي، 4.6 مليون دولار أميركي، و22 مليون دولار أميركي لكل من مرض الإسهال، وسوء التغذية (يشتمل على مرض "التقزم"  (Stunting) و "الهزال" (Wasting))، والملاريا على التوالي.

وهو ما يمثل زيادة تتراوح ما بين 2.5% إلى 10% أعلى من القيمة الراهنة للمؤثرات الصحية الثلاثة.

كما أن الرقم التقديري للحالات الإضافية التي قد تحدث س يكون مضروباً بمتوسط زيادة كلف الوقاية، المستخلص من عدد من الدراسات المختلفة للبنك الدولي.

 

وقد أظهرت النتائج أن كلف التكيف تتراوح ما بين 4 ملايين دولار أميركي و 5 ملايين دولار أميركي سنوياً. 

ومن المرجح أن تكون [تلك الأرقام] مقدرة بأقل مما يفترض أن تكون عليه بسبب الآثار الصحية الأخرى التي لم تتضمنها تلك النتائج، التي قد تكون أساليب الوقاية منها أو تكييفها أمرٌ ممكن، أو قد تكون التكاليف المترتبة عن الحيلولة دون منع حدوثها منخفضة جداً.

وذلك مماثل لدراسة المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، حيث لم تتم مراعاة فوائد تدابير التكيف.

فالتكيف من خلال التدابير الوقائية سيكون ناجحاً جزئياً فحسب، وإن تكاليف المرض وفقدان الأرواح ستبقى جزءاً من التكاليف المتبقية لما ينجم من آثار بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، إلا أنها ليست جزءاً من هذه العملية.

 

البنية التحية: قدرت أيضاً اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) تكاليف التكيف لحماية الاستثمارات في البُنى التحتية المادية، التي من المتوقع إنجازها في عام 2030م. وتضمنت التقديرات ثلاث خطوات.

الخطوة الأولى، تقدير تكوين رأس المال ال ثابت عالمياً في عام 2030م، ليصل إلى 22.3 مليار دولار أميركي، مبنياً على توقعات النمو الاقتصادي.

 

والخطوة الثانية، جزءٌ من استثمار البنية التحية الذي سيكون عرضة لأضرار تغير المناخ، يجب أن يُقدر بالاعتماد على قاعدتي البيانات الخاصة بالخسائر السنوية التاريخية.

بيانات "شركة ميونخ ري ورابطة التأمين البريطانية" (Munich Re and the Association of British Insurance)، وتحسب [في البداية] كجزء لـ (ومن ثم) تكوين رأس المال الثابت الراهن.

وتغطي قاعدة بيانات ميونخ ري لكوارث الطقس "الكبيرة" فحسب. ويكون " نسبة عدم الحصانة" (Vulnerability Ratio) [لهذه البيانات] 0.7% و2.9% على التوالي.

 

الخطوة الثالثة، استعارت الدراسة تلك التقديراتها من البنك الدولي، والتي كانت تخص كلف تطوير وتكيف استثمارات البنية التحية لتجاوز الأضرار التي ستنجم من التغير المناخي، حيث يمكنها أن تضيف من 5% إلى 20% من كلف الاستثمار.

فهذه المجموعات الرقمية الثلاثة – تتوقع إجمال تكوين رأس المال، الأجزاء المعرضة لتغير المناخ، ونسبة الزيادة في تكاليف الاستثمارات المطلوبة للتكيف- تُضرب مع بعضها بعضا، لتُعطي تكاليف التكيف السنوية المقدرة في عام 2030 ، والتي تتراوح ما بين 8 مليارات دولار و130 مليار دولار أميركي.

وحوالي ثلثي تكاليف التكيف سيتم صرفها في دول منظمة التعاون الاقتصادي (OECD)، وذلك لرجحان كلفة موجودات البنية التحية [التي تحتاج إلى معالجة].

 

هذه وسيلة محدودة الأفق لتقدير تكاليف التخفيف. إذ يبدو أن السكن قد تم استبعاده من مفهوم البنية التحية. وعليه فإن مصدراً أساسياً للغاية من الأضرار، كبير ومحتمل في فرص الكلفة-الفعلية للتكيف الوقائي لم يؤخذ بعين الاعتبار.

وقد يكون إهمال السكن مسألة مناسبة، إذا كان الهدف المحدود لتقديرات التكيف هو لتحديد المبالغ اللازمة المطلوبة من المانحين الدوليين، ولكون السكن بصورة عامة يمول بصورة خاصة من قبل الأفراد.

ولكن إذا كان الغرض من ذلك اتخاذ قرارت حول مستوى التخفيف الأمثل في إطار الكلفة–العائد، فإن الإخفاق في الاهتمام بتدابير التكيف الخاصة بالسكن ستنتج عنه تقديرات غير صحيحة في التقديرات الإجمالية للأضرار، التي هي تكاليف التكيف مضافاً إليها الأضرار الأخرى.

 

ركزت الدراسة بعد ذلك على الجانب المتعلق بتغطية البنى التحتية المادية أكثر من تركيزها على كُلف الإنشاء والحفاظ على "البنى التحية الناعمة" (Soft Infrastructure) للتعامل مع التأثيرات المناخية المتطرفة.

حيث تشمل هذه البنى التحتية الناعمة كل من الاتصالات، ونظم الإنذار المبكر، والتدريب للاستجابة إلى حالات الطوارىء وإنقاذ المرافق، والمساعدة على استعادة  توفير الخدمات الأساسية، وهكذا.

ولم تشمل الدراسة التكاليف الحقيقة (والمنافع) في قرارات تخطيط استخدام الأراضي تحسباً لحدوث أضرار من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.

 

أخيراً، إن اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) لم تهتم بما يسمى بـ "عجز التكيف" (Adaptation Deficit).

وهذا المفهوم ذو صلة بتقديرات التكيف لاسيما الصحة والبُنى التحتية. والفكرة الأساسية لهذا المفهوم هي أنه في الوقت الراهن، وقبل أن يُحدث التغير المناخي تأثيراته الضارة جداً، هناك فجوة كبيرة جداً بين الظروف القائمة في البلدان الفقيرة والظروف التي يمكن تصنيفها بأنها ظروف جيدة.

ففي سياق البُنى التحتية، يُقترح أن يكون الرد متسماً بالعقلانية على التهديدات المتزايدة المترتبقة عن ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي، ومن الضروري عمل شيئ ما بخصوص أوجه القصور الرئيسية في البُنى التحتية القائمة، فضلاً عن التوقع بأن تغير المناخ قد يُحدث تعديلاث تتخذ صيغة في استثمارات جديدة.

 

ولكي نكون أكثر دقة، فهناك كمية كبيرة من رأس المال المادي حالياً، بما في ذلك المنازل التي تقع في المناطق التي هي عرضة للكوارث الطبيعية بصورة كبيرة ولاسيما الفيضانات، والانهيارات الطينية، والأعاصير وما شابه ذلك.

وينبغي لـ الكلفة-الفعالة لتدابير التكيف (الوقائية والعلاجية) أن تتناول حماية البُنى التحتية القائمة، فضلاً عن تكوين رأس المال الجديد.

في حين يمكن للمرء أن يتعاطف مع الرغبة في الامساك التكاليف الإضافية للحماية من تغير المناخ في الاستثمارات الجديدة، وتكاليف التكيف للموجودات الحالية التي ربما تكون مساوية بالأهمية أو أهم منها.

 

ونكرر القول، فلغرض الحصول على تقديرات دقيقة ومعقولة للأضرار الكلية الناجمة عن ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي – تكاليف التكيف والأضرار المتبقية – ينبغي النظر في تكاليف التكيف للموجودات الحالية للبُنى التحتية، فضلاً عن تكاليف الاستثمارات الجديدة(11).

وعلى وجه الإجمال، فإن دراسة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC) قد تفحصت فرص التكيف وتكاليفها في ستة قطاعات.

وقد ذكرت خمسة منها فحسب في تقريرها. ومن العسير الحصول على منهجية أو بيانات كافية في مجال النظم البيئية الطبيعية للتكهن بالمخاطر، كحاجة لموارد إضافية للتكيف.

 

فبالنسبة إلى تلك القطاعات الخمسة المذكورة في الدراسة، تتراوح الكلفة الإجمالية ما بين 49 مليار دولار أميركي و 171 مليار دولار أميركي في عام 2030م، منها ما بين 27 مليار دولار أميركي و 66 مليار دولار أميركي تقع على عاتق البلدان النامية.

الباحثون في "المعهد الدولي للبيئة والتنمية" (International Institute for Environmental and Development: IIED) (Parry et al. 2009) قدموا تقييماً دقيقاً لهذه الدراسة.

 

وكان الاستنتاج العام هو أن دراسة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ (UNFCCC) قد لا تعكس التكاليف الحقيقة لتكيف من خلال عاملين أو ثلاثة عوامل.

وذكر أيضاً بأن الآثار الأكثر خطورة في ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي لا يمكن توقعها حتى نهاية  هذا القرن، أو ما بعده. ومن بعض النواحي، يمكن اعتبار التكاليف في عام 2030م ما هي إلا دفعة من حساب التكاليف اللاحقة التي ستكون أكبر.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى