البيولوجيا وعلوم الحياة

تمويل علم الخلايا الجذعية

2013 لمن الرأي في الحياة؟

جين ماينشين

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

البيولوجيا وعلوم الحياة

عندما سمع الرئيس كلينتون بأمر أبحاث الخلايا الجذعية، طلب على الفور من اللجنة الوطنية الاستشارية للأخلاقيات البيولوجية تفحّص القضايا الأخلاقية والعواقب المترتبة على السياسة.

تسلّمت اللجنة التكليف في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر 1998 وأنجزت تقريرها في 7 أيلول/ سبتمبر 1999. هذه المرة كان رد فعل الجمهور وتفسير اللجنة أكثر تعقيداً بكثير.

فقد كان دعاة الاستنساخ لإنتاج البشر قليلين نسبياً. بالمقابل، إذا كانت بحوث الخلايا الجذعية الجنينية أو ربما الاستنساخ العلاجي يمكن أن تؤدي إلى علاجات سريرية ناجحة، فإن كثيراً من الأشخاص راغبون في المعالجات الجديدة.

فالجميع تقريباً يعرف عن أحد يمكن أن يستفيد منها – شخص مصاب بمرض تنكّسي مثل داء باركنسون أو ألزهيمر، أو بتضرّر النخاع الشوكي، تنكّس عضلي، أو مرض كبدي – لذا فإن القضية تصبح مسألة شخصية جداً.

ونتيجة لذلك، تبدو الميزانية العمومية للتكاليف والفوائد مختلفة كثيراً في ما يتعلّق بأبحاث الخلايا الجذعية. سرعان ما بدأ الضغط من أجل عدم السماح بمثل هذه الأبحاث وعدم تمكينها أيضاً من خلال التمويل العام، إلى جانب الضغط ممن يكرهون فكرة إجراء أي أبحاث جنينية على الإطلاق أياً كان السبب.

ليس هناك تمويل اتحادي لأبحاث الأجنّة، لكن ليس هناك حظر على الأبحاث التي تحظى بتمويل خاص. ويرجع ذلك إلى طريقة تمويل العلم.

عندما قرّرت الولايات المتحدة السماح للولايات بتنظيم الممارسة الطبية، بدلاً من جعل الطب مسألة خاضعة للرقابة الاتحادية، كان القادة الحكوميون يعملون على أساس أن المسؤولين المحليين يعرفون على نحو أفضل ما يقوم به الأطباء الأفراد، وبالتالي فإنهم أقدر على الإشراف على ممارستهم.

ومع أن الحكومة الأميركية بدأت الأبحاث الطبية في الأمراض في سنة 1887، في مختبر صغير في جزيرة ستاتن تابع لمستشفى الخدمات البحرية (مدفوعة إلى حدٍّ كبير بتنامي إدراك الأمراض المعدية والمخاوف من الهجرة باعتبارها مصدراً للمرض)، فإن الرقابة الاتحادية على الطب لم تبدأ إلا في سنة 1906.

 

في أعقاب سنة 1900، عندما سنّت معظم الولايات نوعاً من الإشراف على جودة الأغذية، مارس كيميائي يعمل في وزارة الزراعة، الدكتور هارفي وايلي (Harvey Wiley) ضغطاً من أجل تشريع اتحادي لتنظيم الأغذية والأدوية.

وقد أثمرت جهوده عن قانون الأغذية والأدوية النقية لسنة 1906 الذي نظم القليل في الواقع: حرص على أن يحتوي الغذاء والدواء على ما يدعيه الصانع وأن يعلن إذا ما كان يحتوي على موادّ مخدّرة. وانضمّ هذا التشريع إلى قانون البيولوجيات لسنة 1902، وهو يدعو إلى مختبر صحي اتحادي (المختبر الذي بدأ في جزيرة ستاتن ثم نقل إلى واشنطن)، لممارسة الإشراف على إنتاج اللقاحات ومضادات السموم.

ومع أن هذه القوانين أنشأت قدراً ضئيلاً فقط من الرقابة الاتحادية على الأدوية، فإنها مثّلت تحرّك الحقبة التقدّمية (Progressive Era) نحو الإشراف الاتحادي ومنحت الحكومة سلطة صريحة للعمل من أجل المصالح الطبية للشعب الأميركي.

كان السبب وراء ذلك أن خيارات السوق الحرة الفردية لا تعمل بطريقة ملائمة ما لم يكن لدى المستهلك معلومات كافية عن المنتج. وفي بعض الحالات، كانت المعلومات تتطلّب خبرة وتمريناً، بالإضافة إلى القدرة على الوصول إلى المختبرات، وهو ما لا يمتلكه معظم الأشخاص.

وبما أن الصحة العامة، بل حياة المواطنين على المحكّ، فقد ضمن ذلك التنظيم الاتحادي للطب. واستجابة لحوادث معيّنة، عدّل التشريع التنظيمي للأغذية والأدوية ووسّع عدّة مرات منذ سنة 1906، ومع ذلك ظلت السلطات الاتحادية حيال الطبّ محدودة. لم تنشأ وزارة الصحة والتعليم والرفاه إلا في سنة 1953 في عهد أيزنهاور. وظلت الولايات تعنى الطبّ، إلا في المسائل الوطنية المهمة، والتجارة بين الولايات، والتهديدات للأمن الوطني.

لكن مع أن التنظيم الاتحادي بقي محدوداً، فإن التمويل الاتحادي للأبحاث الطبية نما نمواً هائلاً، من تلك البداية الدنيا في جزيرة ستاتن ليصبح أسرع قطاعات الموازنة الحكومية للبحث والتطوير نمواً. يبدو أن الجميع يحب الأبحاث الطبية، حتى في وجه التخفيضات والاندماجات في أماكن أخرى. بل إن ولاية أريزونا المحافظة مالياً تمكّنت من تقديم حافز مالي كبير لاجتذاب معهد جديد للجينوم. وتشعر كل ولاية وكل جامعة بإغراء الأبحاث البيولوجية الطبية.

 

في سنة 1930، أدخل قانون رانسدل (Ransdell) ، سمي باسم سناتور من لويزيانا، تغييرات مهمة على المواقف الاتحادية من الطب. وغيّر هذا التشريع اسم مختبر الصحة إلى المعهد الوطني للصحة، وأجاز بتقديم تمويل اتحادي للأبحاث الطبية وبعض الأبحاث البيولوجية الأساسية هناك.

كما أحدث تغييراً كبيراً في المواقف العامة تجاه الطبّ والاعتراف المتزايد بالحاجة إلى تقديم الدعم العام لخبراء الأبحاث الذين يستطيعون أن يضيفوا إلى معارفنا عن الأمراض وعلاجاتها. وأجيز المعهد الوطني للسرطان وموّل في سنة 1938، بدعم جميع الشيوخ في عرض نادر للإجماع.

ورغم الكساد والمصائب الاقتصادية، فقد شعر قادة أمتنا أن من المهم تعزيز الصحة العامة وصحة المواطنين الأفراد. ورأوا أن الأبحاث ستؤدي إلى اكتشافات طبية جديدة وبالتالي إلى علاجات مهمة تصلح لنا جميعاً.

من هذه البداية البسيطة بمثابة معهد وطني وحيد، أنشأ الكونغرس مزيداً من المعاهد المخصصة لأمراض فردية. ويتطلب المخطّط التنظيمي لمعاهد الصحة الوطنية المتعدّدة والمنسقة اليوم خبيراً ليحل التسلسلات الإدارية. ومع تصاعد صدى الدعوات إلى "مضاعفة الموازنة" المخصصة لمعاهد الصحة الوطنية في أروقة الكونغرس في جلسات الكونغرس العديدة الماضية، فإن من المنتظر أن يزيد نموّها وتعقيدها.

تموّل "معاهد الصحة الوطنية" بأموال اتحادية من أموال الضرائب. ويخصّص الكونغرس مثل هذه الأموال عبر مشاريع قوانين مخصصات لكل سنة مالية، وتكلّف المعاهد بإنفاقها وفقاً لمهام كل منها وتفويضاته.

 

ويفترض الرأي العام والتشريعات أن الأبحاث جيدة، والاكتشاف جيد، والتقدّم الطبي جيد. ومع أن من الواضح دائماً أنه لا يمكننا تخصيص تمويل عام لجميع الأبحاث التي قد تكون مفيدة، ورغم أن بعض الأشخاص، يوردون المخاوف بشأن العدالة التوزيعية لتقديم الحجة على وجوب توزيع الأموال العامة الشحيحة بطريقة أكثر اتساعاً ومساواة، فإن الأبحاث التي تحظى بتمويل عام جيدة على ما يعتقد. ويريدنا أعضاء الكونغرس أن نعرف المزيد عن الصحة من أجل جعل حياة جميع الأميركيين أكثر تعافياً وبالتالي أفضل.

فرض الكونغرس حتى اليوم قليلاً من القيود على نفقات الأبحاث الطبية، والقيد الوحيد الذي تجدر االإشارة إليه هو استخدام الأموال العامة لإنشاء الأجنّة البشرية أو تدميرها. وعلى الباحثين الذين يحصلون على دعم اتحادي أن يتبعوا المبادئ التوجيهية للتجارب على البشر والحيوانات.

ومع أن الكونغرس لم يموّل جميع المجالات بالتساوي بطبيعة الحال، فقد أمر بهذه القيود الحديثة القليلة فقط على التمويل. ولم يمنع الأبحاث باستخدام أموال خاصة إلا في قليل من الاستثناءات التي أجريت فيها تجارب بشرية مسيئة.

في سنة 1945، قدّم مستشار مكتب العلم والتكنولوجيا فانيفار بوش تقريره الذي نشر بعنوان "العلم – الحدود اللانهائية" (Science- The Endless Frontiers) إلى الرئيس ترومان. وفيه قدّم الحجة لتأييد الدعم العام للأبحاث العلمية من خلال ما أصبح مؤسسة العلوم الوطنية.

وقدّمت مؤسسة العلوم الوطنية سابقة قوية للتمويل العام للأبحاث العلمية والتنظيم الذاتي للأبحاث من قبل العلماء من خلال مراجعة النظراء. ومن المفهوم أن العلماء اليوم لا يرغبون في أن يُنتهك مبدأ التنظيم الذاتي من خلال تدخل تشريعي أو تنظيمي من خارج العلم. لكن بعض الأفراد والجماعات ذات المصالح ترى أن ليس من المنطقي السماح للعلماء بالرقابة.

 

يشكل الحظر السابق للتمويل الاتحادي لأبحاث الأجنّة جزءاً مهماً من خلفية هذه النقاشات. ففي سنة 1974 بدأ الكونغرس عن طريق قانون الأبحاث الوطنية الخطوات التي أدّت إلى إنشاء اللجنة الوطنية لحماية البشر الخاضعين للأبحاث بعد خمس سنوات.

قدّمت تلك اللجنة توصيات تنظيمية وإشرافية أدّت إلى إنشاء مجالس مراجعة مؤسسية ومجلس استشارات أخلاقية. وفي سنة 1979، أوصى المجلس الاستشاري الأخلاقي بأن تضع الولايات المتحدة برنامج أبحاث مموّل اتحادياً باستخدم الأجنّة البشرية حتى سن أربعة عشر يوماً لتقييم سلامة الإخصاب في المختبر.

ويبدو أن المجلس علّل رأيه بأن علينا إجراء تجارب بحثية بدلاً من التعلّم عن طريق التجربة والخطأ للأجنة المغروسة في مرضى فعليين. وباتباع تعليل مماثل، طوّرت المملكة المتحدة سلطة الإخصاب البشري وعلم الأجنّة للإشراف على بحوث الأجنّة وإدارتها.

غير أنه في سنة 1980، وقبل أن تُطوّر الأبحاث في الولايات المتحدة، انتهت إجازة المجلس الاستشاري الوطني. وعنى ذلك أنه على الرغم من وجود تشريع على الورق يسمح بالتمويل، فإنه لا توجد هيئة مشكّلة قانونياً لمراجعة بروتوكولات الأبحاث. ومن دون المراجعة، لا يمكن أن يقدّم التمويل. لذا فإن انتهاء الإجازة عنى نهاية الأبحاث المموّلة اتحادياً. وفي غضون ذلك، ليس هناك قوانين اتحادية منهجية تحكم أبحاث الخصوبة والتطوّر في العيادات الخاصة.

في سنة 1988، قرّرت "معاهد الصحة الوطنية" إنشاء فريق داخلي، فريق أبحاث غرس الأنسجة الجنينية البشرية. أكّد الفريق أن أخلاقيات الإجهاض يمكن فصلها عن المقولات بشأن استخدام النسيج الجنيني لعلاج الأمراض، وصوّت لصالح أن تموّل "معاهد الصحة الوطنية" أبحاث الأجنّة وجاءت النتيجة 18 مقابل 3.

بيد أن وزير الصحة والخدمات الإنسانية، وهي الوزارة التي تشرف على "معاهد الصحة الوطنية"، وافق على مقولات الأعضاء الثلاثة المحافظين بأن الأبحاث ستزيد الحافز للإجهاض وبالتالي عدد عمليات الإجهاض ومدّد وقف الأبحاث على الأجنّة.

 

وكان الرئيس جورج بوش الأب قد أيّد الوزير ونقض مساعي الكونغرس لإنهاء الوقف والسماح بالأبحاث بتمويل حكومي. وقد ركّزت بعض المقولات المضادّة في الكونغرس على تفضيل بقاء مثل هذه الأبحاث في أيدي القطاع العام بدلاً من خضوعها لسيطرة الشركات الخاصة.

أصدر الرئيس كلينتون بعد تسلّمه منصبه أمراً تنفيذياً برفع الوقف في أوائل سنة 1993. وفي سنة 1994 دعم فريق داخلي من "معاهد الصحة الوطنية" الأبحاث، لكن الرئيس كلينتون عكس موقفه السابق استجابة للضغط العام. عبّر اختصاصي البيولوجيا رونالد غرين، وكان في عداد فريق "معاهد الصحة الوطنية"، عن اشمئزازه من تغيّر موقف كلينتون. وتقدّم روايته عن حروب الأجنّة خلال التسعينات نظرة من الداخل على "دوامة الخلاف" وتعرض نافذة عميقة الفكر عن القضية إلى جانب السماح بالأبحاث ودعمها بالتمويل العام.

كان تقرير اللجنة الوطنية الاستشارية للأخلاقيات البيولوجية المبكّر قد أوصى بحذر التمويل الحكومي لأبحاث الأجنّة، بما في ذلك دعم اشتقاق الخلايا الجذعية الجنينية والخلايا المنتشة الجنينية البشرية. لكن اللجنة أصرّت على شرطين وقيدين رئيسيين. يجب السماح بمصدرين فقط من المصادر المتاحة حالياً لمثل هذه الخلايا، وتحديداً الأنسجة الجنينية الميتة بالفعل والأجنّة (حُدّدت بأنها بيوض مخصّبة بدأت بالانقسام ولديها القدرة على أن تصبح بشراً) المتبقية بعد معالجات الإخصاب – المصادر التي استخدمها غيرهارت وتومسون بالضبط.

عرضت اللجنة أيضاً توصيات عن كيفية الحصول على الخلايا الجذعية وما أفضل أنواع إجراءات الموافقة القائمة على المعلومات. على سبيل المثال، يجب ألا تباع الأنسجة الجنينية أو تشترى البتة. أخيراً، للتحقّق من أن جميع الأبحاث المموّلة اتحادياً تتوافق مع المبادئ الأخلاقية المقبولة، يجب أن يكون هناك "نظام ملائم ومفتوح للإشراف والمراجعة الوطنية".

 

عقدت جماعات واشنطن الأخرى، بما فيها أكاديمية العلوم الوطنية والجمعية الأميركية لتقدّم العلوم، جلسات استماع أيضاً، وجمعت الآراء، وأصدرت تقارير، مثلما فعلت "معاهد الصحة الوطنية"، وتوصّل الجميع إلى توصيات متماثلة. وبما أن التشريع الذي يقيّد إنشاء الأجنّة أو إجراء التجارب عليها باستخدام أموال اتحادية لم يحظر الأبحاث على الأجنّة باستخدام أموال خاصة أو من مانحين، فإن قيادة "معاهد الصحة الوطنية" قبلت هذا التفسير وأعلنت أنها ستبدأ بقبول اقتراحات الهبات المخصصة لأبحاث الخلايا الجذعية الجنينية البشرية.

عندما أصدرت وزارة الصحة والخدمات الإنسانية حكماً في كانون الثاني/ يناير 1999 بأن في وسع "معاهد الصحة الوطنية" السماح بإجراء مثل هذه الأبحاث، اعترض الجمهور على الفور وبصوت مرتفع. وقد ثارت عصبية الباحثين بسبب المعارضة، إلى جانب أن جورج دبليو بوش كان يعلن في حملته للرئاسة أنه يعارض أبحاث الأجنّة البشرية، بما في ذلك أبحاث الخلايا الجذعية البشرية. فأبدت قلة قليلة الرغبة في تولي مشروعات جديدة يمكن أن توقفها القوى السياسية.

وهدّد بعض الباحثين بمغادرة الولايات المتحدة إلى بلدان أخرى، مثل المملكة المتحدة، حيث يسمح صراحة بأبحاث الخلايا الجذعية الجنينية. وأشار آخرون إلى الفرص التي ستفقد إذا لم تجرَ الأبحاث وحثّوا الكونعرس على التمويل الصريح للمضي قدماً.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى