علوم الأرض والجيولوجيا

نظرية اقتصاديات الرفاه الحديثة

2014 الاقتصاد وتحدي ظاهرة الاحتباس الحراري

تشارلزس . بيرسون

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

نظرية اقتصاديات الرفاه الحديثة علوم الأرض والجيولوجيا

التحدي الخطر الأول لاستخدام تحليل الكلفة – العائد في ظاهرة الاحتباس الحراري هو "المحدودية"  (Esoteric) وهي كثيراً ما تكون وسطية وتُدعى بقياس "كفاءة كالدور-هيكس" (Kaldor-Hicks: KH) الافتراضية لاختبار التعويض. وهذه هي جوهر المشكلة.

في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي، وضع الخبير الاقتصادي الإيطالي  "فيلفريدو باريتو" (Vilfredo Pareto) حجر الأساس الرئيسي لـ "اقتصاديات الرفاه الحديثة" (Modern Welfare Economics) من خلال إعلانه بأن الوضع يكون أفضل (كفاءة).

إذا ما تم تخصيص الموارد بالشكل الذي يجعل من غير الممكن أن يكون هناك شخص ما أفضل حالاً من آخر من دون الإضرار بمصالح الآخرين .

 

فقد لاحظ باريتو العديد من الاحتمالات المثلى الممكنة، وحقاً قد كانت [ملاحظاته] لكل توزيعات الدخل. كما لاحظ أيضاً أن كلمة "مثلى" (Optimum) لا تنطوي على العدالة والمساواة.

ويتبع ذلك، أن تحسينات باريتو ما هي إلا التحرك نحو [فكرة] باريتو المثلى التي استوجب فيها أن يكون هناك على الأقل شخص أفضل حالاً، من دون أن يكون هناك أي أحدٍ أسوأ حالاً.

حجر الأساس الثاني، في نظرية اقتصاديات الرفاه الحديثة، كان الاعتراف بالاقتصاديين، بوصفهم اقتصاديين غير قادرين على إجراء مقارنات الرعاية الشخصية.

 

فالآثار المترتبة على هذه الطروحات يمكن حصرها بمفهومين هما، السياسة التي ترعاها الحكومة، أو مشروع لا يوجد فيه أي تحسين للرفاهية الاجتماعية فحسب، إلا إذا تم جعل شخص واحد على الأقل أفضل حالاً دون أن يترتب على ذلك الإضرار بأحدٍ آخر.

وحدد بدلاً من ذلك، بأنه لا يمكن للاقتصاد أن يؤكد وجود تحسن في الرعاية الاجتماعية حتى لو كان هناك إجراء معين قد تسبب في تحسين أحوال مئة [شخص] مقابل التسبب في الوقت ذاته بأذى ولو لشخص واحد فحسب.

إن هذا التحليل قد يسبب في إيجاد عقبة شبه مستحيلة للعمل الحكومي. فمن الناحية الفعلية فإن جميع السياسات يترتب عليها خلق رابحين وخاسرين.

 

ومن الناحية العملية، الخاسرون لا يمكن تعويضهم بالكامل عن الخسائر التي تكبدوها (دون أن يمسهم سوء).

وعند هذه النقطة يبدو أن نهج تحليل الكلفة – العائد كأداة لتقييم السياسة العامة كان نهجاً مشلولاً. وحل هذه المعضلة، التي تم اقتراحها منذُ عقود مرت، ولدعم وتعزيز تحليل الكلفة – العائد في الوقت الحاضر. 

فقد صار إلى [استخدام] اختبار التعويض الافتراضي كالدور- هيكس (HK): هل السياسة أو المشروع المقترح ينتج فوائد كافية، بحيث يمكن للرابحين منها تعويض الخاسرين، ويبقى لديهم شيء ما؟

 

وإذا كان الأمر كذلك، هل يعني أن هناك ما يسوغ هذه السياسة حتى لو لم يدفع التعويض للمتضررين. فالآثار العملية لاختبار كالدور- هيكس كبيرة جداً.

والاقتصاديون يمكنهم وفقاً لذلك التركيز على الاهتمامات الرئيسية، والكفاءة، ويمكنهم بذلك غض الطرف عن  التحايل في مسألة التوزيع العادل.

فالمشاريع والسياسات يمكن قبولها أو رفضها بالاعتماد على عوائدها الصافية، بغض النظر عن مَن الذي حصل على تلك العوائد أو مَن الذي تحمل التكاليف المترتبة عليها.

 

كان المسوغ لتلك "الحيل البارعة" (Sleight of Hand) هو افتراض وجود نظام سياسي، ومؤسسات يمكنها متابعة تطلعات المجتمع في التوزيع بشكل منفصل.

وقد ساعد في ذلك وجود نظرية اقتصاديات الرفاه المعروفة، التي تنص على أنه في حالة "التوازن التنافسي" (Competitive Equilibrium)، فإن إعادة توزيع الثروة لتحقيق أهداف المساواة في المجتمع لا تحتاج لتتعارض مع مبدأ الكفاءة.

وبالتالي يمكن للكفاءة أن تنحل عن  تحقيق أهداف المساواة.

وعلى مستوى أكثر عملي، هناك جدل أيضاً بخصوص الأفراد الذين يتأثرون بالكثير من سياسات المعتمدة من قبل الدولة والمشاريع المقامة، ففي بعض الأحيان يكون التأثير إيجابياً، وفي أحيان أخرى يكون سلبياً.

 

فإذا بُذل الجهد المطلوب وبما اجتياز جميع تلك السياسات لاختبار كالدور- هيكس، فمن المرجح أن يحصل أي شخص على مجموعة من المنافع من العديد من المشاريع القائمة وبمقدار أكبر من الضرر، حيث يتم تعويض هذا الشخص عن الأضرار التي تكبدها نتيجة سياسة واحدة قبل ورود المنافع من [سياسات] أخرى عديدة.

ليس كل الاقتصادين مقتنعين بأن التسوية الهندسية في ثلاثينات القرن المنصرم هي التي دافعت عن عهد البيئة الذي ابتدأ في سبعينات القرن المنصرم.

فقد جادل "فارو" (Farrow) عام 2008 بشجاعة عن روح العصر الحالي باهتمامه بالإنصاف والاستدامة البيئية، التي تتطلب بدورها من تحليل الكلفة – العائد أن تلبي متطلبات اختبارين إضافيين: أن تدفع التعويضات الفعلية للجماعات المتضررة من التلوث أو استخراج الموارد الطبيعية، ولتحقيق الاستدامة يعاد استثمار عائدات تلك الموارد.

وعلى الرغم من أن هذه الجدلية قد طورت في الاطار المحلي، إلا أن لها صدى قوياً في الاطار الدولي.

 

بينما حجج كالدور- هيكس قد تكون مقنعة في حالة المشاريع القصيرة والمتوسطة الأمد ضمن المجتمع الديمقراطي، إلا أن عبر الأجيال والطابع العالمي لتغير المناخ قد يشكلان تحدياً مباشراً للاختبار المذكور، ومن ثم [تحدياً] لاستخدام منهج تحليل الكلفة – العائد.

فببساطة يمكن القول بانه ليس هناك نظام سياسي قوي عبر الأجيال للوصول إلى الأهداف التوزيعية.

وإن اختبار كالدور- هيكس الذي يفصل ما بين هدف الكفاءة عن هدف العدالة في تراجع. وعلى وجه الدقة، ليس هناك من مؤسسة سياسية أو آلية يتمّكن من خلالها الجيل الحالي أن يؤمن متطلبات تعويض أجيال المستقبل عن العواقب المترتبة عن  ظاهرة الاحتباس الحراري.

 

فكل المحاولات الرامية لإنشاء "صندوق الإغراق" (Sinking Funds) لتعويض ضحايا المستقبل تخضع للسلب والنهب في العقود الفاصلة بين الأجيال(2).

فمشكلة نقل الرفاهية عبر الأجيال (من الاجيال الحالية إلى الأجيال المستقبلية) هي مشكلة متناظرة. إذ ليس هناك من طريقة واضحة للاجيال المستقبلبية، ومن المرجح أن يكون معظمهم أكثر ثراءاً مما نحن عليه، وعليهم بذلك تعويضنا عن تضحيتنا، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار إجراءات الحد من انبعاثات غازات الدفيئة الباهضة الثمن(3).

وعليه، فإن إمكانية تعويض الخاسرين الذي هو في صلب اختبار كالدور- هيكس والتحليل التقليدي لـ الكلفة – العائد يسمح باجراء شكل من التسوية، التي تفصل هدف الكفاءة عن هدف  توزيع الأرباح والخسائر. ففي "شروط ميشان"  (Mishan's Terms) يمكن أن نوجه إمكانية تحسينات مفاهيم باريتو (Mishan 2008).

 

فالأثر الصافي لا يكفي لإلغاء تحليل الكلفة – الفائدة، ولكن لا بد لنا من الإقرار بأن  الاهتمامات بهدف تحقيق المساواة عبر الأجيال يجب أن يكون موجهة صراحة جنباً إلى جنب مع هدف الكفاءة، وذلك على طول الفترات الزمنية حين تمتد سياسة [الحد من] ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي.

فكما سنرى في الفصل الثالث، فإن هذا يؤثر بشكل مباشر في معدل [التطور] الاجتماعي للأفضلية الزمنية.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى