البيولوجيا وعلوم الحياة

الطرق المختلفة لتكاثر الطفيليات داخل جسم الإنسان ووسائل الوقاية منها

1995 موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء السادس

مؤسسة الكويت للتقدم العلمي

الطفيليات طرق تكاثر الطفيليات وسائل الوقاية من الطفيليات البيولوجيا وعلوم الحياة

كان يعيش في الكوفة، رجل اسمه طُفَيل بن زُلال. وكان طفيلٌ هذا نَهِماً يحب الطعام حباً جما، ولا يشبع منه. فكان إذا سمع بأن واحداً من الناس يعد وليمة أو عُرساً، أسرع فحشـر نفسه بين الحاضرين دون أن يدعوَه أحد أو يرحِّبَ به أحد.

ولذلك كرهه الناس وأسمَوْه «طُفَيْلَ الأعراس». ثم أصبح الناس إذا رأوا إنساناً فيه هذه الخصلة الذميمة أسموه «طفيلياً» وقالوا: إن «التطفل» صفة كريهة يجب ألا يأتيَها من يحترم نفسَه ويحبٌّ ألا يكرهَه الناس ويحتقروه.

ويعيش معنا على الأرض أكثر من مليون نوع من أنواع الحيوان. وكلٌّ منها يسعى إلى أن يوفر لنفسه المَسْكَنَ الذي يحميه، والغذاء الذي يعيش عليه.

ولكن بعض أنواع الحيوان صغار الأحجام تلجأ إلى حيوانات أكبر منها حجماً، فتعيش محتمية بها وقد تعتمد عليها في غذائها، ولذلك هي تذكرنا بطفيل بن زلال، فنسميها «طفيليات». أما الكائن الكبير الذي يعولها وتعتمد عليه فنسميه «عائلاً» أو «مُضيفاً».

 

ولكن علماء الأحياء يدرسون هذه العلاقات بين الكائنات دراسة دقيقة. فإذا وجدوا كائناً صغيراً يعيش مع كائن كبير، قالوا: إن هذه علاقة «معايشة»، ولم يتسرعوا فيسموها تطفلاً. أما إذا كان الكائن الصغير يحصل على غذائه من عائله دون أن يؤذيَه، قالوا: إن هذه علاقة «مؤاكلة».

وأما إذا اكتشفوا أن الصغير ومضيفه يتبادلان النفع، وصفوا هذه العلاقة بأنها «تبادلية». ونحن هنا سوف نتحدث عن علاقة «التطفل» بمعناها العلمي المحدَّد، أي عندما يؤذي الطفيلي عائِله أذىً واضحاً.

ومن الطفيليات ما يتطفل على السطح الخارجي لجسم عائله، كالبعوض و البرغوث و البق، فتوصف بأنها «طفيليات خارجية».

 

ومنها «طفيليات داخلية» تنفذ إلى داخل جسم العائل، لتعيش في خلاياه أو أنسجة أعضائه أو تجاويفه وأوعيته.

وإنك إذا فحصلتَ محتويات أمعاء أي حيوان، بالعين المجردة، ثم بالعدسة، ثم بالمجهر، تعجَّبْتَ من العدد الهائل للكائنات الحية التي تعيش فيها. ولكن معظم هذه الكائنات – ولله الحمد – ليس من الطفيليات المؤذية.

وينتمي معظم الطفيليات الحيوانية إلى الحيوانات الأولية، كالكائنات المسببة للزحار الأميبي والملاريا ومرض النوم. والديدان، كالأنواع المسببة للبلهارسيا والأنكلستوما ومرض الفيل. والمَفْصليَّات، ككثير من أنواع الحشرات والقراد والحَلم.

 

والمعروف أيضاً أن جميع الفيروسات وكثير من البكتيريا و الفُطر يعيش متطفلاً على غيره من الكائنات.

والطفيليات مكيفة تكيفاً رائعاً لهذا الأسلوب من الحياة. فهي غالباً ما تكون مزوَّدة بمِمَصَّات تلصقها بأجسام عوائلها، أو تستخدم بعضها في امتصاص غذائها منها، أو أشواك كالخطاطيف تثبتها في أنسجته، وذلك كما في رأس دودة لحم الخنزير الشريطية.

ولكثير منها زوائد دقيقة حادة. تستخدمه في اختراق أجسام عوائلها لدخولها، أو لعمل ثقب تمتص دماءها من خلاله

 

ولما كانت الطفيليات تحصل على غذائها من عائلها مهضوماً، لم تكن في حاجة إلى جهاز هضميّ مُعَقَّد، بل إن الديدان الشريطية قد استغنت تماماً عن أجهزتها الهضمية، فليس لها فم ولا أمعاء، وإنما تمتص الغذاء السائل المهضوم من سطح جسمها كله!

كذلك ليس لمعظم الطفيليات الداخلية عيون، ولا أعضاء حركة قوية، فهي في غِنىً عن هذه الحواس والأعضاء. وهي تعيش مستقرة في داخل جسم عائلها.

وحياة التطفل ليست كلها سهلة آمنة. فللعائل طرق كثيرة يحمي بها نفسَه ويحاول القضاء على طفيلياته

 

فالطفيليّ حجمه ضئيل جداً بالنسبة لحجم عائله، كما أن كثيراً من أفراده يموت في معركة الحياة، وعندما يتعرض للظروف الخارجية القاسية حين يضطر إلى ترك عائله. ولهذه الأسباب تحرص الطفيليات على أن تتكاثر وتزداد أعدادها ازدياداً هائلاً.

تَصَوَّرْ أن أنثى ديدان الأسكارس، التي تعيش في أمعاء الإنسان والحيوان قد تضع في اليوم الواحد نحو مئتي ألف (200000) بيضة تخرج مع براز المصاب، لتنتقلَّ إلى أفراد آخرين. ولكن كثيراً من هذا البيض سوف يقضي عليه الجفاف وغيره من العوامل غير المواتية.

والواقع أن عدداً قليلاً جداً من هذا البيض هو الذي سوف يصل إلى عوائل جديدة، وينجح في إتمام حياته بها.

 

وفضلاً عن حاجة الطفيليت الشديدة إلى زيادة عدد أبنائها، عليها أيضاً أن تجد طرقاً جيدة، كي تنتقل بها من عائل إلى عائل، وإلا قُضِيَ عليها بالفناء مع عوائلها التي تعيش بداخلها حين تموت هذه العوائل.

فالأسكارس (وكذلك الدودة الدبوسية) تنتشر عن طريق خروج بيضها من فرد على أمل أن يبتلعه فرد آخر، كما ذكرنا. أما قريبتها الأنكلستوما فهي أكثر نشاطاً واجتهاداً. فبيضها يفقس في التربة، وتخرج منه يرقات تنتظر حتى يقترب منها عائل جديد، فتخترق جلده. ولكن الدودتين لا تتكاثران إلا في داخل الإنسان.

 

أما ديدان البلهارسيا فيخرج بيضها من الإنسان. وفي الماء تخرج من البيض يرقات تسبح حتى تعثر على قوقع، فتخترق جلده الطري، وفيه تتكاثر لتكوِّن يرقات كثيرةً تتركه سابحة في الماء حتى تعثر على إنسان سيء الحظ فتخترقَ جلده. فالقوقع هنا «عائل متوسط».

والدودة الكبدية أيضاً عائلها المتوسط قوقع. أما طفيليات الملاريا، التي تعيش وتتكاثر في كبد الإنسان وفي دمه، فلا تستطيع أن تتركه إلا إذا لدغت هذا الإنسان بعوضة وامتصت دمه.

وفي البعوضة تتكاثر الطفيليات أيضاً، حتى تبلغ طوراً معدياً تنقله البعوضة إلى فرد جديد حين تلدغه. فالبعوضة هنا عائل متوسط وناقل يتطوع بنقل الطفيليات من إنسان إلى إنسان.

وهكذا تكون للطفيليات المختلفة «دورات حياة» متنوعة، ولكنها جميعَها تحقق بقاء الطفيلي وانتشارَه. وكثيراً ما يتحول الطفيلي من طور إلى طور في مراحل دورة حياته المتتالية، حتى يتكيف لظروف حياته في كل حالة

 

وتلجأ الطفيليات إلى حِيَل كثيرة لكي تبلغ عوائلها. ومن أعجب ألأمثلة على ذلك نوع من الديدان يعيش في كبد الخراف، وعائله المتوسط قوقع.

ولكن هذا القوقع لا يعيش في الماء، وإنما على النباتات على اليابسة. وتخرج يرقات الطفيليّ من القوقع في كُرَاتٍ من المخاط تحميها من الجفاف، ويحب النمل هذه الكرات، فيأكلها.

ويأمل الطفيليّ أن يأكل خروف واحدة من هذا النمل، فيصل الطفيلي إليه. والمشكلة أن الخراف ترعى غذاءها في آخر النهار قبيل الغروب، وأوله بعد الفجر.

 

وفي هذين الوقتين بالذات يكون النمل نائماً في عشه! ولكن العجيب أن الطفيلي يؤثِّر في الجهاز العصبي للنملة المصابة فلا تعود مع أخواتها إلى العش، بل تظل طول الليل متمسكة بأوراق النباتات العليا بأسنانها. وهكذا يمكن أن يأكلها الخروف، فيصل الطفيليّ إلى غايته!.

وتؤذي الطفيليات عوائلها بصور مختلفة، وخصوصاً بنُفاياتها وإفرازاتها السامة، أو بتمزيق أنسجة جسمه وإفسادها وإصابتها بالنَّزْف والقروح، أو بحرمان الجسم من بعض المواد الضرورية لحياته، أو بسدِّ بعض القنوات فيه، أو بإحداث التهابات قد تؤدِّي إلى تكوين أورام، أو بإزعاج عوائلها ومضايقتهم.

وتعالج الإصابة بالطفيليات بالعقاقير التي تقضي عليها أو توقف نموَّها وتكاثرها، أو تصلح ما فسد من أجسام عوائلها. كذلك تُقَاوَمُ الطفيليات بالحدِّ من انتشارها، بالقضاء على عوائلها الوسيطة، كالقواقع، والناقلة كالبعوض. وهذا هو أهم وسائل مكافحتها.

 

كذلك يجب علينا أن نُجَنِّبَ أنفسنا الإصابة بها، بعد أن ندرس دورات حياتها، فنعرف كيف ومتى يحتمل أن تصيبنا.

وينبغي أن نحرص على تحصين أنفسنا من الأنواع التي استطاع العلماء أن يُعدُّوا طعوماً وأمصالاً واقية منها.

ولكن أهم وسائل الوقاية عموماً هي: نظافةُ طعامنا وشرابنا، والعنايةُ بنظافة أيدينا ونظافة أبداننا، واتباعُ العادات الصحية السليمة، وتَجَنُّبُ الأماكن الموبوءة والمياه المُلَوَّثة، أي باختصار النظافة والطهارة. وديننا الحنيف يفرض علينا ذلك، ويعلمنا إياه.

[KSAGRelatedArticles] [ASPDRelatedArticles]

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى