الدماغ

داخِل عقل عبقري

ماذا يحدث داخل أدمغة من يتمتعون بقدرات عقلية استثنائية حقًا، ولماذا هم أذكياء إلى هذا الحد؟ يزودنا التحليل الجيني ودماغ آينشتاين ببعض الإجابات

بقلم:  مون-كيت لوي

عندما توفي ألبرت آينشتاين، أصبح دماغه مادةً للفضول العلمي. في الأشهر التي تلت وفاة الفيزيائي الشهير في العام 1955، شرّحه عالم الباثولوجيا توماس هارفي Thomas Harvey إلى 240 كتلة. وعلى مر السنين، وزّع عينات من الأنسجة والصور على مجموعة مختارة من العلماء، وبمرور الوقت بدأت تظهر دلائل صغيرة على عبقرية آينشتاين.
البشرية مفتونة تمامًا بالذكاء، ولسبب وجيه- فمعدل الذكاء المرتفع يرتبط بوظائف أفضل، ودخل أعلى، وصحة جيدة، إضافةً إلى انخفاض خطر التعرُّض للحوادث أو الوفاة المبكرة. في العام 1904، لاحظ عالم النفس الإنجليزي تشارلز سبيرمان Charles Spearman أن درجات طلاب المدارس الثانوية في مواد مختلفة تميل إلى التجمع حول المجموعة نفسها من الأطفال – فالذين كانوا جيدين في الرياضيات كانوا غالبًا جيدين في اللغة الإنجليزية أيضًا. واقترح وجود عامل مشترك، أطلق عليه اسم «g» أو الذكاء العام، يمكن أن يفسر بعض الفروق في القدرات العقلية بين الناس.

هل كنت تعلم؟ يحتوي الدماغ البشري على 86 بليون عصبون.

على الرغم من كونها مثيرة للجدل ولا تزال محل نقاش حتى اليوم، فلا تزال هذه النظرية قائمة إلى حد كبير – مع وجود أدلة تشير إلى أن مهارات مختلفة، مثل سرعة التفكير، والقدرة اللفظية، والمنطق العددي، والتفكير المكاني، تكون جميعها مرتفعة لدى بعض الأفراد. وإذا تمكنا من معرفة ما يؤثر في العامل «g»، فقد نتمكن من فهم ما يجعل العباقرة أكثر ذكاءً من الشخص العادي، وربما يساعدنا ذلك على تعزيز قدراتنا وقدرات أطفالنا.
المشكلة الجوهرية هي أن الذكاء، كما هي الحال مع معظم الأمور المتعلقة بالدماغ، أمر معقَّد. لطالما اعتُقد أن حجم الدماغ يؤدي دورًا في معدل الذكاء، وعلى رغم وجود ارتباط معين، فإن الحجم الأكبر لا يعني بالضرورة الأفضل. ومن أولى النتائج التي ظهرت من تشريح جثة آينشتاين أن دماغه كان أصغر من المتوسط، إذ كان وزنه أقل بنحو 200 غم من المعدل الطبيعي البالغ 1,400 غم.

هل كنت تعلم؟ لا يمثل العمر عائقًا أمام التألق – فقد انضم أصغر عضو إلى جمعية منسا Mensa في عمر سنتين ونصف السنة.

حقيقة عن العبقرية #01

معدل الذكاء Intelligence Quotient (اختصارًا: المعدل IQ) هو المقياس الشائع للقدرات العقلية. فهو يقارن القدرة الذهنية للفرد مع أقرانه – فمثلًا، هل يؤدي الطفل البالغ من العمر 10سنوات أداءً مماثلًا للأطفال الآخرين في العمر نفسه، أو أفضل، أو أسوأ؟

ما نعرفه هو أن للجينات دورًا كبيرًا في الذكاء. وتشير التقديرات إلى أن ما بين 50 و70% من ذكائك يُورَّث من والديك. وتُظهر الدراسات التي أُجريت على الأطفال المتبنَّين أنه، على رغم أن معدل ذكاء الطفل قد يتفاوت، فإنه يؤول في النهاية إلى أن يكون أقرب إلى معدل ذكاء والدته البيولوجية منه إلى والدته بالتبني.

الفطرة أو التنشئة: الجدل الكبير

هل يعود السبب الرئيسي في العبقرية إلى الجينات أو إلى البيئة؟

البروفيسور روبرت بلومين
Professor Robert Plomin
كلية كينغز لندن

 

 

أرجح الاحتمالات بالنسبة إليه هو أن معدل الذكاء المرتفع جدًا سيكون وراثيًا بالدرجة نفسها التي تُمثلها الإعاقاتُ الذهنية والفروق الفردية في التوزيع الطبيعي [للذكاء بين أفراد المجتمع]. أعتقد أننا نتحدث عن أن ما لا يقل عن نصف الفروق بين الناس تعود إلى اختلافاتهم الجينية.

 

البروفيسورة دين فولك
Professor Dean Falk
جامعة ولاية فلوريدا

 

 

وُلد آينشتاين بدماغ جيد وجينات ممتازة تدعمه، لكنه أيضًا نشأ في عائلة رعته وسمحت له بأن يتابع اهتماماته الفكرية. وأعتقد أن هناك عددًا كبيرًا من الأشخاص في كل جيل يمتلكون القدر نفسه من الموهبة الوراثية التي امتلكها آينشتاين، لكن الأمر يتطلب توافر مجموعة مناسبة من الظروف، ويشمل ذلك العوامل البيئية أيضًا.

عالم الباثولوجيا توماس هارفي مع دماغ آينشتاين
هناك عديد من العوامل، مثل تاريخ الميلاد والنظام الغذائي، التي يمكن أن تؤثر في معدل ذكاء الطفل

 

 

 

 

 

 

 

”لطالما اعتُقد أن حجم الدماغ يؤدي دورًا في معدل الذكاء، وعلى رغم وجود ارتباط معين، فإن الحجم الأكبر لا يعني بالضرورة الأفضل“

 

ومع ذلك، فإن قليلًا من العلماء يدرسون الجينات في الطرف الأعلى من الذكاء – إذ يركِّز معظمهم على الطرف الأدنى، مثل حالات الإعاقات الذهنية، ربما لأن التأثيرات تكون أوضح وأسهل في التمييز، ولأنها تمثل قضية اجتماعية أشد إلحاحًا. ومع ذلك، فقد قَبِل البروفيسور روبرت بلومين Robert Plomin من كلية كينغز في لندن هذا التحدي. ففي ولاية آيوا، يُقام مخيم صيفي يجمع الأطفال الموهوبين أكاديميًا، والذين يبلغ متوسط معدل ذكائهم 160 – وهو ما يعادل ذكاء شخصيات مثل آينشتاين وستيفن هوكينغ Stephen Hawking، مما يشكِّل فرصة مثالية لدراسة جينات العباقرة.
بمقارنة الحمض النووي DNA لخمسين طفلًا من أعمار وخلفيات متقاربة، مسح فريق بلومين 1,800 واسمة جينية Genetic markers، لم يبرز منها إلا قليل. كان تأثيرها ضئيلًا- إذ لم يُشكل المرشحون الستة الأقوى مجتمعين سوى %1، في أحسن الأحوال، من التأثير في معدل الذكاء.

هل كنت تعلم؟  يشكِّل الدماغ البشري %2 من وزن الإنسان

مثل الطول والوزن، يُعَد الذكاء جزءًا من لغز «الوراثة المفقودة». فنحن نعلم أنه قابل للوراثة بدرجة عالية – أي إنه يُنقل بقدر كبير بين الأجيال – لكن من الصعب تحديد الجينات المسؤولة عنه. يقول البروفيسور بلومين: «يمكننا تفسير ما بين 5 و%10 من الوراثة، لكن معظمها لا يزال مفقودًا. لا يمكننا حتى الآن تحديد الجينات المحددة المكتنفة، ويعتقد معظم الناس أن السبب هو أن تأثيراتها ضئيلة جدًا إلى درجة أنك تحتاج إلى عينات ضخمة لاكتشافها». وبالنسبة إلى بلومين، فإن القصة تتعلق بمئات، وربما آلاف، من الجينات التي تؤثر في الذكاء، وهنا يأتي مشروعه الجديد. إذ يجمع أحدث فريق له 2,000 من ألمع الأشخاص في أمريكا، الذين اختيروا من دراسة الشباب المتفوقين في الرياضيات Study of Mathematically Precocious Youth (اختصارًا: الدراسة SMPY)، وهي مبادرة بدأت منذ العام 1972 لتجنيد عباقرة الرياضيات.

هل كنت تعلم؟ جمعية غيغا Giga Society هي المجموعة الأكثر تميزًا لأصحاب الذكاء العالي، إذ يبلغ عدد أعضائها 9 أعضاء فقط حول العالم.

 

أين يكمن الذكاء في الدماغ

المناطق التي تحدِّد معدل ذكائنا

بينما تسلط بنية دماغ آينشتاين بعض الضوء على الدماغ والذكاء، تتعمق أبحاث أخرى في عقول مجموعة أكبر بكثير من الناس. إحدى هذه الدراسات حلَّلت أدمغة نحو 200 من المحاربين القدامى في حرب فيتنام، والذين تعرضوا لأضرار في مناطق محددة جدًا من الدماغ نتيجة إصابات نافذة في الرأس. وقد أجرى علماء الأعصاب في الولايات المتحدة فحوص التصوير المقطعي المحوسب Computerized tomography (اختصارًا: التصوير CT) لأدمغة هؤلاء المحاربين، ثم قدموا للمتطوعين سلسلة من الاختبارات الإدراكية.
ومن خلال مقارنة قدرات الجنود السابقين الذين تعرضت أدمغتهم لأضرار في منطقة محددة مع أولئك الذين لم يتعرضوا لمثل هذه الأضرار، تمكَّن الباحثون من تحديد المناطق المرتبطة بالقدرات الإدراكية التي تسهم في الذكاء. يقول آرون باربي Aaron Barbey من جامعة إلينوي، الذي قاد الدراسة: «وجدنا أن الذكاء العام يعتمد على نظام عصبي محدود بشكل ملحوظ. كانت عدة مناطقَ في الدماغ، والروابط بينها، هي الأكثر أهمية للذكاء العام».
تقع هذه المناطق بشكل رئيسي في القشرة الجبهية Frontal cortex، خلف الجبهة؛ والقشرة الصدغية Temporal cortex، خلف الأذن؛ والقشرة الجدارية Parietal cortex في الجزء العلوي الخلفي من الرأس. كما تُعَد المسارات البيضاء في الدماغ – وهي الروابط بعيدة المدى بين هذه المناطق المختلفة – ذات أهمية كبيرة أيضًا.

حقيقة عن العبقرية #02

أدنى معدل ذكاء يُشترط لتصنيف الشخص كعبقري لا يزال محلَّ جدل. غالبًا ما يُعتبَر أن هذا التصنيف يبدأ من درجة 140، بينما يرى البعض أنه يبدأ من 160. أما الانضمام إلى فرع جمعية مينسا في المملكة المتحدة، فيتطلب الحصول على درجة 132 في اختبار الذكاء المحايد ثقافيًا Culture Fair IQ Test.

أظهرت أبحاثٌ أحدث أجراها باربي على المحاربين القدامى أن كلًا من القشرة الجبهية والقشرة الجدارية تشتركان أيضًا في الذكاء العاطفي Emotional intelligence- أي القدرة على تقييم المشاعر والتحكم فيها، سواء كانت مشاعرك الشخصية أو مشاعر الآخرين. وهذا يُظهر مدى الترابط الوثيق بين الذكاء العام والذكاء العاطفي داخلَ العقل.

 

1 المنطقة التنفيذية Executive Zone

ترتبط المناطق الصفراء تحديدًا بالوظائف التنفيذية.

2 وظيفة مزدوجة DUAL-FUNCTION

المناطق الدماغية المظلَّلة باللون الأحمر تشارك في كل من الذكاء العام والوظائف التنفيذية – أي القدرة على تنظيم السلوك والتحكم فيه.

3 الوظيفة العامة GENERAL PURPOSE

تتعلق المناطق المظللة باللون البرتقالي بالذكاء العام.

 

قد تؤدي العوامل الوراثية دورًا

عباقرة الأطفال المصمَّمين وراثيًا

هل ينبغي اختيار الأجنة التي تتمتع بمعدل ذكاء أعلى؟ قد تتيح تقنيات تعديل الجينات في المستقبل للعلماء إمكانية تغيير «الموروث الجيني» Genetic endowment. لكن في الوقت الحالي، لا يمكننا فعلُ كثير سوى تقديم فحوص للكشف عن حالات مثل متلازمة داونDown’s syndrome. فالأمر ليس بسيطًا كاختبار الأجنة لاختيار الأعلى ذكاءً، إذ من المرجح أن هناك آلاف الجينات التي تسهم في الذكاء، مما يجعل اختيار أفضل توليفة منها أمرًا معقدًا جدًا.
يقول البروفيسور جوليان سافوليسكوJulian Savulescu من جامعة أكسفورد: «كلما زاد عدد الأجنة التي تنتجها، زادت قدرتك على اختيار مجموعة من الجينات ذات التأثيرات الصغيرة التي تتضافر لتُحدث تأثيرًا كبيرًا». لكنه يوضح أن الأمر يتطلب آلاف الأجنة للاختيار من بينها – وهو أمر يثير جدلًا أخلاقيًا، كما أنه محدود عمليًّا، نظرًا إلى أن دورة واحدة من التلقيح الصناعي لا تُنتج أكثر من 20 جنينًا. لكنه يعتقد أننا نتحمل «واجبًا أخلاقيًا» لضمان أن يتمتع أطفالنا بأكبر قدر ممكن من المواهب، بأمان، من خلال استخدام العلم.
قد يكون لهذا تأثير أوسع في السكان – فقد توصلت دراسة أمريكية إلى أن زيادةً بمقدار 3 نقاط في معدل الذكاء لدى السكان ككل يمكن أن تقلل من معدلات الفقر بنسبة تصل إلى %25، ومن عدد الذكور في السجون بنسبة %25 أيضًا، بينما تضيف %1.5 إلى الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد الأمريكي.
اكتشفت دراسات سافوليسكو أن أعلى مستويات الذكاء ترتبط بأربعة أضعاف معدل الابتكار مقارنة بالذكاء المتوسط. ويقول: «هذا يدعم إلى حدٍّ ما فكرة أن العبقرية صفة مفيدة اجتماعيًا، فضلًا عن كونها تعزز رفاهية الفرد على الأرجح؛ ومن ثم هناك أسباب وجيهة لاختيار الأجنة وراثيًّا أو تحسينها لامتلاك معدل ذكاء أعلى».

وقد نظروا في بيانات مئات الآلاف من الأشخاص الذين جُمعت معلوماتهم منذ ذلك العام، ثم اختاروا بضعة آلاف منهم ممن يتمتعون بأعلى معدل ذكاء على الإطلاق من تلك العينة الرفيعة، وحصلوا على عينات من الحمض النووي DNA منهم منذ بضع سنوات»، كما يقول بلومين.
تتمثل الفكرة في أن الذكاء، مثل الطول والوزن، يتبع توزيعًا «طبيعيًّا» – فإذا رسمت معدل الذكاء لسكان معينين على رسم بياني، فستحصل على منحنى يشبه الجرس، حيث يتمركز معظم الناس حول الوسط، ويقل العدد تدريجيًا عند الطرفين الأدنى والأعلى. ومن خلال دراسة النهايتين الأكثر تطرفًا في هذا المقياس، قد نحصل على دلائل حول الجينات التي تؤثر سلبًا أو إيجابًا في الذكاء.

حقيقة عن العبقرية #03

يُقال إن أعلى معدل ذكاء مسجل يعود لويليام جيمس سيديس William James Sidis، وهو طفل نابغة يتمتع بقدرات استثنائية في الرياضيات واللغات، ويُقال إن معدل ذكائه كان يتراوح بين 250 و300. ومع ذلك، فقد فُقدت جميع سجلات الاختبارات
منذ ذلك الحين.

يقول بلومين: «لا نبحث عن جينات العبقرية، بل عن جينات الذكاء، فيما نأمُل أن يكون عينة غنية بالآثار الإيجابية للجينات». يتعاون الفريق حاليًا مع دراسة صينية للعباقرة يُديرها معهد بكين لعلم الجينوم في العاصمة الصينية بكين، من أجل تحليل تسلسُل العينات على أمل العثور على بعض الجينات، رغم أن بلومين لا يتوقع اكتشافاتٍ مذهلة أو أدلة قاطعة.
ويضيف: «تتمثل فرضيتي في أن الأداء الوظيفي الفائق يتطلب امتلاك معظمِ الطفرات الجينية الإيجابية، وعددٍ قليل فقط من الطفرات السلبية». فالطفرات الجينية غالبًا ما تكون سلبية، وفي أفضل الأحوال لا يكون لها أي تأثير. أما أصحاب معدلات الذكاء المرتفعة، فمن المرجح أنهم لا يمتلكون طفرات «عبقرية»، بل لديهم عدد أقل من الطفرات السلبية، مثل تلك التي تسبب إعاقات عقلية. ويضيف بلومين: «الأفراد الأعلى أداءً وظيفيًا يختلفون عنّا من حيث الكم، لا النوع. إنها الجينات نفسها، لكنهم تلقَّوا مجموعة وراثية كانت معظمها «طفرات إيجابية» وقليل جدًا منها سلبية.

”لا نبحث عن جينات العبقرية، بل عن جينات الذكاء“

ليس كل شخص يمتلك عقلية رياضية
هل كنت تعلم؟ قبل 5,000 سنة، كانت أدمغة البشر أكبر مما هي عليه اليوم بنحو 150 سم3
تُزوِّدنا تقنيات المسح الحديثة اليومَ برؤى جديدة حول بنية الدماغ والذكاء

حقيقة عن العبقرية #04

ادّعى آينشتاين أنه كان يفكر بالصور بدلًا من الكلمات. ويمكن تخيُّل نظريته في النسبية العامة من خلال صورة كرة بولينغ موضوعة على ترامبولين، حيث تتدحرج كرة صغيرة حول الانخفاض الذي تخلقه كرة البولينغ.

يعتقد بعض العلماء الآخرين أن البحث عن الجينات ليس هو الأسلوبَ الصحيح. فعندما يتعلق الأمر بالذكاء، تشير معظم الأبحاث التربوية إلى أن العوامل الاجتماعية تمارس دورًا كبيرًا. وعلى الرغم من أن الذكاء يمكن توريثه بدرجة عالية، فإن امتلاك المخطط الجيني وحده لا يكفي – بل المهم هو ما تفعله به، وكيف تنفذه، وتحت أي ظروف. وكما قال الكاتب ديفيد شينك David Shenk، مؤلف كتاب «العبقرية في داخلنا جميعًا» The Genius in All of Us، نحن مثل صناديق الموسيقى: جيناتنا لا تبرمجنا لعزف لحن واحد؛ بل ما يحدث بعد الولادة هو ما يختار الأسطوانة.

هل كنت تعلم؟ لا توجد مستقبِلات للألم في الدماغ
عادةً ما يمتلك العباقرة عددًا أقل من الطفرات الجينية السلبية، وليس بالضرورة عددًا أكبر من الطفرات الإيجابية

”القشرة مقدم الجبهية مهمة بنحوٍ خاص للتفكير في المستقبل، وتخيُّل السيناريوهات، ووضع الخطط“

يُعيدنا هذا إلى آينشتاين، إذ جاءت بعضٌ من أحدث الاكتشافات حول دماغه من عالمة الأنثروبولوجيا التطورية بجامعة فلوريدا، دين فولكDean Falk، وزملائها في العام 2013. تعتقد فولك أن ما جعل عبقرية آينشتاين تتألّق هو «فضولُه الطبيعي تجاه العالم»، وعائلة شجَّعته على تنمية هذا الفضول.
كانت لدى آينشتاين عائلة غذَّت فضوله، وسمحت له بطريقة غير متسلطة بأن يتابع اهتماماتِه الفكرية. لقد ترك المدرسة في مرحلة ما – لأنه كان يشعر بالملل – لكن ذلك لم يكن مشكلة. كان لديه عمٌّ ووالدٌ يهتمّان بالجوانب التقنية، مما جعله يتعرَّض للأشياء الميكانيكية، وأمٌّ حرصت على أن يتلقى تدريبًا في الموسيقى. وهكذا توافرت له بيئة ساعدته على برمجة مساره الفكري بنفسه.
من خلال فحص صور لم تُرَ من قبل من مجموعة توماس هارفي، اكتشفت فولك أن أنماط دماغ آينشتاين، وخصوصًا القشرة الدماغية – وهي الجزء الخارجي المتجعد – كانت معقدة بشكل غير معتاد، مما منحها مساحةً سطحية أكبر من المعتاد.

حقيقة عن العبقرية #05

في كل عام، تفاجئ مؤسسة ماك آرثر MacArthur Foundation مجموعة من الأفراد بمِنَح تُعرف باسم «منح العباقرة» Genius Grants. تختار لجنة التحكيم أشخاصًا من مختلف المجالات ممن «يُظهرون جدارة استثنائية ووعدًا بمواصلة وتطوير العمل الإبداعي».

يحتوي الجزء الأمامي من الدماغ البشري على القشرة مقدم الجبهية، وهي ضرورية للتخطيط وتخيُّل السيناريوهات

تقول فولك: «القشرة مقدم الجبهية Prefrontal cortex مهمة بنحو خاص للتفكير في المستقبل، وتخيُّل السيناريوهات، ووضع الخطط. كان دماغ آينشتاين استثنائيًا – يمكننا أن نلاحظ ذلك بمجرد النظر إلى سطحه». ربما ساهمت هذه الخصائص في تجاربه الفكرية الشهيرة، مثل مطاردة شعاع ضوء، وركوب مصعد في حالة سقوط حر، والانطلاق بسرعة بجوار برج ساعة داخل ترام، وهي أفكار ساعدته على تطوير رؤيته الجديدة حول الفضاء والزمن والجاذبية.

هل كنت تعلم؟ كان فرانسيس غالتون Francis Galton أولَ من حاول اختبار معدل الذكاء

 

 

بالطبع، كما تقول فولك: «يجب أن تمتلك معدات جيدة من البَدء. لقد وُلد آينشتاين بدماغ جيد وجينات جيدة تدعمه؛ لكن الفضول هو العامل الأساسي، والسعي وراء الأسئلة التي تنبع بنمط طبيعي من الفرد هو ما يصنع الفارق».

كُن عبقريًا ببعض التغييرات

… أو على الأقل حسِّن معدل ذكائك إلى حد ما

يُحدِث النظام الغذائي فرقًا في مستوى الذكاء، خاصة في مرحلة الطفولة. فقد كشفت دراسات أُجريت خلال الحرب العالمية الثانية أن سوء التغذية يمكن أن يؤثر بمقدار كبير في القدرات العقلية. وفي دراسة أُجريت في العام 2010 على أطفال في مدينة بريستول بالمملكة المتحدة، تبيَّن أن النظام الغذائي الصحي الذي يتضمن المعكرونة والسلطات والفواكه يرتبط بزيادة طفيفة في معدل الذكاء، بينما يؤدي النظام الغذائي غير الصحي إلى نتائج عكسية. كما أظهرت دراسات أخرى أن تعزيز النظام الغذائي بالفيتامينات والمعادن يساهم في رفع درجات الاختبارات.
للموسيقى تأثير إيجابي في الذكاء. فقد أفادت دراسات أُجريت في ثمانينيات القرن العشرين أن تشغيل موسيقى موتسارت للنساء الحوامل بدا كأنه يؤدي إلى تطور النطق الواضح لدى الأطفال. وتُظهر الصور المقطعية لأدمغة الشبان أن الأطفال الذين تعلموا العزف على آلة موسيقية قبل سن السابعة يمتلكون مناطق دماغية أكثر سماكة ترتبط بمهارات اللغة والوظائف التنفيذية. كما كشفت دراسات أخرى أن الذين تلقوا دروسًا موسيقية في سن مبكرة لديهم تشابك عصبي أكثر تطورًا في المادة البيضاء التي تربط بين نصفي الدماغ الأيمن والأيسر.
هناك أدلة متباينة على أن ألعاب تدريب الدماغ يمكن أن تزيد من الذكاء. فلقد تعاون برنامج «سقوط النظرية» Bang Goes the Theory لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC) مع باحثين من جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة لمتابعة 11,000 بالغ على مدار 6 أسابيع في أثناء خضوعهم لسلسلة من الاختبارات الإلكترونية. وعلى الرغم من وجود تأثير طفيف، خلص الباحثون إلى أن هذا يعود إلى ازدياد إلمامِهم بالألعاب، وليس إلى أي زيادة طويلة الأمد في «الذكاء السائل» Fluid intelligence. وهناك أدلة على أن هذه الألعاب قد تُحسِّن الذاكرة قصيرة المدى.
وأخيرًا، يمكن أن يكون لتاريخ الميلاد تأثير في الذكاء. فالأطفال الذين يُولدون في شهر سبتمبر، في مطلع العام الدراسي في المملكة المتحدة، يحققون نتائج أفضل في الاختبارات. كما أظهرت دراسة شملت 240,000 نرويجي أن الطفل الأكبر في الأسرة يمتلك معدلَ ذكاء أعلى في المتوسط. ولم يكن ترتيب الولادة هو العامل الحاسم، بل إن الطريقة التي يُربى بها الطفل الأكبر كانت هي المؤثرة.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى